مقالات الكهرباءالمقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةكهرباء

الطلب العالمي على الكهرباء.. كيف ينجو البشر من سيناريو "أرض الظلام"؟ (مقال)

أحمد بدر

يشهد العالم اليوم طفرة متسارعة في الطلب العالمي على الكهرباء، وفق أحدث تقارير الطاقة الدولية، التي تؤكد أن العقد الحالي سيكون أحد أكثر العقود نموًا في استهلاك الكهرباء عبر التاريخ. هذه الزيادة تكشف عن فجوة خطيرة بين الطموحات البيئية والواقع الاستهلاكي.

إن النمو المتسارع في استهلاك الكهرباء لا ينفصل عن توسع قطاعات الصناعة الرقمية ومراكز البيانات والسيارات الكهربائية؛ ما يضع الحكومات أمام تحديات كبرى، وفي حال تجاهل هذه التحديات، قد يواجه العالم سيناريو يشبه "أرض الظلام" الذي وصفه الكاتب المصري الراحل أحمد خالد توفيق.

ففي قصته، أظهر توفيق كيف فقد العالم كل مصادر الطاقة، حتى إن النار لم تعد تحرق أو تضيء، في حين استأثر القلة من الأغنياء وأصحاب النفوذ بالطاقة في أعالي جبال التبت، وهو ما منحهم الأفضلية ليحكموا الأرض، فهم يرون بينما بقية البشر يقبعون في العتمة.

هذا السيناريو -الذي وضعه المؤلف الروائي المصري قبل سنوات طويلة بوصفه إحدى من قصص "الفانتازيا"، قد يبدو في الوقت الحالي بوصفه تحذيرًا استباقيًا لما قد يحدث، إذا تجاهلنا الضرورة القصوى لتلبية الطلب العالمي على الكهرباء.

من هنا، تبرز أهمية تطوير سياسات متوازنة تراعي الحاجة إلى كل مصادر الطاقة، بما فيها النفط والغاز والفحم، بالتوازي مع الاستثمار في الطاقة المتجددة، والاعتماد على حلول حديثة مثل احتجاز الكربون التي تقودها شركات كبرى مثل أرامكو السعودية.

صعود الطلب العالمي على الكهرباء

تشير أحدث بيانات وكالة الطاقة الدولية إلى أن الطلب العالمي على الكهرباء سيرتفع بنسبة 3.3% في عام 2025، ثم بنسبة 3.7% في عام 2026، وهي معدلات تفوق ضعفي نمو الطلب على الطاقة عمومًا خلال المدة نفسها، ما يعكس انتقالًا هيكليًا في طبيعة الاستهلاك.

الصين والهند -وحدهما- تمثلان نحو 60% من هذا النمو؛ إذ تواصل بكين تسجيل زيادات قوية مدفوعة بالقطاع الصناعي، رغم التباطؤ النسبي مقارنة بالعام الماضي، وفي المقابل، تعزز الهند مكانتها لاعبًا رئيسًا في مستقبل الطاقة، بفضل قفزات متسارعة بالطلب.

أما الولايات المتحدة؛ فهي تدخل مرحلة جديدة من النمو في استهلاك الكهرباء، بفضل التوسع الكبير في مراكز البيانات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، وهذه الطفرة الأميركية تضاعف الضغوط على منظومات الطاقة التقليدية والمتجددة في آن واحد.

الطلب على الكهرباء عالميًا

وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، فهو يعيش مرحلة صعود تدريجي، مدفوعًا بزيادة الطلب في القطاعات الخدمية والصناعية، غير أن وتيرة النمو البطيئة نسبيًا تثير مخاوف من فجوة مستقبلية، خصوصًا مع استمرار إغلاق المحطات النووية والتوسع المحدود في الغاز.

هذه المؤشرات تكشف عن أن الطلب العالمي على الكهرباء لا يمكن تلبيته عبر رهان واحد على الطاقة المتجددة فقط، بل يحتاج إلى مزيج واسع من المصادر يوازن بين الاستدامة والواقعية، بعيدًا عن الأيديولوجيا البيئية المطلقة، والسياسات المناخية غير المنفتحة.

وقد يقود الفشل في ذلك العالم إلى اضطرابات كبرى، شبيهة بما جاء في سيناريو "أرض الظلام"، إذ سيتحول انقطاع الكهرباء إلى أزمة وجودية، تهدد حياة البشر والاقتصاد معًا، ولا تصبح الطاقة متاحة إلا لمن يملك ثمنها، في حين أن الباقين تحت رحمة الأقلية المطلقة.

ومن ثم، فإن الحل يكمن في المرونة، وفي التخلي عن التفكير الثنائي القائم على نبذ الوقود الأحفوري أو الاعتماد الكامل عليه وحده، لصالح حلول وسطية أكثر انفتاحًا على التنوع الطاقي؛ فالعالم بالفعل في حاجة إلى "كل" مصادر الطاقة وليس بعضها.

الطلب على الكهرباء في الشرق الأوسط

بين الوقود الأحفوري والطاقة النظيفة

يُظهر الواقع أن الطلب العالمي على الكهرباء سيتجاوز قدرات الطاقة المتجددة وحدها، خاصة مع النمو المتسارع في استعمال السيارات الكهربائية والتوسع في إنشاء المدن الذكية، وهنا يبرز دور الغاز الطبيعي بوصفه وقودًا انتقاليًا يحقق التوازن بين الاستدامة والوفرة.

وما زال النفط والفحم -بدورهما- يمثلان دعامة رئيسة في العديد من الاقتصادات الناشئة، ومن المستحيل تجاهل دورهما في المدى القريب، إذ إن تبني سياسات صارمة للتخلص من الوقود الأحفوري قد يُعجِّل بظهور أزمات انقطاع واسعة.

كما تقدم الحلول الحديثة، مثل تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، خيارًا عمليًا لتخفيف الأثر البيئي دون التضحية بالأمن الطاقي، وهنا تقدم شركة أرامكو السعودية نموذجًا متطورًا في هذا المجال؛ ما يبرهن على أن الاستثمار في الوقود الأحفوري لا يتناقض مع أهداف الاستدامة.

احتجاز ثاني أكسيد الكربون

الأمر هنا لا يتعلق بمستقبل الكهرباء وحدها، بل بمصير البشرية؛ إذ إن أي خلل في تلبية الطلب العالمي على الكهرباء سيؤدي إلى أزمات غذائية وصناعية وصحية، لا سيما أن الكهرباء أصبحت شريان الحياة في القرن الـ21.

ومن المفارقات أن بعض الخطط البيئية المتشددة قد تخلق السيناريو ذاته الذي تسعى لتجنبه، أي سيناريو "أرض الظلام"، إذا ما أُغلقت محطات توليد الكهرباء دون بدائل حقيقية تكفي لمواكبة النمو في الطلب.

التوازن لا يعني المساومة على المناخ، بل إدراك أن الكوكب يحتاج إلى جميع مصادر الطاقة خلال مرحلة انتقالية طويلة. ومن الخطأ افتراض أن الطاقة المتجددة قادرة وحدها على إنقاذ العالم من الأزمة.

ومن ثم، يتطلب الأمر شجاعة سياسية وواقعية اقتصادية، حتى لا نجد أنفسنا أمام مستقبل مظلم يشبه ما حذر منه أحمد خالد توفيق في قصته الشهيرة.

نحو سياسات أكثر مرونة

التحدي الأكبر -اليوم- يكمن في صياغة سياسات عالمية مرنة قادرة على التوفيق بين الطلب العالمي على الكهرباء ومتطلبات الاستدامة، وهذه المرونة تعني الاعتراف بحقيقة أن النفط والغاز والفحم سيظلون جزءًا من المعادلة لمدة طويلة من الزمن.

وتفرض أولويات الأمن الطاقي نفسها على أي نقاش حول المناخ، فلا يمكن بناء إستراتيجيات قائمة على الأمل وحده، في حين تؤكد البيانات أن النمو في الطلب على الكهرباء سيبقى أعلى من أي سنوات سابقة؛ ما يستوجب حلولًا واقعية وعملية.

ويجب أن تركز السياسات الجديدة على الابتكار التقني، مثل تطوير الشبكات الذكية وتوسيع التخزين الكهربائي، إلى جانب الاستثمار في احتجاز الكربون وتخزينه واستعماله، وهذه الأدوات تمثل صمام الأمان لمنع انزلاق العالم إلى أزمة شبيهة بـ"أرض الظلام".

بطاريات لتخزين الكهرباء
بطاريات لتخزين الكهرباء - الصورة من سيمنس

كما أن التعاون الدولي ضرورة قصوى، إذ لا يمكن لدولة واحدة مواجهة التحدي بمفردها، فالكهرباء لا تعرف حدودًا سياسية، وأي عجز في منطقة معينة قد يؤدي إلى ارتدادات سلبية على الأسواق العالمية بأكملها.

وتستلزم الحلول الناجعة -أيضًا- تغيير النظرة الشعبية السائدة تجاه الوقود الأحفوري، فبدلًا من شيطنته يجب التعامل معه بوصفه جزءًا من الحل، بشرط دمجه بتقنيات خفض الانبعاثات، لضمان استمرارية الإمدادات وتخفيف الأثر البيئي.

وهنا، يصبح المستقبل رهين خيارات الحاضر، فإذا تجاهل صناع القرار تنامي الطلب العالمي على الكهرباء، فإن العالم قد يجد نفسه مضطرًا للعيش في واقع يشبه الأساطير المظلمة، حيث تتحكم قلة في الطاقة، وتُترك الأغلبية في عتمة خانقة.

وخلاصة القول، إن النجاة من سيناريو "أرض الظلام" لا تكمن في الأوهام أو الشعارات، بل في الجمع بين كل أدوات الطاقة المتاحة، وإعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والكهرباء على أسس أكثر عقلانية ومرونة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق