حلم صناعة البطاريات في المجر يواجه معارضة شعبية وركودًا في الطلب (تقرير)
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين

- كاتل الصينية تبني أكبر مصنع للبطاريات في المجر بتكلفة 8 مليارات دولار
- حكومة فيكتور أوربان اليمينية أقرت إعفاءت ضريبية سخية منذ عام 2016
- المجر كانت أكبر دولة أوروبية في القدرة الإنتاجية للبطاريات عام 2022
- خطط المجر قد تجعلها ثاني أكبر مصنع للبطاريات في أوروبا بعد ألمانيا بحلول 2030
- احتجاجات للسكان المحليين ضد مواقع صناعة البطاريات ودعوى قضائية للإلغاء
- أعضاء في الحزب الحاكم يصفون نشطاء المناخ بالممولين سياسيًا من الخارج
- ركود الطلب الأوروبي على بطاريات السيارات الكهربائية يربك المُصنّعين في المجر
- شركة كاتل تعدّل خطط مصنعها الكبير في المجر لإنتاج أنواع متعددة من البطاريات
شهدت صناعة البطاريات في المجر تطورات متسارعة منذ عام 2022، في إطار خطة حكومية طموحة لجعل البلاد مركزًا لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية على مستوى أوروبا.
وكانت شركة كاتل الصينية، أكبر مصنع للبطاريات في العالم، قد وقّعت اتفاقية بناء مصنع ضخم لإنتاج البطاريات في المجر أواخر عام 2022، بالشراكة مع شركة مرسيدس الألمانية، بتكلفة تصل إلى 7.6 مليار دولار.
واستقبلت صناعة البطاريات في المجر هذا الخبر ببالغ الارتياح، لكن السكان المحيطين بموقع المصنع المقترح احتجوا على الاتفاقية لأسباب بيئية.
وبحسب تقرير حديث -اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)- رفع السكان دعوى قضائية -مؤخرًا- ضد مكتب حكومة مقاطعة هاجدو-بيهار لإلغاء الترخيص الممنوح لشركة كاتل لبناء المصنع.
واحتج السكان بأن صناعة البطاريات لها تأثيرات سلبية، بسبب ما يصدر عنها من انبعاثات سامة، فضلًا عن استهلاكها الكثيف للمياه في منطقة قاحلة.
فرص صناعة البطاريات في المجر
بذل رئيس الوزراء فيكتور أوربان جهودًا متراكمة خلال السنوات الأخيرة لجذب الشركات الأجنبية للاستثمار في صناعة البطاريات بالمجر، ضمن خطة إستراتيجية تستهدف جعل البلاد مركزًا إقليميًا للتصنيع.
وكانت الشركات الصينية والكورية المصنعة للسيارات على رأس الشركات الكبرى التي سعت حكومة البلاد لجذب استثماراتها في هذه الصناعة الحيوية لأوروبا، ثاني أكبر سوق للسيارات الكهربائية بعد الصين.

وبلغت مبيعات السيارات الكهربائية في أوروبا (الشاملة والهجينة) قرابة 3.1 مليون سيارة عام 2024، من إجمالي 17 مليون سيارة مبيعة عالميًا، بحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أقر خطة في مارس/آذار 2023 تستهدف حظر مبيعات سيارات البنزين والديزل داخل دول الكتلة بحلول عام 2035.
ورغم أن القرار تعرض لانتقادات شركات السيارات الأوروبية الكبرى مثل بي إم دبليو، وفولكسفاغن، ورينو، فإن المجر وجدت فيه فرصة للتحول إلى مركز لصناعة البطاريات لتلبية الطلب الأوروبي الكبير خلال العقود المقبلة.
قدرة إنتاج البطاريات في المجر وأوروبا
تشير بيانات حديثة -اطّلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة- إلى أن القدرة الإنتاجية للبطاريات في أوروبا كانت متركزة في 4 دول حتى عام 2022، أكبرها المجر بقدرة عاملة وصلت إلى 38 غيغاواط/ساعة سنويًا.
وحلّت السويد في المركز الثاني بقدرة إنتاجية بلغت 16 غيغاواط/ساعة سنويًا، ثم بولندا بـ15 غيغاواط/ساعة سنويًا، ثم إسبانيا بنحو 2 غيغاواط/ساعة سنويًا.
ودفع قرار الاتحاد الأوروبي عام 2023 حظر السيارات التقليدية بحلول 2035، عدة دول إلى تبني خطط بناء مصانع البطاريات على أراضيها في إطار التكيف مع تحول السياسات.
وكانت ألمانيا من أكثر الدول المخططة لذلك، وسط توقعات بوصول قدرتها الإنتاجية للبطاريات إلى 155 غيغاواط/ساعة عام 2025، لتصبح الدولة الأوروبية الأكبر في القدرة الإنتاجية.
ويتوقع وصول القدرة الإنتاجية في السويد إلى 96 غيغاواط/ساعة هذا العام، تليها إيطاليا بنحو 77 غيغاواط/ساعة، ثم المجر بنحو 58 غيغاواط/ساعة.
ورغم تغيّر الترتيب في عام 2025 لصالح ألمانيا والسويد وتراجع المجر إلى المركز الرابع، فإن توقعات عام 2030 تشير إلى أن بودابست ستصبح ثاني أكبر دولة أوروبية في القدرة الإنتاجية للبطاريات.
وتشير بيانات المشروعات المعلنة في المجر إلى أن القدرة الإنتاجية للبطاريات قد ترتفع إلى ما يتراوح بين 178 غيغاواط و188 غيغاواط/ساعة سنويًا بحلول عام 2030، لتصبح الثانية بعد ألمانيا التي قد ترتفع قدرتها إلى ما يتراوح من 151 غيغاواط إلى 416 غيغاواط/ساعة سنويًا بحلول التاريخ نفسه.
استثمارات صناعة البطاريات في المجر
تعول حكومة أوربان ذات النزعة اليمينية القومية على صناعة البطاريات في المجر، لتعزيز الاقتصاد وتوفير فرص عمل جديدة في البلد الأوروبي ذي الـ9.5 مليون نسمة.
وحتى تستطيع الحكومة جذب المستثمرين، فقد أقرت سلسلة من الحوافز المالية والإعفاءات الضريبية السخية التي شجعت كبرى الشركات الصينية والكورية على التوسع في البلاد لا سيما "كاتل"، و"بي واي دي"، و"سامسونغ".
وتشير بعض التقديرات إلى أن المساعدات الحكومية الممنوحة لشركات صناعة البطاريات في المجر قد وصلت إلى 1.5 تريليون فورنت مجري (4.2 مليار دولار)، وهو ما يعادل 2% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للبلاد.
*(الدولار الأميركي= 333.6 فورنت مجري)
وكانت شركة سامسونغ الكورية قد افتتحت أول مصنع لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في المجر عام 2017 بمدينة غود شمال العاصمة بودابست.

وتوجد الآن 40 منشأة عاملة أو تحت الإنشاء أو مخططة بقطاع تصنيع البطاريات في المجر، بحسب تقرير منشور على موقع كلايمت هوم نيوز المتخصص (Climate Home News).
وبلغ حجم الاستثمارات الملتزَم بضخها بصناعة البطاريات في المجر قرابة 14 مليار يورو (16.4 مليار دولار) خلال السنوات الـ6 الماضية، بحسب بيانات صادرة عن هيئة الاستثمار الوطنية نشرتها وكالة بلومبرغ الأميركية.
والتزمت شركة كاتل الصينية منذ عام 2022 ببناء مصنع ضخم للبطاريات في البلاد بتكلفة تصل إلى 7.6 مليار دولار، وهو أكبر استثمار أجنبي في المجر على الإطلاق.
وتزيد مساحة المصنع، المقرر إقامته في مدينة دبرتسن، على مساحة 220 هكتارًا، أو ما يعادل مساحة 300 ملعب كرة قدم، وقد بدأت الشركة أعمال البناء في الموقع بالفعل منذ عامَيْن.
ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج التجاري للمصنع بحلول نهاية عام 2025، ضمن خطط تشغيلية تستهدف الوصول إلى 100 غيغاواط/ساعة سنويًا بحلول عام 2030، ما يكفي لتشغيل مليون سيارة.
وإذا نجحت خطط هذا المصنع فمن المتوقع أن تصبح المجر ثاني أكبر مصنع لبطاريات السيارات الكهربائية في أوروبا بعد ألمانيا، كما ستصبح واحدة من أكبر المصنعين في العالم.
التحديات البيئية لصناعة البطاريات
شهدت عدة مواقع مخططة لإنشاء مصانع البطاريات في المجر احتجاجات محلية خلال الأشهر الماضية، وسط مخاوف من تلوث المياه وتضرر تربة الأراضي الزراعية المحيطة.
وتتركز المخاوف من تسرب بعض المذيبات والمواد الكيميائية المستعملة في صناعة البطاريات إلى المياه، وهي مواد قد تتسبّب في موت الأجنة والإجهاض، فضلًا عن أضرارها الأخرى التي تصيب الكلى والكبد.
ولا تبدو حكومة أوربان مهتمة بالتأثيرات البيئية لصناعة البطاريات في المجر، إذ عمدت إلى إضعاف الصلاحيات التنظيمية للحكومات المحلية لصالح مشروعات البنية التحتية الكبرى.
ويرأس فيكتور أوربان حكومة المجر منذ عام 2010 وحتى الآن، وهو سياسي يميني لا يهتم بمسائل البيئة والانبعاثات، وسبق له أن أغلق وزارة البيئة والمياه وسلم حقيبتها إلى وزارة الزراعة. كما جرد الوكالات البيئية المحلية من سلطة مراقبة المصانع أو تفتيشها بصورة مستقلة.
ووصف مسؤولون محليون من حزب فيدس اليميني الحاكم، نشطاء المناخ والمنظمات البيئية المعارضة لصناعة البطاريات في المجر بأنهم محرضون سياسيون ممولون من جهات أجنبية، في حين يصف النشطاء حكومة فيكتور أوربان بالاستبدادية.
ورغم أن المخاوف البيئية والمعارضة الشعبية تمثل تهديدًا لصناعة البطاريات في المجر، فهناك تحديات أخرى اقتصادية أربكت الصناعة منذ العام الماضي، وعلى رأسها ركود الطلب على السيارات الكهربائية في أوروبا.
فقد أدى هذا الركود إلى انخفاض إنتاج البطاريات في المجر بنسبة 51% خلال عام 2024، ما دفع شركة سامسونغ إلى إغلاق مصنعها مؤقتًا في مدينة غود وتسريح مئات العمال.
كما أفادت شركة كاتل الصينية، في تقريرها المالي لعام 2024، بأن المرحلة الثانية لبناء مصنعها الكبير في المجر معلقة رغم امتلاكها الموارد اللازمة للقيام بذلك.
وفي يوليو/تموز 2025، أعلنت شركة بي واي دي الصينية نيتها تأجيل إنتاج مصنعها في المجر حتى عام 2026، مع تشغيله بأقل من طاقته القصوى خلال أول عامَيْن لحين استكشاف اتجاهات الأسواق الأوروبية والعالمية.

بينما أعلنت شركة كاتل في 11 سبتمبر/أيلول 2025، تعديل خطط مصنعها في المجر لإنتاج أنواع متعددة من البطاريات بدلًا من التركيز على بطاريات الليثيوم أيون.
وقالت الشركة، إن هذا التعديل جاء استجابة لتقلبات الطلب من شركات صناعة السيارات الأوروبية، بالإضافة إلى تزايد اهتمام العملاء في أوروبا ببطاريات فوسفات الحديد والليثيوم وخلايا أيونات الصوديوم الأرخص.
موضوعات متعلقة..
- أكبر 10 شركات لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية من حيث السعة في 2023
- أكبر شركة تصنيع بطاريات في العالم تستثمر 6 مليارات دولار بإندونيسيا
- تكلفة إنتاج خلايا البطاريات في الأسواق الكبرى.. لا مجال للمقارنة مع الصين (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- قطاع الغاز في مصر يترقّب اكتشافات ضخمة قريبًا.. 3 تريليونات قدم مكعبة
- السعودية تدعم سوريا بـ1.6 مليون برميل نفط مجانًا (فيديو)
- واردات إسبانيا من الغاز تنخفض 10%.. والجزائر تتخلى عن الصدارة
- أول سفينة حاويات تعمل بالأمونيا الخضراء في العالم تحقق إنجازًا جديدًا
المصادر:
- تحديات صناعة البطاريات في المجر من موقع كلايمت هوم نيوز.
- تعديل خطط شركة كاتل الصينية في المجر من بلومبرغ.