الجامعات الخضراء في أفريقيا.. كيف تتصدى لآثار تغير المناخ؟ (مقال)
د.منال سخري*

مع الاستعداد للموسم الجامعي الجديد في مختلف أنحاء العالم، يطفو على السطح من جديد مفهوم "الجامعة الخضراء".
المفهوم لم يعد مقتصرًا على مجرد مبادرات رمزية لزراعة الأشجار أو ترشيد استهلاك الطاقة، بل أصبح إطارًا شاملًا يحدد دور الجامعة في مواجهة التحديات البيئية والمناخية.
في السنوات الأخيرة، شهدت قارة أفريقيا تحولات مهمة في مجال التعليم العالي، إذ بدأت الجامعات تدرك مسؤوليتها تجاه قضايا البيئة والتنمية المستدامة.
وفي ظل التحديات الكبرى التي تواجهها القارة، مثل تغير المناخ، والتصحر، وشح الموارد المائية، وانفجار سكاني متزايد، أصبح لزامًا على المؤسسات الأكاديمية أن تتحول إلى منصات للابتكار البيئي والممارسات المستدامة.
مفهوم الجامعات الخضراء
يُعدّ مفهوم الجامعات الخضراء أحد أبرز التطورات في ميدان التعليم العالي خلال العقود الأخيرة، إذ بدأت الفكرة تتبلور في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات مع بروز الحركات البيئية وتزايد الاهتمام العالمي بالتنمية المستدامة، خاصة بعد إعلان تالواريس عام 1990 الذي وقّعه أكثر من 500 رئيس جامعة من مختلف دول العالم، متعهدين بجعل الاستدامة جزءًا أساسيًا من رسالتهم التعليمية والبحثية.
ومنذ ذلك الحين، تطوَّر التعريف ليشمل تصميم الحرم الجامعي وفق معايير بيئية، وتعزيز الطاقة المتجددة، ودمج الاستدامة في المناهج، وتكثيف البحوث التطبيقية المرتبطة بالتغير المناخي وإدارة الموارد الطبيعية.
ومن هنا يمكن القول، إن الجامعة تُوازن بين دورها التقليدي في إنتاج المعرفة، وبين دورها الجديد بصفتها فاعلة مباشرة في الانتقال البيئي من خلال تصميم مرافق صديقة للبيئة (مبانٍ موفرة للطاقة والمياه)، وعبر دمج مقررات الاستدامة في مختلف التخصصات، وليس العلوم البيئية فقط، إلى جانب تدريب الطلبة على مهارات خضراء تجعلهم جاهزين لسوق العمل الذي يتّجه نحو الاقتصاد الأخضر.

الجامعات الخضراء في أفريقيا
وفقًا لتصنيف الجامعات الخضراء العالمي (هو تصنيف سنوي دولي يقيس الاستدامة الجامعية باستعمال معايير تشمل البيئة، والطاقة، والنفايات، والمياه، والنقل، والتعليم والبحث) لعام 2024، شاركت 1477 جامعة من 95 دولة، بينها عدد من الجامعات الأفريقية.
ففي نيجيريا، سجلت جامعة ولاية لاغوس تقدمًا ملحوظًا، إذ ارتقت من المرتبة 761 إلى 709 عالميًا، ومن المركز الـ25 إلى الـ23 على مستوى القارة الأفريقية، لتصبح من أبرز الجامعات الخضراء في أفريقيا جنوب الصحراء.
أمّا في مصر، فقد حققت جامعة بنها مكانة متقدمة ضمن أفضل 5 جامعات أفريقية وأكثرها استدامة عالميًا، إذ احتلّت المرتبة الرابعة على مستوى القارة، وجاءت ضمن أفضل 500 جامعة في العالم (المركز 351 من أصل 1477).
وفي جنوب أفريقيا، تبرز جامعة كيب تاون التي تنشط عبر منظمة طلابية تُعرَف بـ"مبادرة الجامعة الخضراء"، وتعمل هذه المبادرة على تعزيز أنماط الحياة المستدامة داخل الحرم الجامعي من خلال تشجيع المشي واستعمال وسائل النقل المشتركة، إضافة إلى إعادة تدوير النفايات وتنظيم الفعاليات البيئية، بما يسهم في تقليص البصمة الكربونية للجامعة.
من جهة أخرى، شهد تصنيف "جداول تأثير التعليم العالي" لعام 2024 نموًا لافتًا في المشاركة الأفريقية، حيث تضاعف عدد الجامعات المشاركة من 106 جامعة في عام 2023 إلى 230 جامعة في عام 2024.
وسمح هذا التوسع بظهور مؤسسات من خارج نطاق جنوب أفريقيا، على غرار جامعة آفي بابالولا في نيجيريا، التي تميزت على وجه الخصوص في تحقيق الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالطاقة النظيفة والمتجددة، من خلال تطبيقات عملية في البنية التحتية الجامعية والمجتمع المحلي.
تحديات تواجه الجامعات الأفريقية في التحول الأخضر
تواجه الجامعات الأفريقية عدّة تحديات ملموسة تعوق خطاها نحو الاستدامة البيئية، منها:
- أولًا: نقص الكفاءات التقنية المتخصصة في مجالات الطاقة المتجددة، التي تُعَدُّ أساسًا في تنفيذ وصيانة مشروعات الطاقة النظيفة، ويظهر ذلك من خلال الفجوة الكبيرة في عدد المهندسين والتقنيين المؤهلين في مجالات الكهرباء والميكانيكا، وهو ما يؤخّر تطوير هذه المشروعات.
- ثانيًا: تعاني القارة من فجوة تمويلية ضخمة، فرغم تضاعُف القدرة المركبة من مصادر الطاقة المتجددة في أفريقيا خلال العقد الماضي، لتصل إلى نحو 59 غيغاواط، فإن التمويلات السنوية المطلوبة لتحقيق الأهداف الطاقية والبيئية تصل إلى ما يقارب 200 مليار دولار، وهو معدل يقارب ضعف الاستثمار الحالي.
- ثالثًا: تُظهر البيانات ضعف حضور الجامعات الإفريقية في التصنيفات الدولية المتخصصة بالجامعات الخضراء؛ إذ لم تُشارك سوى ست عشرة مؤسسة تعليم عالٍ منذ 2010 في تصنيف الجامعات المستدامة، مع تفاوت كبير في مستويات الأداء، مما يشير إلى بطء التحول.
- أخيرًا: فإن التوسع السريع في التعليم العالي يفاقم الأزمة، ففي بعض الدول، مثل توغو، أدى الارتفاع المفاجئ في أعداد الطلبة إلى ضغط شديد على البنية التحتية، الأمر الذي يجعل من الصعب الاستثمار في مشروعات بيئية متقدمة دون تهيئة أساسيات العملية التعليمية.

الفرص المتاحة للتحول الأخضر
على الرغم من هذه العقبات، فإن الجامعات الأفريقية أمامها فرص واعدة للتحول إلى مؤسسات رائدة في مجال الاستدامة.
أولًا: تمتلك القارة إمكانات ضخمة في الطاقة المتجددة، إذ تُقدَّر القدرة الممكن استغلالها من الطاقة الشمسية بما يزيد على 7.9 ألف غيغاواط، وتغطي أشعة الشمس عالية الكثافة نحو 85% من مساحة القارة، وهذا يضع الجامعات في موقع متميز لتطبيق النماذج الخضراء على أرض الواقع.
ثانيًا: بدأت بعض الجامعات في خطوات عملية نحو التحول، فعلى سبيل المثال، أنشأت جامعة بوسيتيما في أوغندا محطة للطاقة الشمسية داخل الحرم الجامعي بقدرة 4 ميغاواط، وهي خطوة تُعَدُّ نموذجًا يُحتذى به.
ثالثًا: يُمثّل النشاط الطلابي قوة دافعة في هذا المجال، ففي جامعة كيب تاون بجنوب أفريقيا، يقود فريق "المبادرة الخضراء" أكثر من 800 طالب متطوع في مشروعات تشمل إعادة التدوير، والتوعية البيئية، والمشاركة في فعاليات مستدامة.
رابعًا: هناك آفاق واسعة في التعاون الأكاديمي والبحثي، مثلما هو الحال مع مركز "التميز الإفريقي في الطاقات المستقبلية والأنظمة الكهروكيميائية" في نيجيريا، الذي تأسَّس عام 2019، ويُقدّم برامج دراسات عليا متخصصة في الطاقة المتجددة.
ختامًا، فإن التحول نحو الجامعات الخضراء ليس ترفًا، بل ضرورة تفرضها التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجه القارة، فهذه المؤسسات ليست مجرد أماكن للتعليم، بل مختبرات حقيقية لإيجاد حلول عملية لقضايا عالمية معقّدة.
ومن خلال التعليم الأخضر، تستثمر أفريقيا في مستقبلها، وتُعِدّ أجيالًا قادرة على قيادة مسار التنمية المستدامة في الداخل، والإسهام في الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.
* د.منال سخري - خبيرة وباحثة في السياسات البيئية.
* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- تحول الطاقة العادل في أفريقيا.. ضرورة بيئية وعدالة اجتماعية (مقال)
- التمويل المناخي في أفريقيا.. عوائق تمنع تدفق الاستثمارات الخضراء (مقال)
- تغير المناخ في أفريقيا.. دور الشباب بمواجهة التحديات البيئية (مقال)
اقرأ أيضًا..
- إنتاج قطر من الغاز الطبيعي يرتفع 2.4 مليار متر مكعب في 6 أشهر
- إنتاج النفط الأميركي في المياه العميقة قد يسجل مستوى قياسيًا بحلول 2026
- أوابك تكشف خريطة مشروعات الميثانول منخفض الكربون في 5 دول عربية