لماذا انخفضت أسعار النفط تحت 60 دولارًا للبرميل؟ (تحليل)
أحمد بدر

بشكل مفاجئ، تراجعت أسعار النفط دون مستوى 60 دولارًا لخام برنت، وهو ما فتح باب التساؤلات حول الأسباب الحقيقية لهذا الهبوط، في ظل ربط واسع بين حركة السوق واحتمالات وقف الحرب الروسية الأوكرانية، وسط تضارب في التحليلات الإعلامية والاقتصادية.
وفي هذا السياق، أوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن ما جرى تداوله بشأن أسباب الانخفاض يفتقر إلى الدقة، فالأسواق غالبًا ما تتفاعل نفسيًا مع الأخبار السياسية قبل التحقق من آثارها الفعلية على العرض والطلب.
وأضاف أن مجرد الحديث عن مفاوضات سلام أو تدخُّل سياسي دولي يدفع المتعاملين إلى البيع السريع، ما يخلق موجات هبوط مؤقتة، لكنه شدّد على ضرورة الفصل بين ردّ الفعل الآني للأسواق وبين التأثيرات الهيكلية طويلة الأمد.
وبيّن أن التحليلات السائدة أغفلت معطيات أساسية تتعلق بقدرات الإنتاج الروسية الحالية، وسلوك المصافي، واتجاهات الطلب الموسمية، مشيرًا إلى أن الربط المباشر بين إنهاء الحرب وزيادة المعروض النفطي لا يستند إلى حقائق فنية.
جاءت تصريحات أنس الحجي خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة"، الذي يقدّمه عبر موقع التواصل الاجتماعي "إكس"، وجاءت بعنوان: "هل يدمر الذكاء الاصطناعي صناعة الغاز المسال الأميركية ويعيد أوروبا إلى بوتين؟".
تحليل أسعار النفط
يفسر أنس الحجي عددًا من الأمور في تحليل أسعار النفط، قائلًا: إن إعلان وقف الحرب -إن حدث- قد يدفع الأسعار للانخفاض فورًا بفعل الأثر النفسي فقط، بغضّ النظر عن أيّ تغيُّر حقيقي في كميات الإنتاج أو الصادرات، مؤكدًا أن هذا الأثر غالبًا ما يكون محدودًا ومؤقتًا.
وأوضح أن إنتاج روسيا من النفط الخام في الوقت الحالي بالقرب من طاقتها القصوى، ومن ثم فإن إنهاء الحرب غدًا لا يعني إمكان زيادة الإنتاج فورًا، لأن أيّ توسُّع يتطلب وقتًا واستثمارات وإعادة ترتيب للبنية التحتية المتضررة.
بالإضافة إلى ذلك -وفق الحجي- فإن رفع -أو تعليق- بعض العقوبات الغربية على موسكو قد يكون جزءًا من أيّ تسوية سياسية، لكنه لا يترجم تلقائيًا إلى تدفقات نفطية إضافية، لافتًا إلى أن الأسواق بالغت في تقدير هذا العامل.

ولفت خبير اقتصادات الطاقة إلى أن تحليل أسعار النفط لا يُبنى على أخبار جيوسياسية فقط، بل على موازين دقيقة بين العرض والطلب والمخزونات، معتبرًا أن تجاهل هذه العناصر أدى إلى قراءة غير مكتملة لما يجري في السوق.
وبيّن أن جزءًا كبيرًا من التحليلات الإعلامية ركّز على العناوين السياسية فيما يخصّ انخفاض أسعار النفط، بينما أهملت هذه التحليلات التفاصيل التشغيلية والفنية المرتبطة بالإنتاج والتكرير والتصدير، ما خلق انطباعًا مضللًا لدى المتعاملين.
وأضاف مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة أن أسواق النفط سرعان ما تعيد تصحيح مسارها عندما تتضح الحقائق، خاصة إذا لم تظهر بيانات فعلية تؤكد الزيادة المتوقعة في الإمدادات العالمية.
الطلب الموسمي وتأهيل المصافي
قال أنس الحجي، إن التأثير الأهم لوقف الحرب الروسية الأوكرانية يتمثل في توجُّه موسكو نحو إعادة تأهيل مصافيها المتضررة، ما يرفع استهلاكها المحلي من الخام، ويؤدي عمليًا إلى انخفاض صادرات النفط الخام بدلًا من زيادتها.
بالإضافة إلى ذلك، أوضح أن تشغيل المصافي النفطية بنِسب أعلى يعني طلبًا إضافيًا على النفط، وهو الأمر الذي يتناقض مع توقعات السوق بحدوث تخمة في المعروض النفطي، مؤكدًا أن هذا العامل لم يُحتسب بدقّة.

ولفت مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة إلى أن الهند والصين تستوردان الخام الروسي بحسومات كبيرة، وحال تخفيف العقوبات ستتراجع هذه الحسومات أو تختفي، ما يرفع متوسط أسعار النفط عالميًا بدل الضغط عليها.
وعن السبب الحقيقي لانخفاض أسعار النفط عالميًا في الوقت الحالي، قال أنس الحجي، إنه يعود إلى اقتراب دخول الربع الأول من العام الجديد 2026، الذي يشهد -تقليديًا- تراجع الطلب العالمي وارتفاع المخزونات، وهو نمط يتكرر سنويًا.
وشدد على أن بيانات مخزونات النفط الأميركية ستكون حاسمة، فإذا أظهرت المعلومات المنتظرة تراجعًا في المخزونات فقد تتعافى أسعار النفط سريعًا، أمّا إذ ارتفعت هذه المخزونات بشكل كبير فسيعزز ذلك الضغط الهبوطي للأسعار على المدى القريب.
واختتم الحجي تصريحاته في هذا السياق بتأكيد أن قراءة السوق الحالية يجب أن تُبنى على العوامل الموسمية والبيانات الفعلية، لا على افتراضات سياسية، مشددًا على أن فهم هذه المعادلة ضروري لتفسير تحركات أسعار النفط بدقة.
موضوعات متعلقة..
- وزير كويتي: انخفاض أسعار النفط فاجأنا.. ويكشف عن السعر العادل
- متوسط أسعار النفط في 2026 قد ينخفض 20% (تقرير)
- تقرير أميركي يرفع توقعات أسعار النفط في 2026 للشهر الثاني
اقرأ أيضًا..
- مصافي النفط في السعودية.. قدرات عملاقة تدعم ريادة التكرير العالمية
- مصافي النفط في العراق.. تطوّر كبير نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي
- لماذا تحتاج السعودية إلى الطاقة النووية رغم توافر النفط والغاز؟ أنس الحجي يجيب
المصدر:





