رئيسيةغازكهرباءمقالات الغازمقالات الكهرباء

مشروعات الجزائر في النيجر.. مبادرات إستراتيجية لدعم أمن الطاقة (مقال)

مراحي رضا*

تشارك الجزائر في تنفيذ عدّة مشروعات ومبادرات لدعم أمن الطاقة في النيجر، في خطوة إستراتيجية لتعزيز التعاون بين البلدين، وبما يعود بالنفع على التنمية في قارة أفريقيا.

ويُعدّ الاستقرار السياسي والأمني من أهم العوامل التي تؤثّر في تحقيق الأمن الطاقي، والأمن الغذائي، والأمن المائي، والأمن الاقتصادي، بل لا يمكن أن يتحقق الأمن والاستقرار في أيّ مجال قبل تحقيق الاستقرار الأمني.

وتُعدّ منطقة الساحل، التي تضم دولًا مثل مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، والسنغال، وتشاد، وإريتريا، والسودان، وموريتانيا، من المناطق التي عانت اضطرابات أمنية لسنوات، غير أن الأوضاع شهدت تحسنًا ملحوظًا في المدة الأخيرة.

وتمتلك القارة الإفريقية إمكانات كبيرة وثروات ضخمة تؤهلها لأداء دور مهم على المستويين القاري والدولي، إلّا أن تحقيق هذا الدور يتطلب تجاوز عقبات مثل الفقر في بعض الدول، وعدم الاستقرار، والتحديات الأمنية في بعض المناطق.

وتحظى دول شمال أفريقيا بأهمية كبرى بالنسبة لأوروبا نظرًا لقربها الجغرافي، إذ لا يفصل بينها سوى البحر الأبيض المتوسط، ولطالما سعت دول شمال وجنوب المتوسط إلى تعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية، مما أسفر عن إطلاق مشروعات ضخمة تربط الضفتين، مثل تصدير الموارد الطبيعية، والربط الكهربائي، والتبادل التجاري، وغيرها.

العلاقات الجزائرية- النيجرية

ترتبط الجزائر والنيجر بعلاقات اجتماعية وثقافية بحكم حدودهما المشتركة، وقد تطورت هذه العلاقات لتشمل التعاون الاقتصادي والسياسي.

وتواجه النيجر أوضاعًا اقتصادية متذبذبة منذ التغير السياسي الأخير، وتسعى إلى تجاوز المرحلة في أقرب وقت ممكن، رغم امتلاكها إمكانات كبيرة وثروات طبيعية مهمة، مثل اليورانيوم، والنفط، والذهب.

وفي المدة الأخيرة، شهدت العلاقات بين البلدين زيارات متبادلة ولقاءات بين كبار المسؤولين، تنفيذًا لتوجيهات القيادة الجزائرية الهادفة إلى إعادة بعث التعاون الاقتصادي، عقب لقاء رئيس الجمهورية الجزائري بالوزير الأول ووزير الاقتصاد والمالية للنيجر في أغسطس/آب 2024.

أنبوب الغاز العابر للصحراء

يُعدّ مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء (TSGP) -الذي يبلغ طوله نحو 4 آلاف كيلومتر- مشروعًا قديمًا، إذ طُرحت فكرته لأول مرة في السبعينيات.

وفي عام 2002، وقّعت شركتا سوناطراك الجزائرية والبترول الوطنية النيجيرية مذكرة تفاهم للتحضير له، وتكفلت شركة "بنسبن ليمتد" (Penspen Limited ) بإجراء دراسة الجدوى، التي اكتملت عام 2006، وأكدت إمكان تنفيذ المشروع من الناحية التقنية والاقتصادية.

وفي عام 2009، وقّعت حكومات نيجيريا، والنيجر، والجزائر اتفاقية ثلاثية في أبوجا، غير أن مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء واجه تحديات، أبرزها المخاوف الأمنية المتعلقة بالمسار، نظرًا لمروره عبر الصحراء الكبرى.

ومؤخرًا، شهد المشروع تطورات جديدة بعد سنوات من المفاوضات، خاصة مع ظهور مشروع بديل لنقل الغاز النيجيري إلى أوروبا عبر الساحل البحري، مرورًا بعدّة دول إفريقية، وصولًا إلى المغرب.

أنبوب الغاز الجزائري النيجيري
جانب من أعمال الاجتماع الوزاري لجنة مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء- الصورة من وزارة الطاقة الجزائرية

وفي 11 فبراير/شباط 2025، عُقِد اجتماع وزاري في الجزائر، وُقِّعَت خلاله عدّة اتفاقيات متعلقة بالتمويل والتنسيق، بما في ذلك تقاسم التكاليف والدراسات، فضلًا عن توقيع اتفاقية عدم الإفصاح (NDA) لضمان سرّية البيانات المتعلقة بالمشروع، وكُلِّف مكتب PENSPEN بإعداد الدراسات الفنية، لخبرته الطويلة التي تتجاوز 70 عامًا في مشروعات الطاقة.

ويعدّ مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء رؤية إستراتيجية تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الأمن الطاقي على المستويين الإقليمي والعالمي.

وسيتيح الأنبوب نقل ما بين 20 و30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى أوروبا سنويًا، مما يجعله يحظى باهتمام خاص من الدول الأوروبية، خصوصًا بعد توقُّف إمدادات الغاز الروسي نتيجة عدم تجديد أوكرانيا عقد نقل الغاز عبر أراضيها في 3 يناير/كانون الثاني 2025، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الغاز في القارة الأوروبية.

مبادرة إنشاء محطة كهربائية في النيجر

في إطار تعزيز التعاون الطاقي بين الجزائر والنيجر، قام المدير العام لمجمع سونلغاز والوفد المرافق له بزيارة إلى العاصمة نيامي يومَي 25 و26 فبراير/شباط 2025، إذ وقَّع كل من الرئيس المدير العام لسونلغاز والمديرة العامة لشركة NIGELEC مذكرة تفاهم، تضمنت عدّة بنود للتعاون والشراكة بين الطرفين.

وخلال الزيارة، أعلن المدير العام لسونلغاز مشروع إنشاء محطة كهربائية بقدرة 40 ميغاواط في النيجر، هبةً من الجزائر لدعم هذا البلد الشقيق في تلبية احتياجاته من الكهرباء.

وتشمل الشراكة أيضًا:

  • دعم تطوير شبكة توزيع ونقل الكهرباء في النيجر.
  • التعاون في مجال التكوين بإنتاج الكهرباء، والطاقة المتجددة، والنقل، والتوزيع، علمًا أن سونلغاز تمتلك مدرسة تقنية في البليدة، أسهمت على مدى سنوات في تكوين متدربين أفارقة.

وبالنسبة لمواصفات محطة الكهرباء، لم تُعلَن التفاصيل التقنية، لكن بالنظر إلى سعتها، فمن المحتمل أن تتكون من توربينين متحركين يعملان بالغاز والوقود السائل بقدرة 20 ميغاواط لكل واحد، إضافة إلى محطة تحويل كهربائية متنقلة.

مجمع سونلغاز
مجمع سونلغاز - الصورة من algeriainvest

وتمتلك سونلغاز خبرة واسعة في هذا النوع من المحطات، ويمكنها إنجاز المشروع في أقل من 6 أشهر إذا لم تكن هناك عراقيل تقنية، كما من المحتمل أن يشرف فريق جزائري على تشغيل المحطة وتدريب العمال النيجريين خلال مدة متَّفَق عليها.

يهدف المشروع إلى توسيع أنشطة مجمع سونلغاز خارج الجزائر وتعزيز التعاون الطاقي مع دول الجوار، كما سيسهم في دعم الشبكة الكهربائية في النيجر، وتلبية جزء من احتياجاتها، سواء للاستهلاك الفردي أو الصناعي.

ويمكن إنشاء المحطة في منطقة قريبة من مسار أنبوب الغاز العابر للصحراء، حيث يتطلب نقل الغاز عبر مسافات طويلة وجود محطات ضغط لضمان التدفق المناسب.

ولا تقتصر الاستثمارات الجزائرية في النيجر على سونلغاز فقط، إذ إن شركة سوناطراك أعلنت أيضًا نيّتها الاستثمار في مشروعات طاقية، ومن المحتمل أن تنضم شركات جزائرية أخرى إلى هذه المبادرات مستقبلًا.

ومن خلال هذه المشروعات، تؤكد الجزائر التزامها بدعم التنمية في إفريقيا، وتعزيز التعاون الطاقي مع دول الجوار، بما يحقق مصالحها المشتركة مع دول الساحل والقارة الأفريقية عمومًا.

* د. مراحي رضا - باحث وخبير في مجال الطاقة

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق