أنسيات الطاقةالتقاريرتقارير الغازسلايدر الرئيسيةغاز

أنس الحجي: عقود الغاز المسال معرّضة لأزمات بعد الهجمة الإسرائيلية

أحمد بدر

أثارت الهجمة الإسرائيلية الأخيرة على إيران وقطر مخاوف متزايدة بشأن مستقبل عقود الغاز المسال، في ظل تنامي القناعة لدى الدول الآسيوية بأن المنطقة لم تعد آمنة لتدفقات الطاقة؛ إذ انعكس هذا التصور على توجهات الأسواق العالمية.

وفي هذا السياق، يقول مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن الضربة لم تكن مجرد حدث أمني، بل نقطة تحول في نظرة الأسواق للعقود الخاصة بالغاز المسال ومخاطر الإمدادات على المدى الطويل.

وأضاف أن الأثر المباشر لم يكن في تراجع الإمدادات، بل في تقويض الثقة بالمصدر، وهذا التحول النفسي في الأسواق أهم من أي تعطيل مادي، إذ يجعل المشترين يعيدون حساباتهم بشأن توقيع عقود الغاز المسال الجديدة.

وأكد الحجي أن سياسات الولايات المتحدة والترويج لفكرة إغلاق مضيق هرمز أدت دورًا كبيرًا في صياغة القناعات الصينية؛ إذ مع الضربة الأخيرة، ازداد ترسيخ الفكرة بأن عقود الغاز المسال في المنطقة محفوفة بمخاطر يصعب تجاهلها.

جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامجه "أنسيات الطاقة"، الذي يقدمه أنس الحجي على مساحات منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، وجاءت تحت عنوان "الآثار غير المتوقعة للهجمات الإسرائيلية على إيران وقطر في أسواق الطاقة".

القناعة الصينية وتحالفات روسيا

أشار أنس الحجي إلى أن التدخل الأميركي في إيران والترويج لاحتمال إغلاق مضيق هرمز أقنع الصينيين بأن عقود الغاز المسال من الخليج معرضة للخطر.

والأهم، وفق الحجي، أن الصينيين باتوا يعتقدون أن الخطر قد يصدر من واشنطن نفسها وليس من طهران أو دول الخليج.

وأضاف أن هذه القناعة هي ما أجبر الصين على توقيع عقد جديد مع روسيا الأسبوع الماضي، وقد بدا هذا التحول مفاجئًا للأسواق، لكنه يعكس هشاشة عقود الغاز المسال الحالية، بعدما صار البديل الروسي أقل خطورة من الاعتماد على الخليج.

محطة الغاز المسال الروسية أركتيك 2
محطة الغاز المسال الروسية أركتيك 2 - الصورة من شركة نوفاتك

ولفت أنس الحجي إلى أن روسيا نفسها لم تكن راغبة في تركيز صادراتها على الصين فقط، لكنها اضطرت لذلك بعد العقوبات الأميركية والبريطانية على محطة "أركتيك 2"؛ إذ إن هذه العقوبات جعلت عقود الغاز المسال الروسية في حاجة إلى مخرج سياسي واقتصادي.

وأوضح أن الممر الشمالي يشكل الحل الصيفي لروسيا، إذ يمكن إرسال شحنات الغاز المسال إلى الصين من دون المرور بأوروبا أو الولايات المتحدة، لكن في الشتاء تعود الصعوبات؛ ما يجعل العقود مرتبطة بخيارات أكثر تكلفة.

ويرى الحجي أن هذا الوضع أجبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على إعادة التفكير في خط أنابيب "باور أوف سيبيريا"، ما فتح الطريق أمام تقارب جديد مع الصين، والنتيجة كانت توقيع عقود الغاز المسال مع روسيا بديلًا عن صفقات خليجية أو أميركية.

وأكد أن السياسات الأميركية لم تكن تهدف إلى هذا التحالف، لكنها قادت إليه بشكل غير مباشر، فقد كان من النتائج غير المتوقعة للترويج لفكرة إغلاق هرمز تقارب موسكو وبكين، على حساب عقود الغاز المسال من مناطق أخرى.

وخلص إلى أن ما حدث يوضح أن الضربة الإسرائيلية لم تؤثر في الإمدادات فقط، بل سرّعت تحولات إستراتيجية دفعت الصين وروسيا لتعزيز التعاون.

المستفيد الأميركي من الأزمة

أوضح أنس الحجي أن المستفيد الأكبر من الضربة الإسرائيلية هو شركات الغاز الأميركية؛ إذ دعمت فكرة أن عقود الغاز المسال القادمة من قطر غير آمنة، وهذا التوجه يمنح الولايات المتحدة موقعًا أقوى في السوق العالمية.

وأضاف أن الولايات المتحدة اليوم تُعد أكبر مطور لمشروعات الغاز المسال، وتسعى لتوقيع عقود طويلة الأمد مع آسيا وأوروبا؛ لذلك فإن أي اهتزاز في ثقة المشترين بالمنطقة الخليجية يزيد من جاذبية العقود الأميركية.

محطة سابين باس لتصدير الغاز المسال الأميركي
محطة سابين باس لتصدير الغاز المسال الأميركي - الصورة من موقع شركة شينير إنرجي

وأكد خبير اقتصادات الطاقة أن الأثر الحقيقي لا يظهر في الأمد القصير، بل في قرارات الدول التي كانت تخطط للتوقيع مع قطر أو الإمارات، فهذه الدول ستعيد التفكير في جدوى هذه العقود.

ولفت إلى أن الترويج السابق في أثناء الضربة على إيران، إضافة إلى الخطاب الأميركي، أسهما في دعم هذه الفكرة، فالمستهلك الآسيوي الذي يشكك الآن في عقود الغاز المسال الخليجية قد يجد البديل الأميركي أكثر استقرارًا.

ويرى الحجي أن المشهد يؤكد وجود "حروب الغاز المسال"؛ إذ تؤدي السياسات والترويج الإعلامي دورًا مساويًا للعرض والطلب، وكل ذلك يعيد رسم مستقبل العقود ويزيد من تنافسية الشركات الأميركية في الأسواق.

وتابع: "المثال الأبرز على ذلك هو الاتحاد الأوروبي، الذي يستعد لتطبيق قانون الكربون في 2027.. فهذا القانون سيزيد تكلفة عقود الغاز المسال من قطر وروسيا، في حين تُعفى الصادرات الأميركية من الرسوم وفق اتفاق ترمب السابق".

وخلص إلى أن هذه السياسات تجعل الغاز الأميركي منافسًا قويًا في أوروبا وآسيا، رغم تكاليفه المرتفعة، ومع تزايد المخاطر الأمنية في الخليج، تصبح عقود الغاز المسال الأميركية الخيار الأكثر أمانًا نسبيًا للمستهلكين.

تحولات السوق وحروب الطاقة

قال أنس الحجي إن مسار الناقلات الروسية عبر قناة السويس والبحر المتوسط نحو آسيا، يُظهر أن روسيا استطاعت تصدير النفط الخام بكميات هائلة، لكنها ما زالت عاجزة عن تمرير ناقلة غاز مسال واحدة عبر الطرق نفسها.

وأضاف أن قطر كذلك اضطرت لإرسال شحنات الغاز المسال إلى أوروبا عبر رأس الرجاء الصالح؛ ما يرفع التكلفة بشكل كبير، والأمر يرتبط بـ"حروب الغاز المسال"، إذ تستعمل الدول السياسات التجارية والعقوبات لتغيير مسارات الإمدادات.

قناة السويس

وأكد أن الهدف هو جعل عقود الغاز المسال الأميركية أكثر تنافسية مقارنة بالعقود الروسية والقطرية، مشيرًا إلى توفير روسيا مليوني دولار تقريبًا على كل شحنة تمر عبر الممر الشمالي مقارنة بالمرور حول أفريقيا.

ويجعل هذا الفارق عقود الغاز المسال الروسية مغرية في الصيف، لكنه لا يحل مشكلة الشتاء التي تزيد من التكاليف، مؤكدًا أن الاتحاد الأوروبي يؤدي دورًا محوريًا عبر تشريعاته الخاصة بالكربون، التي ستؤثر سلبًا في العقود القطرية والروسية، في حين تمنح الصادرات الأميركية ميزة تنافسية واضحة، خصوصًا بعد اتفاق ترمب مع بروكسل.

ومن شأن التنافس بين هذه القوى، أن يكشف عن حقيقة أن حروب الغاز المسال ليست مجرد منافسة اقتصادية، بل هي صراع إستراتيجي يمتد لعقود؛ لذلك فإن الضربة الإسرائيلية الأخيرة ليست حدثًا عابرًا، بل هي مؤشر على تحولات أعمق.

واختتم تصريحاته بالقول: "المستهلكون، خصوصًا في آسيا وأوروبا، أصبحوا أكثر حذرًا في توقيع عقود الغاز المسال، وهو ما يهدد استقرار السوق على المدى الطويل".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق