التقاريرتقارير الهيدروجينرئيسيةهيدروجين

صادرات الوقود النظيف عالميًا.. الصين تحسم السباق أمام أميركا (تقرير)

نوار صبح

تُبرز صادرات الوقود النظيف الإقليمية تفوق الصين على الولايات المتحدة، التي تخلّت عن التزاماتها بالتقنيات النظيفة بعد تولي الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مهام ولايته الرئاسية الثانية، ما أتاح للشركات الصينية الانتشار الواسع محليًا وعالميًا.

وترى محللة إزالة الكربون لدى شركة الاستشارات التجارية في مجالات الشحن "ماريتايم إستراتيجيز إنترناشونال" (MSI) مريم تزاناتوس، أن صادرات الهيدروجين والأمونيا الإقليمية التي تقودها الصين ستحد من نمو التجارة البحرية لمسافات طويلة، وتحد من نمو أساطيل الناقلات الكبيرة.

في المقابل، لم يُنظر إلى اقتصاد الهيدروجين العالمي في الأصل على أنه منافسًا عبر المحيط الهادئ؛ إلا أنه في عام 2025، ومع إعادة تشكيل إدارة ترمب الثانية لمشهد الطاقة في الولايات المتحدة، تتغير الديناميكيات العالمية، حيث يميل الزخم، حاليًا، نحو الصين، حسب مصادر تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.

ونتيجة لتراجع التزام الولايات المتحدة بالهيدروجين النظيف والأمونيا ومشتقاتها، تستغل الصين الفرصة بسرعة، وعلى نطاق واسع، وبإستراتيجية صناعية واضحة.

الاستثمار في أبحاث الطاقة وتطويرها وتطبيقاتها

على الصعيد العالمي، ارتفع الاستثمار في أبحاث الطاقة وتطويرها وتطبيقاتها، التي تُعدّ أساس التقدم التكنولوجي، من نحو 30 مليار دولار أميركي في عام 2015 إلى ما يقارب 50 مليار دولار أميركي في عام 2023.

تشهد مساهمة الصين نموًا ملحوظًا، متجاوزةً بذلك كلًا من الولايات المتحدة وأوروبا في عام 2021، واستمرت الفجوة في الاتساع منذ ذلك الحين.

لعقود، كانت الولايات المتحدة أكبر مستثمر في أبحاث الطاقة وتطويرها وتطبيقاتها في العالم؛ ولكن مع التخفيضات الكبيرة المقترحة، من المتوقع أن تتسع رقعة ريادة الصين.

محطة لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية في مدينة تشانغجياكو بالصين
محطة لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية بمدينة تشانغجياكو في الصين – الصورة من رويترز

طموحات المناخ

من منظور أوسع لطموحات المناخ، تبذل الصين جهودًا حثيثة لترسيخ مكانتها قوةً عظمى في مجال الوقود النظيف.

في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقد في 24 سبتمبر/أيلول 2025، أعلن الرئيس شي جين بينغ خططًا لزيادة قدرة طاقة الرياح والطاقة الشمسية 6 أضعاف مستويات عام 2020 خلال العقد المقبل، ورفع حصة مصادر الطاقة غير الأحفورية إلى أكثر من 30% من إجمالي استهلاك الطاقة.

يضاف إلى ذلك تعهد بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة تتراوح بين 7 و10% عن ذروتها بحلول عام 2035.

وتُعد هذه الالتزامات، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها توبيخ مبطن لتراجع الولايات المتحدة في مجال المناخ، نقيضًا مباشرًا لموقف إدارة ترمب المؤيد للوقود الأحفوري وانسحابها من اتفاق باريس للمناخ، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تتعثر؛ فإن الصين تُنفذ إستراتيجية صناعية متسقة بقيادة الدولة، ترتكز على الوقود النظيف والأتمتة، والقوى العاملة الماهرة، وبيئة سياسية داعمة ومستقرة.

وتتبنّى مقاطعات مثل بكين خططًا خاصة بالهيدروجين، في حين تُسوّق مدن مثل ووهان وداتونغ نفسها مدنًا هيدروجينية.

الانتشار العالمي

تواصل الصين الاستثمار في الخارج، ففي 14 سبتمبر/أيلول 2025، وقّعت شركة "يو إي جي" (UEG) الصينية مذكرة تفاهم في الأردن لإنشاء مصنع للهيدروجين الأخضر بتكلفة 1.5 مليار دولار أميركي، واتفاقية إطارية في موريتانيا لإنشاء منشأة لإنتاج الأمونيا الخضراء بطاقة إنتاجية تبلغ مليون طن سنويًا.

في وقت سابق، وتحديدًا في 5 أغسطس/آب 2025، وقّعت شركة "صنغرو هيدروجين سي آند تك" (Sungrow Hydrogen Sci & Tech) الصينية مذكرة تفاهم مع مصنع في سلطنة عُمان لإنتاج أجهزة التحليل الكهربائي والمعدات ذات الصلة.

وتفوّقت الصين على اليابان في براءات اختراع الهيدروجين الأخضر؛ حيث سجّلت معظم براءات الاختراع المتعلقة بالهيدروجين والبالغ عددها 180 ألف براءة بين عامي 2013 و2022.

ويُظهر فوز شركة سينوبك (Sinopec) بعقد الهندسة لمشروع ينبع للهيدروجين الأخضر في المملكة العربية السعودية أواخر أغسطس/آب 2025 طموحات الصين في توسيع نطاقها العالمي لاستثمارات الوقود النظيف.

في الوقت نفسه، تُعمّق الصين علاقاتها مع اليابان وكوريا، وربما تايوان، لتُرسّخ مكانتها موردًا مستقرًا طويل الأمد في ظل تراجع مصداقية الولايات المتحدة.

ويُعدّ هذا النوع من الانتشار المبكر بالغ الأهمية؛ لأنه يضمن توريدًا طويل الأمد وحصة سوقية كبيرة.

من ناحية ثانية، يُساعد التشغيل السريع للصين على ضمان ميزة الريادة في آسيا، وربما في أوروبا.

ومن خلال وضع قواعد محلية مبكرة، تستطيع الصين التأثير في المعايير العالمية، ووضع نفسها في موقع تنافسي يسمح لها بالمنافسة وفقًا لشروطها الخاصة.

يأتي ذلك من خلال آلية تعديل حدود الكربون، وهي سياسة تفرض سعرًا للكربون على الواردات عند الحدود لمنع تسرب الكربون وتحقيق تكافؤ الفرص مع المنتجين المحليين الذين يتحملون تكاليف الكربون.

ناقلة هيدروجين مضغوط صغيرة
ناقلة هيدروجين مضغوط صغيرة – الصورة من بروفاريس

المنظمة البحرية الدولية والطلب على الهيدروجين

يُتيح قرار المنظمة البحرية الدولية بتأجيل تطبيق إطار عملها الخاص بالوصول إلى الحياد الكربوني فرصةً لتباطؤ زخم إزالة الكربون من القطاع البحري.

وسيؤدي ذلك إلى انخفاض الطلب قصير الأجل على الوقود النظيف في البحر؛ ما يُحوّل تركيز الطلب على الهيدروجين النظيف إلى قطاعات أخرى.

وقد يُتيح هذا للصين فرصةً لتوسيع منظومتها الصناعية للهيدروجين، في حين تتعثر المشروعات التي تُركّز على الشحن في مناطق أخرى.

وقد يُعزّز هذا موقع الصين الريادي، ولا سيما في تصنيع أجهزة التحليل الكهربائي.

حتى في غياب أهداف مُلزمة لإزالة الكربون من القطاع البحري، من المُرجّح أن تستغل الصين السنوات القليلة المقبلة لوضع معايير تقنية لتزويد السفن بالأمونيا والهيدروجين.

ومع قيام المواني المحلية وأحواض بناء السفن وموردي الوقود حاليًا باختبار مشروعات تجريبية وضخمة، يُمكن للصين أن تُرسّخ مكانتها إستراتيجيًا بوصفها رائدة قوية في القطاع البحري بحلول الوقت الذي تُعاود فيه المنظمة البحرية الدولية الانخراط.

هيمنة الصين في اقتصاد الهيدروجين

يعكس تنامي هيمنة الصين في اقتصاد الهيدروجين سرعة تنفيذ المشروعات، ويشير إلى إعادة هيكلة قيادية عالمية في مجال الوقود النظيف.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت رائدة في الابتكار ووضع السياسات المبكرة؛ فقد أدت الضبابية الأخير إلى إضعاف مصداقيتها الاستثمارية؛ ما سمح للصين بالتقدم من خلال استمرارية السياسات والتكامل الصناعي والتوسع.

وفي حال تصدرت الصين صادرات الهيدروجين النظيف، على شكل أمونيا، فإن معظم التجارة مع شمال شرق آسيا ستكون إقليمية: رحلات قصيرة من المواني الساحلية الصينية إلى اليابان أو كوريا أو تايوان.

وتولد هذه الطرق طلبًا أقل على الشحن، وستعتمد بشكل أكبر على ناقلات الغاز الصغيرة.

ومن المرجح أن تتركز هذه الطرق على منطقة بكين/تيانجين، التي تبعد 1000 ميل بحري (1852 كيلومترًا) فقط عن موانٍ رئيسة في اليابان وكوريا الجنوبية.

على النقيض، لو هيمنت منطقة خليج المكسيك الأميركية على صادرات الهيدروجين النظيف، على شكل أمونيا، لكانت خطوط الشحن عبر المحيط الهادئ لمسافات طويلة تتراوح بين 10 آلاف و11 ألف ميل بحري (18520 و203720 كيلومترًا) تتطلب ناقلات غاز ضخمة لنقل الأمونيا، أو ناقلات أمونيا ضخمة.

بالنسبة لأسواق الشحن، حتى التحول الطفيف من الإمدادات الأميركية إلى الصينية يُترجم إلى خسارة كبيرة في الطلب، ما يُعيد تشكيل ديناميكيات أسعار الشحن.

وكانت الصادرات الأميركية ستُقلص عدد ناقلات الأمونيا الضخمة المتاحة، ما سيرفع إيرادات التأجير الزمني والطلب على وقود السفن.

من جهة أخرى، تُؤدي صادرات الصين لمسافات أقصر إلى تباطؤ نمو حركة الشحن لمسافات طويلة، وتُفضل قطاعات الناقلات الأصغر، وتُركز التجارة داخل آسيا.

لذلك، فإن الفجوة الناشئة في مجال الهيدروجين بين البلدين لا تتعلق فقط بالريادة الصناعية، بل بمن سيُولد الطلب على الشحن والوجهة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق