واردات الهند من النفط الروسي تصطدم برسوم ترمب الجمركية والتقلّبات السياسية (مقال)
فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

- الهند تُعد أكبر مشترٍ للنفط الروسي المنقول بحرًا
- مصافي التكرير الهندية الحكومية أوقفت مناقصات فورية جديدة للنفط الروسي
- أسواق النفط تفاعلت ببرود مع تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية
- وزارة النفط الهندية وجّهت مصافي التكرير الحكومية إلى إعطاء الأولوية لـ"أمن الإمداد والسياسة الدولية"
تصطدم واردات الهند من النفط الروسي منخفض السعر برسوم ترمب الجمركية والتقلّبات السياسية وتغيّر مصادر الإمداد.
ودخلت مكاسب الهند المفاجئة على مدار عامَيْن من النفط الروسي مُخفّض السعر -الذي كان في يوم من الأيام ركيزة إستراتيجيتها لشراء الطاقة- مرحلة من الضبابية مع تضافر تهديدات الرسوم الجمركية الأميركية، وتضييق فروق الأسعار، والمناورات الجيوسياسية.
وفي مذكرة مكتوبة إلى البرلمان هذا الأسبوع، أقرت وزارة النفط والغاز الطبيعي الهندية بأن "واردات الهند من النفط الروسي واسعة النطاق لا يمكن أن تستمر إلى الأبد"، في إشارة علنية نادرة إلى أن نيودلهي تستعد لمرحلة ما بعد الخصومات.
ويبدو أن الهند تواجه مرحلة معقّدة تتطلّب التوفيق بين مصالحها الاقتصادية وتلبية الطلب المتزايد على النفط، وبين الحفاظ على التوازنات السياسية والعلاقات الدبلوماسية.
أزمة واردات الهند من النفط الروسي
منذ فرض الغرب عقوباته وإجراءات تحديد سقف السعر على موسكو في عام 2022، قفزت الهند -ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم حاليًا- لتصبح أكبر مشترٍ للنفط الروسي المنقول بحرًا.
في عام 2023 وأوائل عام 2024، ارتفعت واردات الهند من النفط الروسي، من مستويات ما قبل الحرب التي كانت ضئيلة للغاية إلى ما يزيد على 1.6-1.8 مليون برميل يوميًا، وهو ما يمثّل ما يقرب من 35-40% من إجمالي واردات الهند من النفط.
على النقيض من ذلك، قبل عام 2022، كانت روسيا تمثّل أقل من 2% من استهلاك الهند من النفط.
وبدءًا من أوائل عام 2025، ظلّت الهند أكبر مستورد بحري للنفط الروسي في العالم، بمتوسط واردات بلغ نحو 1.75 مليون برميل يوميًا خلال النصف الأول من العام.
وقد سمح هذا التحول للمصافي الهندية بتأمين خصومات تتراوح بين 10 و15 دولارًا للبرميل مقارنةً بخام برنت، ما وفّر مليارات الدولارات من تكاليف الاستيراد، وحافظ على تضخم أسعار الوقود المحلية تحت السيطرة، ومكّن من إعادة تصدير المنتجات المكررة إلى أوروبا وآسيا بصورة مربحة.
من ناحيتها، ارتبطت شركات التكرير المملوكة للدولة -إنديان أويل (Indian Oil)، وبهارات بتروليوم (Bharat Petroleum)، وهندوستان بتروليوم (Hindustan Petroleum)- بعقود سنوية محددة الأجل.
في المقابل، استفادت شركات عملاقة من القطاع الخاص -مثل ريلاينس إندستريز (Reliance Industries) ونايارا إنرجي (Nayara Energy)- من عمليات الشراء الفورية.
تقلّص الخصومات وارتفاع علاوة المخاطر
تقلّصت الخصومات على خام الأورال الروسي الرائد إلى ما بين 3 و4 دولارات للبرميل في الأسابيع الأخيرة، بسبب ارتفاع تكاليف الشحن، وقلة توافر الإمدادات، ونجاح روسيا في بناء قاعدة عملاء مستقرة في آسيا.
في الوقت نفسه، لا تزال تكاليف التأمين وأسعار الشحن للشحنات الروسية مرتفعة بسبب مخاطر لوجستيات "أسطول الظل" والامتثال للعقوبات.
وأوقفت مصافي التكرير الهندية الحكومية مناقصات فورية جديدة للنفط الروسي، في انتظار توجيهات صريحة من نيودلهي.
وتشير رويترز إلى أن بعض مصافي التكرير الهندية قد تتخلى عن عمليات الشراء الفورية للتحميل في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، تحسبًا لضبابية بشأن السياسات.
وأفادت بلومبرغ بأن العقود طويلة الأجل القائمة قيد التنفيذ، لكن تنويع المشتريات يتسارع نحو الشرق الأوسط وغرب أفريقيا وساحل الخليج الأميركي.
حملة واشنطن للضغط الاقتصادي
يتمثّل الدافع المباشر وراء إعادة تقييم الهند في الجولة الأخيرة من الإجراءات التجارية التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
في يوليو/تموز الماضي، فرض ترمب رسومًا جمركية بنسبة 25% على البضائع الهندية، وهي رسوم صُوّرت رسميًا بوصفها مسألة تجارية، لكن يُفهم على نطاق واسع في نيودلهي أنها مرتبطة باستمرار مشتريات الهند من النفط الروسي.
ومنذ ذلك الحين، هدّد ترمب علنًا بفرض رسوم جمركية إضافية إذا لم تُخفّض واردات الهند من النفط الروسي وسلع أخرى.
ومن المقرر أن تدخل هذه الرسوم حيز التنفيذ في 27 أغسطس/آب الجاري، مع إمكانية إلغائها حال انعقاد محادثات دبلوماسية موازية.
وطرحت الولايات المتحدة إمكانية توسيع نطاق هذه الإجراءات، لتشمل دولًا أخرى تربطها علاقات وثيقة في مجال الطاقة مع روسيا، ما يُشير إلى حملة أوسع من العقوبات الثانوية المتعلقة بالطاقة من خلال أدوات الرسوم الجمركية بدلًا من الحظر التام.
في تقريره الموجّه إلى البرلمان الهندي، أكد وزير النفط والغاز الطبيعي هارديب سينغ بوري، أن حجم واردات الهند من النفط الروسي التي شهدتها البلاد منذ عام 2022 من غير المرجح أن يستمر إلى أجل غير مسمّى.
وأكدت الوزارة أن مصافي التكرير الحكومية تُعطي الأولوية الآن لعقود مدتها عام واحد مع مجموعة أكثر تنوعًا من الموردين، لضمان أمن الإمدادات والتخفيف من المخاطر الجيوسياسية ومخاطر السوق.
وأوضح بوري أن قرارات الشراء ستُراعي بصورة متزايدة السعر، والعلاقات الدولية، والتعرض للعقوبات التجارية، وأهداف أمن الطاقة على المدى الطويل.
وسلّط الضوء على أنه في حين كان للنفط الروسي دورٌ أساسي في دعم أسعار الوقود المحلية خلال فترة من التقلبات العالمية، فإن تضييق الخصومات وتزايد الضغوط الخارجية -لا سيما من الولايات المتحدة- يدفعان إلى تحول إستراتيجي.
ويعكس موقف الوزارة توازنًا بين الحفاظ على اقتصاد طاقة مُربح ومواءمة الهند مع متطلبات سياستها الخارجية الأوسع.
تفاعل أسواق النفط
تفاعلت أسواق النفط ببرود مع تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية، وتراجعت أسعار خام برنت إلى أدنى مستوى لها في شهرَيْن بعد الإعلان، ما يشير إلى أن المتداولين لا يرون خطرًا وشيكًا يُذكر على الإمدادات العالمية.
ويرى محللون في كبرى دور التجارة أنه حتى لو خُفّضت واردات الهند من النفط الروسي، بما يتراوح بين 500 ألف و700 ألف برميل يوميًا، فإن موسكو قادرة على إعادة توجيه صادراتها إلى الصين أو تركيا أو جنوب شرق آسيا، وهذا سيستلزم إعادة توزيع سعة ناقلات النفط وتقلبًا مؤقتًا في الأسعار.
وأشار المدير التنفيذي لمعهد بي. إيه. ستوليبين لاقتصادات النمو، أنطون سفيريدينكو، إلى أن روسيا تُمثل نحو 10% من إمدادات النفط العالمية، ما يجعل النزوح الكامل لكمياتها أمرًا غير واقعي على المدى القصير.
وأكد أنه "لا يوجد مصدر يمكن إيقافه" في أسواق النفط بالطريقة نفسها التي يُمكن بها تقليص إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب، ما يُؤكد المرونة الهيكلية للصادرات الروسية رغم الضغوط الغربية.
أمن الإمدادات
وجّهت وزارة النفط الهندية مصافي التكرير الحكومية لإعطاء الأولوية لـ"أمن الإمداد، والسياسة الدولية، والعلاقات التجارية" في تخطيط المشتريات.
ويمثّل هذا تحولاً ملحوظاً عن نهج "السعر أولًا" الذي ساد في الفترة 2022-2023.
ونظرًا إلى سيطرة مؤسسات حكومية على أكثر من 60% من قدرة التكرير الهندية البالغة 5.2 مليون برميل يوميًا، فإن التحولات في السياسات الحكومية لها تأثير فوري على تدفقات التجارة.
وتواصل مصافي التكرير الخاصة -ريلاينس إندستريز المحدودة، ونايارا إنرجي، و"إتش بي سي إل-ميتال إنرجي" (HPCL-Mittal Energy)- الأقل تقيدًا بالتوجيهات الرسمية، شراء النفط الروسي، غالبًا لإعادة تصديره بعد التكرير.
رغم ذلك، فإن مخاطر هذه العمليات آخذة في الارتفاع، نظرًا إلى تشديد الرقابة الغربية على الامتثال للعقوبات وآليات الدفع.
وقد اضطرت الهند إلى التعامل مع أنظمة تسوية معقدة، بدءًا من فواتير الدرهم الإماراتي ووصولًا إلى المعاملات المرتبطة باليوان أحيانًا، لتجاوز النظام المالي الغربي.

التوقيت والسياق الجيوسياسي
تتكشّف مسرحية الرسوم الجمركية قبل أيام قليلة من اجتماع ترمب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا الذي عُقد ليل الجمعة 15 أغسطس/آب الجاري.
وقد صاغ البيت الأبيض القمة بوصفها جزءًا من جهود ترمب للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، لكن العديد من المحللين يرون أن تهديدات الهند بفرض رسوم جمركية هي بمثابة وسيلة ضغط على أحد أكبر عملاء موسكو لانتزاع تنازلات من روسيا في مفاوضات أوسع نطاقًا.
من ناحية ثانية، يتزامن تقليص الخصومات مع إعادة تقييم لدبلوماسية الطاقة الروسية.
وبعد إبرام صفقات توريد طويلة الأجل مع الصين وتعزيز علاقات الطاقة مع الشرق الأوسط، أصبح اعتماد موسكو على الهند بوصفها مشتريًا أقل صرامةً مما كان عليه في عام 2023.
الخلاصة..
على الرغم من أن النفط الروسي لا يزال يُشكل جزءًا مهمًّا من محفظة الطاقة الهندية، فإن أهميته الإستراتيجية آخذة في التضاؤل مع تقلّص الخصومات وتشديد العقوبات الغربية لمخاطر الامتثال.
وقد أدى الانخفاض الحاد في مزايا الأسعار -من ذروة 30 دولارًا للبرميل إلى ما بين 2.5 و4 دولارات للبرميل- إلى تآكل جزء كبير من الحوافز الاقتصادية، ما يجعل التنويع نحو موردين من الشرق الأوسط وحتى النفط الأميركي أكثر جدوى.
ويُعد اعتماد الهند السابق على النفط الروسي ظاهرة حديثة، وتُظهر أنماط التوريد التاريخية مرونتها في إعادة توازن خطوط الإمداد.
في المقابل، فإن أي انسحاب مفاجئ من السوق سيؤثر سلبًا في أسعار النفط العالمية، نظرًا إلى حصة روسيا البالغة 7% من المعروض العالمي، ما يترك الهند في مواجهة ضغوط التكاليف قصيرة الأجل مقابل التوافق الجيوسياسي طويل الأجل.
في الوقت الحالي، تُحافظ مصافي نيودلهي على احتياطياتها وعلى إمكان الوصول إلى البراميل الروسية المخفّضة مع توسيع نطاق العقود البديلة، مُبقيةً جميع الخيارات مفتوحة في الوقت الذي تُشكل فيه دبلوماسية الطاقة والمفاوضات التجارية وديناميكيات الأسعار العالمية المرحلة التالية من إستراتيجية الاستيراد الهندية.
وتتجاوز إعادة تقييم إستراتيجية الهند تجاه النفط الروسي مجرد تحول تجاري، بل هي نقطة تحول إستراتيجية ذات تداعيات عالمية.
وحال خفّضت الهند وارداتها، فسيُمثل ذلك إعادة توجيه مهمة نحو التفضيلات الإستراتيجية الأميركية، ما يعزّز دور نيودلهي شريكًا في احتواء واشنطن الأوسع لروسيا.
وسيُسرّع ذلك من تحول موسكو نحو الصين، ما يُعمّق رابطة الطاقة والأمن (التنّين والدبّ) "دراغون- بير".
بالنسبة إلى الهند، ستتمثّل التكلفة قصيرة الأجل في ارتفاع فواتير الاستيراد وتعقيد لوجستيات الشراء، مع اعتماد أكبر على موردين من الشرق الأوسط وأفريقيا.
وعلى المدى الطويل، يهدد ذلك بتآكل الاستقلالية الإستراتيجية التي سعت نيودلهي للحفاظ عليها بين التكتلات القوية المتنافسة.
وتُوضح هذه الحلقة تحولًا هيكليًا في أسواق النفط العالمية: إذ تُشكل المساومات الجيوسياسية والإكراه الاقتصادي التسعير والتدفقات بقدر ما تُشكلها أساسات العرض والطلب.
إزاء ذلك، أصبح أمن الطاقة، بالنسبة إلى كبار المستوردين مثل الهند، مرتبطًا بصفة متزايدة بتوافق السياسات الخارجية.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- واردات الهند من النفط الروسي.. نمو ملحوظ رغم الاضطرابات والضغوط (مقال)
- واردات الهند من النفط الروسي ترتفع في مارس 2025
- أكبر صفقة لواردات الهند من النفط الروسي.. 13 مليار دولار سنويًا
اقرأ أيضًا..
- هل يواجه عصر السيارات الكهربائية أفولًا مبكرًا؟.. الوعود الكبرى تتهاوى (تحقيق)
- 5 حقول نفط وغاز في بحر الشمال تقترب من الإغلاق
- الهيدروجين الأخضر في أفريقيا.. موريتانيا تطمح للريادة بين دول القارة