تحول الطاقة يزعزع استقرار قطاع خدمات ومعدات حقول النفط
نوار صبح
- تمتع قطاع النفط والغاز بنمو وازدهار مستدامين لعقود من الزمان.
- التحول العالمي المتسارع للطاقة أدى إلى زعزعة أسس قطاع خدمات ومعدات حقول النفط.
- اكتسبت شركات النفط الوطنية والشركات الإقليمية خبرة هائلة وبنت قدرات داخلية كبيرة.
- تبحث شركات النفط والغاز عن النمو خارج الأسواق الأساسية والاستثمار في قطاعات جديدة.
يشمل قطاع خدمات ومعدات حقول النفط (أو إف إس إي) أكثر من 40 سلسلة قيمة للقطاعات الفرعية وأكثر من 100 خدمة تقدمها آلاف الشركات بنماذج أعمال مختلفة، وقد شهد هذا القطاع تراجعًا متزايدًا لأكثر من عقد من الزمان.
وتمتع قطاع النفط والغاز بنمو وازدهار مستدامين لعقود من الزمان، بفضل مجموعة كبيرة من الإنجازات الهندسية واستقطاب الكوادر البشرية اللامعة ووفرة العائدات للمستثمرين وانخراط بعض أكبر الشركات في العالم، ناهيك بالتفاؤل الذي ساد فترات الركود التي مرّ بها القطاع.
ويتطلّع القطاع، بمن في ذلك المستثمرون والمنتجون والمستكشفون والشركات على امتداد سلسلة إمداد النفط والغاز، إلى مرحلة الانتعاش المقبلة والفرص الجديدة لتوليد المزيد من القيمة، وفقًا لمقال مطوّل نشره موقع "إنرجي فويس".
واهتم المقال، الذي شارك في كتابته 4 محللين ونشره موقع "إنرجي فويس"، قبل أيام، بتسليط الضوء على الآثار المترتبة على تحول الطاقة على قطاع خدمات ومعدات حقول النفط، وأساليب العمل المختلفة لدى الأسواق اعتمادًا على المناطق الجغرافية ونماذج الأعمال ودورات حياة الآبار.
وأشار كتّاب المقال إلى أن التحول العالمي الكبير والمتسارع للطاقة أدى إلى زعزعة أسس قطاع خدمات ومعدات حقول النفط، خلال العقد الماضي.
السياق التاريخي
يعاني قطاع خدمات ومعدات حقول النفط نقص الطلب على الخدمات الأساسية والمعدات التي حافظت على نموه على مدى 5 عقود، على الرغم من القدرات التي قدمتها الشركات في السنوات الأولى لبناء آبار النفط والغاز واستكمالها وإنتاجها، إذ لم تكن موجودة.
وظهر ذلك في سبعينيات القرن الماضي، عندما كانت شركات النفط الوطنية تتوسع لترسيخ استقلالها عن الشركاء الدوليين، لكن قطاع خدمات ومعدات حقول النفط وجد طلبًا جديدًا في أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، في العقود الأخيرة.
واكتسبت شركات النفط الوطنية والشركات الإقليمية خبرة هائلة، وبنت قدرات داخلية كبيرة، ما يجعلها أقل اعتمادًا على موفري خدمات هذا القطاع.
وبدورها، لبّت شركات خدمات ومعدات حقول النفط احتياجات الصناعة خلال أوقات النمو الهائل، من خلال ضمان أمن التوريد في أثناء توسع إنتاج الشرق الأوسط في سبعينيات القرن الـ20.
ومع ذلك، تشهد الأسواق اليوم فائضًا في العرض، إذ استقر النمو، أو بدأ في التراجع، وهو اتجاه من المحتمل أن يصبح دائمًا.
ونتيجة لهذه التحولات في السوق، شهد قطاع خدمات ومعدات حقول النفط انخفاضًا في إجمالي عائدات المساهمين (تي آر إي) بنسبة 50% من عام 2008 إلى يناير/كانون الثاني 2021.
وتعرّضت العديد من شركات خدمات ومعدات حقول النفط للإفلاس، خلال مدة تضاعف فيها مؤشر إس آند بي 500 أكثر من 3 أضعاف.
وأدى تدفق الإمدادات من أوبك+، إلى جانب انخفاض الطلب على الطاقة بسبب تفشي جائحة كوفيد-19، إلى تفاقم التحديات التي تواجه شركات خدمات ومعدات حقول النفط.
ومع أن الارتفاع الأخير في الأسعار أوجد ارتياحًا مؤقتًا، إلا أنه لا يعالج أساسًا ضعف أداء القطاع على المدى الطويل.
تحولات السوق الأساسية
تحتاج شركات خدمات ومعدات حقول النفط إلى معالجة التحولات الأساسية التي تحدث في القطاع، بما في ذلك تباطؤ الطلب، وتحسين اقتصاديات مصادر الطاقة المتجددة، وتطوير قاعدة العملاء، وتغيير التوقعات بشأن أسواق رأس المال والمستثمرين وأصحاب المصلحة.
ومن المرجح أن يتراجع النمو في الطلب على الطاقة مع استمرار انخفاض كثافة الطاقة في الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا للحالة المرجعية في منظور الطاقة العالمي لعام 2021 لدى شركة ماكينزي الاستشارية.
وعلى الرغم من أن النفط والغاز ما يزالان يمثلان جزءًا كبيرًا من مزيج الطاقة الإجمالي، فإن هذا الطلب -الذي يتراوح بين الاستقرار النسبي والتراجع- يحد من إمكانات النمو لحصيلة قيمة قطاع خدمات ومعدات حقول النفط التقليدية، وفقًا لما نشره موقع "إنرجي فويس".
ومن شأن الانتقال السريع والطموح، الذي تزخر به الإعلانات الحديثة عن السيارات الكهربائية والتطور السريع للهيدروجين، أن يسرع تدهور قطاع خدمات ومعدات حقول النفط.
انخفاض تكلفة مصادر الطاقة المتجددة
تستمر تكلفة تقنيات الطاقة المتجددة -بما في ذلك الألواح الشمسية وطاقة الرياح البرية- في الانخفاض، لتصبح قادرة على المنافسة مع مصادر الطاقة التقليدية في جميع أنحاء العالم.
وستصبح مصادر الطاقة المتجددة أقلّ تكلفة من الفحم والغاز الحاليين في العديد من أسواق الطاقة العالمية خلال العقد المقبل.
فقد انخفضت التكلفة المستقرة للكهرباء (إل سي إو إي) للطاقة الشمسية بأكثر من 85% خلال العقد الماضي، ومن المتوقع أن تنخفض أكثر، وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ، وتسري هذه التوقعات على طاقة الرياح البحرية وتخزين الكهرباء (الشبكة والبطاريات الصناعية).
في الوقت نفسه، أصبحت البيئة التنظيمية أكثر ملاءمة لمصادر الطاقة المتجددة، ويتزايد الضغط العام للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ومع ذلك، فإن الغموض بشأن إجمالي الطلب المحتمل ووتيرة اعتماد مصادر الطاقة المتجددة يحدّ من قدرات شركات خدمات ومعدات حقول النفط على تقييم الفرص في أسواقها الأساسية.
ولا تؤثر حالة عدم اليقين السائدة في السوق على التقييمات فحسب، وإنما تجعل من الصعب تصميم إستراتيجية وتحديد توقيت الاستثمارات بدقة.
تطوير قاعدة العملاء
هناك 3 تحولات مهمة في السوق توجِّه تطور قاعدة العملاء لشركات خدمات ومعدات حقول النفط:
- أولًا: ضاعفت الشركات المستقلة حصتها من الإنتاج العالمي للوقود السائل 3 مرات، من 5% في عام 1970 إلى 15% في عام 2020، من خلال نموذج أعمال يركز على العمليات الرشيقة منخفضة التكلفة.
- ثانيًا: يتزايد توحيد الصناعة بفضل التميز التشغيلي باعتباره المحرك الرئيس للقيمة.
- ثالثًا: تواصل شركات النفط الوطنية تطوير القدرات الداخلية، وتواجه طلبات متزايدة من الحكومات لتوليد الإيرادات النقدية.
وبوجه عام، تعمل هذه الدوافع على تحويل الطلب من منتجات قطاع خدمات ومعدات حقول النفط المتميزة إلى منتجات مجزّأة، خصوصًا في المجالات ذات مخاطر التكامل المنخفضة، مثل الصخر الزيتي أو التقليدي على الشاطئ والحلول السلعية.
الاستثمارات في قطاعات الطاقة الجديدة
تبحث شركات النفط والغاز عن النمو خارج الأسواق الأساسية، وتسعى لتنويع استثماراتها في قطاعات طاقة جديدة، استجابة إلى ضغوط المستثمرين وأصحاب المصلحة لزيادة معدلات نموها ومكافحة التغير المناخي.
وقادت الشركات الأوروبية الكبرى هذا التوجه، إذ تخطط شركة شل الأنغلو-هولندية لزيادة نفقاتها الرأسمالية في مجال الطاقة المتجددة إلى 25% من إجمالي نفقاتها الرأسمالية بحلول عام 2025.
وتهدف شركة النفط البريطانية بي بي إلى استثمار نحو 5 مليارات دولار سنويًا بحلول عام 2030، وأعلنت شركة توتال الفرنسية أنها ستزيد النفقات الرأسمالية إلى 3 مليارات دولار سنويًا بحلول عام 2030.
ويشير النشاط الأخير إلى أن التركيز الكبير نسبيًا، الذي يميز الأعمال الأساسية للشركات الأميركية الكبرى وشركات النفط الوطنية، آخذ في التغير.
وأعلنت شركة شيفرون الأميركية، في يوليو/تموز من هذا العام، تشكيل وحدة جديدة لإدارة استثماراتها منخفضة الكربون، وفي سبتمبر/أيلول الماضي، تعهدت بمضاعفة استثماراتها 3 مرات بهدف الحد من انبعاثات الكربون حتى عام 2028.
ومن المحتمل أن تؤدي هذه الشركات وغيرها إلى تخصيص أجزاء أكبر من رؤوس أموالها لقطاعات الطاقة المتجددة.
وفي حين أن إنشاء إستراتيجية قوية لتحول الطاقة يُعدّ مهمة أساسية، فإن تجنبها أو تأخيرها سيعرقل النجاح على المدى الطويل، لذلك يجب على شركات خدمات ومعدات حقول النفط سرعة التصرف واتّباع إستراتيجية مستنيرة في صناعة الطاقة العالمية سريعة التطور.
وقد أظهرت أسواق رأس المال أن عدم المبادرة لتجاوز الأزمة وانتظار ارتفاع الأسعار ليس خيارًا ملائمًا على المدى الطويل.
اقرأ أيضًا..
- تأمين السيارات.. المركبات التقليدية أرخص في التكلفة من نظيرتها الكهربائية
- النفط الصخري.. ماذا تعرف عن أكبر حقل في البحرين؟
- تخزين الكهرباء.. تحديات تعرقل الاستثمار بمشروعات البطاريات في أستراليا