مدينة معادن نادرة تصيب أهلها بالسرطان ولا يستغنى عنها العالم.. نعمة ونقمة
محمد عبد السند

- المعادن النادرة شريان اقتصادي في مدينة باوتو الصينية.
- تعتمد باوتو على منجم "بايان أوبو" للمعادن النادرة.
- يحوي المنجم معادن نادرة مثل اللانثانوم والسيريوم والبراسيوديميوم.
- باوتو تضم أكثر من 80% من احتياطيات المعادن النادرة في الصين.
- أضحى منجم "بايان أوبو" الآن مجتمعًا مشدد الحراسة من الناس.
تبرز مدينة معادن نادرة شريانًا رئيسًا يغذي العالم بتلك العناصر الإستراتيجية التي يشيع استعمالها في العديد من التقنيات الحيوية؛ مثل بطاريات السيارات الكهربائية والهواتف الذكية.
غير أن الكنوز المدفونة تحت أرض مدينة باوتو الواقعة بمنطقة منغوليا الداخلية في الصين، قد كشفت عن وجهها الآخر، حينما تسبّبت بانتشار الأمراض المستعصية بين سكان المناطق المحيطة، جراء أنشطة التعدين والمعالجة.
وتعتمد باوتو في اقتصادها المحلي على ثرواتها من المعادن النادرة المستخرَجة من منجم بايان أوبو (Bayan Obo) الذي يُعَد من أكبر مناجم المعادن الأرضية النادرة في العالم، وفق بيانات القطاع لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
وتحوي باوتو معادن نادرة مثل اللانثانوم والسيريوم والبراسيوديميوم والنيوديميوم والبروميثيوم والسماريوم واليوروبيوم والغادولينيوم والتيربيوم والديسبروسيوم والهولميوم والإربيوم والثوليوم والإيتربيوم واللوتيتيوم والسكانديوم والإيتريوم.
كنز معادن نادرة
يتركّز أكثر من 80% من احتياطيات المعادن الأرضية النادرة في الصين بمدينة باوتو شمال البلاد؛ ما يُكسبها أهمية فريدةً للعالم الذي تشتد حاجته إلى تلك العناصر المستعمَلة في تطبيقات تقنية عديدة، مثل السيارات الكهربائية والهواتف الذكية.
فهناك معادن نادرة مثل الساماريوم، تُستعمَل في المعدات والآليات العسكرية، كما هو الحال في الولايات المتحدة؛ ما يجعل تلك المعادن ورقة مساومة مهمة في الحرب التجارية الدائرة بين واشنطن وبكين.
وكثيرًا ما عارضت الصين الحظر الذي تفرضه واشنطن على تصدير الرقائق الإلكترونية المتطورة إلى بكين التي تسعى للانتقام الآن عبر حرمان المصنعين الغربيين من تلك المعادن في سلاسل الإمدادات الخاصة بها.
وفي شهر أبريل/نيسان الماضي فرضت الصين قيودًا على تصدير العديد من المعادن النادرة، قبل موافقتها على إعادة العمل بتراخيص التصدير بالنسبة لبعض منها في أعقاب مباحثات عقدِت مؤخرًا بالعاصمة البريطانية لندن.
وأحدثت القيود الصينية تأثيراتٍ فعليةً عالمية؛ إذ أغلقت فورد، على سبيل المثال، مصنع سيارات تابعًا لها في شيكاغو مؤقتًا بسبب نقص المعادن النادرة.

فائدة اقتصادية وخطر بيئي
تمثل المعادن الأرضية النادرة شريان حياة رئيسًا في مدينة باوتو منذ مدة طويلة قبل أن تجذب الطبيعة الجغرافية في المنطقة اهتمام العالم.
واكتُشِفت معادن نادرة للمرة الأولى بالصين في بايان أوبو، وهي منطقة تعدين تبعُد 150 كيلومترًا شمال باوتو، في ثلاثينيات القرن الماضي.
غير أن إنتاج تلك العناصر في الصين لم يتسارع حتى تسعينيات القرن الماضي، حينما دخلت البلاد حقبة الإصلاح الاقتصادي السريع والانفتاح.
وخلال المدة بين عامي 1999 و2000، زاد إنتاج الصين من العناصر الأرضية النادرة بنسبة 450%، ليصل إلى 73 ألف طن متري.
في الوقت نفسه هبط إنتاج تلك العناصر في بلدان أخرى، وتحديدًا الولايات المتحدة؛ لتصبح الصين المحتكر طويل الأمد للإمدادات العالمية.
وفي عام 2024، لامست حصة الحكومة الصينية في إنتاج المعادن الأرضية النادرة 270 ألف طن، وفق أرقام طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
منطقة تعدين سامة
أضحى منجم "بايان أوبو" الآن مجتمعًا مشدد الحراسة من الناس الذين يعملون في المناجم الضخمة ونفاياتها السامة.
وتُعد احتياطيات الموارد الطبيعية الوفيرة في باوتو كافية بالنسبة للاقتصاد المحلي؛ إذ يلامس الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة للفرد في المدينة 165 ألف يوان (23 ألف دولار أميركي)، مقارنةً بالمتوسط الوطني البالغ 95 ألفًا و700 يوان على الرغم من سخط السكان المحليين إزاء التباطؤ الاقتصادي، الذي يؤثر سلبًا في البلاد بأكملها.
* (اليوان = 0.14 دولارًا أميركيًا).
حققت صناعة المعادن النادرة أكثر من 100 مليار يوان (14 مليار دولار أميركي) في باوتو خلال العام الماضي، في سابقة هي الأولى من نوعها؛ غير أن تلك الصناعة كانت لها تأثيرات بيئية لا يمكن غض الطرف عنها، وفق وسائل إعلام محلية.
فالمواد السامة، وهي عادةً منتجات ثانوية ومشعة غالبًا، لأنشطة معالجة المعادن النادرة، تُلقى في خنادق صناعية تُعرف باسم "برك المخلفات".
ومن أشهر برك المخلفات سيئة السمعة في المنطقة سد ويكوانغ للمخلفات المملوك لشركة باوغانغ (Baogang) الحكومية.
ولسنوات عدة كان سد ويكوانغ يُعد أكبر مكب لنفايات المعادن الأرضية النادرة؛ ولم يكن السد مبطنًا، وتزايد مخاوف بشأن محتوياته السامة التي تتسرب إلى المياه الجوفية، وصولًا إلى النهر الأصفر القريب الذي يُعد مصدرًا مهمًا لمياه الشرب في شمال الصين.
وكان مشروع تنظيف أحد روافد النهر الأصفر في باوتو قد أدى إلى انخفاض مستويات نيتروجين الأمونيا، وهي مُنتَج ثانوي لعملية معالجة المعادن الأرضية النادرة، بنسبة 87% خلال المدة بين عامي 2020 و2024.

أمراض خطيرة
خلال العقدين الأول والثاني من القرن الحالي، كشفت تحقيقات عن وجود مشكلات صحية في العظام وعيوب خلقية وزيادة في معدلات الإصابة بمرض السرطان بين سكان القرى المحيطة بمدينة باوتو.
ونظرًا إلى قدرة المعادن الأرضية النادرة على عبور حاجز الدم في الدماغ والترسب في المخ؛ فإن التعرض لتلك العناصر كان مرتبطًا دائمًا بعدد من المشكلات العصبية مثل الإعاقات الحسية والحركية.
وحاجز الدم هو مصطلح طبي يُطلَق على مجموعة من الحواجز التي تفصل بين الدم والأنسجة المختلفة في الجسم.
كما يمكن أن يؤثر التعرض إلى تلك العناصر سلبًا في التطور العصبي للأجنة في الحوامل.
ورجحت دراسة بحثية نُشرَت في عام 2020 تعرض الأطفال في باوتو إلى المعادن الأرضية النادرة عبر غبار الطريق، وهو ما وصفه متخصصون بالأمر "الخطير جدًا".
وأظهرت دراسة أخرى أن استنشاق العناصر الأرضية النادرة المحمولة في الهواء في مناطق التعدين، يصل إلى 6.7 مليغرام؛ ما يزيد كثيرًا عن المستوى الآمن نسبيًا البالغ 4.2 مليغرام.
وقالت الأستاذة المشاركة في جامعة ديلاوير الأميركية والمتخصصة في المعادن النادرة جولي كلينغر: " عمليات استخراج تلك العناصر على نطاق واسع يجري غالبًا على حساب صحة ورفاهية المجتمعات المحيطة"، وفق تصريحات تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وعلى الرغم من وجود تقنيات معالجة العناصر الأرضية النادرة بطرق أقل ضررًا للبيئة؛ فإنها نادرًا ما تُستعمَل بسبب التكلفة الباهظة.
موضوعات متعلقة..
- تقديرات المعادن النادرة في أوكرانيا تبلغ 15 تريليون دولار.. ترمب يريدها مقايضة (تقرير)
- المعادن النادرة في 3 دول أفريقية قد تنقذ أميركا.. المغرب في المقدمة
- معدن نادر يحير العلماء.. موجود بدولة واحدة في العالم
اقرأ أيضًا..
- توتال إنرجي تعزز محفظتها النفطية في سورينام بصفقة جديدة
- جزيرة معادن نادرة.. اكتشاف خيالي عمره 80 مليون سنة
- قطاع النفط والغاز البري في أفريقيا يجذب شركات عالمية.. الجزائر وليبيا بالمقدمة
المصدر: