المقالاتالتغير المناخيرئيسيةمقالات التغير المناخيمقالات منوعةمنوعات

الحد من استعمال البلاستيك.. خطوة نحو مستقبل مستدام (مقال)

هبة محمد إمام

يُعدّ البلاستيك من أكثر المواد استعمالًا في حياتنا اليومية، إذ يدخل في تصنيع مجموعة واسعة من المنتجات، بدءًا من الأكياس والزجاجات، وصولًا إلى الإلكترونيات والأثاث.

ورغم فوائده العديدة، فإن استعماله المفرط أصبح يشكّل تهديدًا خطيرًا على البيئة وصحة الكائنات الحية، إذ إنه مادة غير قابلة للتحلل بسهولة، ويتراكم في الطبيعة لقرون.

ويؤدي ذلك إلى تلوث المياه، التربة، والهواء، ومن ثم يشكّل خطرًا على الأنظمة البيئية بأكملها.

ومع مرور الوقت، بات واضحًا أن الاستمرار في الاعتماد على البلاستيك -كما نفعل الآن- سيؤدي إلى عواقب كارثية.

لذا، أصبح الحدّ من استعمال البلاستيك ضرورة حتمية، ليس فقط للحفاظ على بيئتنا، بل لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

الأضرار البيئية للبلاستيك

1. تلوث البحار والمحيطات

البلاستيك هو أحد أكبر مسببات تلوث البحار والمحيطات، إذ تشير الدراسات إلى أن ملايين الأطنان تُلقى في المحيطات سنويًا، مما يؤدي إلى تشكيل ما يُعرف بـ"بقع القمامة البلاستيكية"، مثل بقعة القمامة الكبرى في المحيط الهادئ.

هذه الكميات الهائلة تهدد الحياة البحرية، إذ تَعلَق الأسماك والسلاحف والطيور في المخلّفات البلاستيكية أو تبتلعها، مما يؤدي إلى نفوقها.

2. تأثيره في التربة

عند دفن البلاستيك في التربة، فإنه يمنع التهوية الطبيعية للأرض ويؤثّر في صلاحيتها للزراعة.

كما أن المواد الكيميائية المتسربة منه قد تتسبب في تلويث التربة والمياه الجوفية، مما يؤثّر سلبًا في النبات والحيوان والإنسان.

التلوث البلاستيكي

3. انبعاث الغازات الدفيئة

إنتاجه وحرقه يؤدي إلى انبعاث كميات كبيرة من الغازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان.

هذه الغازات تسهم بشكل كبير في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، مما يزيد من التغيرات المناخية التي تهدد العالم.

4. الأضرار الصحية

إلى جانب الأضرار البيئية، يؤثّر في صحة الإنسان مباشرةً، إذ عند تعرُّضه للحرارة أو سوء الاستعمال، يطلق مواد كيميائية خطيرة مثل "البيسفينول أ" ، التي ترتبط بمشكلات صحية مثل السرطان، والعقم، واضطرابات الغدد الصماء.

حلول للحدّ من استعمال البلاستيك

1. التشجيع على استعمال البدائل الصديقة للبيئة

يمكن استبدال مواد أخرى قابلة للتحلل أو قابلة لإعادة الاستعمال بالبلاستيك، مثل الأكياس الورقية، والقماش، والزجاج. هذه البدائل تقلل من الأثر البيئي السلبي للبلاستيك.

2 . إعادة التدوير

تعزيز برامج إعادة تدويره يمكن أن يقلل من الكميات يجري التخلص منها في الطبيعة، ويجب أن تكون هناك منظومات فعّالة لإعادة التدوير، مع توعية المجتمع بأهمية فصل المخلّفات.

3 . تقليل الاستهلاك الشخصي

يمكن لكل فرد الإسهام في الحدّ من استعمال البلاستيك من خلال تقليل الاعتماد على المنتجات ذات الاستعمال الواحد، مثل العبوات والأكياس، والاستعاضة عنها بمنتجات قابلة لإعادة الاستعمال.

4 . فرض القوانين والتشريعات

تؤدي الحكومات دورًا حاسمًا في تقليل استعمال البلاستيك من خلال سَنّ قوانين تحظر أو تحدّ من استعمال المنتجات أحادية الاستعمال، وتشجيع المصانع والمنشآت على تبنّي ممارسات صديقة للبيئة.

5 . التوعية والتعليم

نشر الوعي بأضراره على البيئة والصحة، سواء من خلال المدارس، أو وسائل الإعلام، أو حملات التوعية، يمكن أن يغير السلوكات الاستهلاكية، ويشجع الأفراد على اتخاذ قرارات أكثر استدامة.

دور التكنولوجيا والابتكار والتحديات الأبرز

أسهمت التكنولوجيا في تطوير حلول مبتكرة للتعامل مع مشكلة البلاستيك، مثل إنتاج مواد قابلة للتحلل بيولوجيًا، أو استعمال الإنزيمات لتحليل البلاستيك بشكل أسرع.

كما أن هناك محاولات لتحويله إلى طاقة من خلال تقنيات مثل التحلل الحراري.

ورغم الوعي المتزايد بأضراره على البيئة والصحة، يواجه الأفراد العديد من التحديات التي تحول دون تقليل استعمالهم له.

هذه التحديات تشمل عوامل اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، بالإضافة إلى نقص البدائل المناسبة أو صعوبة الحصول عليها.

النفايات البلاستيكية

وفيما يلي أبرز التحديات:

1. الاعتماد الكبير على المنتجات البلاستيكية في الحياة اليومية

لأنه أصبح جزءًا لا يتجزّأ من حياتنا اليومية، إذ يُستعمَل في تصنيع معظم المنتجات التي نحتاج إليها، مثل عبوات المياه، وأكياس التسوق، وأدوات التغليف.

هذا الاعتماد يجعل من الصعب على الأفراد التخلص منه، أو تقليل استعماله بسهولة.

2. غياب البدائل العملية أو ارتفاع تكلفتها

البدائل الصديقة للبيئة مثل الأكياس القماشية أو الزجاجات القابلة لإعادة الاستعمال قد تكون غير متوفرة في بعض المناطق، أو تكلفتها أعلى.

وهذا يجعل الأفراد، خاصة ذوي الدخل المحدود، يفضّلون المنتجات البلاستيكية الأرخص.

3. قلة الوعي البيئي

في بعض المجتمعات، ما يزال الوعي بأضرار البلاستيك محدودًا، ويفتقر الكثير من الناس إلى المعرفة حول تأثير البلاستيك في البيئة وصحّتهم، مما يجعلهم غير مدركين أهمية اتخاذ خطوات لتقليل استعماله.

4. غياب السياسات والتشريعات الداعمة

في بعض الدول، لا توجد قوانين صارمة تحدّ من استعمال البلاستيك، أو تشجع على استعمال البدائل.

غياب هذه السياسات يجعل البلاستيك متاحًا ورخيصًا بشكل كبير، مما يصعّب على الأفراد اتخاذ قرارات بيئية أكثر استدامة.

5. صعوبة تغيير العادات والسلوكات

الاعتياد على استعمال البلاستيك، خاصة في الأمور اليومية مثل التعبئة والتغليف أو التسوق، يجعل من الصعب تغيير السلوكات، فالتحول إلى بدائل مستدامة يتطلب جهدًا ووقتًا، وهو ما قد يكون تحديًا لبعضهم.

6. غياب البنية التحتية لإعادة التدوير

في العديد من المناطق، لا تتوفر أنظمة فعّالة لإعادة تدوير البلاستيك، مما يجعل الأفراد يشعرون بأن جهودهم في الفصل للتدوير قد لا يكون لها تأثير.

7. التسويق والإعلانات المضللة

بعض الشركات تسوّق منتجات بلاستيكية على أنها "قابلة للتحلل" أو "صديقة للبيئة"، بينما في الواقع لا تكون كذلك، وهذا التدليس يجعل الأفراد يعتقدون أنهم يقللون من تأثير البلاستيك، دون أن يكون لذلك تأثير حقيقي.

8. زيادة الإنتاج الصناعي للبلاستيك

مع استمرار الصناعات في إنتاج البلاستيك بكميات كبيرة لتلبية الطلب المتزايد، يجد الأفراد أنفسهم محاطين بمنتجات بلاستيكية في كل جانب من حياتهم، مما يصعّب تقليل استهلاكها.

9. عدم توفر خيارات التعبئة المستدامة

في الأسواق والمتاجر، معظم المنتجات معبأ في البلاستيك، مما يضع الأفراد أمام خيارات محدودة، ويجعل من الصعب عليهم تجنُّب شراء المنتجات المغلّفة بالبلاستيك.

10. التحديات الثقافية والاجتماعية

في بعض الثقافات، يُنظر إلى استعمال البلاستيك على أنه أمر طبيعي أو حتى ضروري، وتغيير هذه المفاهيم يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرَين لتغيير عادات المجتمع.

تجميع النفايات البلاستيكية في حاويات مخصصة بالعاصمة النيجيرية، لاغوس
تجميع النفايات البلاستيكية في حاويات مخصصة بالعاصمة النيجيرية، لاغوس – الصورة من بنك التنمية الأفريقي

التغلب على التحديات

رغم التحديات العديدة التي تواجه الأفراد في تقليل استعمال البلاستيك، هناك استراتيجيات عملية وفعّالة يمكن اتّباعها للتغلب على هذه التحديات.

يتطلب ذلك مشاركة فردية، ومجتمعية، وحكومية، بالإضافة إلى تعزيز الابتكار وتوفير البدائل المستدامة، وفيما يلي شرح مفصّل لكيفية التغلب على التحديات:

1. التغلب على الاعتماد الكبير على البلاستيك في الحياة اليومية

الحلول:

  • استعمال بدائل مستدامة: مثل الأكياس القماشية، والزجاجات المعدنية القابلة لإعادة الاستعمال، والأدوات المصنوعة من الخيزران أو الخشب.
  • تعزيز الوعي بالممارسات اليومية: تثقيف الأفراد حول كيفية تغيير عاداتهم اليومية لتقليل الاعتماد على البلاستيك، مثل حمل أكياس قابلة لإعادة الاستعمال خلال التسوق.

2 . التغلب على غياب البدائل العملية أو ارتفاع تكلفتها

الحلول:

  • تشجيع الإنتاج المحلي للبدائل: دعم الصناعات المحلية التي تصنع بدائل مستدامة بأسعار مقبولة.
  • إعفاء ضريبي للبدائل المستدامة: يمكن للحكومات تقديم إعفاءات ضريبية على المنتجات الصديقة للبيئة لتقليل تكلفتها.
  • إعادة استعمال الموارد المتاحة: بدلًا من شراء بدائل جاهزة، يمكن للأفراد استعمال ما لديهم في المنزل، مثل تحويل الملابس القديمة إلى أكياس أو استعمال عبوات زجاجية لتخزين المواد.

3 . رفع مستوى الوعي البيئي

الحلول:

  • حملات توعية مجتمعية: إطلاق مبادرات توعوية عبر المدارس، والجامعات، ووسائل الإعلام تسلّط الضوء على أضرار البلاستيك وفوائد تقليله.
  • التعلم من النماذج الناجحة: مشاركة قصص نجاح من المجتمعات أو الأفراد الذين تمكّنوا من تقليل استعمال البلاستيك يمكن أن تلهم الآخرين.
  • تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية: تعليم الناس الطرق العملية لتقليل استعمال البلاستيك في حياتهم اليومية.

4 . التعامل مع غياب السياسات والتشريعات الداعمة

الحلول:

  • تفعيل العقوبات على المخالفين: فرض غرامات على الشركات التي لا تلتزم بالقوانين البيئية.
  • تشجيع الابتكار: تقديم حوافز للشركات لتطوير منتجات صديقة للبيئة.

تدوير النفايات البلاستيكية

5. تغيير العادات والسلوكات اليومية

الحلول:

  • التدرج في التغيير: يمكن للأفراد البدء بخطوات صغيرة، مثل تقليل استعمال الأكياس البلاستيكية، ثم الانتقال تدريجيًا إلى تغييرات أكبر.
  • تحديد أهداف شخصية: وضع أهداف واضحة مثل "تقليل استعمال البلاستيك بنسبة 50% خلال 3 أشهر" يساعد في تتبُّع التقدم.
  • تعزيز ثقافة الاستدامة: من خلال البرامج المدرسية والأنشطة المجتمعية التي تشجع على تقليل النفايات واستعمال البدائل.

6. التغلب على غياب البنية التحتية لإعادة التدوير

الحلول:

  • إنشاء مراكز إعادة تدوير محلية: يمكن للمجتمعات الصغيرة إنشاء نقاط تجميع للبلاستيك، وإرساله إلى مراكز إعادة التدوير.
  • تشجيع إعادة الاستعمال: بدلًا من التخلص من البلاستيك، يمكن تحويله إلى منتجات أخرى مفيدة في المنزل أو بيئة العمل.

7. مواجهة التسويق والإعلانات المضللة

الحلول:

  • التحقق من المعلومات: تشجيع وتوعية الأفراد على قراءة الملصقات والتأكد من صحة الادّعاءات البيئية للمنتجات.
  • تنظيم الإعلانات: على الحكومات فرض قوانين تمنع التسويق المضلل للمنتجات البلاستيكية التي تدّعي أنها صديقة للبيئة.
  • تثقيف المستهلكين: رفع الوعي لدى الأفراد كيفية التمييز بين المنتجات القابلة للتحلل الحقيقي، وتلك التي تُسَوَّق على أنها قابلة للتحلل، ولكنها ليست كذلك.

8. التعامل مع زيادة الإنتاج الصناعي للبلاستيك

الحلول:

  • تقليل الطلب على البلاستيك: كلّما قلّ الطلب من قبل الأفراد، انخفض إنتاج البلاستيك.
  • فرض ضرائب على البلاستيك أحادي الاستعمال: يمكن أن تؤدي الضرائب إلى تقليل إنتاج البلاستيك وزيادة تكلفة استعماله، مما يشجع الشركات والأفراد على البحث عن بدائل.
  • تشجيع السياسات البيئية المستدامة: الحكومات يمكنها فرض قيود على الشركات لإنتاج منتجات قابلة لإعادة التدوير بدلًا من البلاستيك التقليدي.

9. توفير خيارات تعبئة مستدامة

الحلول:

  • إعادة تصميم التغليف: تشجيع الشركات على تبنّي حلول تغليف قابلة لإعادة الاستعمال أو مصنوعة من مواد قابلة للتحلل.
  • دعم العلامات التجارية المستدامة: شراء المنتجات من الشركات التي تستعمل تغليفًا مستدامًا يشجّعها على الاستمرار في هذا الاتجاه.

10 . التغلب على التحديات الثقافية والاجتماعية

الحلول:

  • إعادة تشكيل الثقافة المجتمعية: تعزيز مفهوم أن استعمال البدائل المستدامة ليس ضروريًا للبيئة فحسب، بل هو أيضًا مؤشر على الوعي والمسؤولية.
  • إشراك المجتمعات المحلية: تنظيم فعاليات مجتمعية تُظهر فوائد تقليل البلاستيك وكيفية تحقيق ذلك بطريقة تتناسب مع العادات الثقافية.
  • التعاون مع القادة المحليين: إشراك الشخصيات المؤثّرة في المجتمع لنشر الوعي والترويج للحلول البديلة.

إن التغلب على التحديات المرتبطة بالحدّ من استعمال البلاستيك ليس مهمة سهلة، لكنه ممكن من خلال التكاتف بين الأفراد، الحكومات، والشركات.

وبالاعتماد على التوعية، والابتكار، والتعاون، يمكننا تقليل الاعتماد على البلاستيك وبناء مستقبل أكثر استدامة وصديقة للبيئة.

الخطوات الصغيرة التي نتخذها اليوم يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا في حماية كوكبنا للأجيال القادمة.

فالحدّ من استعماله ليس مجرد خيار، بل ضرورة ملحّة للحفاظ على البيئة وصحة الكوكب للأجيال القادمة.

يتطلب تحقيق ذلك تعاونًا عالميًا بين الأفراد، والحكومات، والشركات. من خلال تبنّي أسلوب حياة أكثر استدامة وتعزيز الابتكار البيئي، يمكننا تقليل التأثير السلبي للبلاستيك والإسهام في بناء بيئة نظيفة وصحية.

لنبدأ اليوم بالخطوات الصغيرة، مثل تقليل استعمال البلاستيك أحادي الاستعمال، فكل جهد مهما كان بسيطًا يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا.

يمكن القول، إن الحدّ من استعماله لم يعد خيارًا، بل ضرورة حتمية تفرضها التحديات البيئية والصحية التي نواجهها اليوم.

فمسؤولية حماية كوكبنا تقع على عاتق كل فرد منا، حيث يمكن للتغييرات الصغيرة في أنماط حياتنا أن تُحدث تأثيرًا كبيرًا على المدى الطويل.

ومع تضافر جهود الأفراد، والحكومات، والشركات، يمكننا بناء مستقبل نظيف ومستدام لأجيالنا القادمة.

* المهندسة هبة محمد إمام - خبيرة دولية واستشارية بيئية مصرية

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق