أكبر محطة طاقة كهرومائية في العالم تواجه معارضة هندية
سامر أبووردة
تعدّ أكبر محطة طاقة كهرومائية في العالم مشروعًا طموحًا أعلنت الصين عزمها تنفيذه في منطقة التبت على نهر يارلونغ تسانغبو، بمعدل إنتاج يصل إلى 60 غيغاواط، ما يجعلها تفوق بأكثر من 3 مرات سد الخوانق الثلاثة، الذي يُعدّ -حتى الآن- الأكبر عالميًا.
ويُتوقع أن يدعم هذا المشروع جهود الصين لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060، كما يُعدّ أيضًا إنجازًا هندسيًا غير مسبوق، إذ يقع في منطقة نائية ووعرة، عند نقطة جغرافية حسّاسة على الحدود مع الهند.
ورغم وعود بكين بمنافع اقتصادية وبيئية، تواجه أكبر محطة طاقة كهرومائية في العالم انتقادات واسعة بشأن آثارها البيئية والاجتماعية، فضلًا عن المخاوف السياسية التي تثيرها في المنطقة.
ووفقًا لتقارير اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تثير خطط بناء المحطة، التي ستوفر 300 مليار كيلوواط/ساعة سنويًا، قلقًا كبيرًا لدى الهند وبنغلاديش، نظرًا لتأثيرها المحتمل بتدفقات المياه في نهر براهمابوترا، الذي يعدّ شريان حياة للملايين في الدولتين.
ويأتي إعلان مشروع محطة الطاقة الكهرومائية في وقت تسعى فيه نيودلهي وبكين إلى تحسين العلاقات بعد مواجهات حدودية مميتة في جبال الهيمالايا عام 2020.
قلق هندي متصاعد من المشروع
ترى الهند في المشروع مصدرًا للاضطرابات البيئية والجيوسياسية، إذ تقع أكبر محطة طاقة كهرومائية في العالم في منطقة زلزالية حسّاسة.
وتخشى نيودلهي من أن يؤدي السد -الواقع في منطقة التبت الزلزالية- إلى حدوث فيضانات وندرة في المياه بمجرى النهر.
وبحسب محللين، تخشى نيودلهي أن تستعمل الصين السيطرة على تدفقات المياه بوصفها ورقة ضغط في أيّ مواجهة مستقبلية بين البلدين، ولا سيما أن النهر يمرّ عبر الأراضي الهندية قبل أن يصل إلى بنغلاديش.
وأعربت الهند عن قلقها -على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها راندهير جايسوال، الذي وصف المشروع بـ"الضخم"، مُحذّرًا من تداعياته على مصالح الدول الواقعة على ضفاف النهر السفلي، حسبما أوردت "فاينانشال تايمز".
بدوره، يرى مستشار الأمن القومي الهندي السابق، رئيس مركز أشوكا لدراسات الصين، شيفشانكار مينون، أن هناك مخاوف من كل الأنواع، قائلًا: "من الواضح أن الجغرافيا السياسية لا تساعد، لأنه لا أحد يثق في أيّ شخص في هذا الأمر".
موقع أكبر محطة طاقة كهرومائية في العالم
تقع محطة الطاقة الكهرومائية على نهر يارلونغ تسانغبو، الذي يُعرف في الهند باسم براهمابوترا، والذي يتدفق عبر التبت والهند قبل أن يصبّ في بنغلاديش.
ويتميّز الموقع بعمق يصل إلى 2000 متر ضمن مسافة قصيرة، ما يوفّر إمكانات هائلة لتوليد الطاقة الكهرومائية، وفق بيانات المشروع لدى منصة الطاقة المتخصصة.
بالمقابل، تُثير الطبيعة الجغرافية للموقع تحديات هندسية ولوجستية كبيرة، كما أن تنفيذ المشروع سيتطلب إعادة توطين المجتمعات المحلية المتضررة، ما يعيد للأذهان الآثار السلبية لسدّ الخوانق الثلاثة، الذي تسبَّب بتهجير 1.4 مليون شخص.
التوترات السياسية بين الصين والهند
يشكّل النهر محور نزاع طويل بين الهند والصين، إذ أوقفت بكين تبادل البيانات الهيدرولوجية مع نيودلهي خلال مواجهات حدودية في 2017، ما زاد من تعقيد العلاقات بين الجارتين المسلحتين نوويًا.
وتأتي بوادر الخلاف الجديد عقب محاولات الجانبين إصلاح العلاقات بعد الاشتباكات الحدودية في عام 2020، إذ توصّلا، في أكتوبر/تشرين الأول 2024، إلى اتفاق لحلّ المواجهة العسكرية، واتفقا على تسيير دوريات عسكرية على طول حدودهما المتنازَع عليها في جبال الهيمالايا.
وترى الهند أن الصين قد تتعمد تغيير تدفقات المياه باتجاه أراضيها، ما قد يؤدي إلى أزمات في الزراعة والشرب، وفي السياق ذاته، يوضح الخبير في قضايا المياه بجنوب آسيا، نيراج سينغ مانهاس، أن التأثيرات المحتملة على بنغلاديش ستكون ملموسة، إذ تعتمد الأخيرة بشكل كبير على تدفّق المياه للنهر لتلبية احتياجاتها الزراعية والبشرية الأساسية.
التحديات البيئية والمالية
تشكّل البيئة نقطة ضعف رئيسة في المشروع، إذ تقع أكبر محطة طاقة كهرومائية في العالم بمنطقة غنية بالتنوع البيولوجي والنظم البيئية الهشة.
ويحذّر الناشطون من أن المشروع قد يؤدي إلى كوارث بيئية مشابهة لتلك التي سبّبها سد الخوانق الثلاثة، الذي دمّر نظمًا بيئية كاملة، كما أن احتمالات النزوح الجماعي للسكان المحليين تضيف أعباء اجتماعية جديدة على المنطقة.
فضلًا عن ذلك، يواجه تنفيذ المحطة تحديات مالية كبيرة، إذ تشير التقديرات إلى أن تكلفة المشروع ستفوق بكثير تكلفة سد الخوانق الثلاثة، التي بلغت 34.8 مليار دولار.
طموحات بكين
تسعى بكين، خلال العام الجاري 2025، لزيادة حصة الطاقة النظيفة في مزيج الكهرباء إلى 33%، من 28.8% في عام 2020.
وتعدّ أكبر محطة طاقة كهرومائية في العالم جزءًا من إستراتيجية الصين لتحقيق الريادة في مجال الطاقة المتجددة، إذ ترى بكين أن المحطة ستسهم في خفض الانبعاثات الكربونية وتعزيز أمن الطاقة.
رغم ذلك، تواجه بكين اتهامات بعدم الشفافية في التعامل مع الدول المجاورة فيما يتعلق بالمشروعات المائية العابرة للحدود، ويرى المحللون أن نجاح المشروع يتطلب تعاونًا وثيقًا مع الهند وبنغلاديش لضمان تقليل التوترات الإقليمية، وتحقيق أهدافه البيئية والتنموية.
الخلاصة
تُعد أكبر محطة طاقة كهرومائية في العالم مشروعًا طموحًا يعكس تطلّعات الصين في مجال الطاقة المتجددة، لكنه يحمل في طيّاته مخاطر بيئية واجتماعية وسياسية كبيرة.
ولضمان المضي قدمًا في تنفيذ المشروع وتحقيق أهدافه بطريقة مستدامة، يظل من الضروري تعزيز الحوار الإقليمي والشفافية في التنفيذ، إذ يبقى مستقبل النهر والمجتمعات المحيطة به مرهونًا بمدى قدرة الدول المعنية على إدارة التحديات والمخاوف المشتركة بروح التعاون والمسؤولية.
موضوعات متعلقة..
- أكبر محطة طاقة كهرومائية في العالم.. هل تثير نزاعًا بين دولتين؟
- أكبر محطة طاقة كهرومائية بالضخ في العالم تشهد التطور الأهم
اقرأ أيضًا..
- شركة مصرية تحقق إنجازًا بربط 3 آبار غاز في المياه العميقة.. الأول من نوعه عربيًا
- تزايد استعمال الغاز في الشرق الأوسط بديلًا عن النفط.. 4 دول تقود الاتجاه (تقرير)
- الكهرباء في العراق تترقّب مشروعات جديدة بقدرة 50 ألف ميغاواط
- توليد الكهرباء من الغاز الحيوي في الأردن يوفر إمدادات مستدامة لتنقية المياه
المصادر..