مباراة تغير المناخ وبيزنس الغرف المكيفة (مقال)
حياة حسين

خلال استعدادي لتغطية قمة المناخ "كوب 27" (عام 2023) في شرم الشيخ المصرية، وضعتُ على رأس قائمة المصادر المستهدفة لإجراء حوارات معها؛ رئيس القمة السابقة لها "كوب 26"، ألوك شارما، لكن الأمر سرعان ما تغيّر.
فبمجرد رؤيتي لمديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا في الندوة التي يشارك فيها شارما، نسيت أمره وكل قائمتي الطويلة، لأُدرك بعدها أنني لم أفعل شيئًا غير عادي، فأخبار "البيزنس" الرابح الأهم لوسائل الإعلام من قضايا تغير المناخ و"خناقات" التمويل الذي لا يأتي أبدًا.
أنا مثل كثيرين لا أرى في مديرة الصندوق أكثر من سيدة أعمال تدير نشاطًا هو الأكثر ربحًا وراحةً، يعتمد على مفاوضات الغرف المكيفة؛ بين أشخاص يرتدون بدلات أنيقة، غالبًا ما تكون لهم اليد العليا في سير الأمور.
ورغم أن عملاء الصندوق من الدول فإن بلادها من الدول "الخائبة" التي لم تستطع إدارة مواردها بصورة جيدة، فوضعت رقبتها تحت سكين الديون وفوائدها التي تستنزف كل إيراداتها لسنوات طويلة، وقد لا تستطيع الفكاك منها أبدًا.
وسبب اندفاعي نحو غورغيفا هو الرغبة في معرفة تفاصيل قرض كانت ستحصل عليه مصر بقيمة 6 مليارات دولار، مع 3 مليارات دولار من مؤسسات أخرى، بالإضافة إلى الحصول على تعليق عن صعوبة شروط الصندوق، وكان الرد: "نحن نشعر بمعاناة وآلام المصريين، لكن يجب أن يعرفوا أن الصندوق ليس جدتهم".
ألوك شارما وغورغيفا
شروط الصندوق لا تتغير مع اختلاف الدول المُقترضة، إذ تتركز في ثلاثية معروفة، هي: تحرير سعر الصرف، والخصخصة، وإلغاء الدعم، خاصة دعم الوقود، والأخير كثيرًا ما تسبّب في تأجيج الاحتجاجات في دول عديدة، مثل باكستان، التي أدى رفع سعر الكهرباء فيها عام 2024، تطبيقًا لشروط صندوق النقد الدولي في برنامج التمويل، إلى احتجاجات واسعة، وكذلك في نيجيريا، رغم أنها أكبر مُنتج للنفط في أفريقيا.
في المقابل، ينحاز شارما إلى فريق يركز على أنشطة أقل ربحًا وراحة.. هذه الأنشطة ما تزال تواجه معارك عديدة وانتكاسات متكررة، مع أي أزمات سياسية أو جيوسياسية، أو حتى اقتصادية، وإن كان يتشابه مع الصنف الآخر في البيزنس في ارتداء أصحابه البدلات الأنيقة والغرف المكيفة أيضًا.
وبالنسبة إليّ، يمثّل شارما مدافعًا مخلصًا عن قضايا تغير المناخ، شعرت به من خلال أدائه في قمة "كوب 26"، وإحباطه الظاهر في ختام الفعاليات، من جرّاء تعديل بند التخلص التدريجي من الفحم إلى الخفض التدريجي له، بعد ضغوط من الهند والصين.
لذلك كانت لديّ رغبة شديدة في إجراء لقاء معه لسببَيْن: الأول يتعلّق بطبيعتي التي تميل إلى المخلصين في أعمالهم حتى لو كان نشاطهم بيع الخردة، والآخر يتعلّق بفضولي الصحفي لمعرفة كواليس القمة السابقة.
مشروعات أقل إغراء للمستثمرين
رغم مرور سنوات طويلة على وجود مشروعات الطاقة المتجددة، خاصة الشمس والرياح، وهما قاطرتا تحول الطاقة الأساسيَّيْن، فإنها لا تزال تواجه عقبات التكاليف والموثوقية، ما يجعل عملاءها أقل، وبدورهما أقل إغراء للمستثمرين، مقارنة ببيزنس الوقود التقليدي.
"البيزنس المُربح" هو الذي دفع الرئيس الأميركي دونالد ترمب -الذي لم يمر عام على ولايته الثانية- إلى وقف أعمال الكثير من مشروعات الطاقة المتجددة، خصوصًا مزارع الرياح، وإعلان التوسع في مجال الوقود الأحفوري، خاصة إنتاج الغاز المسال وتصديره.
وكان انحياز ترمب إلى أنشطة الوقود التقليدي (النفط والغاز والفحم)، أحد الأسباب الرئيسة لغياب أميركا رسميًا عن قمة المناخ "كوب 30"، المنعقدة حاليًا في مدينة بيليم في غابات الأمازون المطيرة بالبرازيل، لأول مرة في تاريخ هذه القمم.
وفي زيارة إلى القاهرة مؤخرًا، أكد الاقتصادي الأميركي الشهير جيفري ساكس، على هذه النظرية، إذ أرجع معاداة ترمب لقضايا الاستدامة -التي ترتبط بطبيعة الحال بقضايا تغير المناخ- إلى علاقته بلوبي النفط.
وقال في محاضرة بالجامعة الأميركية: "لا أعرف ترمب شخصيًا، لكن مواقفه المناهضة للتنمية المستدامة قد تكون مرتبطة بلوبي النفط أو تمويل الانتخابات.. قوة المال باتت تتحكم في القرارات الكبرى على حساب العدالة والسلام والتعاون الدولي".
حتى البرازيل التي طرحت في نهاية الأسبوع الأول لقمة "كوب 30" مقترحات لتحول الطاقة والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، منحت الضوء الأخضر، قبل انطلاق القمة، إلى التنقيب عن النفط عند مصب نهر الأمازون.

تدرج حسب العائد
تتدرج قيمة الأنشطة المرتبطة بقضايا تغير المناخ، حسب قدرتها على تحقيق عائد، فإن كان النفط والغاز يتربعان على قمتها، فإن مشروعات الطاقة المتجددة قد تكون أفضل من الحفاظ على الغابات التي تؤدى دورًا أساسيًا في الحد من غازات الاحتباس الحراري.
والدليل على ذلك ما فعلته المملكة المتحدة مؤخرًا؛ إذ طرحت حكومة حزب العمال المنحازة للطاقة المتجددة مشروع قانون يفتح الأبواب لإقامة مزارع رياح ومحطات شمسية ضخمة في غاباتها، بسبب محدودية الأراضي المُتاحة. وبعد اعتراف هيئة الغابات شبه الحكومية بأنها تسعى إلى الحصول على صلاحيات التطوير لتوفير مصادر دخل جديدة، ما أثار قلق الجمعيات الخيرية المعنية بالحفاظ على البيئة، وأعضاء البرلمان، الذين يخشون أن يؤدي ذلك إلى فقدان مساحات طبيعية ثمينة.
كما تحقق السلطات البرازيلية حاليًا في انتهاكات مصانع إيثانول الذرة (المصدر الرئيس لإنتاج الوقود الحيوي في ولاية ماتو غروسو)، إذ تعتمد على أخشاب أشجار الغابات في الإنتاج (تستعمله وقودًا في التصنيع)، بسبب انخفاض أسعارها إلى نصف قيمة تكاليف أشجار الأوكالبتوس التي تُزرع لهذا الغرض.
وفي وعود التمويل المتكررة في قمم المناخ المختلفة، التي تتعهد بها الدول الغنية لصالح الدول النامية لمساندتها في مجال أزمات تغير المناخ، تستطيع الأخيرة كتابة مجلدات في عدم الوفاء بهذه الوعود؛ رغم تفاقم هذه الأزمة المتواصل وزيادة الحرارة عن المستهدف، بدءًا بـ100 مليار سنويًا في قمة باريس عام 2015، إلى 300 مليار سنويًا في قمة أذربيجان "كوب 29"، التي عُقدت العام الماضي، حيث لم يتجاوز الإنفاق عدة مليارات في 10 سنوات.
هذا الإنفاق المحدود من تعهدات التمويل من الدول الغنية في قمم المناخ له ما يبرره، إذ إنه غالبًا ما سيكون منحًا لا تُرد، وإدراكًا لذلك؛ اقترحت البرازيل صندوق "تروبيكال فورست فورإيفر" في قمة المناخ كوب 30 المنعقدة حاليًا في بيليم، وهو يأخذ شكلًا استثماريًا أكثر منه تمويلًا لا يُرد، لحماية الغابات.
* حياة حسين- صحفية مصرية متخصصة في قضايا الاقتصاد والمناخ
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
- موعد الزيادة الجديدة بأسعار الكهرباء في سوريا
-
قفزة متوقعة بإنتاج الغاز في الخليج العربي.. هؤلاء أكبر المنتجين بحلول 2050





