
يحتفل العالم في 5 يونيو/حزيران من كل عام بيوم البيئة العالمي، وهي مناسبة تتجدد سنويًا لتسليط الضوء على أبرز القضايا البيئية التي تهدد كوكب الأرض.
وفي عام 2025، يأتي اليوم تحت شعار "الحدّ من التلوث البلاستيكي"، في وقت يواجه فيه العالم تحديات بيئية غير مسبوقة باتت تهدد ليس فقط التوازنات الإيكولوجية، بل أيضًا الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وصحة الإنسان في مختلف أنحاء المعمورة.
وفي السنوات الأخيرة، تعاظمت التحديات البيئية نتيجة تسارع النشاط الصناعي، والاعتماد المفرط على الموارد الطبيعية، وتنامي أنماط الاستهلاك غير المستدامة.
من بين أبرز هذه التحديات التي تواجه البيئة بالتزامن مع يوم البيئة العالمي:
1- التغير المناخي
تشير تقارير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) إلى أن السنوات الخمس الأخيرة كانت الأكثر حرارة منذ بدء تسجيل درجات الحرارة.
ووفقًا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن متوسط درجة حرارة الأرض ارتفع بـ1.1 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية، نتيجة النشاط البشري.
وتُترجم الزيادة على أرض الواقع إلى موجات حرّ خانقة، وفترات جفاف طويلة، وأعاصير أكثر عنفًا، وفيضانات مدمرة تؤثّر بملايين الأشخاص، إضافة إلى ضغوط متزايدة على الزراعة والأمن الغذائي، وتراجع في التنوع البيولوجي.
2- فقدان التنوع البيولوجي
التنوع البيولوجي يُعدّ حجر الزاوية في استقرار الأنظمة البيئية، لكن تقرير المنصة الحكومية الدولية للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية (IPBES) يحذِّر من أن مليون نوع مهدد بالانقراض خلال العقود القادمة.
وتشمل الأسباب إزالة الغابات، والتوسع العمراني، والتلوث، والصيد الجائر، والتغيرات المناخية، ما يؤدي إلى فقدان خدمات بيئية حيوية، مثل تلقيح المحاصيل وتنقية المياه والهواء.

3- التلوث البلاستيكي الخطر الصامت
من الناحية البيئية، يُعدّ التلوث البلاستيكي من أخطر التهديدات البيئية المعاصرة، ليس فقط بسبب كميته المتزايدة، ولكن بسبب استمراره وامتداده عبر مختلف الأوساط البيئية والأنسجة الحية.
ووفقًا لتقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) بعنوان "نحو حل للتلوث البلاستيكي" يُنتج العالم سنويًا أكثر من 400 مليون طن من البلاستيك، يُتسرّب منها ما بين 19 و23 مليون طن إلى البيئات المائية، خاصة المحيطات والأنهار والبحيرات.
ويُقدّر أن نحو 85% من النفايات البحرية يتكوّن من مواد بلاستيكية، ما يؤدي إلى نفوق مئات الآلاف من الكائنات البحرية سنويًا بسبب الابتلاع أو الاختناق أو التسمم.
والأسوأ من ذلك أن البلاستيك يتحلل إلى جزيئات دقيقة تُعرف بـ"الميكروبلاستيك"، تنتقل عبر الهواء والماء والتربة، لتدخل في نهاية المطاف إلى السلسلة الغذائية.
تهديدات التلوث البلاستيكي الصحية
تتخطى آثار التلوث البلاستيكي الأبعاد البيئية، لتلامس مباشرةً صحة الإنسان، فالكثير من أنواع البلاستيك يحتوي على مركبات كيميائية مثل الفثالات وثنائي الفينول (BPA)، وهي مواد ترتبط علميًا باضطرابات هرمونية، ومشكلات في الخصوبة، وتأخُّر النمو، وحتى زيادة احتمالات الإصابة ببعض أنواع السرطان.
كما أن الجزيئات الدقيقة من البلاستيك، التي تنتقل من البحار إلى الأسماك ثم إلى موائدنا، قد تُحدِث تأثيرات مناعية غير مفهومة حتى الآن، وتُسهم في التهابات مزمنة بالجسم، ما يجعل من التلوث البلاستيكي خطرًا صحيًا صامتًا يستدعي اليقظة والتدخل العاجل.
تهديدات التلوث البلاستيكي الاقتصادية
تشكّل أبعاد التلوث البلاستيكي الاقتصادية عبئًا كبيرًا على المجتمعات والدول حول العالم، إذ تتجاوز تداعياته الآثار البيئية لتطال الاقتصادات المحلية والعالمية. فتكاليف تنظيف السواحل والأنهار والمجاري المائية من النفايات البلاستيكية تفرض أعباء مالية هائلة على الحكومات والبلديات، التي غالبًا ما تُخصص ميزانيات ضخمة لمواجهة هذه المشكلة المتفاقمة.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني قطاعا السياحة والصيد البحري خصوصًا من الخسائر جراء تدهور جودة البيئة البحرية، ما يؤثّر سلبًا في الوظائف والدخل المتولد منهما، خاصة في المناطق الساحلية التي تعتمد عليهما بصفتهما مصدرًا رئيسًا للعيش.
ولا يقتصر الأثر الاقتصادي للتلوث البلاستيكي على هذه القطاعات فقط، بل يمتد إلى النظام الصحي، إذ تتسبب المواد الكيميائية السامة المرتبطة بالبلاستيك وأجزائه الدقيقة في زيادة معدلات الأمراض المزمنة والاضطرابات الصحية، ما يضاعف الأعباء المالية على خدمات الرعاية الصحية، ويؤثّر بجودة الحياة للمجتمعات البشرية.
حلول ممكنة.. لكنها تتطلب إرادة جماعية
لا تتطلب مواجهة التلوث البلاستيكي الوعي فقط، بل إرادة سياسية وتعاونًا متعدد الأطراف، يشمل الحكومات، والمؤسسات الصناعية، والمجتمعات، والأفراد.
ومن أبرز الإجراءات الموصى بها:
الحدّ من استعمال البلاستيك أحادي الاستعمال: عبر دعم السياسات التي تمنع -أو تقلِّص- إنتاج هذه المواد، وتشجيع بدائل مستدامة، مثل الأكياس القماشية والمواد القابلة للتحلل.
ونذكر هنا بعض الدول التي حققت خطوات ملهمة نحو الحدّ من التلوث البلاستيكي، مثل رواندا التي منعت استعمال الأكياس البلاستيكية منذ عام 2008، مما جعلها من أنظف الدول في إفريقيا.
كما أن الاتحاد الأوروبي أقرّ خطة لتقليص المنتجات البلاستيكية أحادية الاستعمال تدريجيًا حتى 2030، داعمًا الابتكار في الصناعات الصديقة للبيئة.
تحسين إدارة النفايات: من خلال تطوير أنظمة فعّالة لجمع النفايات البلاستيكية، وفرزها، وتوسيع قدرات التدوير المحلي.
الاستثمار في الابتكار: دعم البحث العلمي في مجالات تصنيع مواد بديلة صديقة للبيئة، وتطوير تقنيات تدوير مبتكرة.
نشر الوعي البيئي: تعزيز الثقافة البيئية لدى مختلف شرائح المجتمع، عبر المناهج الدراسية، وحملات الإعلام، والمبادرات المحلية.
تشجيع الاقتصاد الدائري: الذي يعيد استعمال المواد، ويقلل من الهدر، ويوفر فرص عمل في مجال التدوير والابتكار البيئي.
لا يمكن أن يتحقق التحول نحو عالم خالٍ من التلوث البلاستيكي دون شراكة حقيقية بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
ويجب أن تصبح السياسات البيئية أكثر طموحًا وشمولًا، وأن يكون الأفراد على وعي بحجم التهديد الذي يُحدق بهم، فالمعركة ضد البلاستيك ليست معركة بيئية فقط، بل معركة من أجل الحياة على هذا الكوكب، كما أن معالجة أزمة التلوث البلاستيكي ليست ترفًا بيئيًا، بل ضرورة وجودية، ترتبط باستدامة الحياة على هذا الكوكب.
ومن هذا المنطلق، فإن يوم البيئة العالمي 2025 يُمثّل لحظة تأمُّل ومراجعة، وفرصة حقيقية لإعادة توجيه سياساتنا، ونمط حياتنا، وخياراتنا الاستهلاكية.. فكلّ كيس بلاستيكي لا نستعمله، وكل منتج نعيد تدويره، وكل دعم نقدّمه لمبادرة بيئية، هو خطوة نحو مستقبل أنظف وأكثر عدالة واستدامة.
* د.منال سخري - خبيرة وباحثة في السياسات البيئية
* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- الحج في عصر تغير المناخ: بين قدسية الشعيرة وتحديات الاستدامة (مقال)
- البلوك تشين والبيئة.. ثورة تقنية نحو الاستدامة (مقال)
اقرأ أيضًا..
- واردات مصر من الغاز المسال تقفز لأعلى مستوى منذ يوليو 2024
- خريطة أكبر 5 مناجم ذهب في الوطن العربي.. احتياطيات ضخمة
- إيرادات النفط والغاز في سلطنة عمان خلال 2024 ترفع دخل الموازنة بـ16%