غازتقارير الغازرئيسية

الرهان العالمي على استثمارات الغاز المسال.. هل هو محفوف بالمخاطر؟ (تقرير)

أسماء السعداوي

لم تُلقِ شركات النفط الكبرى بالًا لتوقعات وكالة الطاقة الدولية بشأن ذروة الطلب على الغاز، وسارعت بضخ استثماراتها في إنتاج الوقود وتصديره للاستفادة من الزخم الحالي.

ورغم أن الغاز الطبيعي المسال هو بالأصل وقود أحفوري يصدر عنه غازات دفيئة مثل الميثان، فإنه أقل إطلاقًا للانبعاثات مقارنة بالفحم والنفط؛ ما يجعله "وقودًا انتقاليًا" مفضلًا في مسيرة تحول الطاقة العالمية.

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية الوصول إلى ذروة الطلب على الغاز بحلول نهاية العقد الجاري في عام 2030، بعد توقعات بتباطؤ ملحوظ خلال هذا العام (2025)، بحسب أحدث البيانات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).

لكن هل يستمر ذلك الاندفاع والاتجاه الصعودي لاستثمارات شركات النفط الكبرى في قطاع الغاز المسال رغم تقديرات الوكالة ومساعي التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة تحقيقًا لأهداف الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن؟ هذا سؤال يجيب عليه 3 خبراء بالمجال في السطور التالية.

شركة شل واستثمارات الغاز المسال

يدافع الرئيس التنفيذي لشركة النفط متعددة الجنسيات "شل" وائل صوان عن استثمارات الغاز المسال بشدة، إذ يقول، إن الوقود فائق التبريد سيؤدي دورًا أساسيًا في إستراتيجية شركته على المدى الطويل، إلى جانب مصادر الطاقة منخفضة الكربون الأخرى.

وأوضح أن الغاز المسال أحد أكثر مصادر الطاقة المطلوبة بشدة؛ كونه وقودًا متعدد الاستعمالات قادرًا على تلبية الاحتياجات المختلفة سواء في أوروبا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، أو الطلب المرتفع في آسيا للتخلص من الفحم.

الرئيس التنفيذي لشركة شل وائل صوان
الرئيس التنفيذي لشركة شل وائل صوان - الصورة من الموقع الرسمي

وعرضّ صوان أحدث توقعات شل للطلب العالمي على الغاز المسال موضحًا أنه سيشهد نموًا حلول عام 2040 بنسبة 60% إلى ما يتراوح بين 630 و718 مليون طن سنويًا بزيادة على التوقعات العام الجاري (2024)، وذلك بقيادة نمو الطلب في آسيا، ومساعي خفض الانبعاثات في الصناعات الثقيلة والنقل والذكاء الاصطناعي.

وفي تقريرها لتوقعات الطلب خلال 2025، قالت شل، إن الغاز المسال سيظل الوقود "المفضل"؛ لأنه مصدر موثوق ومرن وقابل للتكيف لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة.

ومن الناحية الاستثمارية، كان لتركيز شل على استثمارات الغاز المسال أهمية من أجل زيادة حجم التدفق النقدي الحر للسهم بأكثر من 10% خلال السنوات الخمس المقبلة، أي بحلول 2030.

وتواجه استثمارات الطاقة المتجددة ومنخفضة الكربون تحديات كبيرة لأسباب تنظيمية ومالية دفعت الكثير من المطورين إلى خفض استثماراتهم، أو التخلي تمامًا عنها.

ويقول وائل صوان، إن شل ستكون بحاجة إلى إبقاء أعينها مفتوحة خلال تحول الطاقة؛ لأن الطريق إليه لن يكون مستقيمًا، مؤكدًا أن قطاع الغاز المسال يأتي في المقام الأول داخل حافظة شل.

استثمارات شركات النفط الكبرى في الغاز المسال

انضمت شركات النفط الكبرى الأخرى إلى شل في رهانها القوي على استثمارات الغاز المسال، بغضّ النظر عن توقعات وكالة الطاقة الدولية بالوصول إلى ذروة الطلب على الغاز الطبيعي بحلول 2030.

يُشار هنا إلى أن منتدى الدول المصدرة للغاز خالفَ توقعات الوكالة، ولا يتوقع حدوث ذروة في استهلاك الغاز، كما سيظل الطلب على الغاز الطبيعي مرتفعًا حتى عام 2050.

وبدعم من التوقعات المتفائلة، تتوقع شركة توتال إنرجي الفرنسية نمو إنتاجها من الغاز المسال بنسبة 50% بين عامي 2023 و2030.

وفي الولايات المتحدة، تسعى شركة إكسون الأميركية لمضاعفة حجم استثماراتها بالغاز المسال بحلول 2030، كما أن مواطنتها -شركة شيفرون- تُوسِّع مشروعاتها القائمة بالمجال، وتطور مشروعات جديدة.

محطة سابين باس لتصدير الغاز المسال الأميركي
محطة سابين باس لتصدير الغاز المسال الأميركي - الصورة من موقع شركة شينير إنرجي

أمّا شركة النفط البريطانية "بي بي"، فقد ضاعفت استثماراتها في قطاع مصادر الوقود الأحفوري بعد التراجع عن إستراتيجيتها الخضراء لتحقيق أرباح للمساهمين.

واستحوذت شركة "بيكر هيوز" (Baker Hughes) -إحدى أكبر شركات تقديم خدمات حقول النفط عالميًا- على شركة "تشارت إندستريز" (Chart Industries) في صفقة بقيمة 13 مليار و600 مليون دولار، بما يسمح لها بالتوسع في مجال الغاز المسال.

استثمارات الغاز المسال وتحول الطاقة العالمي

يحمل المحلل في شؤون الكهرباء ومحلل البيانات في شركة أبحاث الطاقة "إمبر" (Ember) إيوان غراهام وجهة نظر مغايرة للرئيس التنفيذي لشركة شل وائل صوان وشركات النفط الكبرى في دفاعهم المستميت عن الغاز المسال.

وقال غراهام، إنه "رهان محفوف بالمخاطر"، ويتعارض مع مسيرة تحول الطاقة خاصة أن النمو السريع للطاقة الشمسية على نحو خاص "قوّض الطلب العالمي على الغاز المسال"، على حدّ قوله.

ويرى المحلل سببين رئيسين يجعلان من استثمارات الغاز المسال مثار شكّ وهما:

  • التوسع الكبير في نشر الطاقة المتجددة "غيّرَ قواعد اللعبة بالكامل".
  • التوترات الجيوسياسية تهدد الدول المعتمدة على الوقود الأحفوري.

وعلى نحو خاص، أشار إلى مضيق هرمز الذي يربط الخليج العربي ببحر العرب وأحد أهم شرايين نقل النفط والغاز في العالم، والذي هددت إيران بإغلاقه خلال الحرب مع إسرائيل وأميركا في يونيو/حزيران الماضي (2025).

ويوضح الرسم البياني التالي -الّذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- حجم تجارة الغاز المسال عبر مضيق هرمز (2020-2025):

حجم تجارة الغاز المسال المارة عبر مضيق هرمز (2020-2025)

يتفق مع غراهام في هذا الرأي مؤسس شركة فورتسيكو (Fortescue) الملياردير الأسترالي أندرو فورست، الذي انتقد تراجع شركات الطاقة عن مسار الطاقة المتجددة، متهمًا إياها بـ"دفن رأسها في الرمال" بعد الظواهر المدمّرة الناتجة عن تغير المناخ.

وتسعى الشركة -وهي رابع أكبر شركات تعدين خام الحديد في العالم- لوقف حرق الوقود الأحفوري بنهاية العقد الجاري، كما حثّت نظيراتها على أن تحذو حذوها.

من جانبه، يرى محلل الطاقة في شركة "كويلتر شيفيوت" لإدارة الاستثمارات في بريطانيا (Quilter Cheviot) ماوريتزيو كارولي أن هناك حاجة إلى تنويع استثمارات الطاقة "قليلًا" داخل شركات النفط الكبرى مع التحلّي بالحذر الشديد؛ إذ إن تشغيل محطات الغاز المسال يستمر لمدة تتراوح بين 30 أو 40 عامًا، بما يستلزم التأكد من أن تشغيل أيّ مشروع جديد سيواصل تحقيق أرباح إذا تباطأ الطلب على الغاز المسال بحلول عام 2040.

ورغم ذلك التحذير، أشار كارولي إلى أن استثمارات الغاز المسال الكبرى لدى شركات النفط العالمية "منضبطة بالفعل" للتأكد من ربحية المشروعات ومنافستها لأنواع الوقود الأخرى.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر:

  1. شركات الطاقة الكبرى تراهن على الغاز المسال، من شبكة "سي إن بي سي"
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق