المقالاترئيسيةمقالات الهيدروجينهيدروجين

الهيدروجين الأخضر.. 3 تحديات تعوق التوسع في إنتاجه عالميًا (مقال)

د.منال سخري*

يُعدّ الهيدروجين الأخضر أحد الحلول الواعدة لتحقيق الحياد الكربوني، في ظل التحديات البيئية المتزايدة وأزمة تغير المناخ المتفاقمة.

ويُنتَج الهيدروجين النظيف من خلال التحليل الكهربائي للمياه باستعمال الكهرباء المولدة من مصادر طاقة متجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية، مما يجعله خاليًا من الانبعاثات الكربونية المباشرة.

وفقًا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا" (IRENA)، يُعدّ الهيدروجين الأخضر خيارًا إستراتيجيًا للحدّ من الانبعاثات في القطاعات الأكثر تلويثًا مثل الصناعات الثقيلة والنقل البحري والجوي.

وعلى عكس الهيدروجين الرمادي (المنتج من الوقود الأحفوري) أو الهيدروجين الأزرق (المعتمد على احتجاز الكربون)، فإن الهيدروجين الأخضر لا يُنتج انبعاثات كربونية مباشرة.

ومع ذلك، عند النظر إلى دورة الحياة الكاملة لإنتاجه، قد تظهر انبعاثات غير مباشرة، مثل تلك الناجمة عن تصنيع الألواح الشمسية أو توربينات الرياح.

لكن تظل هذه الانبعاثات أقل بكثير مقارنةً بتلك الناتجة عن إنتاج الهيدروجين باستعمال الوقود الأحفوري، فرغم أن بعض الانبعاثات قد لا تُتَجنَّب تمامًا، فإن الهيدروجين الأخضر يُعدّ الخيار الأكثر استدامة.

لماذا يعدّ أملًا جديدًا؟

في سياق تحول الطاقة العالمي يُعدّ الهيدروجين الأخضر أملًا جديدًا لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، نظرًا لإمكاناته الكبيرة في الحدّ من الانبعاثات في القطاعات التي يصعب خفضها، مثل الصناعات الثقيلة (إنتاج الصلب والأسمنت) والنقل البحري والجوي.

كما يعدّ بديلًا نظيفًا ومستدامًا يمكن استعماله في هذه المجالات، مما يجعله عنصرًا أساسيًا في جهود خفض الانبعاثات الكربونية.

مشروع هيدروجين أخضر
عامل داخل أحد مشروعات الهيدروجين الأخضر- الصورة من "rigzone"

إضافة إلى ذلك، يعزز الهيدروجين الأخضر أمن الطاقة، خصوصًا في الدول التي تعتمد على الوقود الأحفوري المستورد، إذ يوفر مصدرًا محليًا قابلًا للتجديد، يمكن إنتاجه باستعمال الطاقة المتجددة، مما يقلل من التأثُّر بتقلبات الأسعار والأزمات الجيوسياسية.

كما يُعدّ حلًا عمليًا لتحديات تخزين ونقل الطاقة المتجددة، نظرًا لطبيعتها المتقطعة، إذ يمكن استعماله لتخزين فائض طاقة الشمس والرياح، مما يسهم في استقرار الشبكات الكهربائية.

علاوة على ذلك، يمتد استعماله إلى مجالات متعددة، مثل إنتاج الوقود الاصطناعي، وتكرير النفط، وصناعة المواد الكيميائية، مما يعزز دوره محركًا رئيسًا في التحول نحو الاقتصاد الأخضر.

تحديات الهيدروجين الأخضر

التحديات السياسية

تعتمد جدوى الهيدروجين الأخضر بشكل كبير على وجود سياسات واضحة وآليات تنظيمية متماسكة، وهو ما يفتقر إليه العديد من الدول حتى الآن.

لا توجد معايير موحدة عالميًا لتصنيف الهيدروجين بناءً على بصمته الكربونية، مما يؤدي إلى تباين السياسات بين الدول ويعقّد التجارة الدولية لهذا القطاع، كما أن هناك سباقًا جيوسياسيًا متسارعًا حول ريادة هذه التكنولوجيا.

وتسعى أوروبا لتأمين إمدادات الهيدروجين من أفريقيا والشرق الأوسط لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي، بينما تركّز الصين على الهيمنة على تكنولوجيا التحليل الكهربائي، هذا التنافس قد يؤدي إلى احتكار تقني يرفع تكاليف الإنتاج ويعوق التوسع العالمي.

وفي أفريقيا والشرق الأوسط، رغم الإمكانات الكبيرة، تظل الإستراتيجيات الوطنية معزولة، إذ لم يسفر إطلاق التحالف الأفريقي للهيدروجين الأخضر في مايو/أيار 2022 عن تعاون إقليمي فعّال، وتواصل الدول التركيز على خططها الوطنية دون تكامل حقيقي يمكنه الاستفادة من الفرص الإستراتيجية.

التحديات الاقتصادية

يواجه قطاع الهيدروجين الأخضر تحديات اقتصادية كبيرة، أبرزها ارتفاع تكاليف الإنتاج والبنية التحتية مقارنة بالهيدروجين الرمادي أو الأزرق.

وتتطلب عملية التحليل الكهربائي استثمارات ضخمة في محطات التحليل الكهربائي، وخطوط النقل، ومنشآت التخزين، مما يجعل التمويل عقبة رئيسية، رغم التوقعات بانخفاض التكاليف في المستقبل.

إضافة إلى ذلك، تحتاج الدول النامية إلى دعم حكومي وحوافز مالية لتعزيز هذا القطاع، لكن الأولويات الاقتصادية الأخرى مثل مكافحة الفقر وتحسين الخدمات الأساسية قد تعرقل تخصيص الموارد.

وبينما تُقدِّم بعض الدول مثل الاتحاد الأوروبي دعمًا ماليًا لهذا المجال، فإن معظم الدول الأفريقية والعربية تفتقر إلى برامج مشابهة، مما يحدّ من قدرتها التنافسية.

كما أن جذب الاستثمارات الأجنبية يشكّل تحديًا آخر، إذ إن المشاريع الكبرى تعتمد على التمويل الدولي، مثل الاستثمارات الألمانية في ناميبيا.

مصادر الطاقة المتجددة

التحديات البيئية

تواجه مشروعات الهيدروجين الأخضر تحديات بيئية وتقنية معقّدة، أبرزها استهلاك الموارد الطبيعية، خاصة المياه، إذ تتطلب عملية التحليل الكهربائي كميات كبيرة من المياه النقية، وهو ما يمثّل تحديًا في المناطق التي تعاني من ندرة المياه مثل شمال أفريقيا والشرق الأوسط. ورغم إمكان استعمال مياه البحر بعد تحليتها، فإن هذه التقنية تتطلب طاقة إضافية، مما يزيد من تكلفة الإنتاج، ويثير تساؤلات حول جدواها الاقتصادية.

كما قد تؤثّر مشروعات الهيدروجين الأخضر بالنظم البيئية، إذ قد يتطلب تحويل مساحات كبيرة من الأراضي إلى منشآت صناعية، مما يهدد التنوع البيولوجي ويؤثّر بالبيئة المحلية.

أيضًا، بناء محطات الطاقة الشمسية ومزارع الرياح اللازمة لإنتاج الهيدروجين قد يواجه اعتراضات بيئية، بسبب تأثيراتها المحتملة في الحياة البرية.

علاوة على ذلك، تبرز تحديات في تخزين الهيدروجين ونقله، كونه غازًا شديد التطاير، مما يستلزم تقنيات متطورة لضمان سلامته، وبينما يمكن تصديره عبر خطوط الأنابيب أو تحويله إلى أمونيا، فإن هذه العمليات تضيف تعقيدات مالية وتقنية قد تؤثّر في جدوى التوسع باستعماله عالميًا

رغم الإمكانات الكبيرة للهيدروجين الأخضر، فإن تحدياته السياسية والاقتصادية والبيئية تجعل تبنّيه على نطاق واسع عملية معقّدة تحتاج إلى إستراتيجيات متكاملة.

وبالنظر إلى التنافس الجيوسياسي، وارتفاع تكاليف الإنتاج، والتحديات البيئية، يصبح من الضروري تطوير سياسات داعمة، وتعزيز التعاون الدولي، والاستثمار في البحث والتطوير لضمان أن يكون الهيدروجين الأخضر جزءًا حقيقيًا من مستقبل الطاقة المستدامة.

* د.منال سخري - خبيرة في السياسات البيئية والتنمية المستدامة.

* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق