المقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةسياراتمقالات السياراتمقالات الهيدروجين

حافلات الهيدروجين.. بديل متسرع ينهار في أوروبا (مقال)

أحمد بدر

لسنوات، زاد طابور المحتشدين خلف حلم حافلات الهيدروجين، التي ستنقذ البشرية من مصير مظلم يحمله لها استمرار الاعتماد على محركات الاحتراق الداخلي.

تناسى المؤيدون أن الوقود التقليدي، الذي حمل على عاتقه لسنوات طويلة مهمة تقدُّم البشرية، ما تزال فرصته في تقديم مزيد الخدمات إلى البشرية سانحة، فالتلوث له مقابل معقول، وهو الحياد الكربوني، ونزع انبعاثات الاحتراق خطوة على طريق تحييد أثرها الضار.

ولكن، ترافقت هذه الآمال مع تسرُّع غير مبرر لإطلاق حافلات الهيدروجين، التي لا تمثّل حتى الآن أيّ نسبة تُذكر في قطاع النقل العالمي، فكان من المنطقي أن ترتدّ العجلة في صدر من آمنوا بها، ولم يمنحوها وقتًا لتنضج، أو لتصبح أكثر قيمة، وأمانًا، وموثوقية.

فخلال العامين الماضيين، توالت صدمات الأوروبيين في حافلات الهيدروجين، التي سرعان ما أثبتت أنها ما تزال غير موثوقة بالكامل، ولا يمكن الاعتماد عليه مصدرًا آمنًا للطاقة وللنقل معًا في أكثر من دولة.

البديل المتسرع ينهار

تُثبت تجربة أوروبا مع حافلات الهيدروجين حتى الآن أن البديل المتسرع ينهار، وليس أدلّ على ذلك من أزمة حافلات "سولاريس أوربينو 12" في بولندا، التي توقفت فجأة عن العمل، بسبب وقود خلايا هيدروجين غير نقية شُحِنَت الحافلات بها.

فقد أعلنت شركة "إم بي كيه بوزنان" -وهي واحدة من أكبر شركات حافلات الهيدروجين في بولندا- توقُّف 23 حافلة تعمل بخلايا الوقود، بسبب تلوث وقود الهيدروجين، وذلك من أصل 25 حافلة تعمل بهذا النوع من الوقود، في مدينة بوزنان البولندية.

وأظهرت التحقيقات أن العطل كان بسبب تزويدها بالهيدروجين الملوث، وذلك بعد تزوُّدها به من مصدر جديد، وهو مورد خارجي للشركة، بينما لم تتبقَّ للشركة سوى حافلتين فقط، ما تزالان تعملان حاليًا، والحافلات المتعطلة تستعد لعمليات صيانة و"تنظيف" مكلفة.

حافلات الهيدروجين
حافلات الهيدروجين - الصورة من الموقع الرسمي لشركة "إم بي كيه بوزنان"

المثير في الأمر هنا، أن نسبة نقاء وقود الهيدروجين الذي زُوِّدَت الحافلات به، كانت أعلى من 95%، بينما كانت هناك حاجة إلى نسبة نقاء لا تقلّ عن 99%، ما يشير إلى مستقبل غامض لهذا النوع من الوقود الذي يتطلب نقاؤه إنفاقًا ضخمًا، وقد لا يكون موثوقًا مع ذلك.

الأمر نفسه حدث في مدينة ليفربول الإنجليزية، التي اضطرت بعد 3 أشهر فقط من إطلاق حافلات الهيدروجين في قطاع النقل لديها، في شهر مايو/أيار من عام 2023، إلى وقفها، وذلك بسبب شح خلايا وقود الهيدروجين، التي لم تتوفر رغم محاولات إنتاجه بشكل مستدام هناك.

ولم تكن الدفعة الأولى من حافلات الهيدروجين كبيرة، إذ شغلت المدينة نحو 20 حافلة، ولكن حكومتها علّقت الأزمة على مشكلات سلاسل الإمداد العالمية، والأحداث السياسية، برغم تعهُّد الحكومة البريطانية برئاسة بوريس جونسون -حينها- بتخصيص 4 مليارات جنيه إسترليني (5 مليارات دولار أميركي).

وكانت الحكومة البريطانية قد أعلنت في وقت سابق من عام 2023 تعهُّدها بتوفير مخصصات مالية كبيرة، لتصنيع مركبات نظيفة، بالإضافة لطرح 4 آلاف حافلة عديمة الانبعاثات على الطرق بحلول عام 2025، ومن بينها حافلات الهيدروجين.

حافلات الهيدروجين مخيّبة الآمال

على الرغم من مواصلة مدينة ليفربول سياستها لتوفير النقل النظيف، كانت حافلات الهيدروجين مخيّبة للآمال، إذ سرعان ما تُراجع المدينة الإنجليزية التساؤلات عن خططها لنشر هذا النوع من الحافلات، لصالح الحافلات الكهربائية.

وأعلنت "ليفربول" في أغسطس/آب 2024 تخصيص 28.2 مليون جنيه إسترليني (35.81 مليون دولار أميركي)، حصلت عليها من هيئة تسوية النقل المستدام بالمدينة، المعروفة باسم (CRSTS)، للتعاقد على شراء حافلات كهربائية تعمل بالبطاريات، مع تنفيذ البنية التحتية الخاصة بها.

حافلات الهيدروجين
حافلة تعمل بالهيدروجين الأخضر في مدينة ليفربول - الصورة من موقع route-one

وكانت هذه الخطوة صفعة قوية لحافلات الهيدروجين في بريطانيا، لا سيما أن التمويل قدّم الدعم إلى الطرق التي تسير عليها كل حافلات المدينة، بما فيها مسار "إيه 10"، الذي يعدّ الأكثر ازدحامًا ويصل بين ليفربول وسانت هيلينز، وكان مخصصًا للحافلات العاملة بوقود الهيدروجين.

ومع ذلك، وبرغم خطط المدينة للانتقال من وقود نظيف إلى آخر نظيف بدوره -رغم تشكيك بعض الخبراء في نظافة هذا الوقود-، ما تزال الحافلات العاملة بالوقود التقليدي حاضرة بقوة، وما تزال جهود إزالة الكربون من النفط والغاز قادرة على إيجاد حل وسط يوفر المال والجهد ومزيدًا من الطاقة.

حلم حافلات الهيدروجين في بلجيكا

جاء انهيار حلم حافلات الهيدروجين في بلجيكا ضربة قاصمة لما يُطلَق عليه اسم "قطاع النقل النظيف" عالميًا، لا سيما أن الدولة كانت تعلّق على هذا النوع من الحافلات آمالًا كبيرة لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات المسببة للاحتباس الحراري.

وكانت الشركة المشغّلة لشبكة الحافلات "دي لاين" قد أعلنت إخراج حافلات الهيدروجين في مدينة أنتويرب من الخدمة بعد 10 سنوات، وتفكيك محطة التزوّد بالوقود، على خلفية مخاوف ترتبط بأسعار الهيدروجين وتوافره.

حافلات الهيدروجين
حافلة تعمل بالهيدروجين في بلجيكا - الصورة من "h2-view"

وكانت الشركة المصنّعة للحافلات البلجيكية قد أعلنت إفلاسها، بعد إلغاء الدعم الحكومي الممنوح لتمويل شبكة نقل الهيدروجين، وهي نقطة أخرى تسرّع بانهيار هذا القطاع، ليس في أوروبا وحدها، ولكن في جميع أنحاء العالم.

فالدول التي تتبنى سياسات تغير المناخ المتشددة، تقدّم مليارات الدولارات دعمًا لقطاع الهيدروجين، وكذلك لقطاعات الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والرياح البحرية، التي لم تزل حتى الآن عاجزة عن التحول إلى بديل موثوق بالكامل لإمدادات الكهرباء المولّدة من النفط والغاز.

هل الهيدروجين بديل للوقود الأحفوري؟

على الرغم من أن الهيدروجين يعدّه بعضهم بديلًا مهمًا لمصادر الوقود الأحفوري، فإن الأخير أثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنه الأقوى والأبقى، فهو موجود ومتوفر، وتعاظمت بُنيته التحتية على مدى قرنين من الزمان، بجانب الجهود الأحدث، التي تقودها شركة أرامكو السعودية عالميًا، لاحتجاز الكربون وتخزينه واستعماله.

محطة كهرباء تعمل بخلايا وقود الهيدروجين في كوريا الجنوبية
محطة كهرباء تعمل بخلايا وقود الهيدروجين في كوريا الجنوبية -الصورة منgasworld

كما أن التجارب العالمية في صناعة وقود الهيدروجين حتى الآن أثبتت أنه يمثّل خطرًا كبيرًا، فالعالم مهدّد بحدوث تسرّب للهيدروجين، يهدّد حياة الملايين، بخلاف عدد من المشكلات المرتبطة به، وأهمها ارتفاع تكاليف إنتاجه، وارتفاع تكلفة سلاسل التوريد بين الحين والآخر.

وبرغم كونه مصدرًا منخفض الكربون للطاقة، ويلقى رواجًا كبيرًا في كل من أستراليا وكاليفورنيا واليابان وألمانيا، التي تعدّ أكثر المناطق تبنّيًا له، ما تزال الأرقام الخاصة به صادمة، خاصة في أستراليا، التي برغم كل جهودها لدعم حافلات الهيدروجين، لم تُبَعْ فيها عام 2023 سوى 6 مركبات فقط، مقابل 15 في 2022، بحسب أحدث أرقام معلَنة في هذا القطاع.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق