تقارير النفطرئيسيةسلايدر الرئيسية

فيروس كورونا يشلّ مشروعات طاقة عملاقة

حازم العمدة

مصارف كبرى ومؤسسات استثمار توقف تمويلها لمشروعات في مجال النفط.. عدد من مشروعات النفط الرملي في كندا والنفط الصخري في الولايات المتحدة تراوح مكانها، وكذلك الحال بالنسبة لمشاريع النفط الجديدة في المياه العميقة في البرازيل، وحقول النفط في منطقة القطب الشمالي.. ناهيك عن شبح الإفلاس الذي يطارد بعض الشركات.

يلخّص هذا المشهد كيف أن فيروس كورونا لا يضرب فقط إنتاج الطاقة ومبيعاتها، وإنما يمتدّ ليوقف مشروعات عملاقة وتوسّعات في مجال الطاقة.

علّقت العديد من مصارف ومؤسسات الاستثمار الكبرى تمويلاتها لمشاريع النفط والطاقة المكلفة، حيث فرّ المستثمرون الكبار الذين يديرون صناديق التقاعد والثروة، وحتى الأفراد، من أسهم شركات النفط والغاز في "بورصة وول ستريت" الأمريكية، والعديد من البورصات العالمية، بسبب الأداء السيئ للعوائد المتحققة منها، مقارنةً بقطاعات الاستثمار الأخرى.

ففي بورصة "وول ستريت" -على سبيل المثال- تراجعت المؤشرات الرئيسة بشكل مقلق، نتيجة تزايد المخاوف بشأن النمو الاقتصادي العالمي، المعرّض لمخاطر عالية، بسبب انتشار فيروس كورونا السريع.

قبل أيام، أُغلقت المؤشرات الأمريكية الثلاثة، إس آند بي 500 وداو جونز وناسداك، على تراجع بلغ أكثر من 10 %عن مستويات إغلاقها القياسية الأخيرة، مؤكدةً بذلك سيرها نحو تسجيل أسوأ أسبوع لها منذ الأزمة المالية العالمية لعام 2008.

ضربة أخرى تلقّتها سوق النفط، إذ هوَت الأسعار للجلسة السادسة على التوالي، الجمعة، لتسجّل أدنى مستوياتها في أكثر من عام، مكبّدةً العقود الآجلة أشد خسائرها في أسبوع واحد منذ 2016، مع تأجّج المخاوف من تأثر الطلب على الطاقة، بفعل تباطؤ الاقتصاد العالمي جراء فيروس كورونا.

وعلى مدار الأسبوع، فقد برنت نحو 14 % في أكبر خسارة أسبوعية له بالنسبة المئوية منذ يناير/ كانون الثاني 2016، في حين هبط خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي أكثر من 16% في أشد تراجع مئوي منذ يناير/ كانون الثاني 2008.

 

وقف التمويل

من أبرز المصارف ومؤسسات الاستثمار التي توقّفت عن ضخّ تمويلات جديدة في قطاع النفط ، مصرف "جي بي مورغان"، أكبر المصارف الأمريكية، حيث استغلّ اجتماعه السنوي الثلاثاء الماضي، لإعلان حظره لتقديم قروض جديدة لمشاريع تطوير حقول النفط والغاز في منطقة القطب الشمالي، ووضع المصرف سقفاً محدوداً لتمويل مشاريع الفحم الحجري.

في ديسمبر/ كانون أول، سبق مصرف "غولدمان ساكس" مصرف "جي بي مورغان" إلى هذه الخطوة.

متعلّلةً بمناصرة البيئة وحمايتها، أعلنت بعض المصارف وقف التمويلات الجديدة، لكن خبراء استثمار يؤكدون أن الأسباب الرئيسة وراء وقف التمويلات تعود إلى المخاوف من تكبّد خسائر ضخمة وسط تداعيات تفشّي فيروس كورونا على الطلب العالمي على الطاقة ومستقبل النمو الاقتصادي في الصين الذي يُعَدّ من أهم محدّدات الطلب على النفط والغاز الطبيعي.

ووفقًا لتقديرات خبير الاستثمار في مصرف "بانك أوف أميركا ـ ميريل لينش"، تيموثي ريكتس، فإن أسهم الطاقة تكبّدت أكبر خسائر خلال الشهور الأخيرة، وباتت الأسوأ أداءً بين القطاعات الأخرى في مؤشر "أس آند بي 500" منذ عقد الخمسينات الماضي.

صحيح أن شركات الطاقة الكبرى تثمّن نجاحاتها بحجم الاحتياطات من النفط والغاز التي تملكها، لكن المستثمر يحسب بما يدخل جيبه من عائد مالي من ارتفاعات أسهم الطاقة وأرباحها.

وما دامت أسهم شركات الطاقة لا تحقق له عوائد مجزية على المدى المتوسط، وحتى عام 2025، بحسب متوسط أسعار النفط التي وضعت لها معظم المصارف بين 50 إلى 70 دولاراً حتى عام 2025، فما الذي يدفعها للاستمرار في ذلك المجال؟

 

النفط الصخري والرملي

ومن بين مشاريع النفط والغاز المكلفة التي يحاصرها تفشّي فيروس كورونا في الوقت الراهن، حقول النفط الرملي في كندا، وصناعة النفط الصخري في أمريكا، ومشاريع النفط الجديدة في المياه العميقة في البرازيل، وحقول النفط والغاز في منطقة القطب الشمالي.

في بعض هذه المشروعات، تتجاوز تكلفة استخراج البرميل 65 دولاراً، ومن ثمّ فهي بعيدة جداً عن الجدوى الاستثمارية، وذلك مقارنة بالنفوط ذات التكلفة الرخيصة في العراق وبعض دول الخليج والتخمة النفطية المتزايدة في السوق النفطية وتوجّهات العالم نحو الطاقة المتجددة.

وفيما يتعلّق بالنفط الصخري الأمريكي، نشرت صحيفة (وول ستريت جورنال) تقريرًا مؤخرًا، أكدت فيه أن كثيرًا من شركات النفط الصخري تواجه حاليًا نقصًا في السيولة وأزمات في تمويلات جديدة، ما يحول دون بدء مشروعات جديدة، أو حتى استكمال مشروعات كانت قيد التنفيذ.

وفي حديثه لرويترز قال أوليفييه لو بوش،المدير التنفيذي لشلمبرجير، أكبر شركة في العالم لخدمات حقول النفط على هامش حدث صناعي في المملكة العربية السعودية، إنه يتوقع أن يؤدي توقّف المشروعات أو تأثّر تمويلها إلى تباطؤ نمو إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة إلى ما بين 600 ألف و700 ألف برميل يوميًا هذا العام، ونحو 200 ألف برميل يوميًا العام المقبل، مع استمرار انخفاض الأسعار.

 

إفلاسات

ومع تراجع أسعار خام غرب تكساس تحت حاجز 50 دولاراً، فإن الصعوبات المالية والإفلاسات داخل صناعة النفط الصخري ستواصل الارتفاع خلال الفترة المقبلة.

وتحت عنوان " فيروس كورونا يهدد قطاع النفط الصخري الأمريكي بالإفلاس"، كتب سيرغي مانوكوف، في موقع (إكسبرت أونلاين) الروسي يقول: " ما عجزت بعض الدول في أوبك عن القيام به، قبل عدة سنوات، أي إفلاس النفط الصخري الأمريكي، يبدو أن فيروس كورونا قادر تمامًا عليه".

ويضيف مانكوف، "بدأ ضغط كورونا يؤثر ليس فقط في الإنتاج، إنما في معدلات حفر الآبار الجديدة، علما بأن الخبراء يرون أن تأثير فيروس كورونا لم ينعكس بعد على المؤشرات الإحصائية. فالتغييرات في حفر الآبار وفي عدد منصات الحفر تسجّل، في أغلب الأحيان، بعد عدة أشهر من التغيرات الكبيرة في الأسعار. وهذا يعني أن التراجع الكبير في قطاع النفط الصخري لم يُسجّل بعد، بل سيحدث خلال الأشهر القليلة المقبلة، أي في الربيع وربما الصيف".

في هذا السياق، يقول تقرير أصدرته مؤخرًا شركة المحاماة الأمريكية "هاينز آند بون"، إن هنالك نحو 200 شركة تعمل في مجال النفط الصخري، أعلنت إفلاسها خلال الأعوام الأخيرة. وكذلك ترتفع معدلات الديون بين شركات النفط الصخري الصغرى، رغم ما تجده من دعم حكومي غير مباشر من إدارة الرئيس دونالد ترامب.

وتقدّر تكلفة البرميل ،وهي العامل الحاسم والمحدد بين الربح والخسارة لمعظم حقول النفط الصخري، خارج منطقة الحوض البرمي الغنية بالنفط، بنحو 50 دولاراً للبرميل.

أما بالنسبة إلى صناعة النفط الرملي في كندا، فمن غير المتوقع عودة الشركات للإنتاج خلال الأعوام المقبلة، بسبب الخسائر الباهظة المتوقعة تحت ظروف أسعار النفط المتدهورة حالياً.

 

حقول ألبرتا

ومع انخفاض خام غرب تكساس الوسيط إلى ما دون 50 دولارًا مؤخرًا، فإن خبير الطاقة في شركة الاستشارات الأمريكية "آي أتش أس"، كيفن بيرن، يرى أن مشاريع النفط في حقول ألبرتا في كندا، تحتاج سعراً لخام غرب تكساس لا يقلّ عن 65 دولاراً، حتى لا تتكبّد خسائر، وذلك وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" يوم الإثنين الماضي.

غير أن خبراء آخرين يضعون سعراً أعلى لتفادي الخسائر في مشاريع مثل "فرونتير" في كندا، تراوح بين 80 و85 دولاراً للبرميل.

وفي مقابل هذه الأسعار، تتوقع معظم تقديرات المصارف الاستثمارية أن تتراوح أسعار النفط من نوعية خام برنت بين 50 و70 دولاراً بين العام الجاري وعام 2025.

وهذا يعني أن حقول الغاز والنفط الرملي في كندا قد تنتظر لعقود أخرى حتى تتمكن من العودة للإنتاج. وتقع العديد من الاحتياطات النفطية في النرويج في مناطق بحرية عميقة، وسيكون استخراجها ونقلها مكلفَين ما لم ترتفع أسعار النفط إلى مستويات مئة دولار.

 

احتواء الفيروس

وسط هذه الظروف القاسية التي تعيشها الصناعة النفطية، فإن الرهان الاستثماري في مشاريع الطاقة المكلفة يعتمد على مدى قدرة الصين على السيطرة على فيروس كورونا. وحتى الآن تُراوح تقديرات تداعيات الفيروس على تراجع النمو الصيني بين 5.8 و5.5% على المستوى السنوي.

وفي تقييم أكثر تشاؤمًا، أصدر مصرف "مورغان ستانلي" الأمريكي، تقريرًا قبل أيام، توقّع فيه أن يتراجع النمو الاقتصادي في الصين إلى 3.5% خلال الربع الأول من العام الجاري، إذا لم تتمكّن السلطات الصينية من احتواء الفيروس بالسرعة المطلوبة، وعودة المصانع إلى مستويات التشغيل الطبيعي، بنهاية مارس/آذار المقبل.

ويتوقع أيضاً أن يتراجع الإنتاج الصناعي إلى معدلات تُراوح بين 60 إلى 80% خلال الربع الجاري.

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق