أنسيات الطاقةالتقاريرتقارير النفطرئيسيةنفط

واردات الصين من النفط.. كيف تبني بكين مخزونها رغم العداء الأميركي؟ (تقرير)

أحمد بدر

تُثير واردات الصين من النفط تساؤلات متزايدة في ظلّ الصراع التجاري والسياسي مع الولايات المتحدة؛ إذ تسعى بكين لتأمين احتياجاتها الإستراتيجية بطرق غير تقليدية، وفي حين تواصل الأسواق مراقبة تحركاتها، تبقى دوافعها محل نقاش واسع.

ويؤكد مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن السياسة الصينية في الطاقة تغيّرت جذريًا بعد الحرب التجارية مع أميركا، وأن القرارات الأخيرة لبكين تعكس إدراكًا عميقًا لمخاطر الاعتماد على طرق محدودة للإمداد.

وأوضح الحجي أن بكين أوقفت بصورة كاملة استيراد النفط والغاز من الولايات المتحدة، ما دفعها إلى البحث عن بدائل، وفي الوقت نفسه تعزيز قدراتها الداخلية لبناء مخزون تاريخي من الطاقة في مختلف القطاعات.

وأضاف أن هذه الخطوات لا يمكن فصلها عن الحملات الإعلامية والتقارير الدولية، التي صوّرت الوضع، وكأن الطلب الصيني في طريقه للانكماش، في حين الحقائق على الأرض تشير إلى مسار مغاير تمامًا.

جاءت تصريحات الحجي خلال حلقة جديدة من برنامجه الأسبوعي "أنسيّات الطاقة"، قدّمها على مساحات منصة "إكس" (تويتر سابقًا) تحت عنوان: "هل تنخفض أسعار النفط بصورة كبيرة في الربع الرابع و2026؟".

فشل إستراتيجية ترمب

يقول أنس الحجي إن ما حصل في بداية الحرب التجارية مثّل نقطة تحول رئيسة؛ إذ كان لدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورقتان للضغط على بكين: واردات الغاز المسال من أميركا، وواردات الصين من النفط من الولايات المتحدة.

وأضاف أن بكين قررت الرد بقوة عبر وقف هذه الواردات تمامًا، فأوقفت شراء الغاز الأميركي منذ 5 أشهر، ثم أوقفت استيراد النفط قبل 3 أشهر، لتُسقط بذلك ورقتي الضغط من يد ترمب.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب - الصورة من بريتانيكا

وأشار أنس الحجي إلى أن هذا القرار دفع الصين إلى التوجه نحو دول أخرى لتعويض النقص، مثل قطر والإمارات، اللتَيْن توسعتا في طاقتهما التصديرية من الغاز المسال، في حين لم يكن الخيار الأسترالي مجديًا لغياب توسعات كبيرة هناك.

وأكد أن التطورات تزامنت مع الحرب الإسرائيلية-الإيرانية والضربة الأميركية لطهران، بالإضافة إلى الترويج الإعلامي لفكرة إغلاق مضيق هرمز، وهو ما عمّق مخاوف الأسواق من اضطراب الإمدادات.

وشرح أن الرسالة الأميركية الضمنية كانت أن صادرات الخليج قد تتوقف في أي وقت، ما جعل الصين أكثر حذرًا في الاعتماد على هذه المنطقة، وأسهم في تسريع البحث عن بدائل آمنة لزيادة واردات الصين من النفط.

وأوضح أن النتيجة المباشرة كانت توقيع الصين على اتفاق مع روسيا لبناء خط أنابيب جديد، رغم أنها لم تكن راغبة في المشروع أصلًا، وهو ما يعكس عمق التحولات في إستراتيجيتها.

وخلص إلى أن ما جرى يمثل خطأ إستراتيجيًا كبيرًا من إدارة الرئيس ترمب، إذ دفع بكين إلى إعادة رسم خريطة الطاقة الخاصة بها بعيدًا عن السيطرة الأميركية.

بناء المخزون والتحول في سياسات الطاقة

أشار أنس الحجي إلى أن بكين بدأت منذ ذلك الحين بناء أكبر مخزون نفطي في تاريخها، بالتوازي مع رفع الإنتاج المحلي من النفط والغاز والفحم، لتقليل الاعتماد على واردات الصين من النفط عبر البحر.

وأضاف: "استثمرت بكين بكثافة في مصادر الطاقة المتجددة، مثل الرياح والشمس والمياه، إلى جانب بناء سدود عملاقة لتوليد الكهرباء، وهو ما ساعدها على تقليل الحاجة إلى واردات النفط والغاز الخارجية".

كما عزّزت الصين وارداتها من روسيا عبر خطوط الأنابيب، وأقامت علاقات طاقة متينة مع منغوليا لتأمين الفحم، في خطوة تقلل من أي تأثير محتمل للنفوذ الأميركي أو الأوروبي.

وأكد أنس الحجي أن هذه السياسات ليست عشوائية، بل جاءت ضمن خطة إستراتيجية تهدف إلى خفض المخاطر وتعزيز الأمن الطاقي على المدى الطويل، مهما كانت تقلبات الأسواق أو الصراعات السياسية.

ولفت إلى أن التحول لم يقتصر على الإمدادات، بل شمل كذلك إدارة المخزون؛ إذ أصبح لدى الدولة الآسيوية قدرة على شراء النفط بكميات ضخمة عند انخفاض الأسعار، ما يعزّز قوتها التفاوضية عالميًا.

ويرى الحجي أن هذا النهج جعل الصين أكثر استعدادًا لمواجهة أي ضغوط مستقبلية، سواء من الولايات المتحدة أو من الأسواق الغربية التي تحاول فرض سرديات تخدم مصالحها، فما قامت به يعكس فهمًا دقيقًا لتجارب أوروبا السابقة مع روسيا، ما جعلها أكثر حذرًا في الاعتماد على مصدر وحيد للطاقة.

لعبة الأرقام وتوافق المصالح

قال أنس الحجي إن المشهدين الإعلامي والسياسي العالمي شهدا تقاطعًا غريبًا، إذ اجتمعت وكالة الطاقة الدولية مع البنوك الكبرى ومع شركات صينية على خطاب واحد حول فائض المعروض وانخفاض الأسعار.

وأضاف أن الوكالة توقعت فائضًا تاريخيًا يصل إلى 1.8 مليون برميل يوميًا حاليًا و3 ملايين في العام المقبل، وهو أمر لم يحدث حتى في أزمات كبرى مثل كورونا أو فترات الركود.

وكالة الطاقة الدولية

ويرى خبير اقتصادات الطاقة أن التقاء هذه الأطراف المتباينة يثير الشكوك، خصوصًا أن الشركات الصينية لم تكن تتحدث عن توقعات الطلب علنًا من قبل، وفجأة بدأت تُصدر تقارير باللغتَيْن الصينية والإنجليزية.

ولفت إلى أن الهدف من هذه اللعبة الإعلامية هو التمهيد لانخفاض الأسعار، بما يسمح بزيادة واردات الصين من النفط بأسعار متدنية وبناء مخزون ضخم، إذ إن هذه الإستراتيجية تخدم بكين مباشرة، وتتيح لها تعزيز أمنها الطاقي بأقل التكاليف الممكنة.

وفسّر الحجي ذلك بأن المشكلة ليست في الأرقام بحد ذاتها، بل في تفسيرها وتقديمها إلى الإعلام، ما يخلق انطباعًا خاطئًا بأن الطلب على النفط في الصين بلغ ذروته.

واختتم الحجي بتأكيده أن ما يحدث يبرهن على توافق مصالح غير معلن بين أطراف تبدو متناقضة، لكنه في النهاية يصب في صالح بكين التي نجحت في تحويل الضغوط إلى فرصة تاريخية.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق