الطلب العالمي على الكهرباء.. أنس الحجي يكشف عن 3 أسباب للارتفاع
أحمد بدر

شهد الطلب العالمي على الكهرباء ارتفاعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، بعد مدة من التراجع أو الاستقرار، ويتوقع الخبراء أن هذه الزيادة ستستمر خلال الأعوام المقبلة، مدفوعة بعوامل اقتصادية واجتماعية متعددة.
وقال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن الوضع قبل 7 أو 8 سنوات كان مختلفًا؛ إذ أظهرت البيانات انخفاضًا في الطلب على الكهرباء، نتيجة التحسّن الكبير في كفاءة الاستعمال، وضعف النمو الاقتصادي، وانخفاض إنتاج الكهرباء أو توليدها في العديد من الدول المتقدمة.
وأضاف أن التطور التقني في الأجهزة والإنارة، مثل مصابيح الكهرباء الموفرة، أسهم في تحقيق مستويات الأداء نفسها باستعمال كهرباء أقل، ما جعل زيادة الكفاءة أكبر من نمو الاستهلاك، وأدى إلى تراجع الطلب العالمي على الكهرباء لعدة سنوات.
لكن الحجي يوضح أن المعطيات تغيّرت فجأة، إذ ارتفع الطلب العالمي على الكهرباء بصورة كبيرة، لأسباب عدة، أبرزها الهجرة الدولية الضخمة، والتغيّر في أنماط المعيشة، وازدياد حجم المساكن، وتوسّع استعمال وسائل النقل رغم تحسّن كفاءتها.
جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيّات الطاقة"، قدّمها الدكتور أنس الحجي عبر مساحات منصة التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقًا)، تحت عنوان: "نمو الطلب العالمي المتزايد على الكهرباء وآثاره السياسية والاقتصادية".
تأثير الهجرة في الطلب العالمي على الكهرباء
يؤكد أنس الحجي أن أحد أبرز أسباب زيادة الطلب العالمي على الكهرباء في الدول المتقدمة هو الهجرة من الدول الفقيرة إليها، موضحًا أن هذه الظاهرة لها تأثير أكبر مما قد يتوقعه البعض في استهلاك الطاقة.
وشرح أن ملايين الأشخاص يهاجرون سنويًا، سواء بطرق قانونية أو غير قانونية، إلى دول ذات مستويات استهلاك طاقة أعلى بكثير، ما يرفع الطلب على الكهرباء نتيجة الفارق الكبير بين أماكن الإقامة الأصلية والجديدة للمهاجرين.
وضرب أنس الحجي مثالًا بانسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن من أفغانستان، إذ نُقلت عشرات الآلاف من العائلات الأفغانية إلى الولايات المتحدة، ما أدى إلى زيادة استهلاك الطاقة للعائلة الواحدة بنحو 70 ضعفًا بمجرد انتقالها.
وأوضح أن هذه الزيادة الكبيرة في استهلاك الطاقة تحدث حتى قبل أن يبدأ أفراد العائلة في العمل أو تحقيق دخل، مشددًا على أن مجرد الانتقال إلى بيئة جديدة أكثر رفاهية يرفع الطلب العالمي على الكهرباء بصورة ملحوظة.
وأضاف أن المهاجرين من أفريقيا إلى أوروبا يسجلون زيادات في استهلاك الطاقة تتراوح بين 30 و40 ضعفًا، وهو ما ينطبق أيضًا على المهاجرين من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة، ما يعزّز الاتجاه الصعودي للطلب العالمي على الكهرباء.
وأشار الحجي إلى بيانات رسمية من الاتحاد الأوروبي تُظهر وجود ما بين 20 و21 مليون مهاجر في دول الاتحاد، ما يبرز حجم التأثير الكلي للهجرة في زيادة الطلب خلال السنوات الأخيرة.
وشدد على أن هذه الظاهرة تتركز في الدول المتقدمة، لكنها تؤثر في النظام الكهربائي العالمي ككل، نظرًا إلى أن الاستهلاك في هذه الدول يمثّل حصة كبيرة من إجمالي الطلب العالمي على الكهرباء.
وخلص الحجي إلى أن الهجرة الدولية ليست مجرد قضية اجتماعية أو سياسية، بل عامل اقتصادي مهم يجب أخذه في الحسبان عند وضع سياسات الطاقة المستقبلية، نظرًا إلى دورها الكبير في زيادة الطلب على الكهرباء عالميًا.
دور الكفاءة وتحولات الاستهلاك
أوضح أنس الحجي أن الدول المتقدمة شهدت خلال السنوات الماضية تحسّنًا ملحوظًا في كفاءة استعمال الطاقة، سواء عبر تصميم المباني الموفرة للكهرباء أو تطوير محركات السيارات، ما أسهم في تقليل استهلاك الكهرباء للفرد.
لكن رغم ذلك، لا تعني زيادة الكفاءة بالضرورة انخفاضًا موازيًا في الطلب العالمي على الكهرباء، إذ إن التحسينات في الكفاءة غالبًا ما يقابلها توسّع في حجم الاستعمال أو تغير في أنماط الاستهلاك.
وأشار خبير اقتصادات الطاقة إلى أن كثيرًا من الأسر في الولايات المتحدة، مثلًا، أصبحت تمتلك منازل أكبر من أي وقت مضى، ما يرفع استهلاك الكهرباء رغم تحسين كفاءة الأجهزة المنزلية وأنظمة الإضاءة.
كما أوضح أن التحسّن في كفاءة محركات السيارات ترافق مع زيادة المسافات المقطوعة سنويًا لكل شخص، ما يعني أن إجمالي استهلاك الوقود والطاقة لم ينخفض بالقدر الذي تعكسه مؤشرات الكفاءة وحدها.
وأضاف: "هذا السلوك يعكس ما يُعرف في الاقتصاد بتأثير الارتداد؛ إذ يؤدي انخفاض تكلفة الاستعمال أو تحسين الكفاءة إلى زيادة حجم الاستهلاك بدلًا من خفضه".
وأكد أن هذه الظاهرة، إلى جانب العوامل الأخرى، تُسهم في استمرار نمو الطلب العالمي على الكهرباء في المدى الطويل، رغم التقدم التقني والتحسّن في كفاءة الاستعمال.
ولفت إلى أن فهم العلاقة بين الكفاءة والاستهلاك ضروري لصياغة سياسات فعّالة في إدارة الطلب العالمي على الكهرباء، وعدم الاكتفاء بتعزيز الكفاءة كونها مفتاحًا وحيدًا لحل المشكلة.
استمرار نمو الطلب العالمي على الكهرباء
أوضح الدكتور أنس الحجي أن العوامل المذكورة تفسّر جزءًا من الزيادة الملحوظة في الطلب العالمي على الكهرباء، وأن هذه الزيادة ستستمر في المستقبل القريب مع استمرار الاتجاهات الحالية في الهجرة والاستهلاك.
وأكد أن الهجرة ستظل عاملًا رئيسًا في زيادة الطلب العالمي، ما دام هناك تفاوت كبير في مستويات الرفاهية بين الدول الفقيرة والغنية، وما دام ملايين الأشخاص ينتقلون سنويًا إلى بيئات استهلاك أعلى.

وأضاف مستشار تحرير منصة الطاقة أن التغيرات في أنماط المعيشة، مثل تفضيل المنازل الكبيرة أو الاعتماد المتزايد على الأجهزة الكهربائية، ستعزّز من نمو الطلب العالمي على الكهرباء حتى في ظل استمرار تحسين الكفاءة.
كما لفت إلى أن هذا الواقع يفرض على الحكومات التفكير في مزيج متوازن من السياسات، يجمع بين تحسين الكفاءة وإدارة الطلب، وتوسيع قدرات التوليد والنقل لتلبية الطلب.
وقال إن تجاهل هذه العوامل قد يؤدي إلى فجوات في الإمدادات، ويضع شبكات الكهرباء تحت ضغوط متزايدة، خاصة في مدد الذروة أو في أثناء الأزمات، محذرًا من أن أي خطط مستقبلية للطاقة يجب أن تراعي الآثار المترتبة على الطلب، وألا تعتمد على التنبؤات السابقة التي قد لا تعكس الواقع الجديد.
وأوضح أن استمرار النمو في الطلب العالمي على الكهرباء ليس مجرد ظاهرة مؤقتة، بل تحول هيكلي ناتج عن تغيرات ديموغرافية وسلوكية وتقنية مترابطة، وهو ما يتطلّب رؤية إستراتيجية طويلة المدى، تأخذ في الحسبان كل العوامل المؤثرة، لضمان استدامة الإمدادات عالميًا.
موضوعات متعلقة..
- أنس الحجي: الذكاء الاصطناعي يزيد الطلب العالمي على الكهرباء.. وهذا دور "نووي" الخليج
- الطلب العالمي على الكهرباء يرتفع لمستوى قياسي.. وهذه الدول أكثر استهلاكًا (تقرير)
- وكالة الطاقة الدولية تتوقع تسارع نمو الطلب العالمي على الكهرباء في 2024
اقرأ أيضًا..
- أوابك: إيرادات صادرات النفط العربية تنخفض 28 مليار دولار في 3 أشهر
- أسعار خامات النفط العربية في يوليو.. الجزائر تواصل الصدارة
- وكالة الطاقة الدولية تخفض توقعات الطلب على النفط.. وترفع تقديرات المعروض
المصدر..