حرق الغاز في أفريقيا يتجاوز 32 مليار متر مكعب سنويًا.. هل يمكن تجنُّبه؟
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين

- حرق الغاز في مواقع إنتاج النفط يحدث لأسباب مختلفة، منها الأمن والسلامة
- الحرق الاعتيادي للغاز المصاحب ممارسة تلجأ إليها الشركات توفيرًا للتكاليف
- الشرق الأوسط أكثر المناطق حرقًا للغاز عالميًا وأوروبا الأقل
- الجزائر أكثر دولة حرقًا للغاز المصاحب في القارة الأفريقية، تليها نيجيريا
- 10 دول أفريقية أعضاء في مبادرة البنك الدولي لوقف حرق الغاز بحلول 2030
- 600 مليون شخص يعيشون دون كهرباء في أفريقيا، ومليار نسمة دون طهي نظيف
ارتفع حرق الغاز في أفريقيا خلال عمليات استخراج النفط بنسبة 8.6% خلال 2024، ما يمثّل هدرًا لكميات ضخمة من الطاقة في قارّة ما زال ثلثا سكانها يعتمدون على مصادر الطهي البدائية غير النظيفة.
وبحسب بيانات حديثة لدى وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)، بلغ إجمالي كميات الغاز المحروق خلال عمليات حفر آبار النفط واستخراجه في أفريقيا قرابة 32.8 مليار متر مكعب في عام 2024، بزيادة 0.7 مليار متر مكعب على عام 2023.
وشكّل حرق الغاز في أفريقيا قرابة 20.6% من إجمالي الغاز المحروق عالميًا خلال هذه العمليات عام 2024.
وما تزال القارة السمراء ثاني أكبر المناطق حرقًا للغاز في العالم، بعد الشرق الأوسط الذي يشكّل وحده قرابة 30% من إجمالي الكميات المحروقة سنويًا.
لماذا يُحرَق الغاز خلال استخراج النفط؟
يُطلَق حرق الغاز (Gas flaring) على ممارسة تقليدية تلجأ إليها شركات النفط والغاز للتخلص من الغاز المصاحب خلال استخراج النفط في الغالب.
وتنتشر هذه الممارسة في أغلب أنحاء العالم لأسباب مختلفة، بعضها قد يكون ضروريًا في إجراءات الأمن والسلامة لتجنُّب مخاطر حدوث انفجارات بحقول النفط؛ إذ يمكن لارتفاع ضغط الغاز المصاحب في خزانات النفط أن يتسبب في انفجارات حال عدم سحبه، وفي هذه الحالة يكون الحرق وسيلة لتخفيف الضغط، وهو ما يُعرَف بالحرق الآمن أو غير الاعتيادي.

وقد يحدث هذا النوع من الحرق الآمن -المسموح به قانونًا في أغلب الدول- في حالات أخرى، مثل اختبارات السلامة، وأعمال الصيانة، والإصلاحات الطارئة، أو لأسباب متصلة بقيود البنية التحتية.
فعلى سبيل المثال: تسمح اللوائح المعمول بها في الولايات المتحدة لشركات النفط والغاز بحرق -أو تنفيس- الغاز غير القابل للتخزين عندما تكون سعة خطوط الأنابيب محدودة، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
أمّا الحالة الثانية، وهي محلّ الجدل، فتحدث عندما تحرق الشركات الغاز توفيرًا للتكاليف، وتسمّى " الحرق الاعتيادي"، وهي ممارسة أكثر انتشارًا، وتحدث عند المفاضلة بين تكاليف التقاط الغاز المصاحب ونقله، وبين حرقه في الموقع.
وتطالب منظمات دولية عديدة منذ سنوات -أبرزها وكالة الطاقة الدولية والبنك الدولي- بتوقُّف الشركات عن هذه الممارسة نهائيًا؛ لتجنُّب الهدر غير المبرّر لكميات ضخمة من الغاز، فضلًا عن تجنُّب 400 إلى 500 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنويًا.
ويتسبب حرق الغاز بهذه الطريقة في إطلاق كميات كبيرة من الكربون الأسود في الهواء، فضلًا عن أول أكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين، وعديد من الجسيمات الدقيقة الملوثة للهواء.
كما يطلق مادة كيميائية تسمى بنزين (benzene) قد يؤدي استنشاقها إلى الصداع والرعشة واضطراب ضربات القلب، فضلًا عن احتمالات الإصابة بالسرطان لمن يعيشون بالقرب من مواقع حفر آبار النفط.
كما قد تتسبب المواد الناتجة عن حرق الغاز في ارتفاع مخاطر الولادة المبكرة، وانخفاض وزن المواليد للنساء القريبات من مواقع النفط بنسبة 50% مقارنة بالنساء البعيدات عن هذه المواقع، بحسب دراسة صادرة عن جامعة جنوب كاليفورنيا.
خريطة حرق الغاز عالميًا بالمناطق
ارتفع إجمالي حرق الغاز في العالم بمقدار 3 مليارات متر مكعب، ليصل إلى 151 مليار متر مكعب عام 2024، وهو أعلى مستوى منذ عام 2007، بحسب بيانات برنامج تتبُّع حرق الغاز التابع للبنك الدولي.
وتشير بيانات معهد الطاقة البريطاني إلى أن الكميات المحروقة من الغاز عالميًا وصلت إلى 159 مليار متر مكعب في عام 2024، بزيادة 1% على عام 2023.
كما ارتفع إجمالي الانبعاثات الناتجة عن هذا الحرق إلى 321 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2024، بزيادة 3.5 مليون طن على عام 2023.
ومن حيث المناطق، تُصنَّف الشرق الأوسط أكثر منطقة حرقًا للغاز -مع ملاحظة أنها أكثر المناطق إنتاجًا للنفط- بحصّة وصلت إلى 30.2%، أو ما يعادل 48 مليار متر مكعب، خلال عام 2024.
وتُصنَّف أفريقيا ثاني أكبر المناطق بنحو 33 مليار متر مكعب، أو ما يمثّل 20.6% عالميًا، تليها رابطة الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي سابقًا -تضم 9 دول بينها روسيا- بنسبة 20%، أو ما يعادل 31.6 مليار متر مكعب.
وتبلغ حصة أميركا الشمالية قرابة 12.4% أو ما يعادل 19.7 مليار متر مكعب، تليها أميركا الوسطى والجنوبية بنحو 14.3 مليار متر مكعب أو ما يمثّل 9% عالميًا، ثم آسيا والمحيط الهادئ بنحو 10.7 مليار متر مكعب، أو ما يشكّل 6.7%.
على الجانب الآخر، تبدو أوروبا أقل المناطق حرقًا للغاز المصاحب لاستخراج النفط، إذ بلغ حجم ما أحرقته في عام 2024 قرابة 1.7 مليار متر مكعب فقط، أو ما يمثّل 1.1% عالميًا، بحسب البيانات المتاحة لدى وحدة أبحاث الطاقة.
حرق الغاز في أفريقيا وتطوراته
تصدّرت الجزائر قائمة حرق الغاز في أفريقيا مع وصول كمياتها المحروقة إلى 8.3 مليار متر مكعب في عام 2024، بزيادة طفيفة لم تتجاوز 0.2% على عام 2023.
وجاءت ليبيا في المركز الثاني، مع ارتفاع حجم حرقها للغاز بنسبة 6.4%، إلى 7.2 مليار متر مكعب في عام 2024، مقارنة بنحو 6.8 مليارًا عام 2023.
وحلّت نيجيريا في المركز الثالث بقائمة حرق الغاز في أفريقيا، بنحو 6.8 مليار متر مكعب عام 2024، بزيادة 19.5% على أساس سنوي.
أمّا مصر، فقد حلّت بالمركز الرابع مع انخفاض حرق الغاز بنسبة 4.1% إلى 2.1 مليار متر مكعب عام 2024، مقارنة بـ2.2 مليارًا عام 2023.
ويوضح الرسم البياني التالي -الّذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة- تطورات حرق الغاز في أفريقيا منذ عام 1975 حتى عام 2024:
ورغم ذلك، شهدَ معظم دول القارة الأفريقية معدلات تحسُّن ملحوظة -وإن كانت بطيئة- في خفض الحرق خلال السنوات الـ10 الأخيرة، باستثناء ليبيا التي تشهد ارتفاعًا معاكسًا في كميات الحرق.
فقد بلغ حرق الغاز في الجزائر في عام 2015 قرابة 9.6 مليار متر مكعب، بينما بلغ في نيجيريا 7.5 مليار متر مكعب خلال العام نفسه، وكلتاهما عضوتان في مبادرة البنك الدولي للقضاء على الحرق الاعتيادي للغاز منذ عامَي 2018 و2019.
على الجانب الآخر، بلغ حجم الغاز المحروق في مصر قرابة 3 مليارات متر مكعب في عام 2015، أي قبل انضمامها بعامين لمبادرة البنك الدولي، ما يشير إلى تحسُّن نسبي في معدلات تقليص الحرق.
أمّا ليبيا، فرغم انضمامها للمبادرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ظلّت معدلات حرق الغاز فيها مرتفعة، لتقفز من 5.9 مليار متر مكعب عام 2021 إلى 7.2 مليارًا عام 2024.
وارتفع عدد الدول المنضمة لمبادرة البنك الدولي المعلنة عام 2015 إلى 30 دولة حتى عام 2024، منها 10 دول أفريقية، هي مصر، والجزائر، ونيجيريا، وليبيا، وأنغولا، والكونغو، والكونغو الديمقراطية، وغينيا الاستوائية، والصومال، وموزمبيق، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وأطلق البنك برنامجًا لتتبُّع معدلات حرق الغاز في العالم سنويًا، بهدف متابعة حالة الحرق والتقدم المُحرَز فيها على مستوى المناطق والدول، ويستعين هذا البرنامج في تقديراته بقمر صناعي أميركي مُطلَق في عام 2012، وتشغّله الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، حيث ترصد أجهزة الاستشعار المتطورة في القمر الحرارة المنبعثة من حرق الغاز وتراكم البيانات عنها.
وبحسب أحدث بيانات صادرة عن البرنامج، فإن 9 دول فقط -هي: روسيا، وإيران، والعراق، والولايات المتحدة، وفنزويلا، والجزائر ،ونيجيريا، وليبيا، والمكسيك- مسؤولة عن 76% من إجمالي كميات حرق الغاز عالميًا عام 2024.
وقف حرق الغاز في أفريقيا ضرورة قصوى
تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن إجمالي الغاز المصاحب المُهدَر سنويًا في مواقع إنتاج النفط حول العالم قد يعادل إجمالي استهلاك أفريقيا السنوي من الغاز، الذي وصل إلى 178 مليار متر مكعب في عام 2024، بحسب بيانات معهد الطاقة البريطاني.
ورغم أهمية تجنُّب إهدار الغاز في جميع مناطق العالم، فإن أفريقيا تبدو القارة الأكثر احتياجًا إلى ذلك، لأن معظم سكانها فقراء، ويعانون الحرمان من الكهرباء والطهي النظيف وأبسط ضرورات الحياة الحديثة.

وتشير بيانات وكالة الطاقة الدولية إلى وجود 2.1 مليار شخص في العالم يعتمدون على وسائل الطهي البدائي غير النظيف، منهم مليار شخص في أفريقيا، وهو ما يمثّل 75% من سكانها.
كما أن 43% من سكان القارة، أو ما يزيد على 600 مليون نسمة، يعيشون دون كهرباء، وأغلبهم في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ويمكن لتعزيز مبادرات وقف حرق الغاز في أفريقيا أن يساعد في توفير كميات إضافية من الغاز لاستعمالها بتوليد الكهرباء؛ ما قد يسهم بتسريع الوصول إلى الكهرباء في المناطق المحرومة، فضلًا عن توسيع نطاق الوصول إلى الطهي النظيف.
ويشجع البنك الدولي شركات النفط والغاز على التقاط الغاز المصاحب وبيعه للمستهلكين بدلًا من حرقه، لكن معالجته تبدو أكثر كلفة من الغاز الطبيعي لاحتوائه على مواد كيميائية ضارّة، ما يجعل الشركات مترددة في هذا الخيار دون حوافز حكومية.
ورغم ذلك، هناك حلول أخرى مطروحة أمام الشركات، أبرزها استعمال هذا الغاز في محطات توليد كهرباء متنقلة، أو استعماله في تشغيل مواقع الحفر التابعة لها، أو استعماله وقودًا في مصانع البتروكيماويات.
وهناك الحل الأسهل نظريًا، وهو إعادة حقن هذا الغاز في باطن الأرض لرفع ضغط مكامن النفط، ما يساعد في تعزيز استخراج النفط بعد ذلك، ما يُعرَف باسم "الاستخلاص المعزز للنفط".
موضوعات متعلقة..
- حرق الغاز في أفريقيا.. ثروة ضخمة بحاجة إلى الاستغلال
- حرق الغاز في المنطقة العربية.. 6 دول تحقق إنجازًا خلال 2024
- ألبرتا الكندية تُسقط "سقف" حرق الغاز المصاحب.. ما القصة؟
اقرأ أيضًا..
- أرامكو السعودية توقّع أكبر صفقة استثمار في 2025
- الغاز المسال بين الشرق والغرب.. 3 تطورات تغيّر قواعد اللعبة (مقال)
- هل يواجه عصر السيارات الكهربائية أفولًا مبكرًا؟.. الوعود الكبرى تتهاوى (تحقيق)
المصادر:
- بيانات حرق الغاز في أفريقيا، من معهد الطاقة البريطاني
- بيانات حرق الغاز العالمية، من برنامج تتبع البنك الدولي
- القواعد المنظمة لحرق الغاز في أميركا، من إدارة معلومات الطاقة
- بيانات الطهي غير النظيف في أفريقيا، من وكالة الطاقة الدولية