واردات الصين والهند من النفط الروسي.. هل تتأثر أسواق الناقلات حال انخفاضها؟
دينا قدري

تتجه الأنظار حول واردات الصين والهند من النفط الروسي بعد العقوبات الأميركية الأخيرة؛ إذ تترقب أسواق الناقلات ردود أفعال مصافي التكرير في البلدين بشأن إمداداتها.
ووفق التفاصيل التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات جديدة على اثنتين من أكبر منتجي النفط في موسكو، روسنفط (Rosneft) ولوك أويل (Lukoil)، مع التوجيه بإنهاء جميع المعاملات القائمة مع هاتين الشركتين بحلول 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.
ومن المرجّح أن تُسبّب العقوبات اضطرابات قصيرة الأجل في صادرات النفط الروسي "مع إعادة تقييم المشترين للمخاطر، وقد يتطلب الأمر إعادة تنظيم تدفقات التجارة".
ويتشكك المحللون في حدوث تحوّل بالإمدادات على المدى الطويل، إذ لا تشمل الإجراءات الحالية عقوبات ثانوية، ما يعني أنه بإمكان المشترين غير الأميركيين الاستمرار في شراء النفط الروسي مباشرةً.
تأثير العقوبات في صادرات النفط الروسي
صرّح رئيس قسم الأبحاث في شركة بانشيرو كوستا (Banchero Costa) لخدمات الشحن، رالف ليسزينسكي، بأنه يتعين على السوق أولًا أن ترى إلى أيّ مدى ستنخفض واردات الصين والهند من النفط الروسي فعليًا، وإلى أيّ مدى تُصبح هذه التجارة "غير مرئية" من خلال أساطيل الظل، وعمليات النقل بين السفن في المياه الدولية، أو غيرها من أساليب التحايل.
وأضاف: "في نهاية المطاف، يجب أن نتذكر أن النفط الإيراني خضع أيضًا لعقوبات على أعلى مستوى من قِبل الحكومة الأميركية لسنوات، ورغم ذلك استمرت الصادرات الإيرانية في التدفق".
ومع ذلك، إذا استمرت صادرات النفط الروسي، فإن المحللين يتفقون على أن هذه القيود الجديدة ستجعل النقل أكثر تعقيدًا وتكلفة.
وقال ليسزينسكي: "سيؤدي هذا بدوره إلى تقليص عائدات المصدرين الروس من مبيعات النفط، وربما يكون -إنصافًا- الهدف الرئيس لهذه السياسة".
وإذا انخفضت الصادرات الروسية إلى الصين والهند بسبب العقوبات، فمن المرجّح أن تكون ناقلات النفط الكبيرة جدًا ومالكو السفن الغربيون هم المستفيدين الرؤساء، بحسب ما نقلته منصة "ريفييرا ماريتايم" (Riviera Maritime).

التأثير في أسواق الناقلات
سيكون التأثير الإجمالي للتحولات المحتملة في التجارة واضحًا على طرق التجارة إلى الهند أكثر من الصين، من حيث الطلب على النفط الخام باستعمال وحدة القياس الطن-ميل (التي تعادل طنًا من البضائع المنقولة لمسافة ميل واحد).
وأوضح رئيس قسم الأبحاث في شركة بانشيرو كوستا، رالف ليسزينسكي، أن النفط الروسي يُمثّل حاليًا نحو 10% من واردات الصين من النفط المنقول بحرًا.
وقال: "يأتي معظم هذا من ميناء كوزمينو في أقصى شرق روسيا، وهي رحلة قصيرة نسبيًا إلى مواني صينية مثل داليان، وغالبًا ما تُنفَّذ على متن سفن أصغر مثل الناقلات الأفريقية (أفراماكس)".
وإذا استُبدل بهذه الكميات النفط الخام من المملكة العربية السعودية أو العراق أو الولايات المتحدة، فإن مسافات الرحلات الأطول ستزيد بشكل كبير من الطلب على النفط الخام باستعمال وحدة القياس الطن-ميل، ما يُفيد استعمال الأسطول، وخاصةً بالنسبة لناقلات النفط الكبيرة جدًا.
أمّا بالنسبة للهند، فيرى "ليسزينسكي" أن الوضع مختلف؛ إذ يُشكّل النفط الروسي حاليًا نحو 33% من واردات الهند، ارتفاعًا من الصفر تقريبًا في عام 2021، قبل الحرب في أوكرانيا.
وتُشحن الواردات الهندية بشكل رئيس من المواني الأوروبية مثل بريمورسك في بحر البلطيق ونوفوروسيسك في البحر الأسود، وهي رحلة طويلة عادةً ما تُنقَل عبر الناقلات الأفريقية (أفراماكس) وناقلات السويس (سويز ماكس)، بسبب قيود الغاطس في مضيق البوسفور وقناة السويس.
وإذا استُبدل بهذه التدفقات نفط خام الشرق الأوسط، فستكون مسافات الرحلات أقصر بكثير، ولن تُفرض قيود على استعمال ناقلات النفط الكبيرة جدًا.
وخلص ليسزينسكي إلى أن "التأثير الإجمالي في مسافات الرحلات متباين -إيجابي في حالة الصين، وسلبي في حالة الهند- ولكن تُفضَّل في كلا السيناريوهين حمولة ناقلات النفط الكبيرة جدًا على حمولة ناقلات أفراماكس وسويز ماكس".
وأضاف: "سيُفيد ذلك -أيضًا- مالكي السفن الغربيين، مثل اليونانيين والأميركيين، الذين كانوا يتجنّبون الشحنات الروسية، على حساب الملّاك الصينيين والهنود".
واردات الهند من النفط الروسي
وفق التفاصيل التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، تُزوّد روسيا الهند -حاليًا- بما يقرب من ثلث احتياجاتها من النفط الخام، بمتوسط 1.7 مليون برميل يوميًا في عام 2025، منها نحو 1.2 مليون برميل يوميًا تأتي مباشرةً من روسنفط ولوك أويل.
وهيمنت على هذه الإمدادات شركتا التكرير الخاصّتان ريلاينس إندستريز (Reliance Industries) ونايارا إنرجي (Nayara Energy)، في حين تولّت مصافي التكرير المملوكة للدولة كميات أقل.
ومن المتوقع أن تبقى شحنات النفط الروسي إلى الهند ضمن نطاق 1.6-1.8 مليون برميل يوميًا حتى 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، لكن من المرجّح أن تتراجع الواردات المباشرة من روسنفط ولوك أويل بعد ذلك، مع تحرُّك مصافي التكرير الهندية بحذر لتجنُّب العقوبات الأميركية المحتملة، وفقًا لما صرّح به كبير محللي الأبحاث (التكرير والنمذجة) في شركة كبلر، سوميت ريتوليا.

وقد تُعدّل شركة ريلاينس -التي تربطها اتفاقية مدّتها 25 عامًا مع روسنفط لشراء ما يصل إلى 500 ألف برميل يوميًا- مصادرها أولًا، أمّا شركة نايارا إنرجي، التي تعتمد بشكل كبير على النفط الروسي، فتواجه خيارات محدودة.
وقال ريتوليا: "مع ذلك، ستواصل مصافي التكرير الحصول على الخامات الروسية من خلال وسطاء خارجيين، والذين ما يزالون غير خاضعين للعقوبات، مع توخّي الحذر الشديد".
وللتعويض عن انخفاض الكميات الروسية، من المتوقع أن تزيد مصافي التكرير الهندية مشترياتها من الشرق الأوسط والبرازيل وأميركا اللاتينية وغرب أفريقيا وكندا والولايات المتحدة، ولكن ريتوليا حذّر من تداعيات ارتفاع تكاليف الشحن.
وأشار إلى أن "السيناريو المحتمل" هو أن تُوقف ريلاينس مؤقتًا عمليات الشراء المباشرة من روسنفط أو لوك أويل؛ ما يؤدي إلى انخفاض حادّ بتدفقات النفط الروسي في ديسمبر/كانون الأول، يليه انتعاش تدريجي بحلول منتصف إلى أواخر الربع الأول من عام 2026 مع ظهور شركات وهمية وقنوات تجارية جديدة، بحسب ما نقلته منصة "تايمز أوف إنديا" (Times of India).
ومن المتوقع أن تحافظ نايارا إنرجي -الخاضعة للعقوبات، وتعتمد بشكل كبير على النفط الروسي- على نمط توريدها الحالي، "ما لم تتدخل نيودلهي بضغط مباشر، فمن غير المرجّح أن تتغير عمليات نايارا ونمط توريدها بشكل ملموس"، وفق ما صرّح به "ريتوليا".
وأضاف أنه "ما لم تُفرَض عقوبات على مصافي التكرير الهندية نفسها، أو تفرض حكومة الهند قيودًا رسمية على النفط الروسي -وهما سيناريوهان غير محتملين-، فإن النفط الروسي سيستمر في التدفق إلى الهند (قد يشهد الحجم انخفاضًا في المدى القريب)، وإن كان من خلال هياكل مالية ولوجستية وتجارية أكثر تعقيدًا".
موضوعات متعلقة..
- عقوبات النفط الروسي.. لماذا لا تُقنع الأسواق؟
- تكلفة التخلي عن النفط الروسي.. هل تتحملها الهند؟
- النفط الروسي إلى الهند يواصل التدفق.. ماذا حدث للضغوط الأميركية لإيقافه؟ (مقال)
اقرأ أيضًا..
- قصة تصدير أول شحنة نفط ليبية.. والدولة الحاصلة عليها (تقرير)
- مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في الربع الثالث (ملف خاص)
- 3 محركات لتحفيز الطلب على الهيدروجين.. وفرص التعاون بين دول الشرق الأوسط (حوار)
- 5 متطلبات لمضاعفة قدرة الطاقة النووية 3 مرات بحلول 2050
المصادر:
- تأثير انخفاض واردات الهند والصين من النفط الروسي في سوق الناقلات، من منصة "ريفييرا ماريتايم"
- واردات الهند من النفط الروسي، من منصة "تايمز أوف إنديا"





