استهداف حقول النفط والمصافي.. ماذا حدث لقطاع الطاقة في السودان خلال 2025؟
سامر أبووردة

فَرَض استهداف حقول النفط والمصافي نفسه بوصفه العنوان الأبرز لأزمة الطاقة في السودان خلال 2025، مع تمدد رقعة الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وخلال 2025 انتقلت ساحات المواجهات بين الطرفين إلى عمق البنية التحتية النفطية، بما في ذلك الحقول المنتجة وخطوط الأنابيب ومصفاة الخرطوم، الأمر الذي عمّق خسائر الاقتصاد الوطني، وألقى بظلال ثقيلة على مستقبل القطاع.
ووفقًا لبيانات قطاع النفط السوداني لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، كان السودان ينتج قرابة 60 ألف برميل يوميًا، قبل اندلاع الحرب في منتصف أبريل/نيسان 2023، غير أن الإنتاج تراجع تدريجيًا إلى أقل من 40 ألف برميل، ثم واصل الهبوط مع انتقال الصراع إلى مناطق الإنتاج في غرب البلاد، ليصل في سبتمبر/أيلول 2025 إلى نحو 21 ألف برميل يوميًا، وسط مخاوف من انهياره مع توقف حقل هجليج.
لم تقتصر تداعيات استهداف حقول النفط في السودان على تراجع الإنتاج، بل شملت فقدان السيطرة على معظم المنشآت الحيوية، بعد توقف أعمال الصيانة، وتضرر خطوط الأنابيب، ومغادرة الخبرات الفنية الأجنبية والمحلية، إلى جانب تدمير مقار شركات نفطية حكومية وخاصة في الخرطوم.
وتشير تقديرات رسمية إلى أن السودان فقد نحو 7 ملايين برميل نفط خلال عامين من الحرب، في حين تجاوز حجم الخسائر بقطاع النفط 20 مليار دولار، فضلًا عن الأضرار التي لحقت بقطاع الكهرباء.
استهداف حقل هجليج
مثّل حقل هجليج -أكبر الحقول النفطية في السودان- إحدى أبرز حلقات استهداف حقول النفط خلال 2025، بعدما توقّف الإنتاج فيه بالكامل مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، إثر إخلاء الشركات المشغلة للموقع ومغادرة العاملين خشية تعرّضهم لهجمات مباشرة.
وقال مصدر رسمي، في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة، إن قرار الإخلاء جاء بعد سيطرة قوات الدعم السريع على محيط الحقل، واقترابها من منشآته؛ ما دفع الشركات إلى وقف العمليات لحماية الأرواح.
وفي 8 ديسمبر/كانون الأول 2025، أعلنت قوات الدعم السريع السيطرة على منطقة هجليج، في ولاية جنوب كردفان.

وأعلن قائد جيش جنوب السودان بول نانق، نشر قوات بلاده في حقل هجليج النفطي الإستراتيجي قرب الحدود مع السودان، عقب سيطرة قوات الدعم السريع عليه، في ظل استمرار الاشتباكات بإقليم كردفان.
وأوضح نانق أن الخطوة جاءت بموافقة رئيس جنوب السودان سلفا كير، وقائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو؛ لضمان حماية المنشآت النفطية.
ويُعد حقل هجليج محورًا رئيسًا في منظومة النفط السودانية، إذ يضم نحو 75 بئرًا نفطية، ويبلغ إنتاجه نحو 20 ألف برميل يوميًا من النفط السوداني، إضافة إلى احتوائه على محطة معالجة مركزية تستوعب قرابة 130 ألف برميل من نفط جنوب السودان.
كما تُخزَّن فيه كميات تتجاوز 400 ألف برميل قبل ضخها عبر خطوط الأنابيب إلى مصفاة الخرطوم أو مواني التصدير.
ومنذ مساء 8 ديسمبر/كانون الأول 2025، توقفت العمليات بالكامل في منطقة هجليج وخط أنابيب "بتكو"، ما يعني خسارة يومية لرسوم ترحيل نحو 60 ألف برميل من نفط جنوب السودان، ونحو 22 ألف برميل من نفط السودان، بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة المرتبطة بتوقف الخط الناقل، الذي تتطلب إعادة تشغيله نفقات مرتفعة وتعقيدات فنية في حال تعرضه لأضرار.
ويمتد خط "بتكو" من هجليج مرورًا بمصفاة أبوخريس في مدينة الأبيض، ثم إلى مصفاة الخرطوم، وصولًا إلى ميناء بشائر، وهو الشريان الرئيس لنقل الخام السوداني؛ ما يجعل استهداف حقول النفط والأنابيب تهديدًا مباشرًا لأمن الطاقة في البلاد.

قطاع الطاقة في السودان
يعاني قطاع الطاقة في السودان تداعيات مركّبة للحرب؛ إذ لم تقتصر الخسائر على الإنتاج فقط، بل طالت المؤسسات المشغلة والبنية الإدارية والفنية للقطاع، بعد تدمير أبراج شركتي النيل وبترودار، والمبنى الرئيس لوزارة الطاقة والنفط في الخرطوم؛ ما أدى إلى تلف كميات كبيرة من البيانات النفطية والخرائط والمستندات الحقلية.
وتسبّبت الأوضاع الأمنية في مغادرة شركة "سي إن بي سي" (CNPC) الصينية المربع 6 بمنطقة بليلة، استنادًا إلى بند القوة القاهرة في اتفاقيات قسمة الإنتاج، وهو ما يفتح الباب أمام احتمال انسحاب شركاء آخرين، وزيادة تعقيد جهود إعادة تشغيل القطاع مستقبلًا.
وفي ولاية غرب كردفان، خرجت 10 حقول نفطية من الخدمة، هي: دفرة، نيم، أم عدارة، موقا، برصاية، سفيان، شارف، أبو جابرة، زرقة، وأم حديد، بعد تعرضها لعمليات نهب وتخريب شملت الآبار ومحطات الكهرباء ومخازن قطع الغيار ومساكن العاملين.
أما في إقليم دارفور، فقد استُهدِفت عدة حقول نفطية، من بينها حقل سفيان بولاية شرق دارفور، إذ تعرّضت مخازن الشركات ومحطات الكهرباء للنهب، ودُمِّرت آليات التشغيل، في إطار توسع نطاق استهداف حقول النفط خارج مناطق الإنتاج التقليدية.
ولم تقتصر خسائر قطاع الطاقة في السودان على استهداف حقول النفط والمصافي بل شملت محطات الكهرباء أيضًا، ففي 18 ديسمبر/كانون الأول تعرضت محطة كهرباء عطبرة لقصف بالمسيرات أسفر عن إصابات مباشرة لمحولات تغذية التيار، ما أدى إلى توقف الإمداد الكهربائي بعدة ولايات.
كما تسببت الحرب في فقدان ما لا يقل عن 700 ميغاواط من التوليد الحراري بعد خروج محطات بحري وقري وعدد من محطات دارفور. كما توقّف التوليد الكهرومائي بمحطة جبل أولياء، وخسرت شركة النقل نحو 800 كيلومتر من الخطوط الناقلة ومحطات تحويل رئيسة، كما تضرّرت شبكة التوزيع بتدمير مكاتب ومحولات عدة.

قصف مصفاة الخرطوم
لم تكن مصفاة الخرطوم بمنأى عن الاستهداف، إذ تعرضت خلال سبتمبر/أيلول 2025 لقصف بطائرات مسيّرة، ألحق أضرارًا جسيمة بمركز التحكم والعدادات وخزانات غاز النفط المسال وخطوط الوقود المرتبطة بمحطة كهرباء قري 3.
وأجبر توقف مصفاة الخرطوم -التي كانت توفّر 32% من احتياجات البلاد النفطية- السودان على تدبير نحو 200 مليون دولار شهريًا لاستيراد المشتقات النفطية.
وأوضح وزير الطاقة السوداني السابق الدكتور محي الدين نعيم محمد سعيد، في حوار سابق مع منصة الطاقة المتخصصة، أن الحرب أدت إلى فقدان 210 آلاف برميل من الخام داخل مستودعات المصفاة، بالإضافة إلى تدمير مستودعات البنزين والديزل التي كانت ممتلئة بالمشتقات، فضلًا عن خسائر لحقت بمستودعات شركات التوزيع المجاورة.

خطط تعافي قطاع الطاقة في السودان
سعيًا لاستعادة الإنتاج تدريجيًا، شهدت وزارة الطاقة، في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2025، مباحثات رسمية تناولت مستقبل مصفاة بورتسودان، في ظل طرح فرص استثمارية لإنشاء مصفاة جديدة بالموقع ذاته.
وقدّمت مديرة المصفاة عرضًا حول أوضاعها الحالية، مشيرة إلى اهتمام مستثمر خليجي وشركة روسية وشركة بترونيد السودانية بالمشروع، مع ترقّب بدء التقييم الفني قريبًا.
ويأتي التحرك استكمالًا لمساعٍ سابقة للتعاون مع الصين، شملت توقيع مذكرة تفاهم في بكين لبناء مصفاة بطاقة 150 ألف برميل يوميًا، تستهدف التصدير لدول الجوار غير الساحلية.
وأعلنت الخرطوم، في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2025، توقيع اتفاق نفطي بين السودان وروسيا، على هامش أسبوع الطاقة الروسي 2025، للتعاون في الإنتاج وحماية الأصول وتطوير البنية التحتية لقطاع الطاقة في السودان.
ويشمل الاتفاق زيادة إنتاج الحقول القديمة، واستثمارات جديدة، وتعزيز التوليد الكهرومائي.
وفي سياق متصل، تتجه أعمال المرحلة الثانية من مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان إلى الاكتمال، مع ارتفاع نسبة تنفيذ الأعمال داخل الأراضي السودانية إلى نحو 66%، مقارنة بـ35% عند توقفها في أبريل/نيسان 2023، نتيجة الأوضاع الأمنية والسياسية في الخرطوم.
وتهدف المرحلة الثانية إلى رفع قدرة الربط من 80 ميغاواط إلى 300 ميغاواط، بزيادة تتجاوز 275%، في حين أنهت مصر الأعمال والتوريدات جميعها على أراضيها، بما في ذلك المعدات الموردة عبر عقد مع شركة سيمنس الألمانية.
ويتبقى لشركة سيمنس بعض أعمال التركيب داخل السودان، بعد حصولها على مستحقات تُقدَّر بنحو 30 مليون دولار، ضمن عقد يشمل توريد وتركيب وحدتي تعويض قدرة غير فعالة بسعة إجمالية 150 ميغافار بمحطتي دنقلا ومروي، ويتحمل الجانب المصري تكلفتهما.
ويمثل المشروع خطوة إستراتيجية لتعزيز الربط الكهربائي الإقليمي ودعم استقرار الشبكة السودانية، بالإضافة إلى بحث تنفيذ مشروعات طاقة شمسية مصرية في مناطق سودانية مستقرة.
يُذكر أن المرحلة الأولى من مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان دخلت التشغيل في أبريل/نيسان 2020 بقدرة 80 ميغاواط.
آفاق قطاع الطاقة في السودان
على الرغم من امتلاك السودان احتياطيات نفطية تُقدَّر بنحو 6 مليارات برميل؛ فلم يُستخرج منها سوى 20%، بالإضافة إلى امتلاكه 12 حوضًا رسوبيًا واحتياطيات واعدة من الغاز الطبيعي في وسط البلاد وشرقها؛ فإن استمرار استهداف حقول النفط والبنية التحتية يضع هذه الثروات أمام مستقبل شديد الغموض.
وفي ظل غياب الاستقرار الأمني، وتراجع الاستثمارات، وتآكل القدرات الفنية، يبدو أن تعافي قطاع الطاقة في السودان سيظل مرهونًا بوقف الحرب أولًا، قبل أي خطط لإعادة الإعمار أو استعادة الإنتاج، في بلد يمتلك موارد كبيرة، لكنه يدفع ثمن الصراع من أمنه الطاقي واقتصاده على حد سواء.
موضوعات متعلقة..
- حكاية أول مصفاة نفط في السودان.. وعلاقتها بالسعودية والعراق
- حقول النفط والغاز في السودان.. رصد موثق للاحتياطيات والإنتاج (ملف خاص)
- مصافي النفط في السودان بين الحرب وإعادة التأهيل
نرشّح لكم..
- تقارير وملفات خاصة من وحدة أبحاث الطاقة
- الطاقة الشمسية في الدول العربية
- تقرير مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية
المصدر:





