قمة الاتحاد الإفريقي.. هل تحرك المياه الراكدة في أزمة سد النهضة؟
مصر والسودان وإثيوبيا تتفق على استئناف المحادثات
- تأجيل ملء السد الشهر المقبل لحين التوصل إلى اتفاق
- السيسي: كل الأطراف تعهدت بعدم اتخاذ قرار منفرد بملء السد دون اتفاق نهائي
- حمدوك: استئناف المفاوضات من خلال لجنة فنية لصياغة اتفاق نهائي
- وزير المياه الإثيوبي: قررنا وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق خلال 3 أسابيع بدعم من الاتحاد الإفريقي
- إثيوبيا تعلق طموحاتها التنموية على السد ومصر تخشى آثاره المدمرة على البلاد
- السودان يلعب دورا رئيسيا في التقريب بين القاهرة وأديس أبابا بعد انهيار محادثات بوساطة أميركية
حازم العمدة
بعد أسابيع من الشد والجذب وتصاعد التوترات بشأن سد النهضة الإثيوبي المثير للجدل، يبدو أن قمة الاتحاد الإفريقي التي عقدت الجمعة بتقنية الفيديو جاءت لتحرك المياه الراكدة في هذه الأزمة، ليظهر شعاع ضوء في نهاية النفق المظلم وتتجه البوصلة من جديد صوب القنوات الدبلوماسية لحسم هذا الملف الحيوي ونزع فتيل هذه المعضلة القابلة للانفجار.
اتفق قادة مصر والسودان وإثيوبيا في وقت متأخر الجمعة على العودة إلى المحادثات الهادفة إلى التوصل إلى اتفاق بشأن سد إثيوبيا الكهرومائي الجديد على النيل الأزرق، وفقا لبيانات من الدول الثلاث.
وفي وقت مبكر من صباح السبت، أكد سيليشي بيكيلي، وزير المياه والطاقة الإثيوبي، أن الدول الثلاث قررت خلال قمة الاتحاد الإفريقي استئناف المفاوضات المتوقفة ووضع اللمسات الأخيرة على اتفاق بشأن المشروع الضخم المثير للجدل في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، بدعم من الاتحاد الإفريقي.
يأتي هذا الإعلان بعد أسابيع من الخطابات العدائية وتصاعد التوترات حول سد النهضة الإثيوبي الكبير الذي تبلغ تكلفته 4.6 مليار دولار، والذي تعهدت إثيوبيا ببدء ملئه في بداية موسم الأمطار في يوليو/تموز.
وقالت مصر والسودان إن إثيوبيا ستمتنع عن ملء السد الشهر المقبل لحين التوصل إلى اتفاق. ولم تعلق إثيوبيا صراحة على بداية فترة ملء السد.
علقت إثيوبيا طموحاتها التنموية على السد الهائل، واصفة إياه بأنه شريان الحياة الحاسم لإخراج الملايين من الفقر.
وتخشى مصر، التي تعتمد على النيل في أكثر من 70% من إمداداتها المائية وتواجه بالفعل ضغوطا مائية عالية، أن يكون للسد تأثير مدمر على ازدهار سكانها البالغ 100 مليون نسمة.
وساطة سودانية
ولعب السودان، الذي يعتمد أيضًا على نهر النيل، دورًا رئيسيًا في التقريب بين الجانبين بعد انهيار المحادثات بوساطة أميركية في فبراير/شباط.
في الأسبوع الماضي فقط ، حذر وزير الخارجية الإثيوبي جدو أندارخاشيو من أن بلاده قد تبدأ في ملء خزان السد من جانب واحد، بعد فشل الجولة الأخيرة من المحادثات مع مصر والسودان في التوصل إلى اتفاق يحكم كيفية ملء السد وتشغيله.
بعد مؤتمر بالفيديو للاتحاد الإفريقي برئاسة جنوب إفريقيا في وقت متأخر الجمعة، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن "جميع الأطراف" تعهدت بعدم اتخاذ "أي إجراء أحادي الجانب" بملء السد دون اتفاق نهائي، وفقا للمتحدث باسم الرئاسة المصرية، بسام راضي.
وأشار رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك إلى أن الأزمة بين دول حوض النيل شهدت تطورا، بقوله إن الدول وافقت على استئناف المفاوضات من خلال لجنة فنية بهدف إنهاء الاتفاق في غضون أسبوعين.
وأضاف بيان حمدوك أن اثيوبيا لن تملأ السد قبل التوقيع على الاتفاق الذي طال انتظاره.
وقال رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي محمد إن الدول "وافقت على عملية يقودها الاتحاد الإفريقي لحل القضايا العالقة" دون الخوض في تفاصيل.
كانت النقاط الشائكة في المحادثات هي كمية المياه التي ستطلقها إثيوبيا في اتجاه مجرى النهر من السد في حالة حدوث جفاف لعدة سنوات وكيف ستحل إثيوبيا ومصر والسودان أي خلافات مستقبلية.
وناشدت كل من مصر والسودان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التدخل في النزاع المستمر منذ سنوات ومساعدة الدول على تجنب الأزمة. ومن المقرر أن يعقد المجلس جلسة علنية بشأن القضية الاثنين.
وفي هذا السياق، شمل التوافق بين الدول الثلاث إرسال خطاب بهذا المضمون إلى مجلس الأمن باعتباره جهة الاختصاص لأخذه في الاعتبار عند انعقاد جلسته لمناقشة قضية سد النهضة.
منعطف حرج
يمكن لملء السد دون اتفاق أن يؤدي بالمواجهة إلى منعطف حرج. وألمحت كل من مصر وإثيوبيا إلى اتخاذ خطوات عسكرية لحماية مصالحهما، ويخشى الخبراء أن يؤدي انهيار المحادثات إلى صراع مفتوح.
وتعتقد الحكومة الإثيوبية أن الطاقة الكهرومائية هي مفتاح مستقبل الطاقة في البلاد، بينما تخشى مصر من تأثيرها على إمداداتها من المياه، الأمر الذي قد يؤدي إلى بور جزء من أراضيها الزراعية الخصبة ويهدد حياة الملايين.
يهدف سد النهضة الإثيوبي الكبير إلى معالجة فقر الطاقة في البلاد، كما تقول أديس أبابا، وسوف يُنتج –عند اكتماله– طاقة أكثر من أي سد آخر في إفريقيا، ويجري بناء سد النهضة في منطقة بني شنقول- قماز في إثيوبيا، بعد الحدود السودانية مباشرة صوب المنبع، المقرر أن يبلغ ارتفاعه 145 مترًا، أي بقدر ارتفاع شلالات فيكتوريا مرة ونصف، مما يجعله أعلى سد في أفريقيا.
ويحتوي خزانه على 74 مليار متر مكعب من الماء، أي تقريبًا 13 ضعف استهلاك إثيوبيا السنوي من المياه، وتتوقع الحكومة الإثيوبية أن ينتج السد 6 غيغاوات من الطاقة عندما يبلغ الإنتاج ذروته، وهذا سيضاعف إنتاج إثيوبيا من الكهرباء –الذي يبلغ حاليًّا أقل من 3 غيغاوات– بثلاث مرات تقريبًا.
تأثيرات سلبية محليا
وغالبًا ما ينقسم الرأي حول مشاريع الطاقة الكهرومائية، من ناحية، يمكنها توفير طاقة نظيفة وفيرة لنحو 50 عامًا دون صيانات مكلفة، وعلى خلاف مصادر الطاقة المتجددة الأخرى، مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، فهي تنتج الطاقة بشكل مستمر.
لكن التكاليف الأولية لتصميم السدود الكبيرة، مثل سد النهضة، وتأثير ذلك على السكان المحليين قد يكون قاسيًا، خاصة بالنسبة لأولئك المهجرين من منازلهم، وفي حالة سد النهضة، يمكن أيضًا أن تتأثر اقتصادات دول المصب والتنوع الحيوي فيها، يتضمن ذلك مصر والسودان.
وتستهلك مصر أكثر من 70 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، 55 مليارًا من مياه النيل (أي ما يتجاوز 80% من المياه العذبة المستهلكة)، ومن المياه المعاد تدويرها ما يقرب من 12 مليار متر مكعب، وتحل المياه الجوفية في المرتبة الأخيرة بواقع 6 مليارات متر مكعب. وبحسب البنك الدولي، يُستهلك 85% منها في الزراعة، التي تُستهلك غالبية منتجاتها في الأسواق المصرية. و3% من المياه تُستخدم في الصناعة، وما يقرب من 12% تستخدم في الشرب والاستخدام المنزلي.
ويشكل نصيب الفرد من المياه العذبة 20 مترًا مكعب سنويًّا، وبذلك تحل مصر في المرتبة الرابعة عالميًّا من ناحية الشح المائي للفرد بعد الكويت والبحرين والإمارات، وبذلك تتذيل قائمة دول حوض النيل من ناحية نصيب الفرد في المياه، حيث تتصدرها الكونغو بواقع 49 ألف متر مكعب وإثيوبيا بواقع 1200 متر مكعب للفرد.
أما إذا احتسبنا نصيب الفرد من ناحية وفرة المياه في مصر، فيقترب من 550 مترًا مكعبًا وهي مرحلة الشح المائي، حيث يُحدد عالميًّا 1000 متر مكعب نصيب الفرد من المياه في جميع مجالات الزراعة والصناعة والاستخدام المنزلي، ويُعتبر حد الندرة المائي عالميًّا عند 500 متر مكعب للفرد، وهو ما تقترب منه مصر في المرحلة الحالية، مع تضخم عدد السكان وشح المياه المتوقع من وراء السد الإثيوبي، وتراجع هطول الأمطار بقدر يصل إلى 18% في دول المنبع بسبب التغيرات المناخية.
الآثار المحتملة
يمكن أن يحد سد النهضة، إلى حد كبير، من افتقار ثلاثة أرباع الإثيوبيين تقريبًا إلى الكهرباء، وستخفف طاقة السد من إزالة الغابات، من خلال توفير بديل للوقود، كالفحم والخشب، وتنتج الطاقة الكهرومائية انبعاثات كربون أقل من مصادر الطاقة الأخرى، يتضمن ذلك الوقود الأحفوري والوقود الحيوي.
غير أن سد النهضة يثير توترات بين إثيوبيا من جانب، ومصر والسودان على الجانب الآخر، بشأن إدارة مياه النيل المشتركة، الغني بالطمي، وشكك خبراء في كيفية استيعاب السد لهذا الطمي؛ لمنعه من تعطيل التشغيل.
قلة البيانات المتاحة بشأن التنوع الحيوي للنيل تجعل من الصعب التنبؤ بتأثير سد النهضة على البيئة الطبيعية.
ووفقًا للحكومة الإثيوبية، سيخفض السد من فقدان المياه، عبر التبخر من الأحواض التي تقع تجاه المصب، عن طريق خفض مستوى مياهها. لكن قلة البيانات المتاحة بشأن التنوع الحيوي الحالي للنيل تجعل من الصعب التنبؤ بتأثير سد النهضة على البيئة الطبيعية، وكجزء من المشروع، من المقرر إنشاء محمية طبيعية بالقرب من السد، لحماية التنوع البيولوجي، ويمكن أن يساعد السد في الحد من الجفاف والفيضانات، الناجمة عن تغير المناخ.
الزراعة الإثيوبية مطرية في الأساس، ومن شأنها أن تستفيد من منظومة ري تتحكم فيها سدود، من بينها سد النهضة، ويمكن أن يساعد سد النهضة على حل مشكلة الفيضان السنوي المدمر في السودان، الذي يسبب خسائر كبيرة للمحاصيل، غير أن الماء المحتجز من النيل أثناء ملء حوض السد قد يترك مصر غير قادرة على تعزيز زراعتها بالكامل. ووفقًا للحكومة الإثيوبية، سيطور السد، الصناعة المحلية ويوفر فرصًا للعمل، وقد يُهجِّر سد النهضة ومستودعه نحو 20 ألف شخصا.
خيارات ملء الخزان
أحد التحديات الملحة، في المشروع، يتمثل في إدارة تدفق المياه عبر سد النهضة الإثيوبي الكبير؛ لضمان الوفاء باحتياجات إثيوبيا ومصر والسودان كافة. ويُجري علماء في منظمة حكومية دولية، المكتب الفني الإقليمي للنيل الشرقي في إثيوبيا، تقييمًا للآثار المحتملة لمختلف أوقات ملء الخزان على تدفق المياه باتجاه المصب؛ بغرض إطلاع صناع القرار في الدول الثلاث على كيفية تأثر ري المحاصيل وإنتاج الطاقة التي تعتمد على النيل.
بالنظر إلى ما وراء النيل، لا تزال هناك إمكانات ضخمة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، فثمة ممرات مائية رئيسة أخرى لم يجرِ تسخيرها بعد في توفير الطاقة، يتضمن ذلك أنهار الكونغو والنيجر وأورانج والسنغال.
وعلى الرغم من أن التقدم في تطوير محطات الطاقة الكهرومائية كان محدودًا منذ عام 2010 –في أعقاب طفرة عام 2009، عندما شرعت عدة محطات في إنتاج الطاقة– ما زال كثير منها في طور التخطيط على أنهار إفريقيا الرئيسية، ويتضمن ذلك نهر الكونغو.
ولمجابهة هذه التحديات، تعمل منظمات الطاقة الكهرومائية الدولية وبنوك التنمية على تطوير معايير استدامة: وهي مبادئ توجيهية من شأنها تقييم الموارد المائية في القارة، وتقدير احتياجاتها من الطاقة، ويمكن أن تساعد كذلك على صياغة خطط الطاقة الكهرومائية المستقبلية في إفريقيا.