كيف يتحول هوس مكافحة تغير المناخ إلى سلاح بيد الأعداء؟ تعتيم الشمس نموذجًا
أسماء السعداوي

هل يمكن أن تهدد تقنية بريئة لمكافحة تغير المناخ استقرار دولة ما؟ وإلى أي مدى؟ هو سؤال تبحث الحكومة البريطانية عن إجابات شافية له بعد موجة من الجدل.
إذ تحوم الشبهات في بريطانيا حول إمكان استغلال جهات معادية مثل روسيا لتقنية تعتيم الشمس المعروفة أيضًا باسم الهندسة الجيولوجية الشمسية أو تعديل الإشعاع الشمسي.
وبحسب المعلومات لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)؛ فالهدف من التقنية هو مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري عبر منع جزء من أشعة الشمس من الوصول للأرض عبر وضع جسيمات دقيقة عاكسة في الغلاف الجوي.
ورغم التحذيرات من أنها ليست حلًا جذريًا لتغير المناخ؛ فقد وافقت بريطانيا في أبريل/نيسان الماضي (2025) على تمويل تجارب ميدانية خارجية للتقنية المثيرة للجدل بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني (67.6 مليون دولار أميركي).
تقنية تعتيم الشمس
في تطور خطير، كشف خبراء عن إمكان استعمال دول بعينها لتقنية تعتيم الشمس لإلحاق كارثة بيئية بأعدائها.
قد يشمل ذلك كلًا من الدول التي إما تتخذ خطوات جذرية لخفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون أو المعادية لبريطانيا مثل روسيا.
ولاستكشاف صحة تلك المزاعم، كشفت وثيقة سرية النقاب عن تحركات داخل الحكومة في بريطانيا لبحث الإمكانات الحقيقية لاستغلال التقنية بوساطة دولة أجنبية معادية بما يُضر بمصالح البلاد.

وجاء في تفاصيل خطاب اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة نقلًا عن صحيفة "ذا تيليغراف" البريطانية أن الحكومة بقيادة اللورد كير ستارمر تستهدف فهم المخاطر المترتبة على نشر التقنية الجديدة.
ويرى أحد أعضاء مجموعة تبحث في ذلك الخطر الليتوانت جنرال ريتشارك نوغي أن الأمر ممكن من الناحية الفنية، لكنه طرح تساؤلات بشأن حجم التأثير والتكلفة.
وبحسب نوغي الذي شغل سابقًا منصب المدير غير التنفيذي لتغير المناخ والاستدامة في وزارة الدفاع البريطانية، لم تُقدم أي دولة في العالم حتى الآن على استعمال التقنية بوصفها سلاحًا؛ لسببين رئيسين هما:
- التقنية باهظة الثمن جدًا ولا تؤدي للحصول على ناتج محدد ومضمون.
- من غير الممكن التوقع بالنتائج بسبب وجود الكثير من المتغيرات.
لكن المدير المشارك في شركة تحليل المخاطر "دراغون فلاي إنتيليغنس" (Dragonfly Intelligence) مات إينس، يرى أن التقنية تهديد متصاعد يمكن أن تستعمله دول معادية لأوروبا مثل روسيا وإن لم يكن اليوم فسيكون في وقت لاحق.
وشبّه الأمر بالتسرب النفطي في ممر ملاحي مكتظ بوساطة إحدى ناقلات أسطول الظل الروسي لإحداث كارثة بيئية متعمدة يمكن إنكار الضلوع فيها.
وبناء على ذلك، يكون من المعقول -بحسب إينس- تخيل تورط روسيا في زعزعة استقرار مناخ دولة أوروبية ما لخلق الفوضى وإثارة الخلافات وإجبارها على التركيز بداخلها.
موقف الحكومة البريطانية من تعتيم الشمس
وكالة آريا المتخصصة في الأبحاث والاختراعات المتقدمة في بريطانيا كشفت، في أبريل/نيسان الماضي، عن أنها بصدد إجراء تجارب التعتيم الشمسي في إطار برنامج تموله الحكومة بقيمة أكثر من 50 مليون جنيه إسترليني.
وفي ذلك الوقت، قالت إن التجارب ستكون ذات نطاق محدود وسيجري تقييمها بدقة، كما سيحصل العلماء المشاركون على بيانات حساسة لتقييم إمكانات التقنية.
وردًا على المخاوف المثارة حديثًا، قال المتحدث باسم الوكالة إنها لا تمول أو تدعم بذاتها نشر التقنية المثيرة للجدل أو أي من وسائل خفض حرارة الأرض.
بدوره، أوضح متحدث بلسان الحكومة أن الحكومة لا تدعم استعمال تقنيات تعديل الإشعاع الشمسي، لكنها تدعم -بحذر- إجراء أبحاث مُحكمة تستهدف تحسين فهم المخاطر والآثار الناتجة عنها.
وأضاف أن الحكومة تدعم دور "آريا" في تمويل برامج الأبحاث التحويلية عالية المخاطر مع الفرصة لتحقيق مكاسب على المدى الطويل.
مكافحة تغير المناخ
يقول وزير المناخ البريطاني كيري ماكرثي، إن الحكومة تعترف بالحاجة لفهم المخاطر والآثار الناتجة عن تقنية تعديل الإشعاع الشمسي التي يمكن أن تنشرها جهة مستقلة أو تابعة لدول أجنبية؛ إذ إن الأدلة العلمية القوية أساسية لتسترشد بها الحوكمة المسؤولة والشاملة.
ويقول معارضون لتقنية التعتيم الشمسي إن ثمة مخاطر غير معلومة مصاحبة لها، علاوة على أنها تشتت الانتباه عن الجهود العالمية الرامية لتقليل الانبعاثات.
ورصدت منصة الطاقة المتخصصة توقيع أكثر من 560 أكاديميًا على خطاب مفتوح يدعون فيه لإبرام اتفاق عدم استعمال لتقنية الهندسة الجيولوجية الشمسية.
وجاء في الخطاب أن التقنية قد تصبح مخيفة وغير متكافئة في ظل عدم وجود أدوات تحكم عالمية تتسم بالفاعلية والديمقراطية.
ينضم لذلك الرأي الباحث في أمن الطاقة بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة دان ماركس، والذي طرح تساؤلات بشأن السياسات الحاكمة للتقنية قائلًا إن ثمة تحديات في طريقة عمل التقنية؛ فإذا وضعت الجسيمات العاكسة للشمس في الهواء ودارت الأرض فلا يمكنك تقييدها بالحدود الوطنية، ولو حدث من ذلك فأنظمة الطقس لا تقيدها حدود.
وعلاوة على ذلك، أشار إلى الجدل الدائر حول الطريقة الحاكمة للتقنية من الناحية القانونية والدبلوماسية، متسائلًا: "ماذا لو قرر إيلون ماسك أو جماعة من النشطاء عمل ذلك في وسط المحيط. كيف تتحكم في ذلك؟".
موضوعات متعلقة..
- سيطرة الصين على معادن تغير المناخ.. أسرار الحرب بين الشرق والغرب (تقرير)
- كيف حرم تغير المناخ المغرب من بهجة عيد الأضحى؟.. خبير يجيب
- سياسات تغير المناخ في أستراليا تنتعش بعد فوز ألبانيز مجددًا (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- توقعات أسعار النفط في ظل الحرب الإسرائيلية الإيرانية
- وكالة الطاقة الدولية تخفض توقعات نمو الطلب على النفط في 2025 و2026
- وزير المالية السعودي: نحتاج إلى تحرك إستراتيجي لتنويع مصادر الطاقة
- سوريا تعيد إحياء أنبوب لنقل المشتقات النفطية.. بعد 14 عامًا من توقفه
المصدر: