المقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةغازمقالات الغازمقالات النفطنفط

صادرات النفط والغاز الروسيين إلى أوروبا تنخفض في 2025.. أزمة تترقبها القارة العجوز (مقال)

فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • مصدرو الوقود الأحفوري الروس يعيدون توجيه الكميات إلى آسيا خصوصًا الصين والهند
  • الاتحاد الأوروبي لا يزال أكبر مشترٍ للغاز المسال الروسي في عام 2025
  • حصة تركيا من الغاز الروسي انخفضت من نحو 60% إلى نحو 37%
  • المساعي الرامية إلى وقف صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا تشهد منعطفًا إستراتيجيًا

سجلت واردات أوروبا من النفط والغاز الروسيين انخفاضًا في عام 2025، دون استغناء القارة العجوز الكامل عنهما، وسط تباين مواقف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

ومنذ الأيام الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، واجه صانعو السياسات الأوروبيون مفارقة قاسية؛ إذ منح اعتمادهم على النفط والغاز موسكو نفوذًا مستدامًا.

وعلى الرغم من أن نفوذ النفط والغاز الروسيين يتراجع تدريجيًا في عام 2025، فإن توقفه النهائي يُعد المرحلة الأصعب.

إزاء ذلك، تتعرّض إيرادات تصدير الوقود الأحفوري في روسيا، التي كانت فيما مضى ركيزة لمالية الكرملين، لضغوط كبيرة.

التحول في مشهد الطاقة

بين الربع الأول من عام 2021 والربع الثاني من عام 2025، كان التحول جذريًا؛ فقد انخفضت حصة روسيا من واردات الاتحاد الأوروبي من النفط الخام من نحو 29% إلى نحو 2%.

أما الغاز المنقول بالأنابيب -الذي كان يُشكّل في السابق ما يقرب من نصف الإمدادات الأوروبية- فيمثّل الآن نحو 12%، وانخفض الغاز المُسال الروسي من نحو 22% إلى نحو 14% في العديد من دول الاتحاد الأوروبي.

في المقابل، تُخفي هذه الأرقام المعضلة الأساسية، فما تبقى يمثّل، تحديدًا، جوهر تحديات الإمداد والعقود والتنفيذ.

وفي أواخر عام 2025، لا يزال خط أنابيب رئيس واحد فقط من روسيا (ترك ستريم) يعمل بكامل قدرته للتسليم المباشر إلى أوروبا.

بدورهم، يعيد مصدرو الوقود الأحفوري الروس توجيه الكميات بصفة متزايدة إلى آسيا، خصوصًا الصين والهند.

في سبتمبر/أيلول 2025، نُقل نحو 69% من صادرات النفط الخام الروسية بوساطة سفن "أسطول الظل" باستعمال أعلام زائفة وعمليات إعادة شحن وملكية غامضة للتهرب من العقوبات.

رغم ذلك لا يزال الاتحاد الأوروبي أكبر مشترٍ للغاز المسال الروسي في عام 2025، على الرغم من تقلّص الحجم المطلق وتزايد الضغوط من أجل حظر كامل.

في سبتمبر/أيلول 2025، انخفضت الإيرادات اليومية إلى نحو 546 مليون يورو (636.33 مليون دولار)، مسجلة أدنى مستوياتها منذ بدء الحرب الشاملة.

وعلى أساس سنوي، انخفضت إيرادات تصدير النفط والغاز الروسيَّيْن بنسبة 26% تقريبًا.

ناقلة راسية في محطة للغاز المسال بألمانيا
ناقلة راسية في محطة للغاز المسال بألمانيا - الصورة من وكالة الصحافة الفرنسية

زيادة إنتاج النفط في روسيا

على عكس المتوقع، لا تزال روسيا تُصرّ على زيادة إنتاجها النفطي ضمن سقف تحالف أوبك+ (نحو 9.4 مليون برميل يوميًا)، وقد أكد نائب رئيس الوزراء الروسي زيادات تدريجية في الإنتاج رغم الاضطرابات الناجمة عن هجمات الطائرات الأوكرانية المسيّرة على مصافي التكرير الروسية.

من جانبها، صعّدت أوكرانيا من تلك الهجمات، ما أدى إلى توقف ما يقرب من 40% من قدرة التكرير الروسية، وفقًا لبعض التقارير، ما فاقم نقص الوقود والضغط الهيكلي.

وهكذا، تُعاني موسكو من ضغط انخفاض إيرادات التصدير، واضطرابات لوجستية في بنيتها التحتية للطاقة.

التخلص التدريجي من النفط والغاز الروسيَّيْن

في أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2025، أقرّ سفراء الاتحاد الأوروبي إطارًا سياسيًا للتخلص التدريجي من النفط والغاز الروسييْن بحلول عام 2028، وأرسلوا الاقتراح إلى وزراء الخارجية للتصديق عليه. ويُعد الجدول الزمني المقترح طموحًا:

  • يناير/كانون الثاني 2026: حظر على عقود الغاز الروسية الجديدة.
  • منتصف عام 2026: التخلص التدريجي من العقود قصيرة الأجل الحالية.
  • يناير/كانون الثاني 2028: حظر كامل على واردات الغاز الروسي، بما في ذلك خطوط الأنابيب والغاز المسال.

تجدر الإشارة إلى أن هذا التشريع سيكون ملزمًا، وليس استشاريًا، لحماية كبار المشترين (فرنسا، وبلجيكا، وإسبانيا، والمجر) من الدعاوى القضائية بتجاهل عقودهم الروسية.

ومن المتوقع أن تتجاوز الدول الأعضاء المترددة في الامتثال لحزمة العقوبات الـ19 المقترحة -ولا سيما سلوفاكيا والنمسا- من خلال آلية الأغلبية المؤهلة.

وتتخوّف براتيسلافا من سياسة الطاقة في الاتحاد الأوروبي، وكذلك بشأن مستقبل صناعة السيارات في سلوفاكيا.

وتشعر فيينا بالقلق إزاء تورط أحد أكبر بنوكها، رايفايزن، في السوق الروسية، ما يعني أن النمسا تطلب رفع تجميد العديد من العقوبات المتفق عليها مسبقًا.

ولكشف التلاعب بالأسعار والتحايل، سيدمج القانون عمليات فحص المنشأ الجمركية، وعمليات تفتيش مواني الغاز المسال، والتزامات الإفصاح عن العقود.

ويجري العمل على خطط لتمديد الحظر على الغاز المسال الروسي في وقت مبكر -ربما بحلول يناير/كانون الثاني 2027- ضمن حزمة العقوبات الـ19 للاتحاد الأوروبي.

أسطول الظل

من التحديات الحاسمة "أسطول الظل" الروسي والمتعاملون معه، وقد اقترح الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على الشركات التي تُزوّد ​​ناقلات النفط الروسية بأعلام كاذبة (أوروبا، وكوراساو، وسانت مارتن) لقطع طريق رئيس للتهرب.

ويُسرّع مشروع العقوبات الـ19 الجدول الزمني لحظر شحنات الغاز المسال الروسية، ويُغلق الإعفاءات المتبقية للمنتجين الرئيسين روسنفط (Rosneft) وغازبروم نفط (Gazprom Neft).

من جهتها، تولّت ألمانيا دورًا قياديًا إقليميًا، مطالبة بإثبات التأمين من الناقلات المارة عبر بحر البلطيق، ومهددةً بمراقبة السفن غير الملتزمة.

في بحر البلطيق، تتزايد التقارير عن "سفنٍ شبحية" تجرّ المراسي أو تلجأ إلى مناوراتٍ محفوفة بالمخاطر لإتلاف الخطوط البحرية؛ وتُعدّ جبهة جديدة في الصراع.

وحسبما يشير المحللون، غالبًا ما تتخلّف عقوبات الاتحاد الأوروبي عن الواقع؛ "سباق العقوبات" يلاحق أسطولًا دائم التغير.

ناقلة الغاز المسال (كريستوف دي مارجيري) على طريق بحر الشمال في روسيا
ناقلة الغاز المسال "كريستوف دي مارجيري" على طريق بحر الشمال في روسيا - الصورة من نوفاتك

إستراتيجيات روسيا المضادة

مع إحكام أوروبا قبضتها على خروجها، تسعى روسيا إلى إستراتيجيات مضادة متعددة:

أولًا، التحويل شرقًا: تبيع روسيا الآن 63% (بدءًا من عام 2024) من النفط الخام إلى آسيا وأوقيانوسيا، بزيادة على نحو 34% في عام 2021.

وتستحوذ الهند والصين، وحدهما، على نحو 80% من صادرات النفط الروسية، فيما تستحوذ أوروبا الآن على نحو 6-7%.

ثانيًا، تعميق سعة أسطول الظل: مع تشديد العقوبات، يُجنّد أو يُخضع مزيد من الناقلات وشركات الوساطة والتأمين وسجلات السفن لتدفقات غامضة؛ إذ يستمر الأسطول في التوسع.

ثالثًا، رد الفعل والتخريب: يُشتبه في قيام بعض "ناقلات النفط الخام" في بحر البلطيق أو بحر الشمال بأعمال تخريب، أو إتلاف خطوط بحرية، أو إرساء السفن لتعطيل البنية التحتية؛ وهو مجال تُقيّد فيه القيود القانونية على عمليات الاعتراض العدوانية التدابير المضادة.

رابعًا، العقوبات والضغط المضاد: قد ترد موسكو بفرض قيود تجارية، أو قطع إمدادات انتقائية (مثل الغاز عن جيرانها الإستراتيجيين)، أو تصعيد حرب هجينة، ما يُضعف التماسك السياسي والمجتمعي في أوروبا.

خامسًا، الضغوط الداخلية: تتفاقم الأضرار الداخلية وتتراكم مشكلات نقص الوقود، وتعطل المصافي، واضطرابات الصادرات، وعجز الموازنة.

نتيجة لذلك، تقلّصت صادرات روسيا من المنتجات المكررة بصفة ملحوظة، وأصبحت خسائر إيرادات التصدير هيكلية.

وتأمل روسيا أن تتمكّن من خلال الحفاظ على تدفق تجاري محدود، وزرع الفوضى في مجال إنفاذ القانون، وتوسيع الانقسامات الداخلية في أوروبا، من تخفيف وطأة العزلة.

الصراع السياسي والمؤسسي

لا يقتصر فك ارتباط الطاقة هذا على أنابيب الغاز، بل يشمل الحوكمة وسيادة القانون وسياسات التحالف.

• ضغوط داخلية من الاتحاد الأوروبي: تتوخى الدول ذات الاعتماد الصناعي الأكبر على الغاز أو ذات البنية التحتية الأضعف الحذر.

وتطالب بالمرونة، أو الإعفاءات الانتقالية، أو التعويضات، وتدفع هذه الأصوات إلى تأخير التنفيذ أو إيجاد حلول ناجعة.

• الغموض القانوني: تسعى شركات الطاقة، التي تخشى دعاوى العقوبات، إلى الوضوح.

لذلك، يجب أن يوازن التصميم التشريعي بين التنفيذ الصارم والضمانات القانونية أو معالجة "القوة القاهرة" لانتهاكات العقود.

• سياسة النقض مقابل الأغلبية المؤهلة: إن التحول إلى تصويت الأغلبية المؤهلة متعمد، بوصفه وسيلة لتجنّب استعمال حق النقض المحتمل من قبل المجر أو سلوفاكيا أو النمسا.

وتعتمد النتيجة على الصفقات الدبلوماسية والنفوذ داخل الاتحاد الأوروبي.

• النفوذ والدبلوماسية الأميركية: تنشط الولايات المتحدة خلف الكواليس.

وقد اشترط الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، فرض عقوبات أشد بشأن فك الارتباط الكامل للطاقة في أوروبا، موجهًا رسالة واضحة مفادها أن واشنطن تتوقع من أوروبا تحمل مسؤولية القرار.

من جهتها، تستهدف وزارة الخزانة الأميركية أسطول الشحن البحري غير الرسمي، ما يعزز تحركات أوروبا.

• الدول المجاورة بوصفها مؤشرات: يُعدّ تحول تركيا دليلًا على ذلك، فقد انخفضت حصتها من الغاز الروسي من نحو 60% إلى نحو 37%، وتسعى أنقرة إلى تلبية أكثر من 50% من الطلب عبر مصادر محلية أو أميركية بحلول عام 2028.

بدورها، وقّعت المجر اتفاقية غاز طويلة الأجل مع شركة شل (Shell) (مقرها الولايات المتحدة)، ما يُظهر أن آخر الممتنعين عن الشراء بدأوا بالفعل في التحوّط.

مصفاة نفط محلية بمدينة أومسك في روسيا
مصفاة نفط محلية بمدينة أومسك في روسيا - الصورة من رويترز

سيناريوهات المخاطر ونقاط الضغط

لفهم طريقة تطور هذا الوضع، لننظر في سيناريوهَيْن عاليَي المخاطر:

أولًا: هروب أسطول الظل: في حال ظلّ ما نسبته 20-30% من أسطول ناقلات النفط الروسي دون عقوبات أو تتبع، فقد تواصل موسكو تدفقاتها المتواضعة، وهو ما يكفي للاحتفاظ بنفوذ ضئيل.

ويمكن لأوروبا حظر مرور جميع ناقلات النفط التي تحمل أعلامها عبر مياهها، لكن هذا يتطلّب إنفاذًا بحريًا وسوابق قانونية محفوفة بالمخاطر.

ثانيًا: التشرذم الداخلي: لنفترض أن المجر أو سلوفاكيا طالبتا بإعفاءات في وقت متأخر من العملية.

وقد يُشجع رفضهما دولًا أخرى أو يُؤخر التنفيذ، ما يجعل عملية التخلص التدريجي غير متكافئة أو رمزية. سيحتاج القانون إلى إجراءات إنفاذ قوية ووحدة وطنية ليصمد.

ثالثًا: رد انتقامي مختلط: قد ترد موسكو بقطع إمداداتها من النفط والغاز عن دول العبور الرئيسة، أو بالتخريب، أو باتخاذ إجراءات قانونية مضادة.

ولذلك، تصبح مرونة الشبكة الأوروبية، وتوفير احتياطيات تخزين الطاقة، والتنسيق الدبلوماسي مع دول العبور أمرًا بالغ الأهمية.

رابعًا: المعاناة الاقتصادية: ما تزال بعض الصناعات والمناطق الأوروبية تعتمد على النفط والغاز الروسيَّيْن.

وقد يؤدي فسخ العقود أو النقص المفاجئ في الإمدادات إلى تقنين مؤقت، أو صدمات سعرية، أو ردود فعل عكسية، ولا تقل إدارة هذه المخاطر السياسية أهمية عن الإطار القانوني.

خامسًا: تقلبات السوق العالمية: إذا أدى تحول الطلب في أوروبا إلى ارتفاع حاد في أسعار الغاز المسال، فقد تستفيد روسيا (أو غيرها من المصدرين) من المراجحة التجارية.

ويتطلّب الأمر من الاتحاد الأوروبي التنسيق مع أسواق الغاز العالمية لتحقيق استقرار العرض وتجنّب تأجيج تقلبات جديدة في قطاع الطاقة.

مساعي وقف صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا

تشهد المساعي الرامية إلى وقف صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا منعطفًا إستراتيجيًا.

في حال نجاحها، ستُضعف إحدى أقوى أدوات موسكو، وتُقلل من إيرادات الكرملين، وتُرسّخ سيادة أوروبا في مجال الطاقة.

ورغم ذلك، يتمثّل الاختبار الحقيقي ليس في المعاهدات، بل في إنفاذها، ووحدتها، وضبط الشحنات البحرية.

وإذا أفلت أسطول الظل من التدقيق إلى حد كبير، فقد تُواصل روسيا نزيفها في الهامش، وإذا تفككت مواقف أوروبا، فسيُصبح القانون حبرًا على ورق.

وستعتمد النتيجة النهائية بشكل كبير على قدرة أوروبا على تحويل التوافق الدبلوماسي إلى قوة قانونية، وضوابط لوجستية، وتماسك مؤسسي.

وتتجاوز رهانات هذه القصة حدود الطاقة بكثير؛ إنها اختبار للسيادة الأوروبية، ومصداقية التحالف، وما إذا كانت الديمقراطيات الصناعية قادرة على التغلب على التبعيات الراسخة بصورة تعاونية.

وسيشهد العامان المقبلان إما القطيعة النهائية مع خصم مُهيمن، وإما مرحلة انتقالية طويلة الأمد تُتيح لموسكو الاحتفاظ بجزء من النفوذ ومواصلة تصدير النفط والغاز الروسيين.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق