التقاريرتقارير الغازرئيسيةغاز

مصير غامض لنقص الغاز في العراق.. وصفقة قد تنقذ الموقف جزئيًا

سامر أبووردة

يواجه ملف الغاز في العراق مصيرًا غامضًا مع اقتراب فصل الشتاء، وسط فشل صفقة الغاز التركمانستاني بشكل شبه رسمي، وتعثّر المفاوضات الإقليمية التي قد تسهم جزئيًا في تخفيف أزمة النقص الحادّ.

ووفقًا لبيانات قطاع الكهرباء العراقي لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تعتمد بغداد بشكل رئيس على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء، ما يجعلها عرضةً لأيّ خفض أو قطع مفاجئ في الإمدادات.

ففي الوقت الذي كان العراق يعوّل فيه على صفقة الغاز التركمانستاني بكمية تصل إلى 20 مليون متر مكعب يوميًا، اصطدمت الاتفاقية بعقبة سياسية كبرى بعد رفض وزارة الخزانة الأميركية منح العراق إعفاءً جديدًا لاستيراد الطاقة عبر إيران، ما أدى إلى إجهاض المشروع الذي جرى التفاوض عليه منذ 3 سنوات.

فقد كان من المقرر أن يضخ الغاز التركمانستاني إلى شمال إيران، ثم يحصل العراق على الكمية نفسها من غاز إيران عبر الجنوب، لعدم وجود خط أنابيب مباشر يربط تركمانستان بجنوب الأراضي الإيرانية.

غير أن إلغاء الإعفاء الأميركي الممنوح لبغداد أطاح بالصفقة، ليبقى العراق اعتمادًا شبه كلّي على الغاز الإيراني، الذي لم يتجاوز في أفضل حالاته 20 مليون متر مكعب يوميًا.

ضغط أميركي وتعقيدات سياسية

ترك إلغاء الصفقة العراق في مواجهة مباشرة مع ضغوط أميركية وإقليمية متشابكة، فواشنطن لم تكتفِ برفض الصفقة التركمانستانية، بل ألمحت إلى إمكان وقف استثناءات استيراد الغاز من إيران بشكل كامل، وهو ما قد يعرّض بغداد لعجز مفاجئ في منظومتها الكهربائية.

هذا المأزق ليس جديدًا، إذ سبق أن شهدت البلاد شتاءً صعبًا بداية العام الجاري، عندما أبلغت طهران وزارة الكهرباء العراقية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بوقف ضخ الغاز لمدة 15 يومًا بدعوى أعمال صيانة، بينما كان السبب الحقيقي هو زيادة الطلب المحلي داخل إيران نفسها.

ورغم أن العقد المُبرم بين الجانبين ينصّ على تصدير 50 مليون متر مكعب يوميًا في الشتاء و70 مليونًا في الصيف، لم يتجاوز الضخ نصف هذه الكمية خلال السنوات الثلاث الماضية.

من مراسم توقيع صفقة الغاز التركمانستاني
جانب من مراسم توقيع صفقة الغاز التركمانستاني - الصورة من وزارة الكهرباء في العراق

معضلة الغاز في العراق

تشير البيانات إلى أن العراق يعتمد على الغاز الإيراني بنسبة تصل إلى 80% لتوليد الكهرباء، ما يعني أن أيّ اضطراب في الضخ ينعكس مباشرة على الشبكة الوطنية.

ففي حال توقُّف الإمدادات، تتفاقم أزمة الغاز في العراق وتفقد منظومة الكهرباء العراقية نحو 10 آلاف ميغاواط، ما يدفع الحكومة إلى اللجوء لقطع التيار في بعض المناطق لمدة تصل إلى 8 ساعات يوميًا، أو تشغيل محطات الكهرباء بالديزل والمازوت بكلفة مرتفعة.

المفارقة أن إيران التزمت بتوريد الغاز لتركيا -التي تعتمد عليه بنسبة 16 إلى 18%- حتى في ذروة الأزمات، بينما لم تُبدِ المستوى نفسه من الالتزام مع العراق، وهو ما أثار انتقادات واسعة في بغداد، وعدّه خبراء تلاعبًا من طهران بالملف وفق أولوياتها الداخلية والخارجية.

خط أنابيب نقل الغاز الإيراني إلى العراق
خط أنابيب نقل الغاز الإيراني إلى العراق - أرشيفية

المفاوضات الإيرانية مع روسيا وتركيا

في موازاة هذه الأزمة، تتحرك إيران لتأمين بدائل عبر مفاوضات مع روسيا، ففي 15 سبتمبر/أيلول الجاري، أعلن رئيس شركة الغاز الوطنية الإيرانية، سعيد توكلي، أن بلاده قد تبدأ استيراد الغاز من روسيا هذا العام، مع احتمال أن تصل الكميات في المراحل المستقبلية إلى 55 مليار متر مكعب.

ووصلت المباحثات مع موسكو إلى مراحل متقدمة، إذ جرى الاتفاق على مسار خط أنابيب عبر أذربيجان، في حين بقيت مسألة التسعير قيد التفاوض.

وتشير التصريحات الرسمية إلى أن المرحلة الأولى قد تقتصر على ملياري متر مكعب فقط، ما يعني أن وصول هذه الكميات إلى العراق -عبر إعادة التوزيع من الداخل الإيراني- لن يكون كافيًا لحلّ الأزمة جذريًا، لكنه قد يسهم في استقرار جزئي خلال ذروة الطلب الشتوي.

أمّا مع تركيا، فتسعى إيران إلى تجديد عقد تصدير الغاز الممتد حتى 2026، إذ تدرك أن أنقرة تُعدّ زبونًا إستراتيجيًا لا يمكن التفريط به، في حين تبقى بغداد في موقع أقل أولوية.

سيناريوهات الشتاء المقبل

المشهد الحالي يضع ملف الغاز في العراق أمام 3 سيناريوهات محتملة مع اقتراب الشتاء:

  1. استمرار النهج الإيراني في تقليص كميات الغاز المورّدة إلى العراق، ولا سيما مع زيادة الطلب المحلي في فصل الشتاء، وهو ما يعني بقاء أزمة الانقطاعات.
  2. نجاح إيران في استيراد الغاز من روسيا، وتخصيص جزء منه للعراق، ما قد يوفر استقرارًا نسبيًا في الضخ.
  3. تشديد أميركي أكبر على استيراد الطاقة عبر إيران، بما قد يؤدي إلى خفض الإمدادات أو وقفها كليًا، ومن ثم دخول العراق في أزمة كهرباء غير مسبوقة.

توليد الكهرباء في العراق

أزمة نقص الغاز في العراق

أثبتت تجربة السنوات الماضية أن الغاز في العراق سيظل مرهونًا بموازين القوى الإقليمية والدولية، في غياب أيّ بدائل محلية أو استثمارات جادّة في البنية التحتية.

ورغم محاولات بغداد تنويع مصادر الطاقة، فإن فشل صفقة الغاز التركمانستاني أعاد تأكيد هشاشة الوضع، وأن أيّ حل قريب لن يتجاوز حدود الترقيع الجزئي.

وبينما تتحرك إيران لتأمين واردات من روسيا، يبقى السؤال الأهم: هل ستلتزم بضخّ الغاز؟ وهل سيكون ذلك كافيًا لإنقاذ العراق من شتاءٍ آخر مليء بالانقطاعات؟ أم أن البلاد ستجد نفسها مضطرة لمواجهة أزمة كهرباء جديدة، تتكرر عامًا بعد آخر دون حلول دائمة؟

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر:

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق