المقالاتسلايدر الرئيسيةمقالات النفطنفط

نجل مؤسس أوبك يكتب لـ"الطاقة": السبب الحقيقي لتأسيس المنظمة هو التخلّص من اعتمادها على النفط

كان الطريقي شخصًا مرحًا وعميقًا وسريع التفكير

د. خوان ببلو بيريز كاستيو

تعليق من "الطاقة"

المقال أدناه يبيّن أن رؤية 2030 في السعودية، والخطط الأخرى في الدول النفطية، تعيد هذه البلاد إلى الهدف الأساس لأوبك، الذي يوضّحه د. خوان ببلو بيريز كاستيو، وهو ابن صاحب فكرة أوبك، وشريك الشيخ عبد الله الطريقي في تأسيس أوبك، د. خوان ببلو بيريز ألفونسو.

والكاتب خبير مشهور في أروقة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وفي أميركا اللاتينية في الاقتصاد والتنمية والنفط.

 

د. خوان ببلو بيريز كاستيو*

عندما طُلب منّي كتابة بضع كلمات عن أوبك، في الذكرى الستّين لتأسيسها، كان أوّل ما يتبادر إلى الذهن هو سؤال: هل يعرف الناس سبب إنشائها، ولأيّ غرض؟ وما الذي كان يدور في أذهان مؤسّسيها؟ هل حقّقت توقّعات مؤسّسيها؟ هل امتثلت لسبب وجودها؟

تعليقي مبنيّ على ما أتذكّره وأفسّره من محادثاتي مع أحد مؤسّسيها، والذي يُطلَق عليه غالبًا "أبو أوبك"، خوان بابلو بيريز ألفونسو، والدي البيولوجي، وقراءاتي لكتاباته.

قبل نحو 35 عامًا من صياغته وتطبيقه للمبادئ التي شكّلت السياسة النفطية الفنزويلّية، والتي أُطلق عليها اسم "البنتاغون النفطي"، مع منظّمة أوبك كونها أساسًا للتنسيق، كان والدي تلميذًا مثابرًا للسلوك البشري بكلّ مظاهره. كان قارئًا نهمًا طوال حياته، وفي سنواته الأخيرة، قلّل من قراءاته عن النفط، للتركيز على الأطفال، مستقبل البشريّة، والبيئة، والتغيّر التكنولوجي، باحثًا عن معرفة جديدة لفهمها، وتعديل أفكاره وأفعاله وفقًا لذلك.

عقلاني للغاية، وأيّ قرارات يجب أن تكون نتيجة المنطق، بعيدة عن العاطفة، وفقط بعد النظر في جميع الحقائق والحجج المضادّة. كان هدفه الرئيس في الحياة هو محاربة الظلم، ولا يقتصر ذلك على الإسراف في استغلال الموارد الطبيعية، لكن الظلم في عدم العدالة في الدخل، وعدم المساواة في الثروة، الناشئ عن هيكل وعمل النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

وعلى الرغم من أن هدفه المباشر كان تقليل اعتماد أعضاء أوبك على عائدات النفط والقضاء عليه، في نهاية المطاف ، كان هدفه الرئيس -على المدى الطويل- هو تحسين ظروف الحياة الاقتصادية والاجتماعية للفقراء والمهمّشين في فنزويلا، وجميع البلدان النامية الأخرى في العالم: الوصول إلى مجتمع مدني حرّ، يقرّر الناس فيه مصيرهم بأنفسهم، في ظلّ ظروف تكافؤ الفرص الحقيقية (وليس الرسمية أو القانونية) للجميع. ومن هذا المنطلق، كان يعتقد أن أوبك يجب أن تمثّل جميع البلدان المتخلّفة، وتتصرّف وفقًا لذلك.

خوان بيريز الفونسو، أبو أوبك
خوان بيريز ألفونسو، صاحب فكرة أوبك وأحد مؤسسيها

لقد عبّر عن الكثير من أفكاره أو فلسفته التي كانت وراء سياسته النفطية، منذ عام 1947، عندما كتب -بصفته وزيرًا للتنمية (التي شملت النفط وجميع الموارد الطبيعية الأخرى)- مقدّمة التقرير السنوي إلى الكونغرس (الفنزويلّي)، مشيرًا إلى إنجازات الحكومة في ذلك العام:

"كلّ هذه التغيّرات التي تمثّل بداية حقبة جديدة في تاريخنا، إنجازات مادّية. ولكن أهمّ تغيّر هو التغيير الروحي الذي يحرّك التغيير المادّي. الحرّية الاقتصادية، أكثر من أيّ شيء آخر، فكرة، هدف.. لتكون حرًّا وتتصرّف على هذا النحو. إنّه قرار التصرّف على الإطلاق، مع اليقين بالاستقلالية، والضمانة الأكثر فعالية للحرّية. إن قيود العبودية ماهي إلّا مكمّل لروح الهزيمة."

تعني الأسطر المقتبسة أعلاه، بالنسبة لي، أنّه دون التحرّر من التبعيّة والفقر، لا يمكن لشعوب أيّ أمّة أن تستفيد من إمكاناتها، وأن تدرك نفسها من خلال عملها، وتنتج لكسب رزقها، ومن ثمّ، فإن اعتبار أنفسهم محظوظين وأثرياء، استنادًا إلى الهبة التي يجري الحصول عليها بالصدفة دون عمل، يقلّل -وربّما ينكرون- الحاجة أو السبب المتصوّر ليكونوا أحرارًا، ويتصرّفون على هذا النحو.

وتأكيدًا لأفكاره، تجاوز الأعراف التقليدية المألوفة في التقارير الرسمية، وكتب عبارة لألبرت تشويتزر:

" الحرّية المادّية والروحيّة متّحدتان بشكل وثيق. الحضارة تفترض حرّية الانسان، لأن البشر الأحرار -فقط- هم القادرون على التفكير، وتحقيق ما يمكنهم تحقيقه وفق إمكاناتهم".

ما ورد أعلاه، وأمور أخرى، قادني إلى فهم سبب تمكّنه من تكوين صداقة وثيقة، وتفاهم مع عبد الله الطريقي، شريكه في تأسيس منظّمة أوبك، والذي أتيحت لي الفرصة بمعرفته، في عام 1960، خلال الأيّام التي استغرقتها القيادة، من نيو أورلينز (حيث كنت أدرس للحصول على درجة الدكتوراه في الاقتصاد، ودكتوراه في القانون) إلى المؤتمر السنوي لمنتجي تكساس المستقلّين، والعودة، حيث أعلنوا عن تشكيل أوبك من خلال مناقشة وشرح الدور المهمّ والمؤثّر لمفوّضية سكّة حديد تكساس.

كان الطريقي شخصًا مرحًا وعميقًا وسريع التفكير، وكانت اهتماماته الاجتماعية والسياسية تجعله يشارك أفكار والدي حول الدور الأساسي لأوبك، ولكن الأهمّ من ذلك، تقاسم دور بلدانهما بصفتهما عضوين قياديين في المنظّمة التي ستولد.

بناءً على ما سبق، وحسب قناعتي، لا يمكنني اعتبار أوبك نجاحًا بعد 60 عامًا من وجودها. لقد فشل أعضاؤها، بشكل فردي وجماعي، في الحدّ من اعتمادهم على النفط، على أساس فعّال ومستدام، ولم يحسّنوا الظروف المعيشية للفقراء والمهمّشين بشكل ملحوظ، على أساس دائم ومستدام. ومن خلال ما أراه من دول أوبك، أعمّم ذلك، ليشمل بقيّة البلدان الفقيرة والمتخلّفة على كوكبنا.

بالنظر إلى السؤال الذي بدأتً به تعليقي، من المهمّ أن نفهم أن إنشاء أوبك، بصفتها منظّمة للدفاع عن – أو رفع- سعر النفط، وسيطرة أعضائها على مواردهم الطبيعية، كان مجرّد أمر فوري، وإن كان دائمًا وفعّالًا. لكنّه لم يكن السبب الأسمى لإنشائها. الهدف النهائي هو تحرير أعضائها من الاعتماد على النفط، ليس من أجلها، بل لغرض تنمية بلدانهم بطرق من شأنها تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية بشكل دائم ومستدام لهم، ولا سيّما الفقراء والمهمّشين.

لم يُحَقَّق هذا الهدف بعدـ ويجب أن يظلّ هو الهدف الرئيس لأوبك، واليوم أكثر إلحاحًا من 60 عامًا، بسبب التغييرات التي حدثت منذ ذلك الحين. يواجه النفط اليوم تحدّيًا انتقاليًّا ناتجًا عن التغيّر التكنولوجي الدائم، مع احتمال حقيقي للضغط على الطلب (والسعر) في مسار هبوطي بشكل دائم وكبير، في المستقبل غير البعيد. في مواجهة هذا الاحتمال الرهيب، لابدّ لأوبك من تحقيق سبب وجودها، حتّى تتمكّن الأجيال القادمة من التعليق بارتياح بأن مشروع بيريز ألفونسو و الطريقي وآخرين، يمكن عَدُّه ناجحًا في الامتثال لسببه الحقيقي. وكلّ ما له من آثار وتداعيات.

* خبير اقتصادي وقانوني متخصّص في شؤون التنمية والنفط

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق