طريق الانتقال الطاقي في الجزائر.. إمكانات ضخمة تحقق الاستقلالية (مقال)
د. مراحي رضا*
![الانتقال الطاقي في الجزائر](https://attaqa.net/wp-content/uploads/2025/02/8c458fc1ed9bb89c1cd16889cb7e7e68.jpg)
يشكّل موضوع الانتقال الطاقي في الجزائر أبرز القضايا المعاصرة المتداولة بمجالات متعددة، سواء السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية.
ويشغل الموضوع اهتمام العديد من الأطراف، من باحثين وسياسيين وصنّاع قرار، إذ بات يُناقَش جنبًا إلى جنب مع ملفات حسّاسة، مثل الأمن الغذائي، والاقتصاد، والتنمية.
ويعتقد الكثيرون أن الانتقال الطاقي يقتصر فقط على تغيير طرق إنتاج الكهرباء، من الاعتماد على الموارد الأحفورية المُسبّبة لمشكلات بيئية، مثل التلوث المناخي والاحتباس الحراري، إلى استعمال موارد مستدامة وصديقة للبيئة.
ورغم أن المفهوم صحيح ومنطقي، فإن الانتقال الطاقي أوسع وأعمق من ذلك، ويشمل قطاعات ومجالات تتجاوز حدود الطاقة والكهرباء.
أحد العوامل الرئيسة لتسريع الانتقال الطاقي هو تحقيق الاكتفاء في إنشاء منشآت الطاقة عن طريق شركات ومؤسسات وطنية ومحلية، أو بالشراكة مع شركات أجنبية ذات خبرات كبيرة في هذا المجال.
الكهرباء في الجزائر
شهدت منظومة الكهرباء في الجزائر خلال السنوات الماضية استثمارات ضخمة في إنشاء منشآت طاقة متطورة، إذ تهدف هذه الاستثمارات إلى دعم التنمية الوطنية في مختلف القطاعات.
ويُعدّ قطاع الكهرباء في الجزائر عصبًا إستراتيجيًا يُعتمَد عليه الاقتصاد بأكمله، بما في ذلك قطاعات الصناعة، والصحة، والزراعة، والنقل.
يدير قطاع الكهرباء في الجزائر مجمع سونلغاز، الذي يتألف من 11 شركة فرعية، و10 شركات بالشراكة.
ويمكن رصد أهم إنجازات القطاع المحققة خلال 2024 تضمنت في الرسم التالي:
وإذا حلّلنا المؤشرات، يمكننا استخلاص النقاط التالية:
- إن معدل ربط الكهرباء بنسبة 99% يُعدّ نسبة مثالية، مما يعكس تكامل شبكة التوزيع واستفادة غالبية المواطنين من خدمة الكهرباء.
- يبلغ طول شبكة النقل 33.775 ألف كيلومتر من خطوط الجهد العالي والمتوسط، وهو مؤشر قوي يُظهر مدى صلابة الشبكة، على الرغم من صعوبة تضاريس الجزائر التي تتنوع بين المرتفعات والمنخفضات، فضلًا عن التلال والصحراء، في مساحة شاسعة تُقدَّر بمليونين و381 ألفًا و741 كيلومترًا مربعًا.
- تُعدّ القدرة المركبة البالغة 25.18 ألف ميغاواط نسبة كبيرة، خاصة عند مقارنتها بذروة استهلاك الكهرباء التي بلغت 19.543 ألف ميغاواط في صيف 2024، مما يوفر احتياطيًا قدره 5.6 ألف ميغاواط، وهذا الاحتياطي يُعدّ مريحًا للغاية لمسيري الشبكة الذين يواجهون ضغطًا مستمرًا لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء عامًا بعد عام، نتيجة النمو الاقتصادي والديموغرافي الذي تشهده البلاد، كما يُبرز ذلك حجم الاستثمارات التي أُنجزت في السنوات الأخيرة.
الرسم التالي يستعرض تطورات نمو الطلب على الكهرباء في الجزائر:
وفيما يتعلق بإنتاج الطاقة المتجددة في الجزائر، يُظهر الشكل البياني أدناه مزيج الطاقات المتجددة الذي يتجاوز 640 ميغاواط.
وتهيمن الطاقة الشمسية على حصة 501 ميغاواط، ويسعى مجمع سونلغاز إلى تحقيق إنتاج إضافي قدره 15 ألف ميغاواط من الطاقات المتجددة بحلول عام 2035، وبدأ في تنفيذ 3 آلاف ميغاواط من هذا المشروع الطموح من خلال إنشاء محطات شمسية.
وعند اكتمال المشروع، ستتمكن الجزائر من التميز بصفتها رائدة في إفريقيا بمجال الطاقة المتجددة، كما ستسهم هذه الجهود في تحقيق مزيج طاقي متنوع بنِسب جيدة ضمن التركيب الإجمالي للإنتاج.
أهم التحديات التي تواجه منظومة الكهرباء في الجزائر
تتكون شبكة الكهرباء في الجزائر من قسمين رئيسين:
- الشبكة الوطنية المرتبطة: تشمل المناطق الشمالية والجنوب الشمالي من البلاد، ويصل طولها إلى 33.408 ألف كيلومترًا.
- شبكة المحور: يبلغ طولها 495 كيلومترًا، وتشمل مناطق (عين صالح، أدرار، تيميمون) لتلبية احتياجات مناطق الجنوب الكبير.
بالإضافة إلى ذلك، توجد منطقة معزولة تشمل منطقتَي تمنراست وجانت.
يعدّ مشروع ربط الشبكة الوطنية بمحور أدرار من المشروعات القديمة التي لم تتحقق بسبب تحديات تقنيّة، ومع ذلك، بدأ العمل على تنفيذ المشروع، واختيرَت 12 شركة للإسهام فيه.
ويتمثل المشروع في إنشاء خط كهرباء مزدوج عالي القدرة بجهد 400 كيلوفولت، يمتد على مسافة 700 كيلومتر، ويمرّ عبر عدّة ولايات.
وعند اكتمال المشروع، سيصبح طول الشبكة الوطنية نحو 34.603 ألف كيلومترًا، ومن المتوقع أن يُسهم المشروع في تعزيز تنمية مناطق الجنوب الغربي، وتحسين نوعية الخدمة الكهربائية بها.
إلى جانب ذلك، أُعطِيَ الضوء الأخضر للبدء في دراسة مشروع ربط ولاية غرداية بولاية تمنراست عبر خط كهربائي عالي القدرة يعمل بالتيار المستمر، بطول يُقدَّر بـ1300 كيلومتر، ويُعدّ المشروع جسر طاقة إستراتيجيًا يربط الجزائر بأفريقيا.
أمّا المشروع الطموح الذي تسعى الجزائر إلى تحقيقه منذ سنوات، فهو إنشاء خط كهربائي يربطها بأوروبا، وشهد المشروع تقدمًا ملحوظًا بعد توقيع مذكرة تفاهم بين شركتي "سونلغاز" و"سوناطراك" الجزائرية، وشركة "إيني" الإيطالية في أغسطس/آب الماضي.
ويتمثل المشروع في دراسة جدوى لإنشاء خط كهربائي مزدوج بحري بسعة 500 ميغاواط، إذ سيُعزّز المشروع الشبكة الوطنية، ويفتح المجال أمام التبادل الكهربائي، ليس فقط بين الجزائر وإيطاليا، بل أيضًا مع باقي أوروبا، وهو فرصة للجزائر لدخول الأسواق الأوروبية مثل أبكس سبوت, نور بول وأبكس غروب.
![توربينات الغاز في الجزائر](https://attaqa.net/wp-content/uploads/2024/03/566cf8f56fd4d12cc7a11cbb152b1dfa-e1711821524553.jpg)
اتفاقيات وشركات متعددة
يتطلب إنشاء منشآت إستراتيجية، مثل محطات إنتاج الكهرباء، وخطوط النقل، ومحطات التحويل، استثمارات ضخمة وتقنيات متطورة.
ولتحقيق هذه الأهداف، أبرمت الجزائر شراكات مهمة مع شركات أجنبية تمتلك خبرات طويلة في هذا المجال، وفيما يلي أبرز الاتفاقيات والشراكات:
- شركة توربينات جنرال إلكتريك الجزائرية (جيات): تُعدّ هذه الشراكة من أبرز الاتفاقيات بين سونلغاز وجنرال إلكتريك، إذ تُنتج الشركة معدّات متطورة مثل التوربينات الغازية والبخارية، والمولدات، وأنظمة التحكم، في مجمع صناعي بولاية باتنة، وأسهمت هذه الشراكة في توفير المعدّات محليًا، مما خفّف من عبء الاستيراد وكلفته، بالإضافة إلى ذلك، صدّرت الشركة معدّات، منها مولدات بسعة 300 ميغاواط إلى العراق في 2024.
- شركة هيوسون للهندسة والإنشاءات (هيونكو): تُعبّر هذه الشراكة عن تعاون بين سونلغاز (بحصة 51%) و3 شركات كورية جنوبية (بحصّة 49%)، إذ تهدف إلى تطوير الكفاءات المحلية في الهندسة والتنفيذ، ودعم ظهور شركات وطنية قادرة على تصنيع وتنفيذ مشروعات الطاقة.
- الشراكة الجزائرية-الهندية :Vijai Algérie تأسست شركة لصناعة المحولات الكهربائية عالية القدرة بمساهمة سونلغاز (15%)، شركة الكهرباء الوطنية الجزائرية (Electro-industrie) بنسبة 45%، وشركة فيجاي الكتريكالز الهندية (Vijai Electricals Limited) بنسبة 40%.
- شركة سيدفر الجزائر: تُنتج الشركة عوازل زجاجية لخطوط الكهرباء بالتعاون مع شركاء محليين وأجانب مثل "Sediver" الإيطالية.
مزايا الاكتفاء الطاقي في الجزائر
يُعدّ قطاع الطاقة، وخصوصًا الكهرباء، من أكثر القطاعات تطلّبًا للاستثمارات والسيولة، ويعتمد تطوير القطاع على إنشاء خطوط كهربائية جديدة، ومحطات إنتاج وتحويل، بالإضافة إلى الصيانة التي تُكلّف مبالغ ضخمة عند الاعتماد على شركات وخبرات أجنبية.
لقد حقق مجمع سونلغاز إنجازات كبيرة في تطوير الشبكة الكهربائية، وأثبت قدرته على مواكبة القدرة الإنتاجية الحالية، وانعكست هذه الإنجازات إيجابيًا على تغطية ذروة الاستهلاك الصيفي بكل سلاسة، مما أسهم في تحسين جودة الكهرباء بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات السابقة.
إن تحقيق الاكتفاء الطاقي في الجزائر، خصوصًا في تصنيع المعدّات محليًا، لا يقتصر على توفير العملة الصعبة فقط، بل يسهم أيضًا في تطوير المنتج المحلي، وتوفير فرص عمل جديدة، وتخفيف العبء على الميزانية العامة، مما يسمح بتخصيص المزيد من الموارد لمشروعات تنموية أخرى.
الشراكات التي أبرمتها سونلغاز مع شركات أجنبية، مثل جنرال إلكتريك، سمحت بتحقيق إنجازات هامة في تطوير بنية تحتية طاقية قوية، وهذه البنية تُعدّ أساسًا لتسريع الانتقال الطاقي في الجزائر، وصولًا إلى تحقيق الاستقلالية في إنتاج المنشآت الطاقية محليًا، وهو ما يُعزز فرص الجزائر لتصبح نموذجًا إقليميًا ودوليًا في هذا المجال.
* د. مراحي رضا - باحث وخبير في مجال الطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- كفاءة الطاقة بقطاع النقل في الجزائر.. كيف تدعم العمل المناخي؟ (مقال)
- دور شركات الطاقة في الجزائر لمواجهة تحديات تغير المناخ (مقال)
- هكذا تواجه الجزائر تغير المناخ بوصفها قوة أفريقية متنامية (مقال)
اقرأ أيضُا..
- ارتفاع مخزونات النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي لأول مرة خلال 7 أشهر
- خريطة صادرات الطاقة الروسية منذ العقوبات.. و7 دول عربية تواصل الاستيراد (تقرير)
- حقول النفط والغاز في الأردن.. رصد للاحتياطيات والإنتاج والإمكانات (ملف خاص)
المصادر:
- موقع سونلغاز الإلكتروني
- البيانات الصحفية الصادرة عن مجمع سونلغاز
- ملف صحفي لسونلغاز عن مشروع الطاقة الشمسية سولار 1000 و 2000 ميغاواط
- ملف صحفي لسونلغاز عن مشروع ربط شبكة PIAT (قطب عين صالح-أدرار-تيميمون) بالشبكة الوطنية المترابطة (RIN), 2024.