
تتزايد المناقشات حول جدوى نشر السيارات الكهربائية وسيارات الهيدروجين، بوصفهما خيارات فعّالة للمركبات العاملة بمحركات الاحتراق الداخلي، في محاولة لخفض انبعاثات قطاع النقل وتلبية أهداف المناخ.
وغالبًا ما يشير الجدل الدائر إلى منافسة تقنية محتدمة بين هاتَيْن التقنيتَيْن، وهو أمر مخالف للحقيقة، بحسب تقرير حديث اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
ففي الواقع، كلاهما نظامان كهربائيان يسعى لحل المشكلة نفسها: كيفية نقل الركاب بانبعاثات أقل بكثير من البنزين والديزل، لكنهما يسلكان مسارات مختلفة تمامًا لتحقيق ذلك.
في الوقت نفسه، لا تُعدّ هاتان التقنيتان مجرد بديلَيْن، بل تمثّلان بنى تحتية مختلفة، ومسارات استثمارية متباينة، وافتراضات متباينة حول كيفية توليد الطاقة النظيفة وتوزيعها وتخزينها في العقود المقبلة.
وسيعتمد نجاح إحداهما أو كلتيهما ليس فقط على الهندسة، بل أيضًا على الجوانب الاقتصادية، والخيارات السياسية، وسرعة بناء الأنظمة التي تتطلّبها كل تقنية.
الفرق بين السيارات الكهربائية وسيارات الهيدروجين
يشرح تقرير منصة الطاقة الفرق بين السيارات الكهربائية وسيارات الهيدروجين، من حيث طريقة العمل، ومدى التأثير المناخي، والبنية التحتية، وأيضًا التكلفة، وذلك على النحو الآتي:
1- طريقة العمل
تخزن هذه السيارات الطاقة على شكل كهرباء في بطارية كبيرة؛ إذ تُشحن البطارية من الشبكة الكهربائية (أو من الألواح الشمسية على أسطح المنازل)، ثم يحوّل محرك كهربائي الطاقة المخزنة إلى حركة.
ومن الناحية التقنية، هذه سلسلة قصيرة جدًا: من الكهرباء إلى البطارية إلى المحرك إلى العجلات.
ونظرًا إلى قلة خطوات التحويل نسبيًا، تستطيع السيارات الكهربائية الحديثة تحويل نحو 70-90% من الكهرباء المخزنة في البطارية إلى طاقة حركية على الطريق، في حين يُفقد الباقي على شكل حرارة وهدر للطاقة.
هذه البساطة هي سر استجابة السيارات الكهربائية السريعة: كفاءة عالية، وأجزاء متحركة قليلة، وعزم دوران فوري، كما أنها السبب في إمكان ربط بنية الشحن التحتية بشبكة الكهرباء العامة المتوفرة في كل مكان.
وسيارات الهيدروجين كهربائية أيضًا، لكنها تحمل طاقتها على شكل غاز هيدروجين مضغوط داخل السيارة؛ إذ تُدمج خلية الوقود الهيدروجين مع الأكسجين من الهواء لإنتاج الكهرباء، التي بدورها تُشغل محركًا كهربائيًا؛ والناتج الوحيد من العادم هو بخار الماء.
ويكمن التحدي في جميع العمليات التي يجب أن تتم قبل وصول الهيدروجين إلى السيارة، بحسب منصة "إنترستينغ إنجينيرينغ" (Interesting Engineering).
فإذا بدأنا بالكهرباء المتجددة، يجب أولًا فصل الماء إلى هيدروجين وأكسجين عبر التحليل الكهربائي، ثم ضغط الهيدروجين أو إسالته، ونقله وتخزينه، ثم تحويله مرة أخرى إلى كهرباء في خلية الوقود؛ وكل خطوة من هذه الخطوات تُهدر جزءًا من الطاقة.
وتُشير الدراسات التي تُتابع سلسلة "من الكهرباء إلى العجلات" الكاملة عادةً إلى أن سيارات خلايا وقود الهيدروجين تستهلك طاقةً أكثر بنحو ضعفَيْن إلى 3 أضعاف لكل كيلومتر مقارنةً بالسيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات، لتصل كفاءتها الإجمالية إلى ما بين 25% و45%.
لذا، تُوفر سيارات الهيدروجين انبعاثات صفرية من العادم، تمامًا مثل السيارات الكهربائية، ولكن عبر مسار طاقة أكثر تعقيدًا.

2- التأثير المناخي
تبدو كل من السيارات الكهربائية وسيارات الهيدروجين نظيفة من حيث الانبعاثات، إلا أن العامل المناخي الحقيقي يكمن في كيفية إنتاج الطاقة وكيفية تصنيع هذه المركبات.
وتُظهر تحليلات دورة الحياة باستمرار أن السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات تُصدر غازات دفيئة أقل بكثير على مدار عمرها الافتراضي مقارنةً بسيارات البنزين؛ إذ تُشير أبحاث حديثة في أوروبا إلى أن الانبعاثات أقل بنحو 70-75%، حتى مع شبكة الكهرباء الحالية غير الكاملة.
وعند إضافة سيارات الهيدروجين إلى المقارنة، تتفوّق السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات عمومًا مرة أخرى، ويرجع ذلك أساسًا إلى استهلاكها للطاقة بكفاءة أعلى، وإمكان توصيلها مباشرةً بشبكة كهرباء تشهد انخفاضًا تدريجيًا في انبعاثات الكربون.
وتستطيع سيارات الهيدروجين أن تضاهي أو تتفوق على السيارات الكهربائية في انبعاثات دورة حياتها، ولكن بشروط صارمة: يجب أن يكون الهيدروجين "أخضر"، أي يُنتج من الكهرباء المتجددة بدلًا من الغاز الطبيعي الذي ما يزال يُهيمن على إنتاج الهيدروجين حتى اليوم.
وباستعمال الهيدروجين الأخضر، يُمكن لمركبات خلايا الوقود أن تقترب من انخفاض انبعاثات السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات.
أما مع الهيدروجين المُنتَج من الوقود الأحفوري، فإن ميزتها المناخية تتضاءل بصورة كبيرة وأحيانًا بالكاد تُحسِّن أداء المحركات التقليدية، بحسب ما جاء في التقرير.
3- البنية التحتية والتكلفة
شهدت البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية نموًا سريعًا؛ فعلى الصعيد العالمي، أُضيف أكثر من 1.3 مليون نقطة شحن عامة في عام 2024 وحده.
وتتوسع شبكات الشحن السريع على طول الطرق السريعة، ويشحن العديد من السائقين في المنزل أو العمل، وهو أمر مستحيل مع البنزين أو الهيدروجين.
وفي المقابل، ما يزال التزوّد بالهيدروجين نادرًا؛ إذ لا يتجاوز عدد محطات الهيدروجين في الأسواق المتقدمة العشرات أو المئات، وليس عشرات الآلاف.
وعلى الصعيد العالمي، توجد تجمعات لمحطات الهيدروجين في دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا وأجزاء من الصين، إلا أن تغطيتها غير منتظمة. كما أن بناء كل محطة هيدروجين يتطلّب استثمارات رأسمالية ضخمة وخبرة تقنية عالية.
أما فيما يتعلق بالتكاليف فتستفيد السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات من إنتاج بطاريات الليثيوم أيون بكميات كبيرة، وانخفاض أسعارها، وبساطة أنظمة الدفع، وفق التفاصيل التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

في المقابل، ما تزال أنظمة خلايا الوقود وخزانات تخزين الهيدروجين باهظة الثمن. كما أن الهيدروجين الأخضر نفسه أغلى ثمنًا لكل كيلومتر من الكهرباء المولدة من الشبكة، خاصةً عند الأخذ في الحسبان انخفاض كفاءته.
وتتمثّل الميزة الرئيسة للهيدروجين في سهولة التزوّد بالوقود: فملء الخزان في غضون 3-5 دقائق يُشعرك وكأنك تتزوّد بالبنزين، في حين يستغرق الشحن السريع بالتيار المستمر عادةً 20-30 دقيقة للحصول على شحنٍ كافٍ، وهذا الفرق مهم للسائقين الذين يقومون برحلات طويلة متكررة.
أي تقنية ستفوز؟
إذا كانت السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات هي الخيار الأمثل لسيارات الركاب اليومية، فلماذا ما يزال العديد من المهندسين وصناع السياسات مهتمين بالهيدروجين؟
أحد الأسباب هو أن ليس كل المركبات سيارات صغيرة تقوم برحلات قصيرة؛ إذ يُصبح الهيدروجين أكثر جاذبية للشاحنات الثقيلة، وحافلات المسافات الطويلة، وربما السفن والقطارات.
هذه حالات تتطلّب مدى طويلًا وتزوّدًا سريعًا بالوقود، حيث يُمثّل حمل بطارية كبيرة وثقيلة جدًا مشكلة، ويُمكن لكثافة الطاقة العالية للهيدروجين وسرعة التزود بالوقود أن تُعوّض انخفاض الكفاءة في هذه المجالات.
ويُدرس الهيدروجين -أيضًا- بوصفه وسيلة لتخزين فائض الكهرباء المتجددة الموسمية، ومادة خامًا لصناعات مثل الصلب والأسمدة، ما قد يُنشئ "اقتصادًا هيدروجينيًا" أوسع نطاقًا يُمكن لقطاع النقل الاستفادة منه.
وفي هذا السياق، قد تعتمد مركبات خلايا الوقود على بنية تحتية مُصممة أساسًا للشاحنات والصناعة والشحن، بدلًا من السيارات الخاصة.
وإذا كان السؤال هو: "ما السيارة التي سيقودها معظم الناس في العقدَيْن المقبلَيْن؟"، فإن الفيزياء والاقتصاد يُشيران بقوة إلى السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات.
فهي أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، وأسهل في التزوّد بالطاقة من شبكة متجددة بصورة متزايدة، وأقل تكلفة في التشغيل، وتدعمها بنية تحتية تتوسع في جميع أنحاء العالم.
ومن غير المرجح أن تُهيمن سيارات الهيدروجين على مواقف السيارات العائلية، لكن هذا لا يجعلها غير ذات أهمية.

فمزاياها، مثل سرعة التزوّد بالوقود، وسعة تخزين الطاقة العالية لكل كيلوغرام، وتوافقها مع سلاسل إمداد الهيدروجين الناشئة، تجعلها مناسبة تمامًا للقطاعات التي تتطلًب مدى طويلًا وتعمل تحت أحمال ثقيلة.
وبدلًا من حصر النقاش في صراعٍ بين الهيدروجين والبطاريات، من الأدقّ عدّهما أداتَيْن متكاملتَيْن.
وبالنسبة إلى سيارات الركاب اليومية، تبدو خريطة طريق السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات واعدة. أما بالنسبة إلى قطاعات النقل الأكثر صعوبة، مثل نقل الأحمال الثقيلة لمسافات طويلة وبسرعة فائقة، فقد يحتل الهيدروجين مكانةً بارزةً في مستقبل النقل النظيف.
موضوعات متعلقة..
- أوابك: المركبات الكهربائية العاملة بوقود الهيدروجين غير قادرة على المنافسة
- سيارات الهيدروجين عالقة بين التفوق التقني وضعف الطلب (تقرير)
- سيارات خلايا وقود الهيدروجين تتنافس بقوة مع نظيراتها العاملة بالبطاريات (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- أسواق النفط العالمية تراقب التعاون بين الصين والإمارات.. خطوة استثمارية ضخمة
- ما هو الغاز الاصطناعي؟.. أبرز استعمالاته وأكبر المنتجين عالميًا
- 3 ركائز لتجنب تضاعف استهلاك الطاقة في مراكز البيانات بحلول 2030 (تقرير)
- الطاقة النووية تعزز مصادر توليد الكهرباء بتكاليف مناسبة في الاقتصادات الناشئة (تقرير)
المصدر..





