حقيقة إنتاج النفط الأميركي.. أنس الحجي يكشف أبرز الرسائل لـ"ترمب"
أحمد بدر

عاد الجدل مجددًا حول إنتاج النفط الأميركي، بعد عدد من البيانات التي أظهرت تسجيل مستويات تاريخية خلال شهر مايو/أيار الماضي 2025، رغم ما تشهده الصناعة من تقلّبات حادّة وتباطؤ في أنشطة الحفر والتكسير.
وفي هذا السياق، يوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن كل ذلك يأتي في ظل تعقيدات قانونية وسياسية تواجه شركات النفط الكبرى في الولايات المتحدة، إلى جانب التغيّرات التي أحدثتها عمليات الدمج والاستحواذ داخل الصناعة.
وقال الحجي إن هناك خطأ شائعًا يجب تصحيحه، وهو أن إنتاج النفط الأميركي -حسب آخر البيانات الشهرية- وصل إلى أعلى مستوى له في التاريخ خلال مايو/أيار، عند 13.4 مليون برميل يوميًا، في حين الملاحظة هنا أن إنتاج النفط الصخري توقف نموه لأول مرة.
وأضاف: "هناك انخفاض كبير في عدد الحفارات وأنشطة إكمال الآبار وأنشطة التكسير المائي، والبعض ذهب إلى أن إنتاج النفط الأميركي سينخفض بنحو مليونَيْن أو 3 ملايين برميل يوميًا، وأن أسعار النفط سترتفع بصورة كبيرة نتيجة ذلك".
وأرجع الحجي تباطؤ أنشطة بعض شركات الخدمات النفطية الكبرى إلى التغير في بنية الصناعة، لا إلى التراجع في إنتاج النفط الأميركي، موضحًا أن الهيمنة الجديدة للشركات الكبرى غيّرت آليات العمل، دون أن تؤثر في كميات الإنتاج الفعلية.
جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيّات الطاقة"، قدّمها أنس الحجي عبر مساحات منصة التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقًا)، بعنوان: "النفط بين ترمب والهند.. وغاز النفط المسال بين أوبك ووكالة الطاقة الدولية".
هل إنتاج النفط الأميركي عند ذروة تاريخية؟
أوضح أنس الحجي أن أحدث البيانات الشهرية تُظهر أن إنتاج النفط الأميركي بلغ أعلى مستوياته تاريخيًا في مايو/أيار الماضي 2025، عند مستوى 13.4 مليون برميل يوميًا.
وأشار إلى أن بعض المحللين ربطوا تباطؤ أنشطة الحفر والتكسير المائي بتراجع أسعار النفط. كما توقعوا انخفاضًا حادًا في إنتاج النفط الصخري الأميركي بنحو 2 أو 3 ملايين برميل يوميًا، مؤكدًا أن هذه التصورات غير دقيقة ولا تستند إلى الواقع.
وقال أنس الحجي إن أسعار النفط ما تزال في نطاق 70 دولارًا للبرميل، وهي أسعار تحقّق أرباحًا جيدة لمعظم الشركات، خصوصًا الكبرى منها، ما يعني أن تراجع النشاط ليست له علاقة مباشرة بالأسعار، كما يروّج بعضهم.
وأضاف أن السبب الرئيس في التباطؤ الظاهر هو التغيّر في هيكل السوق الأميركية للنفط، نتيجة موجة من عمليات الدمج والاستحواذ التي شهدتها السنوات الـ3 الماضية، وهو ما أدى إلى إعادة توزيع الأدوار وتقليص الاعتماد على بعض مقدمي الخدمات.
وأكد أن إنتاج النفط الأميركي لم يتأثر فعليًا، وإنما تغيّرت طريقة تشغيله وإدارته، إذ إن الشركات الكبرى التي قادت عمليات الاستحواذ أصبحت تعتمد على أدواتها الذاتية في الحفر والتكسير، دون الحاجة إلى خدمات مقدّمة من شركات خارجية.
مَن يُوقف الحفارات.. الشركات أم السوق؟
قال أنس الحجي إن كثيرًا من المراقبين استندوا إلى إعلان شركتَي "هاليبرتون" و"SLB" (شلمبرجيه سابقًا) وقف بعض فرق التكسير المائي والحفارات، معتبرين ذلك دليلًا على تباطؤ إنتاج النفط الأميركي، وهو استنتاج غير دقيق.
وأوضح أن هذه الإعلانات تعكس -ببساطة- انتهاء العلاقة مع الشركات الصغيرة والمتوسطة التي كانت تعتمد على هاليبرتون وشبيهاتها، بعدما استحوذت شركات كبرى مثل "شيفرون" و"إكسون موبيل" على هذه الشركات الأصغر.

وبيّن مستشار تحرير منصة الطاقة أن الشركات الكبرى مثل "إكسون" لا تحتاج إلى متعاقدين خارجيين؛ لأنها تمتلك أدوات الحفر والتكسير الخاصة بها، وبالتالي فإن توقف هاليبرتون في بعض المواقع لا يعني توقف الإنتاج، بل فقط تغيّر في الطرف المشغّل.
وأشار إلى أن هذا التغير الهيكلي هو إحدى النتائج المباشرة لعمليات الاندماج، إذ تقلّص عدد اللاعبين في السوق؛ ما قلل من الحاجة إلى شركات الخدمات النفطية التقليدية، دون أن يُحدث ذلك تغيرًا في حجم إنتاج النفط الأميركي.
وأضاف أن البعض أساء تفسير انخفاض عدد الوظائف، وعدّه مؤشرًا سلبيًا، في حين هو في الواقع ناتج عن دمج الإدارات وتوحيد الأقسام داخل الكيانات الجديدة، وهو أمر طبيعي ومعتاد في جميع صفقات الاستحواذ العالمية.
وأكد الحجي أن أسعار النفط الحالية حول 70 دولارًا للبرميل -وإن لم تكن مرتفعة بصورة استثنائية- تظل مربحة، خاصة مع انخفاض التكاليف التشغيلية في الحقول الكبرى؛ إذ تصل تكاليف البرميل إلى أقل من 35 دولارًا في معظم المواقع.
رسائل إلى ترمب والمحاكم الأميركية
أشار الدكتور أنس الحجي إلى أن هناك بعدًا سياسيًا في تفسير ما يجري داخل صناعة النفط الأميركية، مؤكدًا أن شركات الإنتاج الكبرى تحاول إيصال رسائل ضمنية إلى ترمب وإلى الجهات القضائية الأميركية من خلال هذه التباطؤات الظاهرية.
وأوضح أن بعض الشركات تريد إقناع الرأي العام بأن إنتاج النفط الأميركي لا يمكن زيادته بسهولة، وأن تراجعه الحالي مرتبط بانخفاض الطلب أو السوق العالمية، وليس بوساطة خياراتها الاستثمارية، ما يمنحها هامشًا لتفادي الضغوط السياسية.

وقال أنس الحجي إن هذه الرواية تُستعمل أيضًا في مواجهة القضايا القانونية، إذ تتجنّب الشركات اتهامات محتملة بالتلاعب في السوق أو التنسيق غير المشروع، من خلال إظهار نفسها بصفتها متأثرة بظروف خارجية وليس بصفتها طرفًا يوجه السوق عمدًا.
وأضاف أن شركات الإنتاج تفضّل في هذه المرحلة الترويج لفكرة أن التراجع في النشاط طبيعي وغير مقصود، لأنه يخدم موقفها أمام المحاكم، ويحميها من دعاوى المنافسة والاحتكار، التي بدأت تظهر مجددًا في الخطاب السياسي الأميركي.
وأشار إلى أن الفجوة بين تسعير خام غرب تكساس وخام برنت، التي تتراوح غالبًا بين دولارَيْن و4 دولارات، لا تؤثر بصورة جوهرية في ربحية الشركات، خاصة أن بعض الخام الأميركي الخفيف -مثل إنتاج حقل برميان- يُباع أحيانًا بسعر أعلى من برنت.
وأكد أن الشركات الأميركية الكبرى ما تزال تحقق أرباحًا في ظل الأسعار الحالية، وأن الحديث عن خفض الإنتاج بسبب الخسائر لا يعكس الواقع، بل هو جزء من تكتيك أوسع لتحصين القطاع أمام التغيّرات السياسية والتشريعية المحتملة.
موضوعات متعلقة..
- إنتاج النفط الأميركي يسجل رقمًا قياسيًا جديدًا
- إنتاج النفط الأميركي يواصل كسر الأرقام القياسية
- موجة البرد تخفض إنتاج النفط الأميركي 305 آلاف برميل يوميًا في يناير
اقرأ أيضًا..
- حقول النفط والغاز في مصر.. احتياطيات عملاقة وكنوز واعدة (ملف خاص)
- نتائج أعمال أرامكو في النصف الأول 2025 تسجل أرباحًا بـ48.7 مليار دولار
- ضخ الغاز الأذربيجاني إلى سوريا.. خطوة متقدمة على طريق إعادة الإعمار (مقال)
المصدر..