المقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةغازمقالات الغاز

بدء إنتاج حقل الجافورة السعودي.. خطوة تتوج إنجازات قطاع الطاقة عالميًا (مقال)

أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • وزارة المالية السعودية أكدت اكتمال المرحلة الأولى من معمل غاز الجافورة قبل الموعد المحدد.
  • معمل غاز الجافورة يُنتج حاليًا 450 مليون قدم مكعبة يوميًا من الغاز المخصص للبيع.
  • احتياطي حقل غاز الجافورة يُقدر بنحو 229 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز الرطب.
  • إدارة المياه أصبحت أحد التحديات التشغيلية الرئيسة لحقل غاز الجافورة.

يتوّج بدء الإنتاج -أواخر عام 2025- في حقل الجافورة، التابع لأرامكو السعودية، إنجازات قطاع الطاقة عالميًا خلال هذا العقد؛ إذ يُنتج الحقل حاليًا 450 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا من الغاز المخصص للبيع.

في بيان موازنتها لعام 2026 الصادر في 2 ديسمبر/كانون الأول، أكّدت وزارة المالية السعودية اكتمال المرحلة الأولى من معمل غاز الجافورة قبل الموعد المحدد، وأنه يُنتج أكثر من ضعف الهدف الأولي للإنتاج المبكر البالغ 200 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا.

وقد أكّد الرئيس التنفيذي لأرامكو السعودية أمين الناصر، أهمية الحقل خلال جلسة توزيع أرباح الشركة للربع الثالث من عام 2025، واصفًا حقل الجافورة بأنه "جوهرة تاج في محفظة الشركة"، وهو تعليق يعكس ثقله الإستراتيجي وثقة الشركة بالتنفيذ.

من ناحية ثانية، يغطي حوض الجافورة مساحةً تبلغ نحو 17 ألف كيلومتر مربع في المنطقة الشرقية، ويُقدر احتياطيه بنحو 229 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز الرطب؛ ما يجعله أكبر مورد للغاز الصخري خارج الولايات المتحدة.

مزايا حوض الجافورة

يتفوّق حوض الجافورة على حوض فاكا مويرتا الأرجنتيني من حيث الإمكانات القابلة للاستخراج، ويتفوق على حوض سيتشوان الصيني من حيث الإنتاجية، حيث تُقدر أرامكو احتياطياته التقنية القابلة للاستخراج بما يتراوح بين 70 و90 تريليون قدم مكعبة قياسية.

ويتماشى هذا الحجم مع عقود من استهلاك الغاز الطبيعي في أسواق الاستيراد الآسيوية والأوروبية الرئيسية، ما يُؤكد القيمة الإستراتيجية طويلة الأجل للحقل.

ويتمثل الهدف الرئيس للمشروع في تحويل توليد الكهرباء في السعودية بعيدًا عن النفط الخام وزيت الوقود، اللذين لا يزالان يُستهلكان بما بين 500 ألف و900 ألف برميل يوميًا خلال فصل الصيف.

ومع اقتراب حقل الجافورة من هدفه المتمثل في إنتاج 3.4 مليار قدم مكعبة قياسية يوميًا من الغاز المخصص للبيع بحلول عامي 2035 و2036، يُمكنه توفير ما يقرب من مليون برميل يوميًا من النفط الخام للتصدير، ما يُمثل إيرادات سنوية إضافية تتراوح بين 25 و35 مليار دولار أميركي بالأسعار الحالية.

ومن المتوقع أن يُنتج حقل الجافورة ما بين 400 ألف و500 ألف برميل يوميًا من سوائل الغاز الطبيعي والمكثفات، مع توقع إنتاج سوائل لمدة طويلة يبلغ نحو 75 مليار برميل، وهي كمية تُضاهي احتياطيات النفط العراقية المؤكدة.

حقل غاز الجافورة بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية
حقل غاز الجافورة بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية - الصورة من أرامكو

تسريع وتيرة التطوير

سرّعت شركة أرامكو السعودية (Saudi Aramco) وتيرة التطوير بعد أن أكدت الآبار التجريبية في عامي 2019 و2020 معدلات التدفق التجاري.

بحلول منتصف عام 2024، كانت الشركة قد منحت عقودًا للهندسة والتوريد والإنشاءات تجاوزت قيمتها 25 مليار دولار أميركي، بما في ذلك حزمة بقيمة 12.4 مليار دولار أميركي لمحطات الضغط، ومرافق المعالجة المركزية، و1100 كيلومتر من البنية التحتية لخطوط الأنابيب.

وتبعتها عقود أخرى بقيمة 8.8 مليار دولار أميركي لحفر الآبار وخدماتها في أواخر عام 2023.

وفي أغسطس/آب 2025، أبرمت أرامكو اتفاقية إيجار وإعادة استئجار بقيمة 11 مليار دولار أميركي مع شركة غلوبال إنفراستركشر بارتنرز (Global Infrastructure Partners)، ما ضمن لها السيولة مع الاحتفاظ بالإشراف التشغيلي على أصول النقل والتوزيع.

مكامن حقل الجافورة

تتطلب جيولوجيا حقل الجافورة هندسةً متقدمة، وتتراوح أعماق المكامن بين 11 ألفًا و14.5 ألف قدم (3352.8 و4419.6 مترًا)، وتتجاوز درجات الحرارة 300 درجة فهرنهايت (148.889 درجة مئوية)، ويتطلب ارتفاع محتوى الطين استعمال دعامات سيراميكية وتصميمات متخصصة للإنجاز.

وعلى الرغم من هذه القيود، فإن النتائج الأولية للآبار، التي تتراوح بين 20 و45 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا من آبار جانبية تتراوح بين 3 آلاف و4 آلاف قدم (914.4 و1219.2 مترًا)، تضع الأداء المبكر لحقل الجافورة في نفس نطاق أداء حقول النفط الصخري الأميركية الرائدة عند معايرة الضغط وتركيب الغاز.

واستعملت شركة أرامكو المشروع لتعزيز القدرة الصناعية المحلية، وبحلول عام 2025، ستُمنح أكثر من 55% من قيمة العقد لشركات مسجلة في السعودية، بزيادة عن أقل من 30% في عام 2021، ما يعكس الجهود المدروسة لتوطين سلاسل التوريد وتوسيع المحتوى الوطني في قطاع الطاقة.

إدارة المياه في حقل الجافورة

أصبحت إدارة المياه إحدى التحديات التشغيلية الرئيسة لحقل الجافورة.

وتتطلب كل مرحلة من مراحل التكسير المائي الهيدروليكي ما بين 400 ألف و600 ألف برميل من المياه، وسيؤدي تطوير أكثر من 400 بئر سنويًا في ذروة الإنتاج إلى رفع الطلب السنوي إلى أكثر من 250 مليون برميل في منطقة شديدة الجفاف.

وقد طبقت شركة أرامكو السعودية سياسة صارمة تُعرف بـ"صفر مياه عذبة"، حيث تُعيد تدوير جميع مياه التدفق المرتجع والمياه المُنتجة من خلال نظام معالجة بقدرة 300 ألف برميل يوميًا، وتعتمد على المياه الجوفية قليلة الملوحة فقط لإنتاج كميات إضافية في المراحل الأولى.

ويختلف هذا النهج اختلافًا كبيرًا عن المراحل الأولى لتطوير الصخر النفطي في الولايات المتحدة، وحتى عن الممارسات الحالية في الأرجنتين.

خطوط الأنابيب في حقل الجافورة
خطوط الأنابيب في حقل الجافورة - الصورة من أوفشور إنرجي

مكانة مشروع الجافورة

يُعيد مشروع الجافورة تشكيل الموقع الجيوسياسي للمملكة العربية السعودية في سوق غاز عالمية مُجزأة.

وقد أدت جهود أوروبا لاستبدال 155 مليار متر مكعب سنويًا من إمدادات خطوط الأنابيب الروسية إلى تضييق أرصدة الغاز المُسال، وبحلول منتصف ثلاثينيات القرن الحالي، يُمكن لمشروع الجافورة توفير ما يعادل أكثر من 100 مليون طن سنويًا من الغاز المُسال كمواد خام.

وهذا من شأنه أن يجعل الرياض موردًا بديلًا مُحتملًا من خلال شراكاتها مع قطر أو عبر طرق تصدير مُحتملة عبر الفجيرة وينبع.

ويُشير استحواذ أرامكو عام 2023 على حصة في شركة ميد أوشن إنرجي (MidOcean Energy)، إلى جانب مُناقشات شراء الغاز المُسال الجارية في الولايات المتحدة وآسيا، إلى طموحات تتجاوز بكثير الاستبدال المحلي.

ويستفيد المشروع من نظام مالي مُواتٍ بشكل فريد؛ فمبيعات الغاز المحلية لا تُفرض عليها أي رسوم ملكية، وتُفرض عليها ضريبة دخل بنسبة 30% فقط، مُقارنةً بالمعدلات الهامشية التي يُمكن أن تصل إلى 85% على النفط.

ويعزز هذا الهيكل معدلات الإيراد الداخلي، وتتوقع أرامكو أن يحقق حقل الجافورة معدل إيراد داخلي يتجاوز 15% حتى في ظل افتراضات متحفظة لأسعار نفط طويلة الأجل تتراوح بين 50 و60 دولارًا للبرميل.

ولا يزال استقرار توزيعات الأرباح قائمًا؛ فقد حافظت الشركة على توزيعات أرباحها البالغة 31 مليار دولار للربع الثالث من عام 2025 على الرغم من ضعف أسواق النفط الخام، مدعومةً بطبيعة الإنفاق الرأسمالي المثقلة بالطلب في حقل الجافورة.

التدقيق البيئي

يتزايد التدقيق البيئي مع تزايد الإنتاج؛ إذ يُصدر الغاز الطبيعي ما يقرب من نصف ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الفحم أو زيت الوقود في توليد الكهرباء، لكن تسرب الميثان لا يزال يُشكل مصدر قلق عالميًا بالغًا.

تُشير بيانات الأقمار الصناعية إلى أن كثافة غاز الميثان في المملكة العربية السعودية تتراوح بين 0.07 و0.12%، وهي من بين أدنى المعدلات عالميًا، على الرغم من أن محتوى كبريتيد الهيدروجين العالي وحجم الإنتاج الكبير في الجافورة سيُشكلان تحديًا لهذا السجل.

وقد تعهدت أرامكو بالكشف الدوري عن التسربات وإصلاحها، وتُجري حاليًا تجربةً لرصد الميثان بشكل مستمر.

رغم ذلك، فلم تلتزم المملكة بعد بمشروع احتجاز الكربون وتخزينه على نطاق واسع في الجافورة، على النقيض من مشروعات التقاط الكربون وتخزينه القائمة في منطقتي الحوية والعثمانية.

إمدادات الغاز والمحتوى المحلي

تشمل المخاطر طويلة الأجل احتمالية حدوث فائض عالمي في إمدادات الغاز إذا تزامنت الموجة الثانية من قدرة إنتاج الغاز المسال الأميركية (نحو 120 مليون طن سنويًا، التي ستدخل حيز التشغيل بين عامي 2026 و2029) مع انخفاض الطلب مدفوعًا بمصادر الطاقة المتجددة والكفاءة.

ولا يتوقع سيناريو وكالة الطاقة الدولية "الحياد الكربوني بحلول عام 2050" أي عقود غاز جديدة طويلة الأجل بعد عام 2025؛ وهو توقع يرفضه المسؤولون السعوديون باعتباره غير واقعي.

ويشيرون بدلًا من ذلك إلى سيناريو "التعهدات المعلنة"، الذي يتوقع زيادة إضافية بنسبة 15% في الطلب العالمي على الغاز بحلول عام 2040.

الطلب العالمي على الغاز الطبيعي

وتساعد تكلفة التعادل لمشروع الجافورة -المقدرة بنحو 2.50-3.50 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية تُسلم إلى الشبكة المحلية- في عزل المشروع عن دورات أسعار الغاز المسال العالمية.

ويظل المحتوى المحلي وخلق فرص العمل عنصرين أساسيين في الشرعية السياسية والاقتصادية لرؤية 2030.

ومن المتوقع أن يوفر البرنامج 10 آلاف وظيفة مباشرة و40 ألف وظيفة غير مباشرة بحلول عام 2030، مع هدف سَعْودة بنسبة 70% في الوظائف الفنية (ارتفاعًا من نحو 55% حاليًا).

وتهدف مراكز التدريب الجديدة في منطقة الأحساء والشراكات مع جامعة تكساس إيه آند إم وكلية كولورادو للمناجم إلى تسريع تطوير القوى العاملة.

الإنتاج المبكر لحقل الجافورة

يؤكد نجاح الإنتاج المبكر لحقل الجافورة صحة عقد من التحضير، ويُرسخ مكانة المملكة العربية السعودية بوصفها عضوة وحيدة في منظمة أوبك (OPEC) تتمتع بإمكانات نمو مُجدية في قطاع الغاز غير المصاحب خلال هذا العقد.

ولا يُبالغ في وصف الرئيس التنفيذي لأرامكو السعودية أمين الناصر، لحقل "جوهرة التاج": فعند اكتمال تطويره، يُمكن للحقل أن يُضيف ما بين 3% و4% إلى إمدادات الغاز الطبيعي العالمية، ويُقلل من استهلاك النفط المُرتفع، ويُحقق عشرات المليارات من الدولارات من إيرادات التصدير الإضافية.

ويُرسخ هذا الحقل مكانة أرامكو مُنتجًا رئيسًا للغاز إلى جانب دورها المُهيمن في قطاع النفط.

رغم ذلك، فلا تزال مخاطر التنفيذ قائمة، بما في ذلك المياه، وتوطين التكنولوجيا، وإدارة غاز الميثان، والضبابية بشأن الطلب على المدى الطويل، إلا أن بدء الإنتاج المُستدام في عام 2025 يُمثل اللحظة التي تُصبح فيها أكبر مُصدر للنفط في العالم قوةً فاعلةً في مجال الغاز الصخري.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق