أفريقيا وكوب 30.. العدالة المناخية بين الوعود والواقع (مقال)
د. منال سخري

بينما تستعد البرازيل لاحتضان قمة المناخ كوب 30 القادمة، تبدو القارة الأفريقية وكأنها على مفترق طريقين: طريق الأمل في تحول أخضر عادل، وطريق الخيبات المتكررة التي رافقت القمم السابقة.
لذلك، عند الحديث عن أفريقيا في سياق التغير المناخي، فلن نتحدث فقط عن قارة متأثرة، بل قارة تدفع ثمن أزمة لم تصنعها.
فالقارة السمراء تمثّل أقل من 4% من الانبعاثات العالمية، لكنها من أكثر القارات تضررًا من موجات الجفاف المتكررة في القرن الأفريقي إلى الفيضانات المدمّرة في نيجيريا وموزمبيق، إذ يدفع ملايين الأفارقة ثمن سياسات لم يشاركوا في صنعها.
ويقدّر البنك الدولي أن أكثر من 250 مليون شخص مهددون بانعدام الأمن الغذائي والمائي خلال العقد القادم، ورغم كل ذلك ما تزال أصوات القارة تُهمّش في غرف التفاوض الدولية.
حيث تُدار القرارات المناخية بمعايير الاقتصاد لا العدالة، وكأن العدالة المناخية -في نظر بعض الدول الغنية- تظل شعارًا أخلاقيًا جميلًا يُرفع في المؤتمرات، لا التزامًا سياسيًا حقيقيًا.
تغير المناخ في أفريقيا
تمتلك أفريقيا أحد أكبر المخزونات الطبيعية من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية في العالم.
ومع ذلك، يعيش أكثر من 600 مليون أفريقي دون كهرباء، هذه المفارقة تُظهر أن المشكلة ليست في غياب الموارد، بل في غياب الإرادة الدولية والاستثمار المسؤول.
وتُشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن القارة قادرة على خلق نحو 4 ملايين وظيفة خضراء بحلول 2030، إذا توفّر التمويل الكافي.
لكن الواقع يُظهر أن معظم المشروعات الكبرى للطاقة المتجددة ما تزال تعتمد على تمويل خارجي مشروط، يُبقي الدول الأفريقية في موقع التبعية بدل التمكين.
كما تشير الأرقام إلى أن النساء الأفريقيات يعملن في الزراعة بنسبة تفوق 60% من القوى العاملة الريفية، لكنهن لا يحصلن إلّا على 10% من التمويل المناخي الموجَّه للمشروعات المحلية.
إن دعم المرأة الأفريقية ليس رفاهية ولا مساواة شكلية، بل رافعة حقيقية للتنمية المستدامة، إذ تُثبت التجارب أن المشروعات البيئية التي تقودها النساء أكثر استدامة وفاعلية.
أمّا بالنسبة للشباب الذين يشكّلون أكثر من 60% من سكان القارة، فهم مستقبل التحول البيئي المنشود.
وتمكينهم عبر التعليم الأخضر والابتكار وريادة الأعمال المناخية يعني تحويل الوعي البيئي إلى قوة إنتاجية تعيد صياغة علاقة الإنسان الأفريقي بموارده الطبيعية.

كوب 30 ومعضلة التمويل المناخي
من دون تمويل عادل، تبقى خطط المناخ في أفريقيا مجرد وثائق جميلة، وهو أمر يجب أن ينتبه إليه بشدة القائمون على قمة المناخ كوب 30 القادمة.
فبحسب بنك التنمية الأفريقي، تحتاج القارة إلى ما يقارب 277 مليار دولار سنويًا حتى عام 2030 لتنفيذ التزاماتها المناخية، لكنها لا تتلقى سوى 3% من التمويل المناخي العالمي.
والأسوأ أن أكثر من 70% من هذا التمويل يأتي في شكل قروض، تزيد من مديونية الدول بدل أن تخفف أعباءها.
إن الحديث عن العدالة المناخية يفقد معناه حين تُحمَّل القارة تكلفة التكيف من جيوبها.

فكيف يمكن لدول تكافح لتوفير المياه والغذاء أن تموّل مشروعات التحول الأخضر دون دعم فعلي من الدول الصناعية التي راكمت ثرواتها عبر التلوث؟
إن التمويل المناخي ليس منّة، بل استثمار في استقرار الكوكب، فإذا انهار النظام البيئي في أفريقيا، فلن ينجو أيّ جزء من العالم من تبعاته.
التحدي الأفريقي بين مسؤولية الداخل وضغوط الخارج
رغم وجاهة مطالب العدالة المناخية، لا يمكن إغفال أن بعض التحديات داخل القارة نفسها تُضعف فعالية الجهود البيئية.
إن غياب التنسيق بين التكتلات الأفريقية وتباين الأولويات الوطنية، إضافةً إلى تصاعد النزاعات الإقليمية والحروب بالوكالة، جعل من قضايا المناخ أحيانًا مجالًا للتنافس السياسي بدل التكامل البيئي.
وبيّنت دراسات صادرة عن صندوق النقد الدولي (IMF, 2022) ومعهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI, 2022) أن الصدمات المناخية -من جفاف وندرة مياه وتصحر- تسهم في تأجيج النزاعات المحلية، خاصة في ظل هشاشة المؤسسات وضعف إدارة الموارد.
كما يشير العديد من الدراسات إلى أن التغيرات المناخية تزيد من احتمال النزاعات في مناطق الساحل والقرن الأفريقي عندما تغيب السياسات التعاونية الفعّالة.
لذلك، لا ينبغي تحميل المجتمع الدولي وحده مسؤولية القصور، بل من الضروري أيضًا إصلاح آليات الحوكمة والتعاون الأفريقي لضمان تحويل السياسات المناخية إلى عامل استقرار وتنمية مستدامة حقيقية.

نحو كوب 30.. هل حان وقت الإنصاف؟
إن مسار العدالة المناخية ما زال يراوح مكانه، والالتزامات السابقة لم تُترجَم بعد إلى نتائج ملموسة.
فالمجتمعات الأكثر هشاشة تواصل دفع ثمن انبعاثات لم تتسبب بها، في وقت تتباين فيه المواقف الدولية بين وعود مؤجلة ومصالح متقاطعة.
لذلك تحتاج قمة قمة المناخ كوب 30 في بيليم المقبلة إلى موقف موحد وواضح من الدول النامية يُعيد تعريف العدالة المناخية وفق ثلاث ركائز رئيسة:
- أولًا: الإنصاف المناخي ليس منّةً ولا أداة تفاوضية، بل حقّ تنموي أساسي لا ينبغي أن يخضع للبيروقراطية أو الشروط السياسية.
- ثانيًا: نقل التكنولوجيا والمعرفة لا يقلّ أهمية عن التمويل، بل يمثّل شرطًا لاستدامة الحلول.
- ثالثًا: إن تجميل الخطابات في القمم المناخية يفقد معناها إن لم تُترجم إلى مشاريع محلية ملموسة تدعم المجتمعات المتضررة وتُبنى بأيادٍ محلية، لا عبر مقاولين أجانب.
أمّا إفريقيا، فليست مجرد متلقٍّ سلبي للسياسات المناخية، بل شريك قادر على صناعة مسار جديد. تمتلك القارة موارد طبيعية ضخمة، وشبابًا مبتكرًا، وقدرة متزايدة على التحول نحو الطاقات المتجددة، من الطاقة الشمسية في الصحراء الكبرى إلى الزراعة الذكية في مناطق الساحل.
لكن مسؤوليتها اليوم لا تقتصر على المطالبة بالإنصاف، بل تمتد إلى تصحيح موقعها في النظام المناخي العالمي من خلال بناء تحالفات جنوب-جنوب فاعلة، وتطوير آليات تمويل إقليمية، والاستثمار في المعرفة المحلية التي تضمن استدامة مشروعاتها.
فالعالم بحاجة إلى أفريقيا بقدر ما تحتاج القارة إلى العدالة المناخية، غير أن الإنصاف الحقيقي لن يتحقق إلّا حين تؤمن القارة بقدرتها على قيادة تحولها الأخضر بنفسها، لا انتظار أن يُملى عليها من الخارج.
* د. منال سخري - خبيرة وباحثة في السياسات البيئية.
* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- قمة المناخ كوب 30.. هل حضور ترمب أو غيابه يؤثر في المشهد؟ (تقرير)
- الطريق إلى كوب 30 يلتهم 100 ألف شجرة من غابات الأمازون.. مفارقة ساخرة
- قمة المناخ كوب 30.. سفير البرازيل: بلادنا محظوظة بالطاقة المتجددة (حوار)
اقرأ أيضًا..
- صفقات الحفر العربية تشهد نشاطًا مكثّفًا في 4 دول (مسح)
- رولز رويس تطور المفاعلات المعيارية الصغيرة بمولدات بخارية نووية
- استثمارات الطاقة منخفضة الكربون قد تتجاوز النفط والغاز بفارق 391 مليار دولار





