خبراء: العلاقة بين النفط والسياسة لا تنفصل.. والإستراتيجيات المرنة ضرورة لمواجهة التقلبات
في مساحة صوتية نظمتها الجمعية الاقتصادية الخليجية

أكد عدد من الخبراء أن العلاقة بين النفط والسياسة لا تنفصل، على الرغم من المحاولات المتكررة لفصلهما خاصة من قبل الدول المنتجة.
جاء ذلك في مساحة صوتية نظّمتها الجمعية الاقتصادية الخليجية على موقع التواصل الاجتماعي (X) أمس الأربعاء 2 يوليو/تموز 2025 حول "الاضطرابات الجيوسياسية وانعكاساتها على أسواق الطاقة".
شارك في المساحة رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية الخليجية الدكتور خالد بن سعيد العامري، ومستشار التحرير في منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس بن فيصل الحجي، والخبير في أسواق الطاقة علي بن عبدالله الريامي.
واتفق الخبراء المشاركون في المساحة على أن التاريخ يثبت أن الأحداث الجيوسياسية من الحروب إلى السياسات المناخية والضرائب تؤثر بشكل كبير في أسواق الطاقة.
وأكّدوا أن بعض الدول -مثل إيران- كان لها تأثير كبير على أسواق النفط بسبب الأحداث السياسية بها، مبينين أن هناك اختلافات واضحة في استجابة أسعار النفط والغاز للأزمات الجيوسياسية.
وتطرقوا إلى أهمية فهم ديناميكيات العرض والطلب والمخزونات، وعرضوا التوقعات المستقبلية لأسعار النفط وتأثير العوامل الاقتصادية والسياسية فيها.
تأثيرات السياسة في أسواق النفط
شدّد مستشار التحرير في منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي على استحالة فصل النفط عن السياسة منذ بداية هذه الصناعة حتى الآن.
وقال إنه على الرغم من محاولات دول مجلس التعاون الخليجي فصل السياسة عن النفط إلا أن الطرف الآخر المستهلك لن يفصلهما عن بعضهما البعض.
وأشار إلى أن تأثيرات السياسة في أسواق النفط لا تقتصر على الحروب والعمليات الإرهابية، بل تمتد لتشمل موضوعات الضرائب وتبنّي السياسات المناخية المحاربة للنفط والغاز والفحم.
ورأى الحجي أن أكبر دولة مؤثرة في أسواق النفط خلال 115 عامًا الماضية هي إيران؛ بسبب الأحداث السياسية فيها، مستشهدًا بأحداث تاريخية متعددة من تغيير الحكم إلى الثورات والعقوبات.
بدوره، قدّم رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية الخليجية الدكتور خالد العامري أمثلة على تذبذب أسعار النفط بعد أحداث جيوسياسية كبرى مثل ارتفاع أسعار الخام بنسبة 5% بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، ثم انخفاضها في غضون 14 يوماً بنحو 25%، وكذلك ارتفعت أسعار النفط أثناء غزو روسيا أوكرانيا في فبراير/شباط 2022 بنحو 30% خلال الأسبوعيين الأولين للحرب، وانخفاضها لاحقاً وعودتها إلى مستويات ما قبل الحرب بعد حوالي 8 أسابيع، والأمر ذاته حدث خلال أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إذ ارتفعت الأسعار بنسبة 4% ثم استقرارها لاحقاً.
وقال إن الدول المصدرة تتبنى إستراتيجيات مرنة لإدارة تأثير الأوضاع الجيوسياسية على قطاع النفط والغاز، مثل تنويع الأسواق، وتعزيز الاستثمارات في الطاقة البديلة، وتطوير سياسات مستقرة لضمان أمن الطاقة، إذ يساعد هذا النهج في تقليل المخاطر وضمان استقرار تدفق النفط والغاز إلى الأسواق العالمية.
وأشار العامري إلى أن الاضطرابات الجيوسياسية تفرض تقلبات حادة في الأسواق؛ ما ينتج عنه تحديات كبيرة على الدول المنتجة والمستهلكة، وكذلك على الشركات العاملة في هذا القطاع.
وأضاف: "يتطلب التعامل مع هذه التحديات فهمًا عميقًا للعوامل الجيوسياسية وآليات التأثير التي قد تؤدي إلى تغيرات في العرض والطلب العالميين".
مقارنة بين حربين
قدم الدكتور أنس الحجي مقارنة بين حرب روسيا على أوكرانيا والحرب الإسرائيلية الإيرانية، وقال: "عندما نتكلم عن روسيا حصل الغزو الروسي على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022 مباشرة بعد انتهاء الاغلاقات وخروج العالم من أزمة كورونا، وانفتاح الاقتصاد العالمي والنمو في الاقتصاديات المختلفة والاستهلال الكبير للنفط والغاز، بينما في حالة حرب إسرائيل على إيران هناك وفرة في المعروض وانخفاض في النمو الصيني وتباطؤ في الاقتصاد الأمريكي".
من جهته، عبّر الخبير في أسواق الطاقة علي الريامي عن استغرابه من عدم حصول ارتفاعات كبيرة في أسعار النفط أثناء الحرب الإسرائيلية على إيران رغم أن المنطقة تضمّ دولًا منتجة للنفط بحدود 25% من الاحتياج العالمي من النفط، وتضم أهم ممرين وهما مضيق هرمز ومضيق باب المندب، إذ لم تتجاوز أسعار النفط 80 دولارا للبرميل ثم تراجعت إلى السبعينيات ومنها إلى الستينيات.
ممرات الطاقة المائية
أكد الدكتور أنس الحجي أن القوى المختلفة التي تعاقبت على العالم تحاول دائماً السيطرة على الممرات المائية أو حماية الممرات المائية، مشدداً على أن إيران لا يمكنها إطلاقًا إغلاق مضيق هرمز؛ إذ إن أضيق نقطة للمضيق تبلغ 33 كيلومترًا، ولن تستطيع البحرية الإيرانية السيطرة على هذه المساحة مع التأكيد بوجود حماية دولية وتحالفات بحرية في المنطقة.
وكشف الحجي عن أن أغلب الملاحة في مضيق هرمز هي في المياه العمانية وليست في المياه الإيرانية؛ والسبب أن مياه المضيق من الجانب الإيراني ضحلة، كما أنه ليس من مصلحة إيران -على الإطلاق- إغلاق المضيق؛ لأن 80% من وارداتها تأتي يوميًا عبر هذا المضيق.
وحذر الحجي الإعلام العربي من الترويج لفكرة إغلاق مضيق هرمز، مشددًا على أن ذلك يخدم المصالح الأجنبية -مثل منتجي النفط الكندي والنرويجي والأمريكي- بينما لا يخدم الترويج لمثل هذه الأفكار المنطقة بتاتًا.
وأوضح الدكتور أنس الحجي أن الدول الثماني في أوبك+ لم ترفع الإنتاج بل رفعت الحصص الإنتاجية، وأن ما يؤثر في الأسعار هي الامدادات وليس الإنتاج، مع العلم أن أغلب هذا النفط موجود سلفاً.
وأضاف: "وقد تجاوزت بعض الدول في مجموعة الثماني الإنتاج -مثل كازاخستان والعراق-، وزيادة سقف الإنتاج كان أغلبها على الورق فقط"، مؤكداً أن الطلب يزداد في دول مجلس التعاون على التكييف خلال فصل الصيق، وهذا يزيد الطلب على الكهرباء إذ يتطلب حرق مزيد من النفط، وهذه الزيادات تذهب إلى الاستهلاك المحلي.
ويري الحجي أن قرار أوبك+ بزيادة الإنتاج يهدف إلى الحفاظ على مصداقية المنظمة، وهذا الأمر له ثمن عالٍ جداً في ظل تجاوزت بعض الدول حصصها.
تأثيرات السياسات الأمريكية
أكّد علي الريامي أن تدخلات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في قرارات الأوبك واضحة، خاصة فيما يكتبه في وسائل التواصل الاجتماعي، لافتًا في الوقت نفسه إلى أن تلك التصريحات متضاربة، ومنها -على سبيل المثال- تصريحاته المتضاربة حول تصدير النفط الإيراني.
بدوره، أوضح الدكتور أنس الحجي أن المشكلة الأساسية التي نعاني منها الآن هي انخفاض معدلات النمو الاقتصادي حول العالم خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الصين نتيجة الحروب التجارية، ولكن السبب الأكبر هو تقلب ترمب السريع، وهذا التقلب في التصريحات يوقف الاستثمار ويؤثر في النمو الاقتصادي.
التوقعات المستقبلية للخام
توقّع علي الريامي أن تبقى أسعار النفط في الربع الثالث من العام الجاري ما بين 68 و67 دولارًا للبرميل، مع التخوف في الربع الأخير من انخفاضها إلى 65 دولارًا للبرميل، و"بشكل عام لن تنخفض أقل من 65 دولارًا بنهاية العام الجاري".
أمّا الدكتور أنس الحجي فيرى أن أساسيات السوق تدعم أسعارًا أعلى مما هي عليه حاليًا، وأن الأسعار يجب أن تكون فوق 70 دولارًا حاليًا، متوقعًا ارتفاع الأسعار بشكل أكبر خلال الصيف بسبب موجة الحر، وتراجعها في الربع الأول من عام 2026 بسبب انخفاض الطلب الموسمي.
وعبر الحجي عن مخاوفه من حصول ركود اقتصادي، مدعوم بمشروع ضخم لترمب قد يزيد الديون الأمريكية بشكل هائل، وهذا سينعكس على أسعار الفائدة والاقتصاد الأمريكي.
وختم قائلًا: "أما إذا حصل اتفاق تجاري بين الصين والولايات المتحدة كما يقول ترمب خلال الأسابيع المقبلة فلن نرى انخفاض أسعار النفط في الربع الأول من العام المقبل؛ إذ سيكون هناك نمو اقتصادي في كلا البلدين، وهذا يتطلب زيادة استخدام النفط بشكل كبير".
ويمكنكم الاستماع إلى المساحة كاملة بالضغط (هنا).
موضوعات متعلقة:
- أنس الحجي: صناعة النفط مرتبطة بالسياسة.. وهكذا أمَّم الخليج ثرواته (صوت)
- النفط والغاز في أميركا.. شركات الأنابيب حائرة بسبب "ترمب" (تقرير)
- إغلاق مضيق هرمز لن يمنع تصدير النفط السعودي والإماراتي.. من المتضرر؟ (تحليل)
اقرأ أيضًا..
- إنتاج الوقود الحيوي في العالم يرتفع 8% بقيادة 4 دول
- أكبر 10 دول في احتياطيات الغاز الطبيعي عالميًا.. 4 بلدان عربية تزين القائمة
- مشروعات الطاقة الشمسية الكبرى تهدد مساحة الأراضي الزراعية (دراسة)