قناة السويس في 2025.. بداية تعافٍ تدريجي للإيرادات وتدفقات النفط
وحدة أبحاث الطاقة - أحمد عمار

شهدت قناة السويس في 2025، وتحديدًا في النصف الثاني من العام، تحسنًا نسبيًا وبداية تعافٍ جزئي لحركة الملاحة، خصوصًا بعد التوصل إلى اتفاق بشأن الحرب في غزة.
وتأثرت إيرادات قناة السويس بصورة كبيرة منذ هجوم جماعة الحوثي على السفن القادمة لإسرائيل من باب المندب والبحر الأحمر بسبب شنِّها حربًا على غزة، ونتج عنه تراجع عدد السفن العابرة، بسبب تحويل مسار جزء كبير إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
ورغم التقلبات والتحديات الجيوسياسية غير المسبوقة، شهدت قناة السويس في 2025 جهودًا لاحتواء التداعيات السلبية وتعزيز الموقف التنافسي للممر المائي مع إنهاء تطوير القطاع الجنوبي، وفقًا لما رصده ملف الحصاد السنوي لعام 2025 الصادر عن وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن).
وتحظى تطورات حركة الملاحة في قناة السويس بأهمية كبيرة، كونها ممرًا لنحو 10% من تجارة النفط المنقولة بحرًا، إلى جانب 8% من شحنات الغاز الطبيعي المسال عالميًا -في الظروف الطبيعية-.
ومن المتوقع تحسّن إيرادات قناة السويس بصورة أكبر خلال عام 2026 مع عودة بعض الخطوط الملاحية مرة أخرى، وسط توقعات رسمية بأنها ستعود إلى مستوياتها الطبيعية بنهاية 2026.
إيرادات قناة السويس في 2025
رغم تراجعها بنحو 60% عن أعلى إيراد سنوي تاريخي تحقق في 2023، البالغ 10.25 مليار دولار، شهدت إيرادات قناة السويس في 2025 تحسّنًا نسبيًا.
وتشير التقديرات الأولية إلى ارتفاع إيرادات القناة لتسجل نحو 4.10 مليار دولار بنهاية عام 2025، مقارنة بـ3.99 مليار دولار في عام 2024، ولولا الانخفاض في الربع الأول، لكانت العائدات تجاوزت هذا الرقم بصورة ملحوظة، بفضل التعافي في الأرباع الـ3 التالية.
ويستند هذا التوقع إلى مؤشرات التعافي القوية التي بدأت تظهر في منتصف العام، بعدما ارتفعت إيرادات القناة خلال الربع الثاني من 2025 إلى 975.8 مليون دولار، مقارنة بنحو 901.2 مليون دولار في الربع الأول.
كما واصلت الإيرادات الشهرية تسجيل نمو لافت على أساس سنوي وشهري في الربع الأخير، إذ صعدت إيرادات شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى 372.9 مليون دولار، مقابل 322.1 مليون دولار في الشهر نفسه من 2024.
واستمرت وتيرة الصعود في نوفمبر/تشرين الثاني لتسجل 383.4 مليون دولار، مرتفعة من 300.6 مليون دولار في الشهر نفسه من 2024، بحسب أحدث البيانات المتاحة لدى وحدة أبحاث الطاقة.
وهو ما انعكس بوضوح على إجمالي الحصيلة المحققة منذ انطلاق العام المالي الجديد لمصر؛ إذ سجلت القناة في المدة من يوليو/تموز حتى 8 ديسمبر/كانون الأول 2025 إيرادات قدرها 1.97 مليار دولار، مقابل 1.677 مليار دولار عن المدة ذاتها من العام السابق، بنسبة نمو بلغت 17.5%، ما يؤكد اتجاه المؤشرات نحو التعافي.
ويُعزز هذا المسار الإيجابي توقعات صندوق النقد الدولي، الذي يقدّر قفزة كبيرة في إيرادات قناة السويس خلال العام المالي الجاري -(الذي بدأ في يوليو/تموز 2025 وينتهي في يونيو/حزيران 2026)- إلى 6.3 مليار دولار، مقارنة بنحو 3.6 مليار دولار في العام المالي الماضي.
وفي سياق متصل، تتبنّى هيئة قناة السويس رؤية طموحة تستند إلى استعادة حركة التجارة العالمية لمساراتها الطبيعية؛ إذ تتوقع ارتفاع الإيرادات إلى 8 مليارات دولار خلال العام المالي (2026-2027)، وصولًا إلى استعادة المستويات القياسية بنحو 10 مليارات دولار خلال العام المالي (2027-2028).
ويرصد الرسم الباني التالي -أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- إيرادات قناة السويس سنويًا منذ 2019 -العام الذي سبق أزمة فيروس كورونا- حتى عام 2025:

تجارة النفط المارة عبر قناة السويس في 2025
شهدت قناة السويس في 2025 بداية تعافٍ تدريجي بحجم تدفقات النفط المارة عبرها، إذ ارتفعت إلى متوسط 3.93 مليون برميل يوميًا مقارنة بنحو 3.63 مليون برميل يوميًا في عام 2024، بنسبة نمو تقارب 8%، بحسب بيانات وحدة أبحاث الطاقة.
وجاء ذلك بدعم من ارتفاع متوسط حجم المشتقات النفطية المارّة عبر القناة إلى 1.89 مليون برميل يوميًا خلال 2025، مقارنة بمتوسط 1.48 مليونًا عام 2024.
كما انخفض متوسط حجم النفط الخام إلى 2.03 مليون برميل يوميًا، مقارنة بنحو 2.144 مليونًا في العام السابق له.
ورغم هذا التحسن، ما تزال أرقام عام 2025 بعيدة عن مستويات ما كانت عليه قبل عامين، حين سجل متوسط حجم تجارة النفط المارة من قناة السويس نحو 7.22 مليون برميل يوميًا في عام 2023.
ويرصد الرسم البياني التالي -أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- حجم تدفقات النفط عبر قناة السويس (2017 - 2025): 
وفي السياق ذاته، ما يزال متوسط عبور ناقلات النفط في قناة السويس خلال 2025 أقل بصورة كبيرة من معدلات ما قبل التوترات الجيوسياسية، رغم أن إجمالي الناقلات العابرة تراجع بصورة طفيفة خلال الأشهر الـ9 الأولى من العام إلى 3.66 ألف ناقلة، مقابل 3.78 ألف ناقلة في المدة نفسها من 2024.
وتوضح البيانات تذبذب حركة الناقلات متأثرةً بالأحداث، حيث سجل فبراير/شباط الماضي أدنى معدل لعبور ناقلات النفط منذ سنوات عند 315 ناقلة، متراجعًا عن 375 ناقلة في الشهر نفسه من 2024.
وسرعان ما تحسّنت حركة الناقلات في مارس/آذار 2025 إلى 436 ناقلة، مقابل 402 ناقلة في الشهر نفسه من 2024.
واستقرّ أداء الناقلات فوق حاجز الـ400 ناقلة شهريًا خلال الصيف، قبل أن يسجل شهر سبتمبر/أيلول انتعاشة قوية هي الأعلى في المدة المرصودة بواقع 451 ناقلة، ما يشير إلى تعافي تدريجي، وفقًا لما يرصده الرسم البياني التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة:

جدير بالذكر أن تجارة الغاز المسال عبر القناة ما تزال محدودة للغاية، وسط تحديات جيوسياسية، إذ تُقدّر وحدة أبحاث الطاقة أنها تمثّل حاليًا أقل من 1.5% من التدفقات العالمية، مقابل 8% في عام 2023 قبل الحرب على غزة، لكن حصة القناة أعلى مقارنة بعام 2024 (0.5%).
خط ملاحي مهم يعود لقناة السويس في 2025 ومؤشرات تعافٍ
استأنفت بعض الخطوط الملاحية الدولية عبورها المعتاد عبر المجرى الملاحي لقناة السويس في 2025، وهي خطوة تشير إلى تراجع حدة الأزمة التي عصفت بالملاحة في المنطقة مؤخرًا.
ويأتي هذا التحسن التدريجي بعدما سجل فبراير/شباط 2025 أدنى معدل لعبور السفن منذ سنوات عند 864 سفينة فقط، لتعود الحركة للتحسن، وسط أداء متذبذب استقر بين مستويات 1001 و1156 سفينة شهريًا.
وبحسب أحدث البيانات الرسمية، شهدت القناة منذ بداية عام 2025 حتى نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عبور 11.62 ألف سفينة، متراجعة عن 12.21 ألف سفينة في المدة نفسها من العام السابق له، بفارق 590 سفينة على أساس سنوي.
ومن أبرز شركات الشحن التي عادت للقناة مجموعة "ميرسك"، التي بدأت العودة التدريجية مطلع ديسمبر/كانون الأول، تمهيدًا للاستئناف الكامل لرحلاتها.
كما تُوِّجت الجهود التسويقية والدبلوماسية للهيئة بعبور السفينة العملاقة "CMA CGM JACQUES SAADE"، التي تعمل بالغاز الطبيعي المسال بنهاية 2025، بصفتها أكبر سفينة حاويات تدخل القناة منذ عامين.
وهذا التحول الإستراتيجي، الذي شمل العودة الكاملة للمجموعة الفرنسية والعودة التدريجية للعملاق الدنماركي، يُتوقع أن يشكّل "تأثير الدومينو" الذي سيحفّز باقي الخطوط الملاحية المترددة على تعديل جداول إبحارها والعودة للمسار الأقصر والأكثر استدامة بيئيًا واقتصاديًا.
وتؤسس هذه العودة لبيئة تشغيلية مستقرة تدعم التوقعات الرسمية باستعادة معدلات الملاحة الطبيعية بالكامل خلال النصف الثاني من 2026، خاصةً مع استمرار المباحثات المكثفة التي تُجريها الهيئة مع الخطوط الملاحية لتنسيق عودة السفن للعبور من البحر الأحمر وباب المندب.
ويشار إلى أن قناة السويس في 2025 منحت حوافز وتخفيضات تشجيعية بنسبة 15% لسفن الحاويات التي تتجاوز حمولتها الصافية 130 ألف طن من 15 مايو/أيار، وكان من المخطط أن تنتهي في ديسمبر/كانون الأول، ولكن تَقرر تمديدها لـ3 أشهر أخرى.
ويرصد الرسم البياني التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- إجمالي عدد السفن العابرة لقناة السويس في 2025 شهريًا:

قناة السويس في 2025 تفتتح مشروعًا مهمًا
رغم الأزمة التي واجهت المجرى الملاحي، نجحت قناة السويس في إنهاء مشروع تطوير القطاع الجنوبي وتشغيله أمام حركة التجارة العالمية.
ومن أبرز المزايا التي يوفرها مشروع التطوير زيادة الطاقة الاستيعابية للقناة بمعدل من 6 إلى 8 سفن، بعد إضافة 10 كيلومترات إلى قناة السويس الجديدة، ليصبح طولها 82 كيلومترًا بدلًا من 72 كيلومترًا.
كما تسهم في زيادة عامل الأمان الملاحي بنسبة 28%، إلى جانب تقليل تأثيرات التيارات المائية على السفن العابرة بعد توسعة القناة 40 مترًا جهة الشرق وزيادة العمق من 66 قدمًا إلى 72 قدمًا، وذلك من الكيلو 132 ترقيم قناة إلى الكيلو 162 ترقيم قناة.
وفي خطوة مهمة تعزز التحول الأخضر، وقّعت قناة السويس مذكرة تفاهم للتعاون المشترك بشأن مشروع إنشاء بنية تحتية خضراء يتضمن إنشاء محطة للإسالة والتموين بالغاز الطبيعي المسال بمنطقة الرسوة في بورسعيد.
ومن المستهدف أن تخدم المحطة أسطول الهيئة من القاطرات والمعديات المزمع تحويلها للعمل بالغاز المسال ضمن إستراتيجية متكاملة لتطوير الخدمات الملاحية واللوجستية والحدّ من الانبعاثات الكربونية.
يمكنكم متابعة المزيد من حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2025 عبر الضغط (هنا)، كما يمكن الاطّلاع على حصاد عام 2024 (هنا).
المصادر:
- إيرادات قناة السويس في 2025، من هيئة قناة السويس
- عدد ناقلات النفط وإجمالي السفن المارة بالقناة، من الجهاز المركزي للإحصاء





