انخفاض بحر قزوين يفاقم أزمات إيران.. كيف يتأثر الاقتصاد والبيئة؟ (مقال)
أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

- الانخفاض المستمر في منسوب المياه أدّى إلى تفاقم تآكل السواحل وتسرب المياه المالحة.
- التلوث الناتج عن استخراج النفط والنفايات الصناعية يُفاقم من تدهور جودة المياه.
- مصايد أسماك بحر قزوين تُشكل عنصرًا أساسيًا في الاقتصاد الإقليمي ومصادر الرزق المحلية.
- نقاط ضعف إيران في منطقة بحر قزوين تشمل أبعادًا بيئية وجيوسياسية وأمنية واقتصادية.
تتفاقم مشكلات إيران البيئية وسط الانخفاض المستمر لمياه بحر قزوين وما ينطوي عليه من خسائر اقتصادية وتهديد للأحياء البحرية في المنطقة.
وأدّى تقلب منسوب مياه هذا البحر إلى مجموعة معقّدة من التحديات البيئية والاقتصادية والجيوسياسية، وتُعد تحديات حادة بشكل خاص بالنسبة لإيران، التي تعتمد محافظاتها الشمالية -غيلان ومازندران وغلستان- اعتمادًا كبيرًا على موارد البحر واستقراره.
وقد أدّى الانخفاض المستمر في منسوب مياه بحر قزوين إلى تفاقم تآكل السواحل، وتسرب المياه المالحة، وجفاف الأراضي الرطبة؛ ما أثر بشدة في الإنتاجية الزراعية ومصايد الأسماك ومصادر الرزق المحلية.
ويزيد التلوث الناجم عن الجريان السطحي الصناعي واستخراج النفط ونفايات الأنهار من تفاقم التدهور البيئي؛ ما يؤدي إلى تدهور جودة المياه وفقدان التنوع البيولوجي المائي.
تقلص مخزونات الأسماك
يُقوّض تقلص مخزونات الأسماك وتعطل طرق النقل اقتصادات إيران الساحلية ويهدد آلاف الأسر التي تعتمد على صيد الأسماك.
ومن الناحية الجيوسياسية، تُفاقم هذه الضغوط البيئية التوترات وتُعقّد التعاون بين الدول الـ5 المطلة على بحر قزوين -إيران وروسيا وقازاخستان وتركمانستان وأذربيجان- التي تتنافس مصالحها على الحدود البحرية وموارد الطاقة والإدارة البيئية.
ونتيجةً لذلك، تُعرّض تقلبات منسوب مياه بحر قزوين النظم البيئية الإقليمية للخطر، وتُشكّل اختبارًا لمتانة الأطر متعددة الأطراف القائمة، مثل "اتفاقية الوضع القانوني لبحر قزوين"، التي تسعى إلى التوفيق بين الأولويات الوطنية والضرورات البيئية المشتركة.

التهديدات البيئية
يُهدد انخفاض منسوب مياه بحر قزوين نظامه البيئي الهش، مُعرّضًا الأنواع المهددة بالانقراض للخطر، مثل فقمة قزوين والعديد من أنواع سمك الحفش.
ويُحدّ انكماش الشواطئ من مناطق التكاثر ويُلحق الضرر بالموائل الساحلية، بما في ذلك أحواض القصب والبحيرات الضحلة الحيوية لتكاثر الأسماك وتجمعات الطيور المهاجرة.
ونتيجة لانحسار البحر، تُطلق قيعانه المكشوفة غبارًا مُحمّلًا بالملوثات الصناعية، ما يُشكّل مخاطر صحية على المجتمعات المجاورة.
من ناحية ثانية، يُفاقم التلوث الناتج عن استخراج النفط، والنفايات الصناعية، ومياه الصرف الصحي غير المُعالجة من تدهور جودة المياه، ما يُقوّض الاستقرار البيئي ويُسرّع التدهور البيئي على طول ساحل بحر قزوين الإيراني.
ودون أي تدخل، يواجه بحر قزوين مسارًا يُذكّر بالانهيار البيئي الذي شهده بحر آرال.
مصايد الأسماك ومصادر الرزق
تُشكل مصايد أسماك بحر قزوين عنصرًا أساسيًا في الاقتصاد الإقليمي ومصادر الرزق المحلية، خصوصًا في إيران.
في المقابل، يُقلّص تقلب مستويات سطح البحر مناطق الصيد ومناطق التكاثر، ما يؤدي إلى انخفاض الأرصدة السمكية.
وتُفاقم المياه الملوثة وتدهور الموائل من تقويض استدامة الأنواع الرئيسة، ما يُهدد الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي لسكان المناطق الساحلية المعتمدين على الصيد.
ويؤدي تراجع الأرصدة السمكية الناتج عن ذلك إلى تعطيل التوظيف المحلي وسلاسل التوريد الإقليمية، ويُوضح كيف يتحول الضغط البيئي مباشرةً إلى ضعف اجتماعي واقتصادي.
تحديات التعاون الإقليمي
تُعقّد جهود معالجة هذه القضايا البيئية بسبب تضارب المصالح الوطنية والتنافس الجيوسياسي بين الدول المطلة على بحر قزوين.
ورغم وضع أطر عمل، مثل اتفاقية طهران (2003)، لتعزيز حماية البيئة والتنسيق الإقليمي؛ فإن التنفيذ كان بطيئًا ويعاني نقصَ التمويل.
ولا تزال أنظمة الرصد والاستجابة للطوارئ الحالية محدودة النطاق والكفاءة.
وفي الوقت نفسه، لا تزال الأولويات المتباينة -من استخراج الموارد إلى إدارة البيئة- إلى جانب التوترات السياسية الإقليمية، تعوق العمل الجماعي.
نتيجةً لذلك، لا يزال التعاون الشامل في مكافحة التلوث، وحماية الموائل، ووضع إستراتيجيات للتكيف مع تقلبات مستوى سطح البحر بعيد المنال.
وبالنسبة لإيران وجيرانها، يُفاقم عدم استقرار بحر قزوين التدهور البيئي ويُقوّض الثقة الإقليمية؛ ما يُبرز الحاجة المُلحّة إلى مبادرات متعددة الأطراف تُركز على الرصد المُنسّق، والحد من التلوث، والإدارة المستدامة.

الموقع الإستراتيجي والبيئي لإيران
تشمل نقاط ضعف إيران في منطقة بحر قزوين أبعادًا بيئية وجيوسياسية وأمنية واقتصادية.
بيئيًا، يُهدد الانخفاض المستمر في منسوب المياه، إلى جانب تغير المناخ وسوء الإدارة والتلوث، بتدمير التنوع البيولوجي الساحلي ومصادر الرزق.
جيوسياسيًا، كثّفت إيران تعاونها مع روسيا والدول الساحلية الأخرى من خلال التدريبات البحرية المشتركة واتفاقيات الدفاع الإستراتيجي الهادفة إلى حماية الحدود البحرية ومنع القوى غير المطلة على بحر قزوين من التدخل العسكري.
وتُسهم هذه الجهود في تعزيز الأمن القومي وبسط النفوذ الإقليمي.
اقتصاديًا، يُمثل بحر قزوين موردًا حيويًا لصادرات إيران من الطاقة والتجارة، إلا أن العقوبات وعدم الاستقرار لا يزالان يعوقان الاستثمار وتطوير البنية التحتية.
لذلك، سعت طهران إلى تعميق علاقاتها التجارية الإقليمية والسعي إلى التعاون العلمي والتكنولوجي والسيبراني مع شركائها الآسيويين لتخفيف تأثير العقوبات والعزلة الاقتصادية.
التغيرات المتوقعة في خط الساحل بحلول عام 2050
تشير التوقعات العلمية إلى أن بحر قزوين قد يشهد انخفاضًا في منسوب المياه يتراوح بين مترين و15 مترًا بحلول عام 2100، وذلك وفقًا لسيناريوهات الانبعاثات، مع توقع انخفاضات كبيرة بحلول عام 2050.
وعلى امتداد ساحل إيران، سيؤدي ذلك إلى تراجع كبير في خط الساحل، كاشفًا عن مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت مغمورة سابقًا.
وتُهدد هذه التغيرات البنية التحتية ومصايد الأسماك والمستوطنات البشرية من خلال التعرية وفقدان الموائل والعواصف الترابية الناتجة عن جفاف قيعان البحار.
ومن المتوقع أن يؤدي انخفاض تدفقات الأنهار، الناجم عن انخفاض هطول الأمطار وتحويل مسار المياه، إلى تفاقم الوضع؛ ما يزيد من تعريض النظام البيئي الساحلي للخطر ويزيد من الملوحة.
إزاء ذلك، ستكون الإدارة التكيفية -من خلال تقسيم المناطق الساحلية، والترميم البيئي، والتعاون عبر الحدود- ضرورية للتخفيف من هذه الآثار وتعزيز القدرة على الصمود.
أنواع الأسماك المعرّضة للخطر
يُشكل الانخفاض المستمر في منسوب مياه بحر قزوين خطرًا متزايدًا على أنواع الأسماك الرئيسة التي تُشكل أساس النشاط الاقتصادي لإيران وإمداداتها الغذائية، إذ يُعيد تشكيل البيئات المائية ويُضعف الإنتاج البيولوجي الإجمالي في المنطقة.
وتُعد سمكة الكوتم، وهي من الأسماك التجارية الرائدة في إيران، الأكثر تضررًا.
ونظرًا إلى اعتمادها على بحيرات مثل "أنزلي" ومصبات الأنهار للتكاثر، تقلصت مناطق تكاثرها بشكل كبير نتيجة انخفاض منسوب المياه وتراكم الرواسب وتراجع تدفقات الأنهار؛ ما أدى إلى انخفاض معدلات التكاثر وبقاء صغار الأسماك. ويُخل هذا الخلل بالنظم البيئية الطبيعية ويُهدد دخل الصيادين الساحليين.
ويُعد سمك الشبوط الشائع عرضة بالقدر نفسه للتغيرات في ديناميكيات المياه، وقد أدت عمليات إطلاق الأنهار الموجهة وانخفاض تدفقات مجاري المياه مثل نهر أتراك إلى تغيير أنماط تكاثرها؛ ما أدى إلى تقلص أعدادها ومخاطر على صناعة صيد الأسماك في المياه العذبة في إيران.
وبالمثل، تتراجع أنواع مثل "الدنيس" وسمك فرخ البايك وسط انكماش الموائل الساحلية والنهرية، ما يؤدي إلى إزالة المناطق الضحلة الغنية بالنباتات الأساسية للبحث عن الطعام والتكاثر.
وقد أدى تدهور الموائل نتيجة الجفاف وارتفاع مستويات الملوحة والملوثات إلى انخفاض حاد في مخزون الأسماك وتنوعها في جميع أنحاء منطقة جنوب بحر قزوين.
إلى جانب الأسماك، تُعدّ فقمة بحر قزوين، وهي الثدييات البحرية المتوطنة الوحيدة في المنطقة، مؤشرًا رئيسًا على التدهور البيئي.
فقد انخفضت أعدادها بشدة بسبب اختفاء الموائل وتلاشي الغطاء الجليدي وندرة مصادر الغذاء، ما يُسلّط الضوء على تفكك أوسع للتوازن الطبيعي لبحر قزوين.
عند أخذ هذه التغيرات مجتمعة؛ فإنها تشكل خطرًا على تنوع الحياة البرية في إيران، وممارسات الصيد المعتادة، وقوت المنطقة الأوسع والصحة المالية، ما يُظهر أهمية إستراتيجيات المياه المرنة، وجهود حماية النظام البيئي، والمبادرات البيئية التعاونية في جميع دول بحر قزوين.

عوامل انخفاض منسوب المياه
ينتج انخفاض منسوب مياه بحر قزوين عن مزيج من تغير المناخ، وانخفاض تدفقات الأنهار، وسوء الإدارة البشرية.
ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة التبخر، في حين يُقلل الجفاف الإقليمي من هطول الأمطار وتدفقات ذوبان الجليد.
وقد شهد نهر الفولغا، الذي يُوفر ما يصل إلى 90% من المياه العذبة في بحر قزوين، انخفاضًا في تصريفه بسبب بناء السدود في المنبع، والاستخدام الزراعي، وتحويلات المياه.
بدورها، تُفاقم الأنشطة البشرية، بما في ذلك الري والاستهلاك الصناعي وإدارة المياه غير الملائمة، اختلال التوازن بين التدفقات والتبخر.
وعلى الرغم من أن التغيرات الهيدرولوجية الطبيعية تُسهم في التقلبات؛ فإن العوامل البشرية تُعد السبب الرئيس للانخفاض طويل الأمد، ما يُبرز الحاجة المُلِحّة إلى حوكمة المياه العابرة للحدود وسياسات التكيف مع المناخ.
الخلاصة
تنبع تحديات إيران في منطقة بحر قزوين من مجموعة معقدة من التدهور البيئي، والإستراتيجيات السياسية، والقيود المالية.
ويُهدد الانخفاض السريع في منسوب مياه بحر قزوين -الذي يُعزى أساسًا إلى ارتفاع معدل التبخر الناجم عن تغير المناخ وانخفاض مدخلات الأنهار، وخاصة نهر الفولغا- الحياة البرية، وقطاع صيد الأسماك، ورفاهية أعداد لا تُحصى من السكان الذين يعيشون بالقرب منه.
وقد أدّت هذه الحالة البيئية الطارئة إلى تدمير النظم البيئية الساحلية ومواقع تكاثرها؛ ما زاد من المخاطر على الثروة السمكية، وأضر بالمجتمعات التي تعتمد على البحر مصدرًا للدخل.
إضافة إلى ذلك، يُفاقم التلوث والاستغلال البشري المفرط في جميع أنحاء المنطقة هذه المشكلات، ما يُعقّد الجهود المبذولة للحفاظ على التناغم الطبيعي الهش للبحر.
ولمعالجة هذه القضايا المتنوعة، تعمل إيران على تعزيز دورها ونفوذها في بحر قزوين من خلال تحالفات في مجال الدفاع والدبلوماسية المُركزة على البيئة.
وتسعى إيران إلى مبادرات أمنية مشتركة مع الدول الساحلية الأخرى، وتسعى إلى إقامة أنظمة إقليمية تعاونية تُوازن بين السيطرة الوطنية والاستجابات الموحدة للمخاوف البيئية والدفاعية المشتركة.
من الناحية الاقتصادية، يُعَد بحر قزوين محوريًا لأهداف إيران التجارية والطاقة، إلا أن العقوبات العالمية والاضطرابات المحلية تعوق تحقيقها.
وبالنظر إلى المستقبل، تتطلب الإدارة الفعّالة لبحر قزوين اتباع نهج موحد في جميع أنحاء المنطقة، يجمع بين تدابير الحفاظ على البيئة، والتكنولوجيا المتطورة، والمشاركة في صنع القرار.
وفي غياب هذه الخطوات التعاونية، ستتفاقم مخاطر التدهور البيئي والخلافات السياسية، ما يُعرّض السلامة البيئية والأسس الاجتماعية والاقتصادية لمنطقة بحر قزوين بأكملها للخطر.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين.. الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- خط أنابيب بحر قزوين في مرمى المسيرات الأوكرانية.. هل تتعرض مصالح أوروبا للخطر؟ (مقال)
- احتياطي النفط في قازاخستان ينتظر إضافات واعدة من بحر قزوين
- بي بي تطلق مسحًا زلزاليًا ضخمًا في حقل نفطي ببحر قزوين
اقرأ أيضًا..
- تغطية خاصة لمستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية.
- ملف خاص عن مشروعات الطاقة الشمسية في الدول العربية.
- خريطة المناجم في الدول العربية.. كنوز واحتياطيات ضخمة