الدولة العربية الوحيدة المنتجة للهيدروجين.. ما هي؟
سامر أبووردة

في وقتٍ تتسابق فيه الدول نحو مصادر الطاقة البديلة، برزت الدولة العربية الوحيدة المنتجة للهيدروجين بصفتها قصة نجاح ملهمة تتجاوز حدود الإقليم.
لم يأتِ التميز مصادفة، وإنما كان ثمرة إستراتيجية واضحة ورؤية استباقية جعلت من المنطقة مركزًا رائدًا للطاقة النظيفة، وفتحت الباب أمام تحول اقتصادي وصناعي كبير ينسجم مع التوجه العالمي للحياد الكربوني.
ووفقًا لبيانات مشروع الهيدروجين الأخضر في مصر -الذي مثّل نقطة الانطلاق- فإنه لم يكن مشروعًا تقليديًا، بل جاء في صورة شراكة دولية ضخمة جمعت بين شركات كبرى ومؤسسات استثمارية وسيادية، ليكون شاهدًا على أن المنطقة لم تعد تكتفي بدور المستهلك للطاقة، بل أصبحت مُنتِجًا لمستقبلها الطاقي.
وحسب البيانات التاريخية لقطاع الهيدروجين لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، فإن مصر هي الدولة العربية الوحيدة المنتجة للهيدروجين، إذ تمكّنت من وضع اسمها على خريطة الطاقة العالمية عبر إنجاز غير مسبوق في المنطقة، لتصبح أول من يحول الطموحات الخضراء إلى واقع عملي.
ويعكس التحول رؤية إستراتيجية طويلة المدى تهدف إلى قيادة مشهد الطاقة النظيفة، ويمنح البلاد مكانة استثنائية في سباق الانتقال نحو المستقبل المستدام.
مشروع الهيدروجين الأخضر في مصر
يُعَدّ مشروع الهيدروجين الأخضر في مصر أول وأكبر مبادرة من نوعها في القارة الأفريقية والعالم العربي، وقد أعلن بدء تشغيله التجريبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 على هامش قمة المناخ "COP27" بمدينة شرم الشيخ.
المشروع تقوده شركة "فيرتيغلوب" الإماراتية بالشراكة مع "سكاتك" النرويجية، و"أوراسكوم للإنشاء"، و"صندوق مصر السيادي"، ليشكّل حجر الزاوية في بناء منظومة إنتاج الهيدروجين الأخضر على نطاق إقليمي.
ويقع مصنع مصر للهيدروجين الأخضر في منطقة العين السخنة، قرب المواني وممرات الشحن العالمية، وهو موقع إستراتيجي يتيح ربط الطاقة المتجددة بالأسواق الأوروبية والآسيوية.
ويعتمد المشروع على محلل كهربائي بقدرة 100 ميغاواط، لإنتاج ما يصل إلى 13 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا، تُستعمل لإنتاج نحو 74 ألف طن من الأمونيا الخضراء.

خطوة رائدة في أفريقيا
جعل الإنجاز من مصر بصفتها الدولة العربية الوحيدة المنتجة للهيدروجين مركز ثقل للطاقة الجديدة في أفريقيا، إذ تحوّل الحلم إلى واقع بفضل إرادة سياسية وشراكات دولية واسعة.
ويمثّل مشروع الهيدروجين الأخضر في مصر نموذجًا عمليًا، للاستجابة للطلب المتزايد على الطاقة النظيفة بأقل انبعاثات ممكنة.
كما نقل المشروع البلاد من مرحلة التعهدات إلى التنفيذ الفعلي، وأسهم في تحول قناة السويس إلى محور أخضر عالمي يربط الشرق بالغرب عبر طاقة خالية من الكربون.
قيمة اقتصادية وإستراتيجية
لم يكن نجاح المشروع تقنيًا فحسب، وإنما أصبح اقتصاديًا أيضًا، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أُنجزت أول شحنة من الأمونيا الخضراء المنتجة وفق معايير الاستدامة الدولية، وصُدّرت إلى الهند لاستعمالها في إنتاج مسحوق الغسيل الذي تصنعه شركة "يونيليفر".
وفي يوليو/تموز 2024، فازت "فيرتيغلوب" بعقد توريد للأمونيا الخضراء بقيمة 397 مليون يورو (461 مليون دولار) ضمن مزاد "إتش2 غلوبال"، بسعر 1000 يورو (1161.18 دولارًا) للطن حتى عام 2033، ما يعكس جدوى الاستثمار وقدرة المشروع على المنافسة عالميًا.
(اليورو = 1.16 دولارًا أميركيًا)
وتتوقع التقارير وصول الطلب العالمي على الأمونيا منخفضة الكربون إلى 24 مليون طن بحلول 2032، وهو ما يفتح آفاقًا واسعة أمام الدولة العربية الوحيدة المنتجة للهيدروجين لتكون لاعبًا محوريًا في أسواق أوروبا وآسيا.

تأثيرات مشروع الهيدروجين الأخضر في مصر
يمتد أثر مشروع الهيدروجين الأخضر في مصر إلى قطاعات عدة، بدءًا من الزراعة عبر إنتاج أسمدة منخفضة الانبعاثات، مرورًا بصناعة الشحن البحري التي يمكن أن تستفيد من الأمونيا بوصفها وقودًا بديلًا يقلّص التلوث، وصولًا إلى محطات توليد الكهرباء التي ستجد في هذا الوقود المستدام وسيلة لتقليل الاعتماد على الفحم.
كما يدخل المنتج في صناعات كيميائية متنوعة، مثل صناعة الورق والمنسوجات والألياف والأدوية، وهو ما يمنح المشروع بعدًا إستراتيجيًا إضافيًا، إذ لا يقتصر على الطاقة وحدها بل يدعم الاقتصاد الصناعي على نحو واسع.
ويستفيد المشروع من وجود منشآت إنتاجية ضخمة داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، أبرزها "الشركة المصرية للأسمدة"، بطاقة إنتاجية تبلغ 1.6 مليون طن يوريا سنويًا، و"الشركة المصرية للصناعات الأساسية"، بطاقة إنتاجية تصل إلى 748 ألف طن أمونيا سنويًا.
ويضمن التكامل بين المواقع الإنتاجية كفاءة تشغيلية عالية ويقلّص تكاليف الشحن، ولا سيما مع سهولة النفاذ إلى مواني العين السخنة والأدبية ودمياط.

ريادة عربية وبوصلة عالمية
تؤكد قصة الدولة العربية الوحيدة المنتجة للهيدروجين أن المنطقة لم تعد تكتفي بتصدير النفط والغاز، بل تتقدم لقيادة التحول نحو الطاقة النظيفة.
وفي هذا السياق، فإن إنجازها في أفريقيا والعالم العربي لم يقتصر على الافتتاح الرمزي، بل تجسد في عقود توريد وشحنات فعلية ومعايير استدامة معترف بها دوليًا.
ومع تزايد الطلب العالمي على الطاقة الخضراء، يظل مشروع الهيدروجين الأخضر في مصر عنوانًا لمرحلة جديدة تضع الدولة العربية المنتجة للهيدروجين في صدارة المشهد العالمي، وتفتح الباب أمام استثمارات جديدة، تعزّز من دور المنطقة بصفتها ركيزة لتحول الطاقة العالمي.
موضوعات متعلقة..
- فيرتيغلوب الإماراتية: دولة عربية يمكنها تصدير الهيدروجين في أنابيب الغاز
- الهيدروجين الأخضر في مصر.. 6 شروط تحقق الريادة الإقليمية (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- السويد تبني محطات نووية جديدة لأول مرة منذ أكثر من 40 عامًا
- تطوير بطاريات ليثيوم معدنية تتفوق على تيسلا
- انخفاض تاريخي في أحجام اكتشافات النفط والغاز العالمية
- تركيبات الطاقة الشمسية في أميركا قد تتجاوز 33 غيغاواط خلال 2025
المصادر:
- إعلان بدء التشغيل التجريبي لمصنع "مصر للهيدروجين الأخضر"، من "وام"
- إنتاج الأمونيا الخضراء من مشروع الهيدروجين الأخضر في مصر، من تقرير فيرتيغلوب السنوي لعام 2024