أنسيات الطاقةالتغير المناخيالتقاريرتقارير التغير المناخيتقارير الطاقة المتجددةرئيسيةسلايدر الرئيسيةطاقة متجددة

أنس الحجي: الجفاف يفضح السياسات المناخية.. وهذا أثره في الطاقة المتجددة

أحمد بدر

يرى كثيرون من دعاة السياسات المناخية أن الجفاف هو نتيجة أو جزء من تداعيات تغير المناخ، ولكن هناك آخرون يفنّدون هذه المزاعم، ويرون أنه لا أساس لها من الصحة.

وقال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن هذه الظاهرة ليست جديدة في التاريخ البشري، بل عرفتها المجتمعات منذ آلاف السنين قبل ظهور النفط أو السيارات أو أيّ انبعاثات صناعية.

وأوضح أن ربط كل موجات الجفاف الحديثة حصريًا بالتغير المناخي يُغفل حقيقة أساسية، وهي أن هذه الظاهرة الطبيعية كانت دائمًا جزءًا من تاريخ الأرض، لكنها اليوم تطرح تحديات أعقد بسبب تشابكها مع سياسات التحول الطاقي.

وأشار الحجي إلى أن دعاة مكافحة تغير المناخ يدعون إلى التخلّي عن النفط والغاز والفحم والطاقة النووية، والاعتماد على الشمس والرياح والمياه، لكن جميع هذه المصادر مرهونة بعوامل الطقس، ما يجعلها أكثر هشاشة أمام موجات الجفاف.

وأضاف أن الخطر الأكبر يكمن في أن الاقتصادات التي تبني بُنيتها على مصادر طاقة مرتبطة بالطقس قد تواجه انهيارات مفاجئة، خاصة حين يجفّ المورد المائي أو يضعف هبوب الرياح، وهو ما يهدد الأمن الطاقي والاقتصادي معًا.

جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة"، قدّمها أنس الحجي عبر مساحات منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، بعنوان "‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏آثار الجفاف في أسواق الطاقة العالمية وزيادة الطلب على النفط".

الجفاف يهدد أمن الطاقة

يرى أنس الحجي أن الجفاف يهدد أمن الطاقة، إذ يقوّض إنتاج الطاقة الكهرومائية، التي تعدّ أرخص مصادر الكهرباء في الدول النامية والمتقدمة على السواء، ما يدفع الحكومات للبحث عن بدائل أكثر تكلفة مثل الغاز والفحم، فيرتفع الضغط على أسواق الطاقة عالميًا.

وأوضح أن إثيوبيا مثال حيّ، إذ وفّر سدّ النهضة طاقة كهربائية رخيصة دفعت البلاد للتحول نحو السيارات الكهربائية وجذب استثمارات كثيفة الاستهلاك، لكن أيّ موجة جفاف قد توقف التوليد، فتتعطل البنية التحتية وتنهار السياسات الاقتصادية.

سد النهضة
سد النهضة- الصورة من رويترز

وبيّن خبير اقتصادات الطاقة أن انخفاض المياه في الأنهار الأوروبية الكبرى خلال أيّ مدة جفاف يتسبب في تعطيل الملاحة ونقل الفحم والمواد الأولية، ما يؤدي إلى توقُّف المصانع، لتكشف الأزمات أن الطاقة والنقل كليهما رهين بتقلبات الطبيعة.

وأشار إلى أن موجات الحر تُرافق عادةً حالات الجفاف، ما يعني تراجُع إنتاج الرياح، ومن ثم غياب مصدرين أساسيين للطاقة المتجددة معًا، ما يفاقم الفجوة ويضع الحكومات أمام معضلة تأمين الكهرباء بأيّ ثمن.

وأضاف أن بريطانيا اعتمدت بشكل واسع على طاقة الرياح، حتى غطّت كامل احتياجاتها في بعض الأيام، لكنّ توقُّف الرياح فجأة أعاد إشعال أزمة أسعار الغاز والكهرباء، وكشف هشاشة المنظومة أمام تقلبات المناخ.

ولفت إلى أن أيّ جفاف مفاجئ يؤدي إلى ارتفاع أسعار الكهرباء محليًا، ويُشعل المنافسة على الغاز المسال عالميًا، إذ تتصارع الدول لتأمين احتياجاتها، ما يغيّر أنماط التجارة الدولية ويفاقم الأزمات في آسيا وأفريقيا.

وأكد أنس الحجي أن الجفاف لم يعد مجرد تحدٍّ بيئي، بل تحوَّل إلى عامل إستراتيجي يُحدّد شكل أسواق الطاقة، ويفرض إعادة النظر في مزيج المصادر المستعملة لتأمين الإمدادات على نحو أكثر مرونة.

انعكاسات على الاقتصاد العالمي

شدد أنس الحجي على أن أثر الجفاف لا يتوقف عند حدود الطاقة، بل له انعكاسات على الاقتصاد العالمي، إذ يمتد إلى سلاسل الإمداد والاقتصادات الوطنية، ويؤدي انخفاض منسوب الأنهار إلى توقُّف الملاحة التجارية، ومن ثم تعطيل حركة البضائع والمواد الخام.

وأوضح أن أوروبا شهدت هذا المشهد في أكثر من مناسبة، إذ أدت موجات جفاف إلى توقُّف شحن الفحم عبر الأنهار، ومن ثم توقُّف مصانع صناعية كبرى، ليس بسبب نقص الوقود في السوق، بل لعجز السفن عن الوصول.

الجفاف يهدد الأنظمة الزراعية وأمن الغذاء
الجفاف يهدد الأنظمة الزراعية وأمن الغذاء- الصورة من "griffith.edu.au"

وأشار أنس الحجي إلى أنه في الغرب الأميركي، دفعت أزمة الجفاف السلطات إلى حلول طارئة، إذ استُعمِلَت سفن مجهزة بمولدات كهرباء لربط الشبكات وتوليد الطاقة مؤقتًا، لتفادي انقطاع الكهرباء عن السكان والمرافق الحيوية.

ولفت إلى أن مثل هذه الحلول تكشف هشاشة البنى التحتية أمام التغيرات المناخية، وتجعل الاقتصادات رهينة لموجات جفاف قد تعيد تشكيل مشهد الطاقة والتجارة بشكل كامل في ظرف أشهر قليلة.

وأضاف: "اضطراب أسواق الغاز المسال مؤخرًا يعكس هذا الواقع، إذ أدى توقُّف الرياح في أوروبا وارتفاع أسعار الغاز إلى دفع الهند للعودة إلى الفحم، ما أظهر أن الجفاف وتقلبات المناخ ينعكسان على قرارات الطاقة في قارات أخرى".

وبيّن أن الصين -كذلك- اضطرت إلى اللجوء للفحم عند تراجع مستويات المياه وتوقُّف التوليد الكهرومائي، ما يثبت أن أهداف التحول الطاقي تواجه صعوبات حقيقية بمجرد تغير الطقس.

وخلص الحجي إلى أن الجفاف أصبح عاملًا اقتصاديًا عابرًا للحدود، يعيد رسم العلاقات التجارية والطاقية بين الدول، ويكشف أن السياسات المناخية الحالية بحاجة إلى إعادة تقييم واقعية.

الحاجة إلى إستراتيجيات مرنة

قال أنس الحجي، إن هناك حاجة إلى إستراتيجيات مرنة، إذ إن بناء اقتصادات كاملة على الطاقة المرتبطة بالطقس خطأ إستراتيجي، فهو يجعل الدول عرضة لأزمات مفاجئة بمجرد تغيُّر الظروف المناخية، كما حدث مع طاقة الرياح في بريطانيا أو الأنهار في أوروبا.

وأوضح أن الحل يكمن في تبنّي مزيج طاقة متوازن، يجمع بين المصادر التقليدية والمصادر المتجددة، بحيث يُضمَن استقرار الإمدادات، مع استمرار العمل على تقليل الانبعاثات تدريجيًا بدلًا من الاعتماد الأحادي.

أدخنة تتصاعد من محطة لتوليد الكهرباء بالفحم مكنها الاستفادة من نظام تداول الانبعاثات الأوروبي
أدخنة تتصاعد من محطة لتوليد الكهرباء بالفحم - الصورة من يوروأكتف

وأشار مستشار تحرير منصة الطاقة إلى أن العالم بحاجة إلى إعادة دراسة اقتصاديات الطاقة من جديد، إذ لم تعد النماذج التقليدية قادرة على مواكبة ديناميكيات الأسواق التي تتأثر مباشرة بالجفاف أو الرياح أو موجات الحر.

وأضاف: "استمرار الاعتماد على مصادر وحيدة يقود إلى منافسة شرسة في الأسواق، كما حدث بين أوروبا وآسيا على الغاز المسال، ما يؤكد أن أمن الطاقة لم يعد شأنًا محليًا، بل معركة عالمية".

وبيّن أن أيّ إستراتيجية مستقبلية يجب أن تراعي أثر الجفاف في الطاقة الكهرومائية، وأثر الحرّ في الرياح، وأهمية وجود بدائل جاهزة لتفادي الشلل الاقتصادي عند حدوث تقلبات طبيعية.

وأكد أن الهدف ليس رفض الطاقة المتجددة، بل دمجها بشكل متّزن مع النفط والغاز والفحم والطاقة النووية، لضمان مرونة كافية تحمي الدول من تقلبات المناخ.

واختتم الحجي بتأكيد أن الجفاف يمثّل جرس إنذار عالمي، ويدعو لوضع سياسات أكثر واقعية ومرونة، تضمن أمن الطاقة واستدامة النمو الاقتصادي، بعيدًا عن الرهانات الأحادية على مصادر مرتبطة بالطقس.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق