المقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةغازمقالات الغاز

الغاز المسال الروسي من "أركتيك 2" يتحدى العقوبات.. كيف تستفيد الصين؟ (مقال)

فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • مشروع الغاز المسال أركتيك 2 يُعد من أكثر المشروعات طموحًا في محفظة الطاقة الروسية.
  • بكين حدّدت محطة بيهاي للغاز المسال كمركز رئيس لاستقبال الشحنات الروسية.
  • منطقة شرق آسيا مجتمعة تستهلك أكثر من نصف كميات الغاز المسال العالمية.
  • الغاز المسال من مشروع أركتيك 2 يُوفر فرصًا ومخاطر في آنٍ واحد.

تتوالى شحنات الغاز المسال الروسي من مشروع أركتيك 2 إلى الصين رغم العقوبات الغربية الهادفة إلى تقليص صادرات الطاقة من البلاد.

في هذا الإطار، اتخذت شركة نوفاتك الروسية (Novatek) خطوة حاسمة أخرى في إعادة توجيه صادراتها من الغاز المسال نحو آسيا؛ حيث أصبحت الصين المنفذ الرئيس لمشروع الغاز المسال أركتيك 2 الخاضع للعقوبات.

في 30 يوليو/تموز 2025، حمّلت الناقلة التقليدية "زاريا" -وهي سفينة بسعة 160 ألف متر مكعب، كانت تُعرف سابقًا باسم "نورث واي" والمدرجة في قوائم عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- الغاز المسال من محطة "أركتيك 2" في شبه جزيرة جيدان، ورست منذ ذلك الحين في محطة "بيهاي" الصينية.

وفقًا لبيانات الشحن التي جمعتها "مجموعة سوق لندن للأوراق المالية" LSEG ونقلتها رويترز، يُمثل وصول "زاريا" ثالث عملية تسليم ناجحة لشحنات مشروع الغاز المسال الروسي أركتيك 2 إلى الصين، بعد شحنات سابقة قامت بها الناقلتان "أركتيك مولان" و"فوسخود".

لمحة عن مشروع الغاز المسال أركتيك 2

يُعد مشروع الغاز المسال الروسي أركتيك 2 من أكثر المشروعات طموحًا في محفظة الطاقة الروسية.

وبُني المشروع على حقل أوترينييه لمكثفات النفط والغاز، باحتياطيات تزيد على 1.4 تريليون متر مكعب من الغاز و90 مليون طن من السوائل.

وصُمم مشروع الغاز المسال الروسي ليشمل 3 خطوط إنتاج، كل منها بقدرة إنتاجية سنوية تبلغ نحو 20 مليون طن سنويًا، بالإضافة إلى 1.6 مليون طن من المكثفات المستقرة.

ويقع مشروع الغاز المسال الروسي بالقرب من خليج أوب، على بُعد 70 كيلومترًا فقط من مركز يامال لتصدير الغاز المُسال.

وتعكس ملكية المشروع النفوذ الدولي لروسيا وعزلتها الحالية: تسيطر شركة نوفاتك على 60%، في حين يمتلك كل من "توتال إنرجي" الفرنسية، و" سي إن بي سي" و"سينوك" الصينيتين، وشركة "جابان أركتيك إل إن جي" -تحالف يضم "جوغميك" و"ميتسوي"- 10%.

وقد تعطل المشروع بشدة بسبب العقوبات منذ أواخر عام 2023، عندما أدرجت الولايات المتحدة مشغله في القائمة السوداء، ومنشآت تخزين الغاز المسال العائمة "سام" و"كورياك" في كامتشاتكا، وأسطول الناقلات المقاومة للجليد "آرك 7" قيد الإنشاء في مجمع "زفيزدا" لبناء السفن.

أعمال البناء في مشروع الغاز المسال أركتيك 2 الروسي
أعمال البناء في مشروع الغاز المسال أركتيك 2 الروسي – الصورة من وكالة الصحافة الفرنسية

عرقلة شحنات مشروع الغاز المسال أركتيك 2

تمتد قيود الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى ناقلات تقليدية يشتبه في أنها تحمل شحنات مشروع الغاز المسال الروسي أركتيك 2.

وعلى الرغم من ذلك، أكد نائب رئيس مجلس إدارة شركة "نوفاتك" يفغيني أمبروسوف، أن شحنات الغاز المسال الروسي قد بدأت في أواخر أغسطس/آب 2025.

وبحلول نهاية ذلك الشهر، أفرغت الناقلة "أركتيك مولان" أول شحنة في محطة بيهاي، تلتها "فوسخود" في أوائل سبتمبر/أيلول الجاري، والآن الناقة "زاريا".

وتشير بيانات تتبع السفن لدى وكالة بلومبرغ إلى أن 4 ناقلات غاز مسال إضافية على الأقل محملة في محطة الغاز المسال أركتيك 2 في طريقها إلى آسيا؛ ما يشير إلى إنشاء وتيرة تصدير منتظم على الرغم من نظام العقوبات.

الحسابات الإستراتيجية للصين

بالنسبة لبكين، يُعَد التوقيت وطريقة الظهور أمرًا بالغ الأهمية، إذ تزامن التسليم الافتتاحي لشحنة الغاز المسال-2 من القطب الشمالي إلى الصين مع قمة رفيعة المستوى بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ؛ ما يُشير إلى دعم سياسي رمزي.

ويُظهر قرار مواصلة عمليات الشراء إستراتيجية اقتصادية وجيوسياسية مدروسة.

ووفقًا لمصادر في قطاع الطاقة، حدّدت بكين محطة بيهاي للغاز المسال مركزًا رئيسًا لاستقبال الشحنات الروسية.

ومن خلال تركيز عمليات التسليم في ميناء ذي حضور دولي محدود، تُقلّل الصين من خطر التعرض لسمعة أوسع أو لعقوبات عبر نظام استيراد الغاز لديها.

إضافة إلى ذلك، يُشير مُطّلعون على بواطن الأمور في هذا القطاع إلى أن عمليات الشراء تُمرّر عبر وسطاء غامضين؛ ما يُزيد من حماية الشركات الصينية الكبرى من التدخل المباشر.

وتُعدّ الصين حاليًا أكبر مُستورد للغاز المسال في العالم، حيث تُمثّل ما يقرب من ثلث التجارة العالمية، وتُصدّر ما يصل إلى 95% من صادرات الغاز المسال الروسية.

بدورها، تستهلك منطقة شرق آسيا مجتمعةً أكثر من نصف كميات الغاز المسال العالمية، وتشير التوقعات إلى أن جنوب شرق آسيا وحدها قد تُضاعف الطلب بحلول نهاية العقد.

وفي هذا السياق، يعد الغاز المسال الروسي بأسعار مخفضة اقتراحًا مغريًا، لأن صادرات الغاز المسال الأميركية تتحول في المقام الأول نحو أوروبا وسط الحروب التجارية المستمرة والنزاعات الجمركية.

حقل الغاز (أوترينييه) الواقع في شبه جزيرة جيدان الروسية
حقل الغاز (أوترينييه) الواقع في شبه جزيرة جيدان الروسية – الصورة من وكالة الصحافة الفرنسية

المحور القسري لروسيا

بالنسبة لروسيا، فإن خطة أوروبا المعلنة للتخلص التدريجي من الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب بحلول عام 2027 جعلت آسيا السوق الوحيدة المجدية على المدى الطويل لمشروعات الغاز واسعة النطاق.

ويتجلى اعتماد موسكو في كون مشروع الغاز المسال "أركتيك 2" أحد آخر المشروعات الكبرى القادرة على دعم طموحاتها في تصدير الغاز المسال، خصوصًا بعد التأخيرات التي طرأت على مشروع "مورمانسك إل إن جي".

وكان من المقرر في البداية تشغيل مشروع "مورمانسك إل إن جي" بين عامي 2027 و2029، إلا أنه تم تأجيله إلى عام 2032 بموجب خطة البنية التحتية الروسية حتى عام 2036.

وبالمثل، تم تأجيل خط أنابيب "فولخوف-مورمانسك" للغاز، الذي يبلغ طوله 800 كيلومتر، والمصمم لنقل 40 مليار متر مكعب سنويًا.

صادرات الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب

يشمل التحول الأوسع مشروعات خطوط الأنابيب، وقد عزز خط أنابيب "باور أوف سيبيريا 1" دور روسيا موردًا رئيسًا لخطوط الأنابيب إلى الصين.

مؤخرًا، وقّعت شركة غازبروم الروسية (Gazprom) وشركة البترول الوطنية الصينية مذكرة تفاهم بشأن مشروع خط أنابيب "باور أوف سيبيريا 2" المقترح، الذي يمرّ عبر منغوليا، وقد يُنتج في نهاية المطاف كميات غاز تُعادل ثلث صادرات روسيا إلى أوروبا قبل الحرب.

وبحسب ما ورد، بدأ البناء في بعض أقسامه، على الرغم من عدم توقيع أي عقد مُلزم حتى الآن.

بالنسبة لموسكو، تُعدّ هذه المشروعات وجودية: فدون الصين، لا بديل عن الأسواق الأوروبية المفقودة.

رغم ذلك، فإنّ هذا الاعتماد يأتي بتكاليف باهظة؛ فعلى عكس العقود الأوروبية المربحة التي كانت مرتبطة سابقًا بصيغ مرتبطة بالنفط، تُفاوض الصين من موقع قوة.

ويرى المحللون أن بكين ستُملي أسعارًا أقل بكثير مما دفعته أوروبا، وستفرض شروطًا تُقيّد روسيا في دور تابع موردًا للسلع الأساسية.

وسيُحسَب سعر الغاز المُورّد عبر خط أنابيب "باور أوف سيبيريا 2"، الذي تُخطط روسيا لبنائه إلى الصين عبر منغوليا، باستعمال الصيغة نفسها المُستعملة في الإمدادات إلى أوروبا.

وقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ذلك خلال المنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك أن الصيغة واحدة.

من جهة ثانية، فإن مكونات هذه الصيغة، أي أسعار المنتجات المختلفة التي تُشكّل سعر الغاز، تختلف باختلاف مناطق العالم.

ففي أوروبا، يختلف السعر، وكذلك في آسيا، لكن صيغة تحديد السعر واحدة، وهي قائمة على السوق تمامًا، حسبما قال بوتين.

مخاوف الصين ونفوذها

لا تزال الصين حذرة بشأن الإفراط في التوريد، وقد ناقش المسؤولون علنًا مخاطر الاعتماد المفرط على مورد واحد.

وعلى الرغم من أن الغاز الروسي رخيص الثمن وقريب جغرافيًا، تُقدّر بكين المرونة.

وتُتيح واردات الغاز المسال من قطر وأستراليا والولايات المتحدة (عندما لا تكون مقيدة بالرسوم الجمركية) تنويعًا لا تُتيحه عقود خطوط الأنابيب طويلة الأجل.

في هذا الإطار، يُوفر الغاز المسال من مشروع أأركتيك 2فرصًا ومخاطر في آنٍ واحد: إمدادات مُخفّضة تُخفّض التكاليف على المدى القصير، ولكن مع إمكانية ترسيخ التبعية الروسية.

ويعكس الخيار الإستراتيجي لنقل الغاز المسال الروسي عبر محطة واحدة ومعزولة نسبيًا هذا التوازن.

بدورها، تُشير بكين إلى دعمها لموسكو مع عزل نظام الطاقة الأوسع لديها عن التدقيق الغربي.

ويُمكنها زيادة أو تقليص المشتريات حسبما تشاء، مع الحفاظ على نفوذها على روسيا من خلال تأجيل توقيع عقود مُلزمة طويلة الأجل بموجب مشروع "باور أوف سيبيريا 2".

الغاز المسال الروسي

تحولات السوق والأبعاد الجيوسياسية

يُحدث هذا التحول آثارًا متتالية في أسواق الطاقة العالمية، ونتيجة لتحويل الغاز المسال الروسي إلى آسيا، يجد المُصدّرون الأميركيون فرصًا أوسع في أوروبا.

وقد عزز هذا علاقات الطاقة عبر الأطلسي، جاعلًا أوروبا زبونًا رئيسًا للغاز المُسال الأميركي، وفي الوقت نفسه يدفع موسكو أكثر نحو فلك الصين.

وتشهد أسواق الطاقة تفككًا على أسس جيوسياسية: روسيا تُزوّد ​​آسيا، والولايات المتحدة تُزوّد ​​أوروبا، والشرق الأوسط يُوازن بين الجانبين.

وبالنسبة لروسيا، تُعدّ مشروعات الغاز المسال الروسي في القطب الشمالي وسيبيريا جزءًا من إستراتيجية "التنين والدب" "دراغون-بير" الأوسع نطاقًا - وهي شراكة طاقة مؤسسية مع الصين تُؤمّن تحدي البلدين للعقوبات الغربية وتُسرّع من التشعب المنهجي للتجارة العالمية.

أما بالنسبة للصين، فإن هذا الترتيب يُتيح لها نفوذًا على روسيا، وطاقة مُخفّضة السعر لاقتصادها، وبيانًا جيوسياسيًا مفاده أن العقوبات التي يفرضها الغرب لا تُملي خيارات بكين الإستراتيجية.

إعادة هيكلة تدفقات الطاقة العالمية

لا يُعد وصول الناقلة "زاريا" إلى محطة بيهاي مجرد شحنة إضافية من الغاز المسال؛ بل هو علامة فارقة في إعادة هيكلة تدفقات الطاقة العالمية.

ويُشير إلى ترسيخ محور طاقة صيني-روسي، اقتصادي وسياسي وإستراتيجي في آن واحد.

وبالنسبة لروسيا، يُؤكد هذا اعتمادها القسري على آسيا باعتبارها السوق الوحيدة القابلة للتطبيق لمشروعات الغاز واسعة النطاق، ما يُعمّق ضعفها الهيكلي أمام قوة التسعير الصينية.

وبالنسبة للصين، فهو يُعزز مكانتها كمشتري مهيمن في سوق الغاز العالمية، ما يُحوّل روسيا إلى مُتلقي للسعر مع حماية نظام الطاقة لديها من مخاطر العقوبات.

التداعيات الجيوسياسية

تُعد التداعيات الجيوسياسية عميقة، حيث تتُقوّض العقوبات الأميركية والأوروبية بشكل متزايد عندما تتصرف الصين كمشتري راغب للسلع المدرجة في القائمة السوداء.

ويُعزز تشعب أسواق الطاقة ديناميكية الحرب الباردة الثانية الأوسع: أميركا تُؤمّن أوروبا، وروسيا تُؤمّن الصين، والكتلتان تتباعدان أكثر فأكثر.

وبمرور الوقت، سوف يؤدي هذا التشكيل الجديد إلى تآكل النفوذ الغربي على تسعير الطاقة العالمية وقوانين التجارة، في حين يضع الصين في قلب نظام جديد للطاقة ــ يتقلص فيه دور روسيا إلى مجرد مورد صغير، ويتحول ميزان القوى شرقًا.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق