تكنو طاقةتقارير التكنو طاقةرئيسية

تخزين الطاقة الذكي.. تقنية أردنية تعزّز دمج المصادر النظيفة في الصناعة

داليا الهمشري

لم يعد تخزين الطاقة مجرد تقنية مساندة لمنظومات الطاقة المتجددة، بل تحول اليوم إلى أحد الأعمدة الأساسية لضمان استقرار الإمدادات، وتعظيم الاستفادة من المصادر النظيفة، ورفع كفاءة استهلاك الطاقة.

ومع التوسع في مشروعات طاقتَي الشمس والرياح حول العالم، أصبحت أنظمة التخزين الذكية ضرورة إستراتيجية لتمكين المصانع من تأمين احتياجاتها من الكهرباء على مدار الساعة، وتقليل تكلفة التشغيل، خصوصًا في الدول التي تواجه ضغوطًا على شبكاتها الكهربائية أو ارتفاعًا في أسعار الطاقة.

وتبرز هذه التحديات أكثر وضوحًا في الأردن، في ظل اعتماد المنشآت الصناعية بصورة شبه كاملة على شبكة الكهرباء الوطنية لتغطية احتياجاتها؛ ما ألقى عليها عبئًا ماليًا ثقيلًا نتيجة ارتفاع فاتورة الكهرباء، ومحدودية القدرة الاستيعابية للشبكة.

وإلى جانب التكلفة، تواجه الصناعة ضغوطًا بيئية وتنظيمية متزايدة، ترتبط بضرورة خفض الانبعاثات الكربونية للامتثال لمتطلبات الأسواق الأوروبية والأميركية التي تُعد شريكًا تجاريًا رئيسًا، حيث أصبح تخفيض البصمة الكربونية شرطًا للبقاء في سوق شديدة التنافسية.

وفي هذا الإطار، ظهرت مبادرة أردنية مبتكرة انطلقت من رؤية مشتركة للمهندس عمار العتوم والمهندس عبدالرحمن الخلايلة، واطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)؛ لتقديم حل جذري يواجه هذه التحديات.

فقد أسّس الشريكان أول مشروع ابتكاري لتخزين الطاقة المتجددة في القطاع الصناعي داخل المملكة، مستهدفَيْن معالجة 3 مشكلات وهي: ارتفاع تكلفة الكهرباء، وعدم القدرة على الربط مع الشبكة، وانخفاض جودة التيار الكهربائي في المدن الصناعية نتيجة الضغط الكبير على البنية التحتية.

تصميم نظام لتخزين الطاقة

تضمّن المشروع تصميم نظام تخزين للطاقة الكهروكيميائية يعتمد على دمج الطاقة المتجددة مع إدارة الأحمال الذكية باستعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي، مع توفير طاقة احتياطية فورية تضمن عدم تعطّل خطوط الإنتاج.

وأثبتت الدراسات الفنية والاقتصادية، التي أشرف عليها المؤسّسان، قدرة النظام على تحقيق وفورات كبيرة في التكلفة وتحسين الاستقرار التشغيلي، وهو ما تأكد عمليًا بعد تطبيق الفكرة في أحد المصانع الكبرى.

فقد سجل المصنع انخفاضًا ملموسًا في الانبعاثات، وحقق وفورات مالية وصلت إلى 43% نتيجة تقليل الاعتماد على الشبكة، إلى جانب استقرار تشغيلي لم يكن ممكنًا في السابق.

المهندس عمار العتوم أثناء تكريمه بعد فوزه بجائزة اليوم العربي لكفاءة الطاقة بدورته الـ13
المهندس عمار العتوم خلال تكريمه بعد فوزه بجائزة اليوم العربي لكفاءة الطاقة في دورته الـ13

وحصد المشروع المبتكر جائزة اليوم العربي لكفاءة الطاقة في دورتها الـ13 الصادرة عن المجلس الوزاري العربي للكهرباء، ضمن فئة "أفضل براءة اختراع في مجال كفاءة الطاقة"، إذ نال المركز الأول مناصفةً مع مشروع بيشة السعودي.

وأُعلنت الجائزة خلال حفل رسمي عُقد على هامش أسبوع الكويت للطاقة المتجددة في مايو/أيار 2025، ويُمثّل هذا الإنجاز قصة نجاح وطنية تُظهر قدرة الابتكار المحلي على تحويل التحديات إلى حلول ريادية، وتسلّط الضوء على الإمكانات الكبيرة للحلول الذكية في دعم مستقبل مستدام للقطاع الصناعي الأردني.

نموذج ريادي

قال المهندس عمار العتوم -في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة- إن جوهر الفكرة يقوم على تخزين الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة في المصانع، من خلال دمج الطاقة الشمسية بنظام ذكي قادر على خفض تكاليف التشغيل وتقليل الاعتماد على الشبكة، وتحقيق معايير الاستدامة البيئية.

وأضاف أن المشروع قد صُمِّم ليكون نموذجًا قابلاً للتكرار في تخزين الطاقة في القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية، خصوصًا في الدول التي تواجه ارتفاع أسعار كهرباء أو ضعف استقرار الشبكات.

ويعتمد المشروع على أحدث تقنيات إدارة الطاقة وتخزينها، باستعمال بطاريات ليثيوم تعمل بنظام التبريد السائل؛ ما يمنحها كفاءة تشغيلية عالية حتى في الظروف المناخية الصعبة.

وتبلغ السعة التخزينية للبطاريات 0.540 ميغاواط/ساعة، وتضمن تقنية التبريد السائل رفع كفاءة التشغيل بنسبة تصل إلى 25% مقارنة بالبطاريات التقليدية، مع تحسين العمر التشغيلي ورفع الكفاءة التخزينية والتحويلية إلى 93.7%.

خوارزميات الذكاء الاصطناعي

يعتمد نظام تخزين الطاقة الذكي على خوارزميات تحليل بيانات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، لمراقبة الإنتاج والاستهلاك والتنبؤ بالتغيرات المناخية، عبر الربط الفوري مع محطة الرصد في المنطقة الصناعية.

وبعد تشغيل النظام، حقّق المصنع انخفاضًا قدره 78% في استهلاك الكهرباء من الشبكة، إذ تراجع الاستهلاك من 4 آلاف و100 ميغاواط/ساعة سنويًا إلى 900 ميغاواط/ساعة فقط؛ ما أسهم في توفير نحو 3 آلاف و200 ميغاواط/ساعة سنويًا، أي ما يعادل 320 ألف دولار، بالإضافة إلى خفض تكاليف الإنتاج بنسبة 16%.

نظام مبتكر لتخزين الطاقة في المصانع الأردنية

وأكد العتوم -خلال تصريحاته إلى منصة الطاقة- أن المشروع يقدّم نموذجًا حيًا لكيفية إسهام تقنيات تخزين الطاقة الذكية في إعادة تشكيل مستقبل الصناعة الأردنية، وتعزيز قدرتها على المنافسة عالميًا، ووضع الأردن على خريطة الابتكار في قطاع الطاقة النظيفة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق