تغيير نموذج تسيير عملاق النفط الجزائري سوناطراك
قرارات حاسمة داخل الشركة للمنافسة العالمية
الجزائر: آلاء عبيد
- تقييم تسيير "سوناطراك" الجزائرية الأسبوع القادم
- 15 مكتبا للشركة الجزائرية للمحروقات بالخارج
- إقتناء "سوناطراك" لمصفاة "أوغستا" يشعل فتيل الإنتقادات
شملت خطّة الإنعاش الاقتصادي، التي تعمل الحكومة الجزائرية على مناقشتها هذه الأيّام، وبشكل أساس، قطاع الطاقة، حيث وجّه الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، المنتخب في شهر ديسمبر/كانون الأوّل الماضي، لمباشرة عملية معاينة معمّقة على مستوى الشركة الجزائرية للمحروقات "سوناطراك"، قصد تقييم ممتلكاتها، وخفض عدد مكاتبها بالخارج، بالإضافة إلى تقليص مناصب المسؤولية التي لا ترتبط بأداء و مردود الشركة، و الانتقال من تسيير ولي عهده إلى محاسبة تحليلية سليمة.
تقييم تسيير سوناطراك
قال وزير الطاقة الجزائري، عبد المجيد عطار، خلال لقائه مع الإذاعة الرسمية الجزائرية: إن "تقييم تسيير مجمّع سوناطراك، سيكون بداية من الأسبوع القادم، ويهدف لتخفيض النفقات والتكلفة"، موضّحًا: "سنعمل على إحداث ثورة في تسيير وإنتاج سوناطراك، لتعزيز مكانة سوناطراك في العالم، خاصّةً في الدول الإفريقيّة".
وأكّد عطار: "ورقة طريقنا هي إعادة تنظيم شركة سوناطراك عبر فروعها كافّةً"، وفيما يخصّ تداعيات فيروس كورونا على قطاع الطاقة في الجزائر، قال: إن " إنتاج مجمّع سوناطراك تأثّر كثيرًا بسبب تداعيات فيروس كورونا"، أمّا فيما يخصّ الخطّة التي ستنتهجها وزارة الطاقة الجزائرية في الفترة القادمة، فقد قال: "لدينا خطّة لتحقيق الأمن الطاقوي حتّى سنة 2060"، مضيفًا: "تُقدَّر إحتياطات الجزائر بأكثر من 2.4 مليار طنّ من البترول، تسمح لنا بضمان الأمن الطاقوي لغاية 2050".
تقليص مكاتب سوناطراك في الخارج
أجبرت الأزمة الاقتصادية الحاليّة، و كذلك تداعيات تراجع عائدات النفط و الغاز خلال جائحة فيروس كورونا، الحكومة الجزائرية على خفض الإنفاق العامّ، بما في ذلك قطاع الطاقة، إذن ستضطرّ "سوناطراك" -عقب تعليمات رئيس البلاد- إلى خفض تمثيلياتها في الخارج، و الممثّلة في 15 مكتبًا تستحوذ عليها سوناطراك، ويشرف عليها ما لا يقلّ عن (10) موظّفين تابعين للشركة، في حين تُدار مكاتب منها من داخل الجزائر، على غرار مكتب سوناطراك في سويسرا، الذي يجري الإشراف عليه من الجزائر، في حين يشير خبراء جزائريّون إلى أن هذا التمثيل له علاقة بالمصالح الحيويّة للشركة، مع أبرز شركاء شركة النفط الجزائرية، و يتعلّق الأمر بكلّ من إيطاليا وإسبانيا وتونس، ناهيك عن وجود مشاريع استثمارية في الخارج، ترتكز عليها سوناطراك من أجل التموقع في الأسواق الطاقوية العالمية، على غرار إنجلترا، وسويسرا، والبيرو.
تعليمات السلطات الجزائرية، فيما يخصّ عملاق النفط الجزائري "سوناطراك"، جاءت حسب المتتبّعين، لتزيل الغموض الذي يكتنف طريقة تسيير أكبر مؤسّسة طاقوية جزائرية، و التي شهدت -في وقت سابق- العديد من التجاوزات، كانت محلّ متابعات و إدانات قضائية في السنوات السابقة، على غرار قضيّة "سوناطراك1"، و "سوناطراك2"، وكان آخرها قضيّة مصفاة "أوغستا" ، كلّها عوامل فرضت على السلطات الجزائرية إعادة هيكلة "سوناطراك" الحكومية، وإصرارها على تحوّلات عميقة من أجل التأقلم مع التحدّيات التي تواجه الدولة الجزائرية، في ظلّ استمرار الأزمات الاقتصادية العالمية الحاليّة.
مصفاة أوغستا.. الصفقة الجدل
في ديسمبر/ كانون الأوّل 2018، أعلنت سوناطراك الجزائرية عن استحواذها على المصفاة النفطية "أوغستا"، الواقعة في جزيرة صقلّية الإيطاليّة، والتي كانت مملوكة للعملاق النفطي الأميركي "إكسون موبيل"، مقابل ما يقارب مليار دولار أميركي، وشملت الصفقة إضافة للمصفاة، 3 مستودعات نفطيّة في باليرمو ونابولي وأوغستا، إضافةً إلى خطّ أنابيب لنقل النفط بين المصفاة والمستودعات.
تبلغ طاقة المصفاة 10 ملايين طنّ سنويًا، والتي كانت تأمل الجزائر -من خلالها- أن تنتج نحو 5 ملايين طنّ وقود سنويًا، بحلول نهاية عام 2019، لتصبح ثاني أكبر مصفاة لسوناطراك، بعد المصفاة الموجودة في ميناء سكيكدة النفطي شرقي البلاد، و التي تبلغ طاقتها السنوية 16 مليون طنّ، غير أن هذه الصفقة لاقت اعتراضًا من الكثيرين، مقابل دفاع الحكومة الجزائرية والقائمين على قطاع الطاقة عنها آنذاك، تحوّلت "أوغستا" لأحد أكبر القضايا الطاقوية المثيرة للجدل في الجزائر، بسبب تكلفتها التي عدّها بعضهم مرتفعة، بالنظر إلى قدم المنشأة ، أمر طرح بشأنه متتبّعو القضية تساؤلات، للتأخّر الكبير في دخول المصفاة حيّز الخدمة، بحجج وتبريرات تحدّثت عنها سوناطراك.
القضاء الجزائري يفتح تحقيقاته
وبعد سنتين عن إعلان شركة سوناطراك عن عقدها للصفقة المثيرة للجدل، تحرّك القضاء الجزائري عبر محكمة "بئر مراد رايس" في العاصمة الجزائرية، مطلع شهر يوليو الجاري، لفتح تحقيقات من أجل تحديد المسؤوليّات في قضيّة اقتناء المصفاة النفطيّة "أوغستا"، بعد أن طفت إلى السطح شبهات فساد. حيث ذكرت تقارير إعلامية محلّية، أن النيابة القضائية بالمحكمة قامت بوضع مسؤول سابق بمجمّع سوناطراك رهن الاعتقال المؤقّت، بتهمة تبديد المال العامّ، واستغلال وظيفته. حيث تأخّر دخول المصفاة الخدمة كثيرًا، بعد حيازة سوناطراك عليها، والتي برّرت ذلك -حسب وسائل إعلامية جزائرية- باضطرارها لاستبدال تجهيزات تكرير النفط في المصفاة بالكامل.
تحدٍّ حقيقي لسوناطراك
تعليمات السلطات الجزائرية كان لها الردّ الفعلي والسريع، والاستجابة الفورية، من مسيّري شركة سوناطراك، التي خرج مسؤولوها ببيان، يؤكّدون فيه أن الشركة ستسخّر كلّ الوسائل لتحقيق الأهداف التي حدّدتها السلطات، فيما يتعلّق بتحديث إدارتها، وتحسين كفاءتها التشغيلية، و قدرتها التنافسية.
حيث جاء في البيان: "إن قرارات رئيس الجمهورية المتّخذة في مجلس الوزراء الأخير، تؤكّد مرّة أخرى الاهتمام الذي توليه السلطات العليا لسوناطراك ومستقبلها، والتي تهدف إلى تفعيل أنشطة المجمّع من خلال تسطير أهداف لتحديث طرق تسييره، وتحسين كفاءته التشغيلية وقدرته التنافسية، وتعزيز موارده البشرية، التي تمثّل ثروته الحقيقية ". وأضاف البيان: "سوناطراك تنخرط تمامًا في رؤية الدولة، التي تصبو -بشكل خاصّ- لتعزيز الاحتياطيات من المحروقات، وحشد مقدّرات الاكتشافات لزيادة مستويات الإنتاج، وتطوير أنشطة التحويل لتثمين الموارد الطاقوية للبلاد، و عقلنة الإنفاق وترشيده، من أجل تعزيز قدرة المجمّع على الصمود، وضمان ربحيّته و استدامته".
لتكون هذه الخطوات فرصة حقيقية للشركة من أجل تصحيح اختلالاتها، و تدارك الأخطاء السابقة، وتصويب مسارها، كونها أحد أبرز المؤسّسات الحكومية في الجزائر، التي تلعب دورًا قياديًا في نموّ الحركة الاقتصادية الجزائرية، خصوصًا في الظرف الراهن التي تعوّل فيه حكومة البلاد على القطاع الطاقوي، إذ يشير المختصّون أن سوناطراك تقف أمام تحدٍّ أوجب عليها أن تركّز كل قدراتها على الأهداف الجديدة المسطّرة لرفع طاقتها الإنتاجية، والذهاب إلى الانتقال الطاقوي بكلّ فعالية، وولوج عالم الطاقات المتجدّدة والطاقات البديلة، والاقتصاد الأخضر، بعد أن وجد عملاق النفط الجزائري نفسه في الفترة الحاليّة التي تقود فيها الجزائر حكومة جديدة، عُيِّنَت مطلع العام الجاري، في مرحلة انتقالية جدّ حسّاسة، و التي تسعى إلى إعادة هيكلتها، والتحكّم والتقليل من تكاليفها، لتحقيق المردود المرجوّ منها.