ممر الطاقة الخضراء.. طريق أوروبا لاستيراد الكهرباء النظيفة من أذربيجان (مقال)
أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

- • ممر الطاقة الخضراء سيُقلل من الاعتماد على مصادر الطاقة والوقود الأحفوري الأجنبية.
- • تسهيل تصدير الكهرباء المتجددة يُساعد الممر أوروبا على التوجه نحو طاقة أنظف.
- • ممر الطاقة الخضراء يواجه الفجوات المالية ومشكلات التوسع والمخاطر الجيوسياسية.
- • يمكن لممر الطاقة الخضراء التأثير إيجابًا في المجتمعات المحلية من خلال توفير فرص العمل.
في 4 أبريل/نيسان 2025، وقّعت أذربيجان وجورجيا وتركيا وبلغاريا مذكرة تفاهم لإنشاء ممر الطاقة الخضراء، بهدف تعزيز نقل الكهرباء النظيفة إلى أوروبا.
ويُمثل هذا الاتفاق التاريخي خطوةً مهمةً نحو تعزيز الاستدامة، وترسيخ أمن الطاقة الإقليمي، وتوطيد التعاون بين الدول الأعضاء.
ويهدف مشروع ممر الطاقة الخضراء إلى تعزيز التوسع الاقتصادي، والحد من الإضرار بالبيئة، ودعم تحوّل المنطقة نحو الطاقة النظيفة من خلال دمج مصادر الطاقة المتجددة.
ومن خلال تنويع مسارات إمدادات الطاقة، سيُقلل الممر من الاعتماد على مصادر الطاقة والوقود الأحفوري الأجنبية، حيث يُمكّن هذا المشروع الدول الـ4 من أداء دورٍ محوري في مستقبل تجارة الطاقة المستدامة، في ظلّ تزايد الطلب العالمي على الطاقة المتجددة.
تعزيز التعاون الإقليمي في مجال الطاقة
وقّعت وزارات الطاقة بالدول المشاركة، بما في ذلك وزارة الطاقة البلغارية، ووزارة الاقتصاد والتنمية المستدامة الجورجية، ووزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية، ووزارة الطاقة الأذربيجانية، مذكرة تفاهم إنشاء ممر الطاقة الخضراء.
ويتجلى التزام هذه الدول بتعزيز التعاون الإقليمي في مجال الطاقة وتسهيل التحول إلى المصادر المتجددة بموجب هذا الاتفاق. ويُعدّ بناء بنية تحتية كهربائية عابرة للحدود لضمان نقل فعال للطاقة المتجددة الهدف الرئيس لهذا المشروع.
ويشمل مشروع ممر الطاقة الخضراء نفقات البنية التحتية الرئيسة، والربط يالشبكة الأوروبية لمشغلي أنظمة نقل الكهرباء "إنتسو-إي" (ENTSO-E)، وتشجيع تجارة الطاقة الخضراء.

في المقابل، سيُحسّن مشروع ممر الطاقة الخضراء هذا الربط الإقليمي للطاقة، ويعزز أمنها، وتوسيع استعمال البنية التحتية، ويدعم النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية من خلال الاستفادة من إمكانات الطاقة المتجددة الهائلة في أذربيجان.
التكامل الإقليمي في مجال الطاقة
في إطار تعزيز التعاون والتبادل بمجال الطاقة بين أذربيجان وجورجيا وتركيا وبلغاريا، من المتوقع أن يُرسخ ممر الطاقة الخضراء التكامل الإقليمي في مجال الطاقة.
وسيُحسّن المشروع أمن الطاقة ويُقلل من تأثر المنطقة بالاضطرابات الخارجية من خلال تنويع مصادر الطاقة وخطوط النقل.
ومن خلال تسهيل تصدير الكهرباء الخضراء من أذربيجان إلى أوروبا، سيُسهم المشروع في التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة، ويُساعد أوروبا على تلبية احتياجاتها من الطاقة النظيفة.
من ناحية ثانية، يُعزز اتفاق إنشاء ممر الطاقة الخضراء التزام الدول المشاركة بمستقبل طاقة آمن ومستدام وصديق للبيئة؛ حيث يُوسّع نطاق مبادرات الطاقة الإقليمية القائمة، حاليًا، مثل ممر الغاز الجنوبي.
دور أذربيجان في ممر الطاقة الخضراء
بصفتها مركزًا رئيسًا لنقل الكهرباء المتجددة من آسيا الوسطى إلى أوروبا عبر بحر قزوين، تُعدّ أذربيجان جزءًا أساسيًا من ممر الطاقة الخضراء.
وتعتزم أذربيجان ضخ استثمارات كبيرة في مشروعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية للوفاء بهذا الالتزام من خلال زيادة قدرتها على توليد الطاقة المتجددة إلى 6 غيغاواط بحلول عام 2030.
على صعيد آخر، يتسارع هذا التحول، وتدعم أهداف الطاقة الأوسع نطاقًا في البلاد شراكات مع شركات مثل بي بي (BP) ومصدر الإماراتية (Masdar)، بالإضافة إلى إنشاء "مناطق للطاقة الخضراء" في مناطق مثل كاراباخ.

وتسهم أذربيجان في تنويع إمدادات الطاقة بأوروبا وتحسين الربط الإقليمي من خلال المشاركة بممرات حيوية، بما في ذلك طريق بحر قزوين-البحر الأسود-أوروبا، وطريق أذربيجان-تركيا-أوروبا.
ولإنشاء البنية التحتية وإجراء دراسات الجدوى، تعمل أذربيجان مع مؤسسات مالية مثل بنك التنمية الآسيوي والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، بالإضافة إلى شركاء مثل جورجيا وتركيا وبلغاريا.
بالإضافة إلى دعم ثورة الطاقة المحلية؛ فإن خطط أذربيجان لتصدير ما يصل إلى 4 غيغاواط من الكهرباء تسهم في التحول العالمي للطاقة النظيفة وأمن الطاقة الأوروبي.
تعزيز أمن الطاقة الإقليمي
من خلال معالجة جوانب الضعف الحرجة وتعزيز التعاون عبر الحدود، سيُرسخ ممر الطاقة الخضراء أمن الطاقة الإقليمي بشكل كبير.
ويعزز الممر مرونة البنية التحتية للطاقة في المنطقة من خلال تقليل الاعتماد على مزود أو مسار واحد من خلال تنويع مصادر الطاقة وطرق نقلها.
ومن خلال تزويد المناطق المحرومة بإمدادات كهرباء أكثر استقرارًا وموثوقية، يسعى الممر إلى تعزيز الوصول إلى الطاقة؛ ما يُسهم في خفض أسعارها وتحسين مستويات المعيشة.
إلى جانب ذلك، ومن خلال تسهيل تصدير الكهرباء المتجددة، يُساعد الممر أوروبا على التوجه نحو طاقة أنظف، ما يدعم أمن الطاقة الشامل للقارة وأهداف الاتحاد الأوروبي طويلة المدى في مجال الطاقة المستدامة.
تحديات تنفيذ ممر الطاقة الخضراء
يُتيح ممر الطاقة الخضراء فرصةً استثنائية لتحسين أمن الطاقة الإقليمي وتسريع التحول إلى المصادر المتجددة.
وتُعدّ القيود المالية، وعقبات تطوير البنية التحتية، والديناميكيات الجيوسياسية، والتعقيدات التنظيمية، وقضايا العدالة الاجتماعية، مجرد أمثلة قليلة على الصعوبات التي تعوق تنفيذه.
ولكي يحقق الممر كامل إمكاناته، لا بد من حل هذه المشكلات. ويُعدّ العائق المالي من أكثرها إلحاحًا. وقد خصصت المفوضية الأوروبية 2.3 مليار يورو (2.52 مليار دولار) من إجمالي تكلفة المشروع المتوقعة البالغة 3.8 مليار يورو (4.17 مليار دولار).
وفي الوقت نفسه، من غير الواضح طريقة معالجة هذا النقص في ظلّ الفجوة التمويلية المستمرة وغياب خطة عمل واضحة المعالم.
ولسد هذه الفجوة وضمان استدامة المشروع، تبرز الحاجة إلى مزيد من الاستثمار الخاص أو الأجنبي.
وتُشكّل قدرة أذربيجان الحالية المحدودة على إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة لتلبية احتياجات الممر عقبةً رئيسةً أخرى.
وقد أنتجت أذربيجان 540 مليون كيلوواط/ساعة فقط من الطاقة الشمسية و48.6 مليون كيلوواط/ساعة من طاقة الرياح في عام 2024، وهو أقل بكثير من 1 غيغاواط المطلوبة لتحقيق أهداف النقل الأصلية للممر.
بدورها، قد تعوق الشكوك المتعلقة بجداول المشروع الزمنية وتنفيذه التطوير حتى مع الاستثمارات الدولية المبذولة لزيادة توليد الطاقة الخضراء.
ويُمثل الموعد النهائي القصير قيدًا آخر على المشروع، وتُعد مدة السنوات الـ4 للتنفيذ الكامل طموحة للغاية، حيث من المقرر بدء التشغيل في عام 2029، ولم يتم اتخاذ قرار الاستثمار النهائي.
لذلك، تزداد احتمالية التأخير عند تطوير البنية التحتية ومحطات الطاقة المتجددة بسرعة أكبر.

ويتفاقم هذا الوضع بسبب المخاوف الجيوسياسية، خصوصًا تلك المتعلقة بالنفوذ الروسي المحتمل في المنطقة، الذي قد يغير نظرة أوروبا للأهمية الإستراتيجية للممر.
ولتقليل هذه المخاوف الجيوسياسية، سيكون التعاون الدبلوماسي وإدارة المخاطر الفعالة أمرًا ضروريًا.
وتُشكّل المسائل التقنية والتنظيمية عقبات إضافية، حيث يُعد وجود أطر تنظيمية متناسقة وتعاون وثيق بين أذربيجان وجورجيا وتركيا وبلغاريا ضروريًا لنجاح التنفيذ.
في هذا الإطار، يُعد الحفاظ على التعاون التقني ومواءمة السياسات أمرًا ضروريًا لدمج البنية التحتية الجديدة مع أنظمة الطاقة الحالية، والامتثال للمعايير لدى الشبكة الأوروبية لمشغلي أنظمة نقل الكهرباء، ومواءمة أسواق الكهرباء الإقليمية.
لذلك، تجب مراعاة العوامل الاجتماعية بالإضافة إلى العوامل العملية والتقنية.
وتبرز ضرورة وضع خطط عادلة للتعويض وإعادة التوطين من خلال احتمال أن يؤدي تطوير البنية التحتية إلى تملُّك الأراضي وتهجير المجتمعات المحلية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمال أن يُفضّل المشروع المناطق الحضرية الثرية بمعدل غير متناسب، ما يُهمل الفئات المحرومة وسكان الأرياف.
ومن الضروري ضمان التخطيط الشامل والتقاسم العادل للمنافع لتعزيز الدعم الواسع النطاق للممر.
وأخيرًا، قد تُشكّل التكاليف الأولية الباهظة للمشروع ضغطًا على الحكومات والمجتمعات المحلية، حتى مع توفيره فوائد طويلة الأجل، بما في ذلك خفض فواتير الطاقة، وتطوير فرص العمل، والفوائد البيئية.
وقد تحدث انقطاعات قصيرة في أثناء البناء أو المراحل الأولى من التشغيل، وسيكون من الضروري اتباع نهج تمويلي متنوع يشمل المساعدات الدولية والشراكات بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب التخطيط الدقيق والمشاركة المجتمعية، للتغلب على هذه العقبات وضمان انتقال سلس وطويل الأمد.
الخلاصة
يُمثل ممر الطاقة الخضراء تقدمًا ملحوظًا في أمن الطاقة الإقليمي واستدامتها.
ورغم التحديات العديدة التي يواجهها المشروع، بما في ذلك الفجوات المالية، ومشكلات التوسع، والمخاطر الجيوسياسية؛ فإن نجاح تنفيذه قد يمهّد لتحقيق أهداف الطاقة طويلة الأجل للدول المشاركة وأوروبا.
وسيكون التغلب على هذه العقبات، مع التركيز على المزايا الجماعية للطاقة المتجددة، مثل تعزيز التعاون والاستقلال في مجال الطاقة، أمرًا بالغ الأهمية لنجاح المشروع.
إلى جانب تأثيره في أهداف الطاقة، يمكن لممر الطاقة الخضراء التأثير إيجابًا في المجتمعات المحلية من خلال توفير فرص العمل، وتعزيز الوصول إلى الطاقة، وتحسين الصحة البيئية.
وعلى هذا الأساس، يجب إدارة تحديات مثل النزوح وضمان التوزيع العادل للفوائد بعناية.
ولزيادة إمكانات الممر، من الضروري تنفيذ إستراتيجيات تضمن مشاركة جميع المجتمعات في الفوائد الاقتصادية والاجتماعية.
ومن خلال معالجة هذه المخاوف، يمكن لممر الطاقة الخضراء أن يكون نموذجًا للتنمية المستدامة والتعاون الإقليمي في مجال الطاقة.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول بجامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- ممر الطاقة الخضراء في أوراسيا يعزز تحول الطاقة إقليميًا رغم التحديات (مقال)
- ممر الطاقة الخضراء بين أذربيجان وتركيا يعزز استقرار الإمدادات.. هل يرى النور؟
- وزير: ممر الطاقة الخضراء سيمكن مصر من تصدير الكهرباء
اقرأ أيضًا..
- معدن الثوريوم في مصر.. احتياطيات هائلة تضعها ضمن قائمة الكبار عالميًا
- أرامكو تخفّض أسعار بيع النفط السعودي إلى آسيا.. الأقل خلال 4 أشهر
- بي بي تغلق وحدة النقل منخفض الكربون.. قطار تحول الطاقة يرجع إلى الخلف