مقالات النفطالمقالاترئيسيةنفط

تهريب الوقود في إيران.. أزمة تعكس إخفاقات سياسية واقتصادية (مقال)

أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • ما بين 20 و50 مليون لتر من الوقود تُهرَّب خارج إيران يوميًا
  • تهريب الوقود في إيران يدرّ أرباحًا طائلة تصل إلى 3.5 مليار دولار سنويًا
  • الفساد داخل جهاز تهريب الوقود منتشر وموثّق على نطاق واسع
  • الحرس الثوري يؤدي دورًا محوريًا ومتناقضًا في اقتصاد تهريب الوقود الإيراني

يشجع انخفاض أسعار الوقود في إيران على تهريبه، ويستنزف اقتصاد البلد الذي يعاني من تداعيات العقوبات الغربية.

وتُشكّل هذه الأسعار -التي تُعدّ من بين الأرخص عالميًا بسبب انخفاض قيمة الريال الإيراني وسياسات الدعم طويلة الأمد- حافزًا قويًا للتهريب عبر الحدود، الذي يُمثّل تحديًا اقتصاديًا متجذرًا وواسع النطاق.

ويُباع البنزين في إيران داخليًا بسعر 0.02 دولارًا تقريبًا للّتر، بينما يُباع الديزل بسعر أقل، يتراوح بين 0.005 و0.012 دولارًا للّتر.

في المقابل، تُقدّم دول مجاورة مثل باكستان وأفغانستان والعراق وتركيا أسعارًا تتراوح بين 0.20 و1.00 دولار للّتر، ما يُمكّن المهربين من جني أرباح طائلة.

عمليات تهريب الوقود في إيران

تُشير التقديرات إلى أن ما بين 20 و50 مليون لتر من كميات الوقود في إيران المهربة خارج البلاد يوميًا، وهو ما يُمثّل نحو نصف إجمالي توزيع الوقود في البلاد.

ويُعتقَد أن هذا النشاط غير المشروع يدرّ أرباحًا طائلة تصل إلى 3.5 مليار دولار سنويًا، في حين يُكلّف الاقتصاد الإيراني ما يُقدّر بـ 3-4 مليارات دولار سنويًا.

بدورها، تُفاقم هذه الخسائر أزمة نقص الوقود في إيران، وتزيد الضغط على قطاع الطاقة المُثقَل أصلًا، الذي يعاني من سوء الإدارة وانعدام الكفاءة والعقوبات الدولية.

ويتجاوز التهريب واسع الانتشار نطاق الجهات الفاعلة غير الرسمية أو صغيرة الحجم، إذ يشمل شبكات إجرامية منظمة وكيانات نافذة متغلغلة في الدولة الإيرانية نفسها.

ومن أبرز هذه الجهات الحرس الثوري، الذي يسيطر على البنية التحتية الأساسية -مثل نقاط التفتيش الحدودية وممرات النقل والمواني ومرافق تخزين النفط- المستعملة في التوزيع القانوني وتحويل الوقود غير المشروع.

سعر برميل النفط الإيراني

الدور المتناقض للحرس الثوري

يُبرِز العديد من تحليلات الخبراء ونتائج التحقيقات الدور المتناقض للحرس الثوري، فبينما يشارك علنًا في جهود مكافحة تهريب الوقود في إيران، يُسهّل التنظيم الاتّجار بالوقود ويستفيد منه.

وفي قضية حصلت عام 2025، اعترضت البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني سفينتين تحملان علم تنزانيا بالقرب من ميناء بوشهر تحملان 1.5 مليون لتر من الديزل، واحتجزت 25 من أفراد طاقمهما الأجانب.

وتحصل مثل هذه الإجراءات إلى جانب العمليات السرّية، بما في ذلك استعمال شركات واجهة وأساطيل ناقلات نفط سرّية.

ويقدّر المحللون أن الحرس الثوري ربما يُشرف على تهريب ما يصل إلى 35 مليون لتر من الوقود في إيران يوميًا.

ويُعتقَد أن إيرادات هذه التجارة غير المشروعة تدعم جماعاتها الإقليمية التابعة، بالإضافة إلى برامجها لتطوير الصواريخ والطائرات المسيرة.

ويُقوّض هذا الدور المزدوج نزاهة إجراءات التنفيذ، ويعكس نمطًا أوسع من التواطؤ الحكومي.

الفساد داخل جهاز تهريب الوقود في إيران

يُعدّ الفساد داخل جهاز تهريب الوقود في إيران منتشرًا وموثّقًا على نطاق واسع، وقد كشفت التحقيقات تورُّط مجموعة من الجهات الحكومية، بما في ذلك مسؤولون محليون وموظفون مدنيون وأفراد من قوات الأمن.

في إحدى الحالات التي وُقِّعت في ديسمبر/كانون الأول 2022، ألقت السلطات القبض على 6 رؤساء بلديات ريفية، و3 موظفين من وزارة الصناعة، ومسؤولين هندسيين في محافظة هرمزغان، لدورهم في تهريب الوقود في إيران.

وشهدت قضية أخرى في عام 2021 في منطقتي سيستان وبلوشستان اعتقال جميع موظفي شركة نفط إقليمية تقريبًا، بالإضافة إلى رئيس مكتب أحد النواب، بتهم مماثلة.

ناقلات وقود في جنوب شرق إيران
ناقلات وقود في جنوب شرق إيران – الصورة من إيران نيوز واير

إضافة إلى ذلك، أفاد الخبير الاقتصادي محمد جعفري في مايو/أيار 2023 أن نحو 25% من الوقود المخصص لمحطات الكهرباء قد أُعيد توجيهه بشكل غير قانوني إلى السوق السوداء.

وعلى الرغم من استمرار التهريب على نطاق ضيق -مدفوعًا إلى حدّ كبير بالفقر والبطالة في المحافظات الحدودية المهمّشة- يرى خبراء مثل حسين راغفار ورضا غيبي بأن تلك الجهات الفاعلة غير قادرة على تفسير الكم الهائل الذي يُهَرَّب.

وتشير تقييماتهم إلى عمليات منسّقة رفيعة المستوى تدعمها مؤسسات الدولة.

مواجهة أزمة تهريب الوقود في إيران

في مواجهة أزمة تهريب الوقود في إيران المستمرة، اتخذت الحكومة مجموعة من إجراءات فرض القانون، بما في ذلك اعتراض سفن التهريب -مثل مصادرة 3 ناقلات نفط تحمل أكثر من 3 ملايين لتر من الوقود في أبريل/نيسان 2025- وكشف صنابير أنابيب غير مرخّصة.

ورغم هذه الإجراءات، يُنظر إلى هذه الجهود على نطاق واسع على أنها مجرد تمثيلية، إذ تفشل في معالجة الشبكات المتجذرة والمنظمة التي تدعم التجارة غير المشروعة.

من ناحيته، أقرّ الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، بخطورة المشكلة، واصفًا إياها بـ"الكارثة"، مشيرًا إلى كميات تهريب يومية تتراوح بين 20 و30 مليون لتر.

في المقابل، يرى المنتقدون أن فرض القانون يُقوّضه تواطؤ رفيع المستوى، لا سيما في ظل السيطرة المركزية للدولة على توزيع الوقود في إيران.

ويسلّط النفوذ الراسخ للحرس الثوري الإسلامي، إلى جانب حصانته الظاهرة من التحقيق أو المساءلة، الضوء على غياب أوسع للإرادة السياسية لتفكيك هياكل السلطة التي تُمكّن اقتصاد التهريب.

وقد أثار هذا التطبيق الانتقائي للقانون انتقادات محلية ودولية شديدة، وعلى الرغم من استهداف المهربين العاديين اعتيادًا، تستمر العمليات الأكبر دون عائق إلى حدّ كبير.

وقد وثّقت منظمة العفو الدولية مقتل مرافقين أعزلين لناقلة وقود على يد قوات الحرس الثوري الإسلامي في عام 2021، ما يوضح أن النهج الحالي الذي يركّز على الأمن غالبًا ما يؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان، بدلًا من تعطيل حقيقي لعصابات التهريب رفيعة المستوى.

ويؤكد التفاوت في تطبيق العدالة فشل النظام في معالجة الفساد النظامي، وبدلًا من ذلك يوجّه جهود فرض القانون إلى أولئك الأقل مسؤولية عن حجم الأزمة.

قارب تابع للحرس الثوري الإيراني يبحر قبالة سواحل بندر عباس في إيران
قارب تابع للحرس الثوري الإيراني يبحر قبالة سواحل بندر عباس في إيران – الصورة من رويترز

تفاقم مشكلات الطاقة الداخلية

يُعقّد تهريب الوقود مشكلات الطاقة الداخلية في إيران، ويتفاقم نقص الوقود المزمن، والطلب المتزايد على الكهرباء، والبنية التحتية المتهالكة نتيجة تحويل الوقود المدعوم إلى الأسواق السوداء الخارجية.

إزاء ذلك، يستمر الاستياء العام في التزايد مع تفاقم انعدام أمن الطاقة والصعوبات الاقتصادية، ما يُغذّي تصورات سوء الإدارة الحكومية.

وتعكس هذه المشكلات النفوذ السياسي والاقتصادي غير المتناسب الذي يمارسه الحرس الثوري الإيراني، الذي أصبح تورُّطه في إنفاذ القانون والتهريب رمزًا لتحديات الحوكمة التي تواجهها إيران.

وعلى الرغم من التصريحات الرسمية حول قمع التجارة غير المشروعة، ما يزال اتخاذ إجراءات ملموسة ضد الجهات الفاعلة ذات الصلات الوثيقة أمرًا بعيد المنال، ما يسمح لجهاز التهريب بالاستمرار والتكيف استجابةً للظروف المحلية والإقليمية المتغيرة.

مهرّبو الوقود الصغار

على المستوى المحلي، يعمل العديد من مهربي الوقود في إيران الصغار بدافع الضرورة القصوى، لا سيما في المحافظات الحدودية غير المتطورة، حيث ترتفع معدلات البطالة وتنخفض الفرص الاقتصادية.

وبالنسبة لهذه المجتمعات المهمّشة، غالبًا ما يُمثّل تهريب الوقود أحد مصادر الدخل القليلة المتاحة.

وفي الوقت نفسه، فإن هؤلاء الأفراد الضعفاء هم من يواجهون أقسى العواقب.

وتوضح تقارير حملات القمع العنيفة التي شنّتها قوات الحرس الثوري الإيراني المخاطر الجسيمة التي يتعرضون لها، بينما يفلت من العقاب من هم في أعلى الهرم، الذين غالبًا ما تحميهم الروابط المؤسسية.

ويكشف هذا الخلل في تطبيق القانون عن أوجه عدم المساواة الهيكلية المتأصلة في نهج إيران لمكافحة التهريب. على صعيد آخر، فإن موقف الدولة العدواني ضد الفقراء، الذي يناقِض تساهلها مع الأقوياء، يديم الظلم، ويقوّض شرعية الجهود الرسمية لمكافحة التهريب.

وتمثّل الخسائر البشرية الناجمة عن فشل هذه السياسة -من حيث الأرواح المفقودة وسبل العيش المدمرة- تذكيرًا صارخًا بالاختلالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية العميقة بقلب اقتصاد الوقود في إيران.

دور الحرس الثوري في اقتصاد تهريب الوقود

يؤدي الحرس الثوري دورًا محوريًا ومتناقضًا في اقتصاد تهريب الوقود في إيران، حيث يعمل بصفته عامل تمكين للتجارة غير المشروعة، ومنظّمًا ظاهريًا لها.

وباستغلال سيطرته على البنية التحتية الحيوية -مثل طرق النقل والمعابر الحدودية والمواني البحرية والمنشآت النفطية-، يمارس الحرس الثوري نفوذًا كبيرًا على تدفُّق الوقود المدعوم من الدولة داخل إيران وعبر حدودها.

ومع تقدير حجم التهريب اليومي بما يصل إلى 50 مليون لتر، يشير حجم العملية إلى شبكة شديدة التنظيم، تتجاوز بكثير قدرات المهربين الأفراد، ومن المرجّح أنها تعمل بتواطؤ أو تنسيق أو مشاركة مباشرة من الحرس الثوري الإيراني.

وتشير مجموعة متزايدة من الأدلة المستقاة من المحللين الاقتصاديين والصحافة الاستقصائية إلى المشاركة النشطة للحرس الثوري الإيراني في هذه العمليات.

وإلى جانب غضّ الطرف، يبدو أن الحرس الثوري الإيراني متورّط بعمق في إدارة تحويل مسار الوقود المدعوم من خلال استغلال وصوله إلى احتياطيات النفط الحكومية وسلطته على أمن الحدود.

ويُمكّن هذا الموقع الإستراتيجي المجموعة من ضخ الوقود في إيران داخل السوق السوداء، ما يُدرّ إيرادات غير مشروعة هائلة.

وتُعزز هذه الأرباح المكانة الاقتصادية للحرس الثوري الإيراني، وتُساعد في تمويل شبكته من الجماعات الإقليمية التابعة له والعمليات العسكرية العابرة للحدود.

في الوقت نفسه، غالبًا ما تُستعمل الغارات الدورية التي تُشنّها بحرية الحرس الثوري الإيراني -مثل عمليات الاستيلاء على السفن التي تنقل الديزل المُهرَّب- بصفتها عروضًا تكتيكية للسلطة، أكثر منها جهودًا حقيقية لتفكيك هذه التجارة.

وعادةً ما تستهدف هذه الإجراءات جهاتٍ مستقلة أو مُتنافسة، بدلًا من تعطيل قنوات التهريب الخاصة بالحرس الثوري الإيراني.

إحدى محطات الوقود في إيران
إحدى محطات الوقود في إيران - أرشيفية

انتشار تهريب الوقود في إيران

يُعدّ انتشار تهريب الوقود في إيران متأصلًا في مشهد أوسع من الفساد المؤسسي والحماية السياسية.

ورغم أن السلطات الإيرانية تُلقي باللوم عادةً على مهرّبي الحدود ذوي المستوى المنخفض في الأزمة، قإن التحقيقات تشير باستمرار إلى أن عناصر رفيعة المستوى داخل النظام -وأبرزها الحرس الثوري الإيراني- متورطة بعمق، ومن بين المستفيدين الرؤساء.

ومن خلال بنية تحتية متطورة من الشركات الواجهة، وأساطيل الناقلات السرية، والتلاعب بأنظمة اللوجستيات الحكومية، أحكم الحرس الثوري الإيراني قبضته على اقتصادات الوقود القانونية وغير القانونية.

وقد أثبتت هذه العمليات الراسخة مقاومتها للعقوبات الدولية ومحاولات الإصلاح الداخلي، ما يُبرز مرونة الهياكل التي تُديمها.

في جوهرها، تعكس أزمة تهريب الوقود في إيران إخفاقات سياسية واقتصادية ومؤسسية عميقة، ويُجسد الدور المزدوج للحرس الثوري الإيراني، بصفته جهة فاعلة ومنظمّة، تناقضات نظام تُنفّذ فيه الجهات الفاعلة نفسها عمليات التنفيذ والتسهيل.

وعلى الرغم من تعهُّد الحكومة بإجراء إصلاحات ومبادرات لمكافحة التهريب، فإن إحجامها عن مواجهة هياكل السلطة الراسخة -ولا سيما الحرس الثوري الإيراني- سمح للسوق السوداء بالازدهار.

ويُلحق هذا الاقتصاد الموازي المستمر أضرارًا مالية جسيمة، ويقوّض سياسة الطاقة الوطنية، ويُضعف ثقة الجمهور.

ودون اتخاذ إجراءات سياسية حاسمة لاجتثاث الفساد الممنهج ومعالجة الدوافع الاجتماعية والاقتصادية وراء التهريب الشعبي، ستظل تجارة الوقود غير المشروعة قوة دافعة لعدم المساواة والتوتر الإقليمي والتدهور المؤسسي.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق