هل النفط والغاز المسال وراء هجوم الغرب على السعودية ودول الخليج؟
أحمد بدر

تتزايد حملات الانتقاد الغربية تجاه دول الخليج عامة، والسعودية خاصةً، ما أثار تساؤلات حول الدوافع الحقيقية خلف هذا الهجوم المتكرر، إذ يرى بعضهم أن الأمر يرتبط بأسواق الطاقة وسياسات النفط، وآخرون يكشفون أبعادًا أعمق.
وفي هذا السياق، يؤكد مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن الصورة الحالية تختلف عن أيّ وقت مضى، وأن وراءها مصالح أميركية مباشرة مرتبطة بالغاز المسال والنفط.
وأوضح أن ما يحدث ليس مجرد انتقادات سياسية عابرة، بل "هجمة منظمة" تجمع توجهات متعددة، تتلاقى جميعها في هدف واحد يخدم المنتجين الأميركيين على حساب الدول المنتجة الأخرى، وفي مقدّمتها السعودية.
وأضاف: "ما نراه اليوم نتاج لتطورات جيوسياسية معقّدة، تبدأ من الصراع الأميركي الإيراني، وتمتد إلى حسابات الطاقة العالمية، حيث تؤدي السعودية دورًا محوريًا في موازين السوق الدولية".
جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة"، قدّمها أنس الحجي عبر مساحات منصة التواصل الاجتماعي "إكس" بعنوان: "هل تنخفض أسعار النفط بشكل كبير في الربع الرابع و2026؟".
الهجوم على السعودية ودول الخليج
أوضح أنس الحجي أنه لا يخفى على أحد الهجوم الكبير على الدول النفطية، وخصوصًا السعودية، منذ عقود. إلّا أن ما يحدث اليوم مختلف نوعيًا، فهو هجوم منظّم وواسع يجمع بين الإعلام والسياسة والاقتصاد في مسار واحد يضرّ بالدول المنتجة.
وأشار إلى أن هذه الهجمة اكتسبت زخمًا جديدًا مع الحرب الإسرائيلية الإيرانية والتصعيد الأميركي ضد طهران، إذ تحولت الأنظار إلى الخليج، وأصبح الحديث عن أمن الطاقة مدخلًا لتبرير خطوات مدروسة.
وأضاف مستشار تحرير "الطاقة" أن التركيز الإعلامي الغربي على فكرة إغلاق مضيق هرمز لم يكن بريئًا، بل هدفه تضخيم المخاطر لترويج الغاز الأميركي، أمّا الإعلام العربي، فقد تبنّى هذا الخطاب بشكل "ببغائي" من دون إدراك عميق للحقائق.
وشدد الحجي على أن الحديث عن قدرة إيران على إغلاق المضيق مجرد وهم، لأن الملاحة تتمّ بمعظمها عبر سلطنة عمان، إضافة إلى أن القوات الدولية تحمي الممر الحيوي دائمًا.
كما أن إغلاق المضيق سيعني خنق إيران نفسها، إذ تمرّ عبره 80–90% من وارداتها، بما في ذلك الغذاء، ما يجعل الفكرة غير واقعية من الأساس، ومع ذلك، وُظِّفَت -سياسيًا- بمهارة.
وكشف الحجي أن الهدف من الترويج لهذه المخاطر كان إقناع دول آسيوية كبرى بالاعتماد على الغاز الأميركي بدلًا من الخليج، وهو ما يمثّل مصلحة أميركية مباشرة في مواجهة النفوذ الروسي والشرق أوسطي.
ويؤكد أن هذا التوجه استمر خلال سنوات إدارة ترمب، وتبلور بشكل أوضح مع سياسات البيت الأبيض اللاحقة، التي جعلت من السعودية ودول المنطقة محورًا في معادلات الطاقة العالمية.
البعد الجيوسياسي في آسيا
أشار أنس الحجي إلى أن التداعيات لم تتوقف عند حدود الخليج، بل امتدت إلى آسيا، إذ انعكس الأمر على العلاقات التجارية بين الهند والصين وروسيا، وهنا يظهر الدور الأميركي في تأجيج الخلافات.
وأوضح أن اللقاء الأخير في شنغهاي، الذي جمع قادة الهند والصين وروسيا، كشفَ جوانب جديدة، إذ إن الضغوط الجمركية على نيودلهي لم تكن سوى ذريعة لإخفاء حسابات أوسع تتعلق بالطاقة.
في الوقت نفسه، غضّت الولايات المتحدة الطرف عن واردات ضخمة من النفط والغاز الروسي إلى أوروبا والصين وتركيا، لكنها ركّزت فقط على الهند، وهو ما يعكس انتقاءً واضحًا في السياسات الأميركية.
ووصف أنس الحجي الوضع بأنه "مريب"، خصوصًا أن بعض المستشارين الأميركيين مثل "بيتر نافارو" بالغوا في تصوير الهند بصفتها عدوًا اقتصاديًا، رغم أن الأرقام لا تدعم هذه السردية على الإطلاق.
وأكد أن جذور هذه السياسات تعود إلى الضربة الأميركية لإيران والترويج لإغلاق مضيق هرمز، وهو ما خلق بيئة مثالية لتسويق الطاقة الأميركية، سواء النفط أو الغاز المسال.
ويرى الحجي أن التركيز على الهند لم يكن معزولًا، بل جزءًا من إستراتيجية أوسع، استهدفت إضعاف الاعتماد الآسيوي على مصادر الطاقة الخليجية، بما في ذلك السعودية، التي تُعدّ المزود الأبرز في المنطقة.
ما يحدث -وفق الحجي- يبرهن على أن الهجوم الغربي ليس مجرد خلافات تجارية عابرة، بل مسعى لإعادة رسم خريطة الإمدادات العالمية بطرق تخدم واشنطن أولًا وأخيرًا.
الصين وورقة الطاقة الأميركية
لفت أنس الحجي إلى أن الصين أدركت مبكرًا خطورة الارتهان لمصدر واحد، ولذلك سعت لتنويع وارداتها، سواء عبر خطوط الأنابيب مع روسيا أو من خلال صفقات الغاز المسال، وهنا ظهرت ورقة الضغط الأميركية.
وقال، إن إدارة ترمب استعملت ورقتين ضد بكين: استيراد الغاز المسال من أميركا، واستيراد النفط الأميركي، إلّا أن الصين أوقفت الواردات من البلدين خلال أوقات قصيرة، ما أسقط هذه الأوراق من يد واشنطن.
وأشار خبير اقتصادات الطاقة إلى أن هذه التطورات جاءت في خضمّ الحرب التجارية، لكنها حملت انعكاسات واسعة على أسواق الطاقة، خصوصًا أن فقدان السوق الصينية شكّل ضربة موجعة للمنتجين الأميركيين.
ويفسر ذلك، وفق الحجي، استمرار الهجوم على دول مثل السعودية، إذ يسعى الغرب إلى تقليص جاذبية نفطها في الأسواق الآسيوية، لصالح تعزيز موقع الشركات الأميركية.
وأضاف أن الخطاب الغربي الموجَّه ضد المملكة يتجاوز السياسة التقليدية، ليتحول إلى أداة ضغط اقتصادية وإعلامية، في وقت تحافظ فيه السعودية على دورها القيادي داخل "أوبك+".
ويرى الحجي أن هذه الحملات لن توقف مسيرة المملكة، لكنها قد تشوّش على صورتها الدولية، وهو ما يجعل الردّ السعودي قائمًا على تعزيز الشراكات مع آسيا وأفريقيا وأوروبا.
ويختم الحجي بتأكيد أن "المصلحة الأميركية" هي المحرك الخفي وراء هذه الهجمات، وأن إدراك هذه الحقيقة ضروري لفهم طبيعة الصراع الراهن في أسواق الطاقة العالمية.
موضوعات متعلقة..
- السعودية تتطلّع إلى تجربة تقنيات استخراج الليثيوم الأميركية
- قدرة مشروعات الطاقة الحرارية الأرضية المعلنة ترتفع 440 ميغاواط.. ما دور السعودية والإمارات؟
- "رماح 1" و"النعيرية 1".. قدرات كهرباء ضخمة في السعودية تصل إلى الإغلاق المالي
اقرأ أيضًا..
- النفط في غايانا.. احتياطيات ضخمة هل تُغيّر الانتخابات مصيرها؟
- مشروعات توليد الكهرباء بالنفط والغاز قيد التطوير.. 6 دول عربية بقائمة الكبار
- قطاع النفط والغاز المصري.. توصيات لزيادة الإنتاج وجذب الاستثمارات (دراسة)
المصدر..