لخفض الانبعاثات الكربونية.. دراسة مصرية تدمج الزراعة دون تربة في المدن الذكية
داليا الهمشري

في ظل تصاعد تحديات تغير المناخ والجهود المبذولة لخفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الأنشطة الحضرية وسلاسل الإمداد الغذائية، بات البحث عن حلول متكاملة تجمع بين العمارة والإنتاج الغذائي ضرورة ملحّة.
وفي هذا السياق، تبرز الزراعة دون تربة بوصفها أحد الحلول المبتكرة القادرة على إعادة تشكيل العلاقة بين المباني والبيئة، من خلال دمج الإنتاج الزراعي داخل النسيج العمراني، بما يسهم في خفض البصمة الكربونية للمدن.
وتستعرض هذه الدراسة، التي أعدّتها مُدرِّسة العمارة والتصميم والتخطيط البيئي، الدكتورة داليا مجدي قاسم، مفهوم الزراعة دون تربة ودورها في تحسين كفاءة استعمال الموارد، وتقليل استهلاك الطاقة والمياه، وخفض الانبعاثات الكربونية المرتبطة بالنقل والتبريد، فضلًا عن تعزيز جودة البيئة الحضرية.
وتؤكد الدراسة -التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- أن دمج هذه النظم الزراعية داخل العمارة لا يدعم فقط أهداف التنمية المستدامة، بل يشكّل ركيزة عملية لتحقيق مدن ذكية منخفضة الكربون وأكثر قدرة على التكيف مع التحديات المناخية.
ركيزة للمدن الذكية
تستعرض هذه الدراسة مفهوم الزراعة دون تربة بوصفها أحد الحلول المبتكرة لدمج الإنتاج الغذائي داخل العمارة والعمران، متوقعةً أن تُمثِّل ركيزة عملية في مستقبل المدن الذكية المستدامة.
وتشير الدراسة إلى أن الزراعة دون تربة تُمثِّل نظامًا زراعيًا حديثًا لا يعتمد على التربة التقليدية، بل على أوساط بديلة ومحاليل مغذّية توفّر للنباتات جميع احتياجاتها من الماء والعناصر الغذائية، وتكمن أهميتها في قدرتها على مواجهة تحديات شح المياه، وتقلّص الأراضي الزراعية، وتزايد الطلب على الغذاء داخل المدن.

وترصد الدراسة 4 أنظمة رئيسة للزراعة دون تربة:
الزراعة المائية (Hydroponic) : تعتمد على المحاليل المغذّية مباشرةً، ومن أمثلتها نظام الغمر والجذب.
الزراعة الهوائية (Aeroponic) : تُعلَّق الجذور في الهواء، وتُرَشّ برذاذ مغذٍّ، بما يحقق كفاءة عالية في استهلاك المياه.
الأكوابونيك (Aquaponic) : يدمج بين تربية الأسماك والزراعة المائية في نظام دائري مغلق.
الزراعة ببدائل التربة (Media Culture) : باستعمال أوساط مثل ألياف جوز الهند أو البيرلايت.
دمج الزراعة دون تربة في العمارة
تؤكد الدراسة أن دمج هذه التقنيات في التصميم المعماري والعمراني يحقق حزمة من الفوائد، أبرزها: تحسين جودة الهواء وتقليل الجزر الحرارية داخل المدن، وتعزيز الصحة النفسية عبر زيادة المساحات الخضراء في بيئات السكن والعمل، ورفع كفاءة الطاقة وتحسين الراحة الحرارية بفضل العزل والظل والتبريد بالتبخر، وخفض الاعتماد على أنظمة التكييف، خاصة مع تطبيقات الزراعة الهوائية.
كما أفادت الدكتورة داليا مجدي -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن الزراعة دون تربة تسهم -كذلك- في تعزيز الأمن الغذائي المحلي وتوفير مصدر دخل مستدام، كما تعمل على تحسين كفاءة استعمال المياه بتقليل الاستهلاك بنسبة تتراوح بين 50% و90% مقارنة بالزراعة التقليدية، بجانب رفع القيمة الجمالية للمباني والفراغات الحضرية.

وتستعرض الدراسة نماذج تطبيقية لدمج الزراعة دون تربة في التصميم الداخلي، مثل الجدران الخضراء، والأرفف والزجاجات المعلقة، والمزارع الصغيرة داخل المطابخ، إضافة إلى تطبيقات الشرفات والبلكونات، كما أبرزت نماذج تقنية تشمل الزراعة المائية الأفقية، والأبراج العمودية (سيمي هيدروبونيك)، والحوائط الخضراء.
خفض الانبعاثات الكربونية
تربط الدراسة بين الزراعة دون تربة وخفض الانبعاثات الكربونية ومفاهيم الاقتصاد الدائري والأخضر، من خلال: إعادة تدوير المياه والمغذيات، واستغلال النفايات العضوية في إنتاج السماد، وإيجاد فرص عمل خضراء قائمة على الابتكار والتقنية، وتُعدّ أنظمة الأكوابونيك والمزارع العمودية الحضرية نماذج تطبيقية واضحة لهذا الترابط.
وتخلص الدراسة إلى أن الزراعة دون تربة تُمثّل عنصرًا محوريًا في المدن الذكية، عبر دعم الأمن الغذائي المحلي، والإدارة الذكية للموارد، ودمجها مع تقنيات إنترنت الأشياء (IoT) وأنظمة التحكم الذكية، بما يعزز مرونة المدن وقدرتها على مواجهة الأزمات.
وأوضحت مدرسة العمارة والتصميم والتخطيط البيئي الدكتورة داليا مجدي أن الزراعة دون تربة تسهم -كذلك- في تحقيق عدد من أهداف التنمية المستدامة، أبرزها القضاء على الجوع (الهدف 2)، والإدارة المستدامة للمياه (الهدف 6)، وبناء بنية تحتية مرنة (الهدف 9)، والاستهلاك والإنتاج المسؤولان (الهدف 12)، ومواجهة تغير المناخ من خلال خفض الانبعاثات الكربونية (الهدف 13).

وأكدت الدكتورة داليا مجدي أن الزراعة دون تربة تُمثّل ثورة خضراء قادرة على إعادة تعريف العلاقة بين العمارة والزراعة والعمران، من خلال حلول عملية تضمن كفاءة الموارد، وارتفاع الإنتاج، وتحقيق الأمن الغذائي، وخفض الانبعاثات الكربونية بما يدعم مسار التنمية المستدامة ويعزز مستقبل المدن.
موضوعات متعلقة..
- خفض انبعاثات قطاع الزراعة ضرورة ملحة للعمل المناخي.. وهذه أبرز الحلول
- تجربة جديدة لاستعمال الألواح الشمسية في الزراعة (تقرير)
- الزجاج منخفض الانبعاثات.. تقنية مبتكرة لقطاع المباني
اقرأ أيضًا..
- نشاط ملحوظ بسوق ناقلات النفط في 2025.. ودولة عربية ضمن أكبر المشترين
- حقل دخان البري.. قصة اكتشاف قطري عمره 86 عامًا
- مصافي النفط في العراق.. تطوّر كبير نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي
- لماذا تحتاج السعودية إلى الطاقة النووية رغم توافر النفط والغاز؟ أنس الحجي يجيب





