التقاريرتقارير الطاقة المتجددةتقارير الكهرباءرئيسيةطاقة متجددةكهرباء

ارتفاع أسعار الكهرباء في بريطانيا.. أزمة سببها التركيز على المصادر المتجددة (تقرير)

نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • مشروع محطة هينكلي بوينت سي سيُولّد ما يصل إلى 26 تيراواط/ساعة من الكهرباء سنويًا.
  • بريطانيا دعمت مصادر الطاقة المتجددة المنتشرة والمتقطعة لتكون أساس مزيج توليد الكهرباء.
  • لا يوجد شيء في علم المناخ يتطلب استعمال مصادر الطاقة المتجددة.
  • أزمة الطاقة في بريطانيا ليست فشلًا للأسواق أو التكنولوجيا أو فلاديمير بوتين.

يعود ارتفاع أسعار الكهرباء في بريطانيا، جزئيًا، إلى التركيز على المصادر المتجددة، إلى جانب توجهات الطبقة السياسية، التي أهملت مصادر التوليد الموثوقة.

في سبتمبر/أيلول 2025، نشرت وزارة أمن الطاقة والحياد الكربوني البريطانية بيانات جمعتها وكالة الطاقة الدولية، تكشف عن أن أسعار الكهرباء الصناعية في بريطانيا تُعَد الآن الأغلى في العالم المتقدم، على الرغم من أنها تُقارب متوسط ​​أسعار الغاز بالجملة.

بعد بضعة أسابيع، صرّح كبار المسؤولين التنفيذيين من أكبر شركات بيع الكهرباء بالتجزئة في بريطانيا أمام لجنة تحقيق برلمانية في ارتفاع أسعار الكهرباء في بريطانيا بأنه حتى لو وُزِّعَ الغاز مجانًا في عام 2030، ستظل فواتير الكهرباء مرتفعة كما هي اليوم، حسب مصادر تابعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن).

بدورها، حذّرت شركة "أوكتوبس إنرجي" البريطانية (Octopus Energy) قائلة: "إذا استمررنا على هذا النهج؛ فمن المرجح أن ترتفع أسعار الكهرباء بنسبة 20%؛ حتى لو انخفضت أسعار الجملة إلى النصف".

الديناميكا الحرارية

يرى مدير الحملة لدى مجموعة "نت زيرو ووتش" (Net Zero Watch) موريس كوزينز، أن المبادئ الأولى في مجال الطاقة تتطلب انطلاق جميع السياسات السليمة من الديناميكا الحرارية؛ الأساس الذي ترتكز عليه الهندسة والاقتصاد، وفي نهاية المطاف، النتائج الاجتماعية والسياسية.

وقال كوزينز "هناك 4 قوانين للديناميكا الحرارية، ومن المُربك إلى حد ما أن يُطلق على القانون الأول اسم "القانون الصفري"، وهو يُرسي مفهوم درجة الحرارة - أساس قياس الحرارة والتوازن الحراري".

وأضاف "ولكن لأغراض سياسات الطاقة، فإن القانونين الأول والثاني هما الأهم".

وأردف، في كتابه "الطاقة والحضارة: تاريخ" الصادر عام 2017، يُوضح -مؤرخ الطاقة الرائد عالميًا، فاتسلاف سميل- هذه المبادئ بوضوح لا مثيل له".

أولًا، قانون حفظ الطاقة: الطاقة لا تُستحدث ولا تُفنى؛ بل تُحوّل فقط من شكل إلى آخر، والمهم هو مدى كفاءة حدوث هذه التحولات.

ثانيًا، قانون "الإنتروبيا": كل تحويل يؤدي إلى خسارة - تتحلل الطاقة المفيدة إلى حرارة وفوضى، وتتضاءل إمكانية القيام بعمل مفيد باستمرار على طول كل سلسلة تحويل.

وتُشير هذه القوانين مجتمعةً إلى أن أفضل أنظمة الطاقة هي تلك التي تقلل من خسائر التحويل وتزيد من العمل المفيد إلى أقصى حد.

مدير الحملة لدى مجموعة (نت زيرو ووتش) موريس كوزينز
مدير الحملة لدى مجموعة (نت زيرو ووتش) موريس كوزينز – الصورة من نت زيرو ووتش

عمليًا، يعني هذا إعطاء الأولوية للكثافة -طاقة أكبر لكل وحدة من المواد والعمالة والأرض- والموثوقية، أي إنتاج ثابت لا يتطلب نسخًا احتياطية أو تخزينًا مستمرًا".

وتابع كوزينز "تُعد الأنظمة الكثيفة والموثوقة -النووية والكهرومائية وجميع أنواع الوقود الأحفوري- هي الأقرب إلى النموذج الديناميكي الحراري"، مشيرًا إلى أن "الأنظمة المنتشرة والمتقطعة، بما في ذلك طاقة الرياح والطاقة الشمسية، هي الأبعد".

ويرجع ذلك إلى أنها تتطلب استثمارات ضخمة في الأراضي ورأس المال والطاقة والمواد، بالإضافة إلى جهود النقل والتخزين والموازنة لتحقيق إنتاج أقل.

عائد الاستثمار في الطاقة

قال مدير الحملة لدى مجموعة "نت زيرو ووتش" موريس كوزينز، إن "عائد الاستثمار في الطاقة (EROI) يكون أقل منه في أنظمة الطاقة الحرارية مثل الطاقة النووية والغازية".

وأضاف "لتوضيح هذه النقطة، لنأخذ مشروع محطة هينكلي بوينت سي النووية مثالًا".

وأوضح أنه عند اكتماله، سيشغل المشروع مساحة نحو 430 فدانًا (1.74 كيلومترًا مربعًا)، وسيُولّد ما يصل إلى 26 تيراواط/ساعة من الكهرباء سنويًا؛ أي ما يقارب 7% من إجمالي إنتاج المملكة المتحدة، وهو ما يكفي لتزويد 6 ملايين منزل بالكهرباء.

في المقابل، تُقدّر مجموعة "بريطانيا ريميد" (Britain Remade) أن إنتاج الكمية نفسها من الكهرباء في بريطانيا سيتطلب نحو 130 ألف فدان (526.09 كيلومترًا مربعًا) من الألواح الشمسية أو 250 ألف فدان (1011.71 كيلومترًا مربعًا) من توربينات الرياح البرية.

وأردف كوزينز "بصفتنا مهد الثورة الصناعية؛ فقد عرفنا هذه الحقائق الفيزيائية منذ القرن الـ19، عندما وُضعت قوانين الديناميكا الحرارية لأول مرة".

وتابع: "ولكن بالنظر إليها من منظور أوسع؛ فإنها تشرح مسار التقدم البشري بأكمله".

وقال "منذ البداية، حسبما يرى سميل، كانت قصتنا -بوصفها نوعًا بشريًا- قصة إتقان مصادر كهرباء أكثر كثافةً وموثوقيةً".

وأوضح أنه "على مدى آلاف السنين، انتقلنا من البحث عن الطعام إلى الزراعة، ومن القوة العضلية إلى القوة الميكانيكية، ومن الخشب إلى الفحم، ومن الفحم إلى النفط والغاز الطبيعي، ومن هناك إلى الطاقة النووية وكهربة الحياة الحديثة".

وأشار إلى أن "كل تقدم يُعد عظيمًا -التصنيع، والتحضر، والنقل، والحوسبة، والآن حتى الذكاء الاصطناعي- بُني على الأساس نفسه: القدرة على تسخير طاقة أكثر تركيزًا، وأكثر قابليةً للتحكم، وأكثر وفرة".

ومن منظور الديناميكا الحرارية، كانت الحضارة نفسها جهدًا متواصلًا لتقليل الإنتروبيا؛ أي تحويل فوضى الطبيعة إلى النظام والإنتاجية والإمكانات التي تُميز العالم الحديث".

التقليل من كفاءة النظام الكهربائي

قال مدير الحملة لدى مجموعة "نت زيرو ووتش" موريس كوزينز: "بمجرد فهم هذا -ماديًا وتاريخيًا- يتضح سبب معاناة بريطانيا الآن من أعلى أسعار للكهرباء في العالم المتقدم".

وتابع "لأكثر من عقدين، قامت طبقتنا السياسية، من خلال مزيج من التردد بشأن الطاقة النووية، والتفاؤل الأعمى بشأن مصادر الطاقة المتجددة، وقصر النظر تجاه الهيدروكربونات، ببناء نظام كهرباء يتحدى القوانين ذاتها التي يعتمد عليها الرخاء".

وأوضح "بشكل عام، أعتقد أننا قللنا من كفاءة نظامنا الكهربائي لسببين أساسيين".

"أولًا، لقد عكسنا الاتجاه التاريخي نحو الكثافة والموثوقية، ومنذ تسعينيات القرن الماضي، دعمت بريطانيا مصادر الطاقة المتجددة المنتشرة والمتقطعة لتكون أساس مزيج توليد الكهرباء لدينا؛ ما أضعف الأسس ذاتها التي تعتمد عليها القدرة على تحمل التكاليف والأمن".

وقال كوزينز "منذ عام 2005، عندما بلغ توليد الكهرباء في بريطانيا ذروته، انتقلنا من شبكة تعتمد على 95% من الكهرباء الثابتة -الفحم والغاز والنفط والطاقة الكهرومائية والنووية- إلى شبكة توفر فيها هذه المصادر الآن أقل من نصف كهربائنا، وفي عقدين من الزمن، استبدلنا الاستقرار بالتقلب".

مزرعة وايتلي لطاقة الرياح بالقرب من مدينة غلاسكو في إسكتلندا
مزرعة وايتلي لطاقة الرياح بالقرب من مدينة غلاسكو في إسكتلندا – الصورة من الغارديان

تغير المناخ

قال مدير الحملة لدى مجموعة "نت زيرو ووتش"، موريس كوزينز: "منذ عام 2008، تم كل هذا تحت ستار تغير المناخ - لكن هذه كانت دائمًا حجة زائفة".

وأكد أنه "لا يوجد شيء في علم المناخ يتطلب استعمال مصادر الطاقة المتجددة".

وأردف: "وحسبما حذر كبير المستشارين العلميين السابق للحكومة ومؤيد الطاقة النووية واحتجاز الكربون للغاز، البروفيسور الراحل السير ديفيد ماكاي، في عام 2016: هناك هذا الوهم المروع لدى الناس بأننا نستطيع أخذ هذا الشيء الذي ينتج حاليًا 1% من الكهرباء في بريطانيا ويمكننا ببساطة توسيع نطاقه.. تحتاج البشرية حقًا إلى الاهتمام بالحساب وقوانين الفيزياء؛ نحن بحاجة إلى خطة متراكمة".

وتابع: "كانت رسالة ماكاي بسيطة: القيد هو الفيزياء بكل بساطة".

"ثانيًا، من خلال طبقات متتالية من التشريعات واللوائح -وليس قانون تغير المناخ فحسب- رسّخنا مزيجًا من المُثل السياسية الحسنة النية، كالعدالة والمساواة والكرامة والطبيعة والمحلية، التي أفضت في النهاية إلى حوافز فاسدة وتشويه للأولويات".

وقال: "هذا يجعل من شبه المستحيل على النظام الآن تحقيق هدفه الأساسي: توفير كهرباء رخيصة وموثوقة للمنازل والقطاع الصناعي".

وأوضح أن ذلك اتضح جليًا فيما كشفت عنه صحيفة التايمز، هذا الأسبوع، عن منافسة الحكومة لاختيار مُقدّم عرض مُفضّل لمفاعلات نووية صغيرة معيارية لتعزيز توليد الكهرباء في بريطانيا.

وهذا ما وُصف بأنه "أسرع عملية من نوعها في العالم" تحول إلى محنة استمرت عامين كلّفت دافعي الضرائب 22 مليون جنيه إسترليني (29.35 مليون دولار) حتى قبل بدء البناء، وفق تفاصيل طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وكان السبب الجذري لهذا الشلل هو قانون الخدمات العامة (القيمة الاجتماعية) لعام 2012، بالتزامن مع قانون المساواة لعام 2010.

نتيجةً لذلك، طُلب من الشركات إكمال مئات الصفحات من الأبحاث التي تُثبت "قيمتها الاجتماعية": طريقة توظيف طالبي اللجوء، وضمان التكافؤ بين الجنسين عبر سلاسل التوريد لديها، وتلبية مجموعة من معايير التنوع والمجتمع.

واعتمدت 12% من النتيجة النهائية على هذه العوامل، التي لا علاقة لأي منها بإنتاج كهرباء رخيصة وموثوقة.

ويرى كوزينز أن هذا "مثالٌ واضحٌ على كيف أن المُثل السياسية -في هذه الحالة المساواة في النتائج- قد حلت محل الغرض والتنفيذ".

وعلى عكس ما يزعمه وزير الطاقة إد ميليباند، وحزب العمال، فإن أزمة الطاقة في بريطانيا ليست فشلًا للأسواق أو التكنولوجيا أو فلاديمير بوتين، وإنما إخفاق في مواجهة الواقع واحترام قوانين الفيزياء".

وقال إنه "إلى أن تُعيد الحكومة اكتشاف الحقيقة البسيطة حول الطاقة -وهي أن الاقتصاد ينبع من فهم الديناميكا الحرارية- سنظل عالقين في وهم التكلفة الباهظة الذي صنعناه بأنفسنا لعقودٍ عديدة مقبلة".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق