دول عربية لن يُسمح لها بالطاقة النووية.. ودور إستراتيجي للسعودية (تقرير)
أحمد بدر

تُعدّ الطاقة النووية اليوم أحد المسارات الحاسمة في النقاشات العالمية حول مستقبل أمن الإمدادات، إذ أصبحت التقنيات الحديثة عاملًا محوريًا في تعزيز الاستدامة ورفع كفاءة منظومات الكهرباء في الدول ذات الطلب المتصاعد.
في هذا السياق، قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن ضمان أفضل استفادة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مرتبط جوهريًا بقدرة الدول على تطوير تقنيات تخزين فعّالة، خاصة في ظل التكلفة المرتفعة للبطاريات وعدم امتلاك بعض الدول هذه التقنية المتقدمة.
وأوضح أن الحاجة إلى الطاقة النووية تعود إلى دورها في سدّ الفجوات التقنية التي لا يمكن لمصادر الطاقة المتجددة معالجتها وحدها، مؤكدًا أن المفاعلات الحديثة تختلف تمامًا عن النماذج القديمة ذات المخاطر العالية، وأن تقنيات الجيل الجديد صارت أكثر أمانًا وكفاءة وأكثر قدرة على إنتاج الكهرباء بكميات ثابتة.
وحذّر الحجي من اعتماد الدول على توسعة مشروعات الطاقة المتجددة فقط دون حلول موازية أو بديلة، لافتًا إلى أن استغلال المساحات الضخمة التي تتطلبها الألواح الشمسية وصعوبة صيانتها في ظروف مناخية قاسية يجعل الحاجة إلى حلول مستقرة وذات موثوقية عالية أمرًا لا يمكن تجاهله.
جاءت تلك التصريحات خلال حلقة من برنامج "أنسيات الطاقة"، قدّمها الحجي عبر مساحات منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، بعنوان: "محمد بن سلمان في واشنطن.. لماذا تحتاج السعودية إلى الطاقة النووية؟".
الطاقة النووية في السعودية خيار إستراتيجي
يقول أنس الحجي، إن مشروعات الطاقة المتجددة وحدها غير قادرة على حماية إيرادات النفط أو منع تحويل الغاز من الصناعات الحيوية إلى قطاع الكهرباء، وهو ما يجعل تنويع مصادر الإنتاج ضرورة لضمان تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء دون التضحية باقتصاد البتروكيماويات والصناعات الثقيلة.
وأوضح أن استمرار الاعتماد على الشمس والرياح يتطلب بطاريات عالية السعة، وهي تكنولوجيا ما تزال مكلفة وتقودها شركات عالمية محدودة، منها "تيسلا" التي تنتج أكبر بطاريات تخزين في العالم، ما يجعل نقل التقنية إلى السعودية خطوة مهمة لتحقيق كفاءة أعلى وضمان استقلال أكبر في إدارة الطلب.
وأشار إلى أن السعودية يمكن أن تستفيد من التجارب الدولية في هذا المجال، خاصة أن التقنيات الحديثة لمفاعلات الطاقة النووية تتميز بصغر الحجم وانخفاض المخاطر مقارنة بالماضي، إضافةً إلى إمكان وضع بعض المفاعلات داخل حاويات قابلة للنقل، ما يفتح المجال لاستعمالات جديدة في المدن الصناعية أو المناطق النائية.

أكد أنس الحجي أنّ تبنّي السعودية لهذه الحلول يوفر لها قدرة أكبر على تجنّب أيّ تراجع طويل المدى في إيرادات النفط، إذ تسمح المفاعلات المستقرة بإنتاج كهرباء تتماشى مع النمو الكبير في الطلب، خاصة في ظل التطورات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات التي تحتاج إلى طاقة مستقرة على مدار الساعة.
ولفت إلى أن التجارب السابقة أثبتت أن بعض الدول العربية تعاني عجزًا كبيرًا في الكهرباء، وأن القليل فقط يمتلك فائضًا في الإمدادات، ما يجعل السعودية أكثر قدرة على قيادة التحول الإقليمي من خلال امتلاك تقنيات إنتاج مستقرة وقابلة للتوسع اعتمادًا على الخبرات الدولية المتقدمة في هذا المجال.
وأضاف: "هناك مجموعة من الدول، رغم حاجتها الماسّة إلى الكهرباء، لن يُسمح لها بالحصول على الطاقة النووية لأسباب متعلقة بعدم الاستقرار السياسي أو المخاوف المتعلقة بالسلامة، ما يجعل السعودية دولة محورية قادرة على أداء دور إقليمي أكبر بمجرد اكتمال منظومتها النووية".
دور الطاقة النووية في دعم الاستقرار
أكد أنس الحجي أن المنطقة العربية تعاني عجزًا واسعًا في قدرات التوليد، باستثناء عدد محدود من الدول، ما يجعل الحلول المستقرة ضرورية لضمان استمرار التنمية الصناعية، وأن الاعتماد على مصادر متقطعة لن يوفر الكهرباء المطلوبة للصناعات أو المستهلكين خلال ساعات الذروة.
وأشار إلى أن غياب الاستقرار السياسي في بعض الدول العربية سيظل عاملًا مؤثرًا في منع حصولها على تقنيات الطاقة النووية الحديثة، حتى لو امتلكت القدرة على تشغيل المفاعلات، وهو ما يجعل تطوير منظومات بديلة عبر الربط الكهربائي خيارًا عمليًا لضمان عدم تأثُّر الاقتصادات بنقص الإمدادات.

وأوضح خبير اقتصادات الطاقة أن المفاعلات الصغيرة ذات التقنيات الحديثة -على عكس المفاعلات القديمة- غير قابلة للاستعمال في أيّ تطبيقات عسكرية، ما يزيل كثيرًا من المخاوف الدولية، ويجعلها ملائمة للدول التي تسعى لتحديث بُنيتها التحتية دون الدخول في تعقيدات سياسية أو أمنية.
ووصف فرص التعاون الإقليمي بأنها مهمة للغاية، إذ يمكن لمفاعل واحد قرب "تبوك" -مثلًا- أن يمدّ الأردن وسوريا ولبنان وحتى فلسطين بالطاقة الكهربائية عبر الربط القائم، مما يخلق شبكة إمداد موحّدة ترفع الاستقرار وتقلل المخاطر الناتجة عن الانقطاعات.
وأضاف أن موقع السعودية يجعلها نقطة محورية قادرة على إنشاء مفاعلات الطاقة النووية على الحدود العراقية السعودية لنقل الكهرباء إلى العراق، إذ تعاني بغداد عجزًا سنويًا كبيرًا، ويمكن لهذه المشروعات أن تسهم في تقليل الاعتماد على الوقود التقليدي المستورد والاستفادة من البنية التحتية السعودية الممتدة.
كما أوضح أن عبور الكهرباء المنتجة من مفاعلات الطاقة النووية السعودية عبر شبكات الربط يمكن أن يصل حتى أوروبا مستقبلًا، بما يفتح المجال أمام شراكات جديدة تعزز مكانة المملكة في أسواق الطاقة العالمية، خاصة مع الطلب الأوروبي المتزايد على مصادر مستقرة ومنخفضة الانبعاثات.
المفاعلات الصغيرة وإمكانات التوسع عالميًا
أشار أنس الحجي إلى أن التطور الكبير في تقنيات المفاعلات الصغيرة يتيح -لأول مرة- إمكان دخول القطاع الخاص إلى عالم إنتاج الكهرباء المستقرة، إذ يمكن لشركات صغيرة أو مستثمرين أفراد امتلاك مفاعلات مدمجة وبيع الكهرباء عبر عقود طويلة الأجل إلى الدول المحتاجة.
وشرح أن هذه المفاعلات يمكن وضعها على السفن ونقلها إلى الدول التي تحتاج إلى كهرباء فورية، مثل نيجيريا، وربطها بالشبكة مباشرة، في نموذج يشبه ما تفعله بعض الشركات التركية التي تستعمل سفنًا لتوليد الكهرباء بالديزل وتأجيرها، لكن الفارق هنا أن الإنتاج يجري عبر مصدر نظيف مستقر.
وأضاف: "حصول السعودية على الموافقات الدولية اللازمة لبناء مفاعلات الطاقة النووية سيمنحها قدرة على خلق صناعة جديدة بالكامل، تشمل تطوير تقنيات التبريد والوقود والإلكترونيات والتحكم، ما يجعلها لاعبًا رئيسًا في سوق عالمية يزداد اهتمامها بالحلول المستقرة منخفضة الانبعاثات".

ويرى أنس الحجي أن هذه القدرة ستمنح المملكة تأثيرًا إقليميًا واسعًا، إذ يمكنها توفير الكهرباء للدول العربية التي لا يُسمح لها بالحصول على تقنيات الطاقة النووية مباشرة، وفي الوقت نفسه تضمن استقرار نُظمها الاقتصادية المرتبطة بالنمو السكاني المتزايد وحاجتها إلى الطاقة.
وأوضح أن دخول القطاع الخاص سيخلق تنوعًا كبيرًا في المشروعات، إذ يمكن لمستثمر واحد بناء مفاعل صغير وتصديره لبلد آخر، مما يفتح الباب أمام شراكات عربية وأفريقية جديدة تعتمد على الكهرباء المستقرة وتخلق بدائل للمشروعات التقليدية القائمة على الوقود الأحفوري.
واختتم تصريحه مؤكدًا جاهزية السعودية للتحول إلى دولة تمتلك قدرات نووية حديثة ستخلق لها مكانة عالمية جديدة، وستجعلها قادرة على دعم الدول المجاورة بالكهرباء النظيفة، في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى حلول إستراتيجية تضمن الاستقرار السياسي والاقتصادي لسنوات طويلة قادمة.
موضوعات متعلقة..
- خطة كورية لتأمين احتياجات محطات الطاقة النووية في السعودية
- أول تفاصيل عن مشروع الطاقة النووية في السعودية (خاص)
- 5 دول تطوّر الطاقة النووية في الشرق الأوسط.. والسعودية تسعى لتخصيب اليورانيوم
اقرأ أيضًا..
- منجم ليثيوم عالمي يخطط لاستئناف الإنتاج.. احتياطياته 775 مليون طن
- نمو الطلب على الكهرباء في أميركا يثير القلق.. والتوليد الحراري قد يُلبي 40%
- مشروع روفوما للغاز المسال في موزمبيق يستعد لطفرة.. بعد إلغاء القوة القاهرة
المصدر:





