التنقيب عن النفط في الصومال.. تقنيات تركية متقدمة تبدأ الاستكشاف خلال 2026 (تقرير)
نوار صبح
أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، ألب أرسلان بيرقدار، خططًا لبدء عمليات التنقيب عن النفط في الصومال العام المقبل، وذلك خلال عرضه قبل أيام موازنة وزارته لعام 2026 أمام البرلمان.
وأوضح الوزير أن المسوحات الزلزالية التي تهدف إلى تحديد موارد النفط قد اكتملت، واصفًا هذا التطور بأنه خطوة جديدة بتعزيز التعاون في مجال الطاقة بين الصومال وتركيا.
وقال بيرقدار: "لقد أنجزنا المسوحات الزلزالية في المناطق البحرية الصومالية، ونهدف إلى تنفيذ أول عملية حفر في عام 2026"، وفق أحدث متابعات القطاع لدى منصة الطاقة المتخصصة
وكشف الوزير أن تركيا أنجزت في عام 2025، 182 عملية حفر نفطية برية و17 عملية حفر بحرية، بينما تُنَفَّذ حاليًا 48 عملية حفر برية و4 عمليات حفر بحرية، مضيفًا أن "هذه الجهود أسفرت عن اكتشاف 62 مليون برميل من الاحتياطيات الجديدة".
إنجاز اقتصادي مهم
يقف الصومال على أعتاب إنجاز اقتصادي مهم، إذ تستعد لإطلاق أولى عمليات التنقيب عن النفط بالمياه الإقليمية في يناير/كانون الثاني 2026، ما يمثّل لحظة محورية قد تُعيد تشكيل مسارها الاقتصادي في القرن الأفريقي، وتنقلها من الاعتماد على المساعدات إلى مصافّ الدول المنتجة للوقود الأحفوري عالميًا.
ووفقًا لبرنامج رسمي أصدرته الرئاسة الصومالية، ستبدأ عمليات التنقيب في أول منطقة بحرية تابعة للصومال باستعمال تكنولوجيا النفط التركية المتقدمة.
وهذا يُشير إلى بداية فصل جديد في جهود البلاد للاستفادة مما يعتقد الكثيرون أنه احتياطيات هائلة غير مستغَلة من الهيدروكربونات تقع تحت مياهها الإقليمية على طول أحد أطول سواحل أفريقيا.
في أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، أكد الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، في كلمته أمام المشرّعين خلال افتتاح الدورة السابعة للبرلمان الاتحادي، أن مشروع التنقيب الطموح سيلتزم التزامًا تامًا بالقوانين المحلية المنظمة للشفافية وحماية البيئة.
وعالج بذلك المخاوف التي طالما عاقت مشروعات استخراج الموارد في جميع أنحاء القارة الأفريقية.
وصرّح الرئيس محمود أمام المشرعين المجتمعين قائلًا: "ستبدأ الصومال حفر أول بئر نفطية لها في غضون أشهر"، دون أن يُحدّد موقع الحفر بالتحديد.
وأضاف: "التزامنا هو تسخير ثروات الصومال التي أنعم الله بها علينا لدفع عجلة النمو، وسيتمّ كل شيء وفقًا لقوانيننا".

وتعكس كلمات الرئيس المُنتقاة بعناية إدراكه للتحديات التاريخية التي تواجهها الدول الأفريقية الغنية بالموارد، حيث أدت اكتشافات النفط في بعض الأحيان إلى تأجيج الفساد والحروب والتدهور البيئي، بدلًا من تحقيق ازدهار شامل.
وتناول خطاب الرئيس قضايا سياسية أوسع نطاقًا تتجاوز قطاع النفط، إلّا أن إعلان التنقيب عن النفط في الصومال حظي باهتمام خاص نظرًا للتحديات الاقتصادية المزمنة التي يواجهها الصومال، واعتمادها الكبير على المساعدات الإنسانية الدولية وتحويلات المغتربين.
وبالنسبة لدولة عانت لعقود من الحرب وتفكُّك الدولة والفقر المستمر، فإن احتمال أن تصبح منتجة للنفط يتيح فرصة اقتصادية واعدة، ويمثّل مسارًا محتملًا نحو مزيد من السيادة والاكتفاء الذاتي.
نتائج استكشافية واعدة
يأتي إعلان الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، بعد سنوات من أنشطة الاستكشاف، وعقب تصريحات مُشجّعة من رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، الذي كشف أن تحليل بيانات البترول الأخيرة قد أسفر عن "نتائج واعدة".
في المقابل، لم تُنشَر بعدُ النتائج المحددة والتفاصيل الفنية لهذه المسوحات الجيولوجية والزلزالية، ما يترك محللي الصناعة والمستثمرين المحتملين للتكهن بشأن الجدوى التجارية الفعلية لاحتياطيات الصومال البحرية.
وصرّح رئيس الوزراء بري بثقة: "أثق بأن استخراج النفط سيبدأ مطلع العام المقبل"، ما يعكس تفاؤل الحكومة بشأن الجدول الزمني وجدوى المشروع.
وأشارت تصريحات رئيس الوزراء إلى أن التقييمات التقنية قد أحرزت تقدمًا كافيًا لتبرير المضي قدمًا في عمليات الحفر الفعلية، على الرغم من بقاء تساؤلات حول حجم الاحتياطي، وجودة النفط، وتكاليف الاستخراج، والبيئة السياسية والأمنية المعقّدة التي ستجري فيها هذه العمليات.
وحظيت الإمكانات الهائلة لموارد النفط البحرية في الصومال باهتمام السلطات الصومالية وشركات النفط العالمية على حدٍّ سواء.
وتشير التقديرات، التي تعود إلى عام 2012، إلى أن قيمة الاحتياطيات غير المستغلة في البلاد قد تصل إلى 8.5 تريليون دولار أميركي، موزّعة على 53 منطقة بحرية تمتد على طول ساحل الصومال الممتد لمسافة 3 آلاف كيلومتر.
وقد أشارت هذه التوقعات الأولية إلى وجود ما لا يقل عن 10 مليارات برميل من النفط، وهو ما سيضع الصومال -في حال تأكيده وجدواه تجاريًا- في مصافّ الدول الأفريقية الرائدة بإنتاج النفط.
رغم ذلك، يكتنف هذه التوقعات المتفائلة قدر كبير من الضبابية، فقد تعلمت صناعة النفط والغاز من تجارب مريرة أن التقديرات الأولية للاحتياطيات غالبًا ما تكون مفرطة في التفاؤل بعد إجراء عمليات استكشاف وتقييم تفصيلية.
إضافة إلى ذلك، فإن وجود النفط في التكوينات الجيولوجية لا يضمن بالضرورة جدوى الاستثمار، إذ إن تكاليف الاستخراج، وجودة النفط، وعمق المياه، والمسافة من البنية التحتية، وسهولة الوصول إلى الأسواق، كلّها عوامل تؤثّر في إمكان تطوير هذه الاحتياطيات بشكل مربح.
الحدود البحرية بين الصومال وكينيا
تُقدّم تجربة المناطق المتنازَع عليها على طول الحدود البحرية بين الصومال وكينيا عبرةً تحذيرية.
فقد أثبتت بعض هذه المناطق البحرية المتنازَع عليها، التي كانت موضوع معركة قانونية مطولة أمام محكمة العدل الدولية، عدم جدواها التجارية بعد عمليات التنقيب، ما يُبيّن أن الإمكانات الجيولوجية لا تتوافق دائمًا مع الواقع الاقتصادي.
ورغم أن قرار محكمة العدل الدولية الصادر عام 2021 قد أيّد إلى حدّ كبير مطالب الصومال بالحدود البحرية، فإن هذا الانتصار القانوني لم يُترجَم بعد إلى اكتشافات تجارية مؤكدة في المناطق التي صدر الحكم لصالحها، حسب مصادر تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.
في الآونة الأخيرة، قدّم مسؤولون من وزارة البترول الصومالية تقييمات مُحدّثة تُشير إلى أن قيمة منطقتين بحريتين فقط قد تصل إلى 1.25 تريليون دولار أميركي بالأسعار الحالية للنفط.
ورغم أن هذا الرقم أقل بكثير من التقدير السابق البالغ 8.5 تريليون دولار أميركي لجميع المناطق الـ 53، فإنه ما يزال يُمثّل فرصة اقتصادية هائلة لدولة لم يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة 8-10 مليارات دولار أميركي.
وتُشير الأرقام المُعدّلة إمّا إلى تقييمات جيولوجية أكثر تحفظًا، أو إلى التركيز على المناطق الواعدة التي حُدِّدَت من خلال أنشطة الاستكشاف الأخيرة.

تركيا شريك إستراتيجي في تنمية الطاقة
رسّخت تركيا مكانتها شريكًا محوريًا في المرحلة الأولى من تطوير حقول النفط البحرية في الصومال، ما يعكس تعميق العلاقات الإستراتيجية والاقتصادية بين أنقرة ومقديشو على مدى العقد ونصف العقد الماضيين.
تتجاوز هذه الشراكة قطاع الطاقة، لتشمل التعاون العسكري، وتطوير البنية التحتية، والتعليم، والمساعدات الإنسانية، ما يجعل تركيا أحد أهم الشركاء الأجانب للصومال.
في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أجرت سفينة الاستكشاف التركية "الريس عروج" (Oruç Reis) -وهي سفينة متطورة للمسح الزلزالي- مسوحات واسعة النطاق غطت نحو 4 آلاف كيلومتر مربع من المياه الصومالية.
وتستعمل هذه المسوحات تقنيات متقدمة لإنشاء صور تفصيلية للتكوينات الجيولوجية تحت السطحية، ما يساعد في تحديد مكامن الهيدروكربونات المحتملة ومواقع الحفر المثلى.
وقد أظهر نشر هذه السفينة المتطورة التزام تركيا الجادّ بهذه الشراكة، ووفّر للصومال إمكانية الوصول إلى تقنيات استكشافية كان من الصعب أو المكلف للغاية الحصول عليها لولاها.
من جهة ثانية، شهدت الشراكة تقدّمًا ملحوظًا في أبريل/نيسان 2025، عندما وقّعت شركة النفط والغاز التركية "تباو" (TPAO)، وهي شركة النفط والغاز المملوكة للدولة في تركيا، اتفاقية شاملة للتنقيب والإنتاج البري تغطي 3 مناطق تمتد على مساحة 16 ألف كيلومتر مربع.
ويُكمّل هذا المكون البري الأنشطة البحرية، ويشير إلى أن تركيا والصومال تتبنّيان نهجًا متعدد الأوجه لتطوير قطاع النفط، ما قد يُثمر نتائج إيجابية في مختلف البيئات الجيولوجية.
ويحمل التدخل التركي مزايا وتحديات محتملة، فمن جهة، تُقدّم تركيا التكنولوجيا والخبرة والتمويل الذي يصعب على الصومال الحصول عليه من شركات النفط الغربية الكبرى، التي أبدت اهتمامًا محدودًا بالمشروعات الصومالية نظرًا للمخاوف الأمنية والغموض التنظيمي.
وتمتلك شركة النفط والغاز التركية خبرة في العمل في بيئات صعبة، وأبدت استعدادًا لخوض مشروعات استكشافية عالية المخاطر.
وتُحقق هذه الشراكة مزايا سياسية للصومال، إذ تُسهم في تنويع علاقاتها الدولية وتقليل اعتمادها على القوى الغربية أو المنافسين الإقليميين.
تعزيز الزخم في قطاع الطاقة
أكد الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، أهمية الزخم المتزايد في قطاع الطاقة الصومالي، واصفًا إياه بأنه "على وشك الهيمنة على نقاشات الطاقة في القارة".
ورغم أن هذا قد يعكس تفاؤلًا رئاسيًا أكثر من كونه انعكاسًا للواقع الحالي -نظرًا لأن الصومال لم ينتج بعد برميلًا واحدًا من النفط التجاري- فإن هذا التصريح يشير إلى طموحات الحكومة وإيمانها بأن التقدم المحرَز مؤخرًا يبرر ثقة كبيرة.
وسلّط الرئيس الضوء على العديد من الإنجازات الملموسة التي تدعم هذه النظرة المتفائلة، بما في ذلك التقدم المحرَز في المسوحات الزلزالية ثلاثية الأبعاد المتقدمة التي توفر صورًا أكثر تفصيلًا لباطن الأرض مقارنةً بالمسوحات ثنائية الأبعاد التقليدية.
وتُعدّ هذه المسوحات ثلاثية الأبعاد ضرورية لتحديد مواقع الحفر وتقليل مخاطر الاستكشاف، ما يمثّل تقدمًا تقنيًا مهمًا في قدرات الصومال على تطوير قطاع النفط.
وبرزت الإصلاحات القانونية المتعلقة بإدارة الموارد الطبيعية بوضوح في تصريحات الرئيس.
ويعمل الصومال مع مستشارين دوليين على تطوير إطار قانوني وتنظيمي حديث لقطاع النفط قادر على جذب الاستثمارات مع حماية المصالح الوطنية.
ويشمل ذلك قوانين إدارة إيرادات النفط، واللوائح البيئية، وإجراءات الترخيص، وأحكام الشفافية.
بالمثل، ستؤثّر جودة هذا الإطار القانوني ومصداقيته بشكل كبير في قرار شركات النفط العالمية باستثناء تركيا، بالاستثمار في المشروعات الصومالية.
وأولت الحكومة الصومالية اهتمامًا بالغًا بتدريب القوى العاملة وبناء القدرات، إدراكًا منها لافتقار الصومال حاليًا إلى كوادر محلية في قطاع النفط.
ويُعدّ تطوير الخبرات الصومالية في مجالات الجيولوجيا وهندسة البترول وعمليات الحفر والمجالات ذات الصلة أمرًا بالغ الأهمية لضمان قدرة البلاد على إدارة قطاع النفط بشكل مستقل، ولضمان استفادة المواطنين الصوماليين من فرص العمل بدلًا من احتكارها من قِبل العمال الأجانب.
وقد أُبرِم العديد من الاتفاقيات، التي يُفترض أنها تشمل عقود تقاسُم الإنتاج، وترتيبات المشروعات المشتركة، وعقود الخدمات، أو هي قيد التفاوض، ما يُرسي البنية التعاقدية اللازمة لاستمرار تطوير قطاع النفط في الصومال.
وستكون شفافية هذه الاتفاقيات وعدالتها حاسمة لضمان حصول الصومال على القيمة المرجوّة من مواردها، وتجنُّب لعنة الموارد التي أصابت العديد من الدول المنتجة للنفط.
التحديات السياسية تُلقي بظلالها على الطموحات الاقتصادية
على الرغم من التطورات الواعدة بقطاع النفط في الصومال، جاء خطاب الرئيس الصومالي في ظل جدل سياسي حادّ قد يُعقّد -أو يُؤخّر- تطوير قطاع الطاقة.
وقد أثارت التعديلات الدستورية والإصلاحات الانتخابية التي اقترحتها الحكومة الفيدرالية معارضة من رؤساء سابقين وعدّة ولايات أعضاء في الحكومة الفيدرالية، ما يُهدد التوافق السياسي الهشّ اللازم لإدارة مشروعات تنمية الموارد المعقّدة.
وقال الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، للنواب: "نبذل قصارى جهدنا للتحدث مع الإخوة الذين رفضوا المجلس الاستشاري الوطني"، في إشارة خاصة إلى ولايتي بونتلاند وجوبالاند، وهما ولايتان تتمتعان بحكم شبه ذاتي، قاطعتا جلسات المجلس الاستشاري الوطني الأخيرة.
ويُعدّ المجلس الاستشاري الوطني المنتدى الدستوري الرئيس الذي يجمع الحكومة الفيدرالية وقادة الولايات لمناقشة التعديلات القانونية المقترحة والتفاوض بشأنها قبل تقديمها إلى البرلمان، للنظر فيها رسميًا.
وتعكس مقاطعتا بونتلاند وجوبالاند توترات أعمق داخل النظام الفيدرالي الصومالي فيما يتعلق بتوازن القوى بين مقديشو والمناطق.
وتنطوي هذه التوترات على تداعيات مباشرة بشأن تطوير النفط في الصومال، إذ يقع العديد من المناطق البحرية ضمن مياه تطالب بها الولايات الأعضاء في الحكومة الفيدرالية، وقد تمتد المناطق البرية عبر أراضٍ تتنازع فيها سلطات الولايات على السيطرة الفيدرالية.
وفي غياب توافق سياسي بشأن تقاسم الإيرادات، وسلطة الترخيص، والرقابة التنظيمية، قد يصبح تطوير النفط مصدرًا آخر للحرب بدلًا من أن يكون فرصة اقتصادية موحدة.
وأضاف الرئيس محمود -مؤكدًا التزامه بالمصالحة السياسية-: "تقتضي المسؤولية منّا التواصل مع من لديهم مخاوف، والاستمرار في ذلك استباقيًا.. لقد اخترنا حل النزاع عبر الحوار والتوافق".
وظلّ تحقيق هذا التوافق صعب المنال طوال مدة ما بعد المرحلة الانتقالية في الصومال، حيث ما تزال العلاقات بين الحكومة الفيدرالية والولايات مصدرًا مستمرًا لعدم الاستقرار.
بدورها، تثير التوترات السياسية قلقًا بالغًا لدى المستثمرين المحتملين في قطاع النفط، الذين يحتاجون إلى بيئات قانونية وتنظيمية مستقرة لاستثمار رؤوس الأموال الضخمة اللازمة لعمليات الحفر البحري.
وتزيد النزاعات الحدودية البحرية، والحروب بين الحكومة الفيدرالية والولايات بشأن سلطة الترخيص، وعدم وضوح ترتيبات تقاسم الإيرادات، وعدم الاستقرار السياسي، من مخاطر الاستثمار، وقد تُثني شركات النفط الدولية الكبرى عن المشاركة.

تعزيز مناخ الاستثمار
في تطور إيجابي لآفاق الاستثمار، سلّط الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، الضوء على المكاسب العسكرية الأخيرة ضد "حركة الشباب"، الجماعة المتشددة التي تشنّ تمردًا ضد الحكومة الصومالية منذ ما يقرب من عقدين.
و يُعدّ تحسّن الأمن أمرًا بالغ الأهمية لعمليات النفط، إذ تُشكّل المنشآت النفطية أهدافًا جذابة للهجمات العسكرية وعمليات الخطف، كما أن البيئات غير الآمنة تُصعّب للغاية تشغيل منصات الحفر وخطوط الأنابيب ومرافق المعالجة.
وقال الرئيس الصومالي: "كما تعلمون، يقود طيارون صوماليون الآن طائراتنا في هذه العمليات، وهو ما يُمثّل خطوة كبيرة للجيش والبلاد"، مُشيرًا إلى طائرات الهليكوبتر القتالية التي حُصِل عليها حديثًا والقدرات المتنامية للجيش الوطني الصومالي.
ويُمثّل تطوير القدرات المحلية للطيران العسكري -بدعم من التدريب والمعدّات التركية- علامة فارقة بجهود بناء الدولة في الصومال، ويُعزّز قدرة الحكومة على توفير الأمن للبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك المنشآت النفطية المحتملة.
وأشاد الرئيس بالجيش الوطني الصومالي والشركاء الدوليين، بمن فيهم قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي ومختلف الجهات المانحة للمساعدات الأمنية الثنائية، لجهودهم في إضعاف قدرات حركة الشباب وتحرير الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرتها.
ورغم أن "حركة الشباب" ما تزال قوة مؤثّرة قادرة على شنّ هجمات إرهابية وفرض حكم موازٍ في المناطق الريفية، فإن مسار الحرب قد تحوَّل تدريجيًا لصالح الحكومة، ما خلق بيئة أكثر ملاءمة للتنمية الاقتصادية.
تحدّي لعنة الموارد
على الرغم من أن الصومال تقف على أعتاب إنتاج نفطي محتمل، تُقدّم تجارب الدول الأفريقية المنتجة للنفط دروسًا بالغة الأهمية.
فقد اكتشفت دول مثل نيجيريا وأنغولا وغينيا الاستوائية وتشاد أن الثروة النفطية لا تُترجَم تلقائيًا إلى ازدهار شامل أو استقرار سياسي.
وفي كثير من الحالات، غذّت إيرادات النفط الفساد، وعززت الأنظمة الاستبدادية، وأشعلت حروبًا عنيفة للسيطرة على الموارد، وفشلت في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.
وتُعدّ ظاهرة "لعنة الموارد" -حيث ترتبط وفرة الموارد الطبيعية، بشكل متناقض، بتباطؤ النمو الاقتصادي، وتزايد الفساد، وارتفاع مخاطر الحرب- موثقة جيدًا في جميع أنحاء الدول النامية.
ويتطلب تجنُّب هذا المصير من الصومال تطبيق آليات حوكمة قوية، تشمل عمليات ترخيص شفافة، ومناقصات تنافسية لحقوق النفط، ومراجعة مستقلة للإنتاج والإيرادات.
يضاف إلى ذلك الإفصاح العلني عن العقود والمدفوعات، والتوزيع العادل للإيرادات بين المناطق والمجتمعات، والاستثمار في قطاعات غير نفطية لتجنُّب الاعتماد المفرط، وحماية بيئية قوية.
وتُوفِّر مبادرات دولية -مثل مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية "إي آي تي آي" (EITI)- أطرًا لإدارة الموارد، ومن الحكمة أن تتبنّاها الصومال قبل بدء إنتاج النفط على نطاق واسع.
ويُعدّ إرساء ممارسات حوكمة سليمة، في وقت مبكر، أسهل بكثير من محاولة إصلاح الأنظمة الفاسدة، بعد أن ترسّخت شبكات استغلال النفوذ.
الآثار الإقليمية والدولية
يحمل بروز الصومال منتجًا محتملًا للنفط آثارًا بالغة الأهمية بالمسارات الإقليمية في القرن الأفريقي ومنطقة المحيط الهندي الأوسع.
وتقع حقول النفط البحرية التابعة للصومال على مفترق طرق ملاحية بحرية مهمة، وقد يؤدي تطوير النفط في الصومال إلى إعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية، وجذب اهتمام ومشاركة أجنبية متزايدة، وربما إثارة توترات متجددة بشأن الحدود البحرية مع الدول المجاورة.
بالنسبة لأسواق الطاقة العالمية، قد يُمثّل الإنتاج الصومالي -إن تحققَ على نطاق واسع- مصدرًا جديدًا للإمدادات في سوق عالمية تزداد فيها المخاوف بشأن أمن الطاقة وتنويع مصادرها.
من ناحية ثانية، ونظرًا لطول المدة الزمنية اللازمة لتطوير الحقول البحرية، والشكوك المحيطة باحتياطيات الصومال، فمن المرجَّح أن يظل أيّ إنتاج صومالي كبير بعيد المنال لسنوات عديدة.
تفاؤل حذِر
يمثِّل إطلاق الصومال المُخطَّط له لعمليات الحفر البحري في يناير/كانون الثاني 2026 لحظة تاريخية محتملة لدولة عانت من تحديات جسيمة.
فوجود احتياطيات نفطية كبيرة مُقدَّرة، وشراكة راسخة مع تركيا، وتقدُّم الاستعدادات التقنية، وتحسُّن الأوضاع الأمنية، كلّها عوامل تُبرِر التفاؤل الحذِر بشأن آفاق قطاع الطاقة في البلاد.
في المقابل، ما تزال هناك تحديات جسيمة، كالتوترات السياسية داخل النظام الفيدرالي الصومالي، والتهديدات الأمنية المستمرة من "حركة الشباب"، والضبابية بشأن الجدوى التجارية لاحتياطيات النفط، ومحدودية القدرات التقنية والبنية التحتية، ومخاطر الحوكمة والفساد.
يضاف إلى ذلك التحدي المُعقّد المتمثل في تحويل ثروة الموارد إلى تنمية شاملة، وكلّها عوامل تُهدد بعرقلة -أو تقليص- فوائد تطوير النفط.
ويتوقف مصير طفرة النفط في الصومال -سواء تحققت حسبما هو مخطط لها، أم بقيت مجرد وعد لم يتحقق- على قدرة الحكومة على تجاوز هذه التحديات، مع إرساء أسس الحوكمة اللازمة لتنمية نفطية مستدامة وعادلة.
ولا شك أن المخاطر جسيمة بالنسبة لدولة تسعى للتحول من الاعتماد على المساعدات الدولية إلى دولة مكتفية ذاتيًا ومزدهرة، وعضو فاعل في المجتمع الدولي، وستتضح معالم مستقبل أحلام الصومال النفطية مع بدء عمليات الحفر في قاع البحر مطلع عام 2026.
موضوعات متعلقة..
- تركيا تبدأ التنقيب عن النفط في الصومال.. و7 أشهر لـ"الريس عروج"
- التنقيب عن النفط في الصومال ينطلق قريبًا بـ3 مربعات بشراكة تركية
- قصة النفط في الصومال ونزاعاته منذ الاكتشاف وحتى اتفاق التنقيب مع تركيا (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- مصافي النفط في الكويت.. طاقات ضخمة تعزز مكانتها بالشرق الأوسط
- الغاز المسال يقود تحول الطاقة في تركيا.. نموذج يُحتذى به (تقرير)
- إيرادات صادرات الطاقة الروسية تنخفض.. و6 دول عربية تستورد المشتقات النفطية
المصادر:
- الصومال يستعد لإطلاق تاريخي لعمليات التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية عام 2026، ساعيًا إلى التحول من الاعتماد على المساعدات إلى منتج للطاقة، من مجموعة سيراري غروب
- تركيا تبدأ التنقيب عن النفط في الصومال العام المقبل، من منصة داوان أفريكا





