أنس الحجي: إنتاج النفط الأميركي يشهد مبالغات.. وهذه حقيقة خوف "لوك أويل" من ترمب
أحمد بدر

تشهد سوق الطاقة العالمية نقاشًا متجددًا حول دقّة البيانات المرتبطة بتطورات إنتاج النفط الأميركي خلال الأشهر الأخيرة، لا سيما بعد صدور بيانات سبتمبر/أيلول التي عكست زيادة جديدة أثارت الكثير من التساؤلات حول مصادرها الحقيقية وتأثيرها في هيكل الإنتاج العام داخل الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، أوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن هذا التساؤل يأتي في وقت تستمر فيه مؤسسات إعلامية كبرى بدفع روايات متحيّزة ترتبط بالتطورات السياسية.
وبحسب الحجي، فإن قراءة البيانات الرسمية تتطلب فهمًا عميقًا للفروق بين مناطق إنتاج النفط الأميركية، إذ تختلف طبيعة الحقول في ألاسكا وخليج المكسيك والحقول الصخرية اختلافًا جوهريًا يجعل الحكم العام على اتجاهات الإنتاج أمرًا معقّدًا ويحتاج إلى تحليل أكثر تفصيلًا، خصوصًا في ظل التقلّبات التي شهدها شهرا أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول.
وأشار إلى أن غالبية الزيادة الأخيرة جاءت من ألاسكا ومن الجزء الغربي من حوض برميان في ولاية نيومكسيكو، بينما تراجع الإنتاج في مناطق صخرية أخرى، وهو ما يعكس صورة غير متوازنة عن الأداء الكلّي داخل الولايات المتحدة، ويؤكد أن مسار إنتاج النفط الأميركي لا يمكن قياسه بمؤشر واحد أو قراءة عابرة للبيانات الأولية.
وأكد أن احتساب إدارة معلومات الطاقة الأميركية للسوائل الغازية ضمن أرقام النفط يعزز حالة المبالغة المتداولة حول مستويات الإنتاج، لأنها سوائل لا تُصنّف نفطًا خامًا بالمعايير الفنية، ما يؤدي لتضخيم الأرقام ويعطي انطباعًا مضللًا حول قرب دخول الولايات المتحدة مرحلة نمو جديدة، رغم أن البيانات التفصيلية تُظهر شحًا واضحًا.
جاءت تلك التصريحات خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة"، الذي يقدّمه الحجي -أسبوعيًا- عبر مساحات منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، وجاءت هذا الأسبوع بعنوان: "السياسة تستمر في تغيير اتجاهات تجارة النفط العالمية".
المبالغات في بيانات إنتاج النفط الأميركي
يؤكد أنس الحجي أن الترويج المستمر لانفجار جديد في مسار إنتاج النفط الأميركي خلال سبتمبر/أيلول 2025 يستند إلى قراءة غير دقيقة للبيانات، لأن أرقام أغسطس/آب السابقة لم تشهد أيّ زيادات تُذكَر في الإنتاج الصخري.
وأضاف: "في الوقت نفسه، جاءت الزيادة الوحيدة في الإنتاج النفطي من خليج المكسيك، وهو ما يعني أن الصورة التي تُقدَّم للجمهور لا تعكس حقيقة التراجع الملحوظ في أجزاء واسعة من الحقول الصخرية".
وأوضح أن خصوصية الجزء الغربي من حوض برميان، الذي أسهم في رفع أرقام إنتاج النفط الأميركي، ترتبط بنسبة مرتفعة من الغاز والسوائل الغازية المصاحبة التي تُحسب ضمن الإنتاج، بالرغم من أنها ليست نفطًا خامًا، ما يجعل البيانات مضخّمة، ويقلل من قدرتها على التعبير عن الأداء الحقيقي للحقول.

وأكد أنس الحجي أن هذا الأسلوب في احتساب السوائل الغازية يمنح انطباعًا واسعًا بأن مسار إنتاج النفط الأميركي يعيش موجة صعود قوية، بينما تُظهر البيانات التفصيلية أن الذروة قد تحققت، أو قاربت على التحقق، خصوصًا مع استمرار الانخفاض في معظم مناطق الإنتاج الصخري خلال الأشهر الأخيرة.
وأشار إلى أن هذا التضخيم ليس مجرد اختلاف تقني، بل له تبعات اقتصادية وإعلامية كبيرة، إذ تستند بعض الشركات والمؤسسات المالية إلى أرقام إنتاج النفط الأميركي المعلنة لاتخاذ قرارات مرتبطة بالاستثمار والتخطيط، ما قد يؤدي إلى تقديرات خاطئة وقراءات غير دقيقة للسوق.
كما لفت إلى أن الغموض حول مستقبل إنتاج النفط في الولايات المتحدة يعزز الحاجة إلى قراءة أكثر حذرًا، لأن سرعة التراجع في بعض الحقول الصخرية قد تُحدِث فجوات مفاجئة في مستويات الإمدادات، وهو ما يتطلب فهمًا واقعيًا للبيانات بعيدًا عن المبالغات الإعلامية.
وشدد خبير اقتصادات الطاقة على أن التقارير التي تتناول اتجاهات إنتاج النفط الأميركي يجب أن تعتمد على بيانات مفصلة بعيدًا عن التركيز على رقم واحد يمثّل مجموعًا غير متجانس من الحقول، التي في الأساس تختلف خصائصها الإنتاجية بشكل كبير.

حقيقة ما يُثار حول لوك أويل وترمب
فنَّد أنس الحجي ما نشرته وسائل إعلام دولية حول صفقات شركة "غنفور" العالمية وعلاقتها بشركة "لوك أويل" الروسية، مؤكدًا أن كثيرًا من الروايات التي انتشرت أخيرًا تحمل مبالغات سياسية تهدف إلى ربط الأحداث بتعظيم دور الإدارة الأميركية بقيادة دونالد ترمب، رغم أن الوقائع الحقيقية تكشف خلاف ذلك تمامًا.
ولفت إلى أن أحدث تقارير وكالة رويترز زعمت أن شراء غنفور لأصول في قطاع الغاز داخل الولايات المتحدة يأتي في إطار محاولة لإرضاء ترمب، وهو ما يناقض تصريحات الشركة نفسها التي أكدت أنها أعلنت خطط الشراء منذ العام الماضي، عندما كان بايدن في البيت الأبيض، ما ينفي أيّ علاقة بين الصفقة وتغيُّر المشهد السياسي الراهن.

وأوضح أنس الحجي أن شركات العلاقات العامة قد تمارس دورًا في تضخيم هذه الأخبار التي تسعى إلى تصوير تأثير ترمب في قطاع الطاقة كأنه العامل الحاسم، في حين إن البيانات الفعلية المرتبطة بتطورات السوق وبمستقبل إنتاج النفط الأميركي تُظهر أن دور الإدارة الأميركية محدود مقارنة بالعوامل التقنية والاقتصادية التي تتحكم في الإنتاج والأسعار.
وكشف أن البلاغات الإعلامية التي تحدثت عن تغيير رئيس شركة غنفور من شخصية روسية إلى أخرى أميركية وربطته بالخوف من عودة ترمب لا أساس لها، لأن الشركة أعلنت رسميًا خطة التغيير قبل 3 سنوات، كما أعلنت في 2025 اسم رئيسها الأميركي الذي تولّى المنصب مؤخرًا.
وأكد أن ما نشرته رويترز وبلومبرغ حول هذا الموضوع يدخل ضمن حالة التهويل السياسي التي تفتقر إلى أدنى درجات المصداقية، لأن الجدول الزمني المُعلَن يسبق أيّ حديث عن تأثيرات سياسية محتملة، وهو ما يعكس غيابًا واضحًا للتحقق في تغطية هذه المؤسسات الإعلامية.
واختتم الحجي بأن هذه الأمثلة تكشف كيف يمكن للتركيز الإعلامي المُبالَغ فيه أن يقدّم صورة مناقضة للواقع حول الشركات الدولية والطاقة العالمية، بينما تشير البيانات التقنية حول إنتاج النفط الأميركي واتجاهات التجارة إلى أن التحولات الفعلية ترتبط بالحقول والقدرات الإنتاجية أكثر من ارتباطها بالشخصيات السياسية.
موضوعات متعلقة..
- إنتاج النفط الأميركي يسجل مستوى قياسيًا للشهر الرابع على التوالي
- إنتاج النفط الأميركي يقترب من 13.8 مليون برميل يوميًا لأول مرة في تاريخه
- 10 مناطق في حوض برميان تقود نمو إنتاج النفط الأميركي منذ 2020
اقرأ أيضًا..
- حقول النفط والغاز في موريتانيا.. أبرز المعلومات عن الاحتياطيات والإنتاج (ملف خاص)
- موازنة السعودية تتوقع تراجع الإيرادات النفطية 44.5 مليار دولار في 2025
- السيارات الكهربائية في النرويج.. 35 عامًا من الدعم بفضل عائدات النفط والغاز
المصدر:





