
بعد سنوات طويلة من البحث والتنقيب، أعلنت شركة طاقة بريطانية اكتشاف غاز طبيعي، لكن هذا النبأ لم يُثِر حماس حكومة حزب العمال بقيادة كير ستارمر.
وبحسب المعلومات لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، يبشر الاكتشاف بـ480 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وهو ما يكفي لتلبية الطلب المحلي على مدار 10 سنوات تقريبًا.
وبدلًا من الاهتمام باستخراج هذه الكميات الكبيرة، تعذّرت وزارة الطاقة بالحظر المفروض على استعمال تقنية التكسير الهيدروليكي بعدما تسبّبت في حدوث زلازل، رغم دورها المهم في استخراج المواد الهيدروكربونية.
لكن "العمال" يتبنى طريق تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 عبر تسريع التحول الكامل إلى مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة؛ تحقيقًا لأهداف خفض الانبعاثات والريادة العالمية للتحول الأخضر، بغض النظر عن آثار ذلك في أمن الطاقة أو أسعار الفواتير التي يتكبّدها المواطنون.
اكتشاف غاز جديد
أعلنت شركة "إيغدون ريسورسيز" (Egdon Resources) اكتشاف غاز جديدًا باحتياطيات قابلة للاستخراج قدرها 480 مليار متر مكعب في شرق إنجلترا وتحديدًا بمدينة غاينسبوروغ في لينكولنشاير.
وتقول الشركة إن الاكتشاف سيعزز الاقتصاد بنحو 100 مليار جنيه إسترليني (126 مليار دولار) إلى جانب توفير 250 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، فضلًا عن تقليل واردات غاز بمليارات الجنيهات وملايين الأطنان من انبعاثات الكربون الناتجة عنها.
وعلاوة على ذلك، ستلبي موارد الغاز المكتشفة الطلب المحلي على مدار 10 سنوات، في الوقت الذي يتراجع فيه إنتاج حقول الغاز ببحر الشمال وتوقعات بارتفاع حجم الواردات من الغاز النرويجي والغاز المسال الأميركي والقطري.

الغاز في بريطانيا
قدّم محلل شؤون الطاقة في معهد الشؤون الاقتصادية بلندن الكاتب آندي ماير، أسبابًا منطقية قد تُحفّز الحكومة لاستغلال إمكانات أحدث اكتشاف غاز على أراضيها رغم الفرص الضعيفة.
وسلّط ماير الضوء على أهمية الغاز لمزيج الكهرباء في بريطانيا رغم أن الحكومة تسعى لتوليد 100% من التيار من مصادر متجددة بحلول عام 2030.
ولفت إلى أن الغاز الطبيعي أسهم في توليد ثُلث الكهرباء المستهلكة خلال العام الماضي (2024)، كما أن نحو ثُلث محطات الكهرباء الاحتياطية التي تدعم مصادر الطاقة المتجددة "غير الموثوقة" كانت تعمل بالغاز بعدد 90 محطة.
وبحسب مقال الكاتب المنشور على موقع صحيفة "ذا تيليغراف" البريطانية، يحمل الغاز أهمية على صعيد التدفئة؛ إذ إن 85% من المنازل تستعمل غلايات تعمل بالغاز، وفي المصانع، تتضاعف تكاليف البدائل الأخرى بنحو 3 إلى 4 مرات.
ويقول ماير: "المملكة المتحدة بحاجة للغاز.. طموحات الحياد الكربوني لا تغير هذه الحقيقة ولن تستطيع ذلك، على الأقل على مدار العقدين المقبلين؛ لأن محطات الغاز الاحتياطية تربطها بالحكومة عقود تستمر على مدار 15 عامًا".
كما أن الأسر ترفض التحول إلى المضخات الحرارية للتدفئة، وتتطلب مراكز البيانات اللازمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي منظومة كهرباء تتوسع وليس العكس.
وبحسب الكاتب آندي ماير، يعتمد أمن الطاقة في بريطانيا على توافر إمدادات الغاز ميسورة التكلفة لكنْ ثمة اعتماد مفرط على الواردات الباهظة بعد فشل بدائل الوقود الأحفوري في خفض فواتير الكهرباء.
وعلاوة على ذلك، أثبتت أزمة الطاقة التي ضربت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد غزو أوكرانيا خطورة الاعتماد على واردات الغاز من الخارج؛ إذ شهدت بريطانيا "صدمة أسعار" وارتفاع الفواتير؛ بما أسهم في سقوط حكومة رئيسة الوزراء السابق ليز تروس بعد أقل من شهرين على توليها منصبها.
وفي النرويج، ثمة مناقشات لإعادة النظر في اتفاق تصدير الكهرباء إلى بريطانيا؛ كونه قد تسبب في رفع الأسعار محليًا.

تطوير اكتشاف الغاز
قلّل متحدث باسم وزارة الطاقة من فرص تطوير اكتشاف الغاز الأحدث؛ بسبب الحظر المفروض على منح تراخيص جديدة للتنقيب، وحظر استعمال تقنية التكسير الهيدروليكي، وفق متابعات منصة الطاقة المتخصصة للأزمة.
كما خرج وزير الطاقة إد ميليباند -في تصريحات- ليؤكد عدم خروج الحكومة عن المسار الذي ورد في البرنامج الانتخابي لحزب العمال الحاكم بحظر تراخيص النفط والغاز من أجل أن تصبح بريطانيا "قوة عظمى" في مجال التحول الأخضر لمكافحة تغير المناخ.
لكن "من المحزن أنه من المرجح أن يساند الوزير ميليباند الجماعات المناهضة للتكسير الهيدروليكي بدلًا من ضمان تهيئة السبيل أمام شركة "إيغدون" التي أعلنت اكتشاف الغاز لاستخراجه في أقرب وقت ممكن"، وفق ماير.
وما قد يجعل اكتشاف الغاز فرصة ضائعة جديدة، القوانين التي تسمح بإلغاء تراخيص النفط والغاز بدعوى الأهداف المناخية والقواعد التنظيمية المرتبطة بالتخطيط والسلامة وحقوق الإنسان.
يتزامن ذلك مع ارتفاع الضرائب الاستثنائية على شركات النفط والغاز في بحر الشمال إلى 78%؛ بما يجعلها تفر إلى الخارج.
وفي ضوء ذلك، لا يرى الكاتب آندي ماير سببًا يدعو للتفاؤل بتغيير الوضع الذي قد يتطلب ارتفاعًا مروعًا آخر لأسعار الطاقة إلى حد أن تهز البرلمان، على حد وصفه.
ويضيف ماير: "لكن حتى في المرة السابقة (أزمة الطاقة في 2022) اعتقدوا أن الحل في زيادة الضرائب وتسريع طموحات إزالة الكربون؛ وهو ما جعل المشكلة أسوأ كثيرًا".
ولن يكفي مجرد رفع الحظر على تراخيص النفط والغاز والتكسير الهيدروليكي -بحسب ماير- لأن الوضع الحالي يتطلب تغيير كل محاولات الحكومات السابقة، وثمة بشائر محدودة للتغيير بوساطة حزب الإصلاح، لكن لا يمثله سوى 5 نواب في البرلمان، وكذا أعضاء حزب المحافظين غير المؤثرين وعدد قليل من النواب الآخرين.
لكن حزب الإصلاح يستعمل الأساليب نفسها الخالية من المخاطر والموالية للوائح التي يستعملها المناهضون للتكسير الهيدروليكي لمهاجمة مصادر الطاقة المتجددة؛ وهو ما يجعل مهمة بناء توافق حول أمن الطاقة عسيرة.
موضوعات متعلقة..
- اكتشاف غاز باحتياطيات 480 مليار متر مكعب.. والحكومة: لن نطوره
- اكتشاف غاز في مصر باحتياطيات 75 مليار قدم مكعبة
- "فالاريس دي إس 9".. سفينة حفر عملاقة قادت إلى أحدث اكتشاف غاز في مصر
اقرأ أيضًا..
- هل يستطيع ترمب زيادة المخزون الإستراتيجي.. وكيف خدع دول الخليج؟ (تقرير)
- حقل غاز ضخم يستعد لإنعاش مصر بـ800 مليون قدم مكعبة
- إنتاج النفط الليبي يرتفع 19%.. وبيان بخصوص "إحصاءات أوبك"
- إنتاج الهيدروجين الأخضر بطريقة مبتكرة في 5 دول عربية
المصدر: